الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ] [
الْأُولَى الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا جَعَلْنَاهُ لِلْعُمُومِ]
الْأُولَى: الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا جَعَلْنَاهُ لِلْعُمُومِ، فَالْعُمُومُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا بُدَّ أَنْ تُفِيدَ التَّعْرِيفَ، وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ إلَّا تَعْرِيفَ الْجِنْسِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ وَاحِدًا خَرَجَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَنْ كَوْنِهِمَا لِلْجِنْسِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا فَائِدَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لِلْجِنْسِ ثَبَتَ الِاسْتِغْرَاقُ، لِأَنَّهُ إذَا قَالَ " الْإِنْسَانُ " أَفَادَ دُخُولَ كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ فِي اللَّفْظِ.
[الثَّانِيَةُ إذَا عَلَّقَ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي وَاقِعَةٍ عَلَى عِلَّةٍ تَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
: إذَا عَلَّقَ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي وَاقِعَةٍ عَلَى عِلَّةٍ تَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، مِثْلُ حَرَّمْت السُّكَّرَ لِكَوْنِهِ حُلْوًا، فَإِنْ قَطَعَ بِاسْتِقْلَالِهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّعَدِّي قِيَاسًا وَشَذَّ مَنْ قَالَ فِيهِ يَتَعَدَّى بِاللَّفْظِ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بَلْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ كَمَا فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:«لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ، فَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَعُمُّ أَمْ لَا؟
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَعُمُّ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّهُ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ لَا لِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ إخْلَاصُهُ، وَغَيْرُهُ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَحَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ: هَلْ عَمَّ بِالصِّيغَةِ، أَوْ بِالْقِيَاسِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَحْكِيَّيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ بِالْقِيَاسِ.
قُلْت: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِ " التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي خِلَافَ مَا نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ، إذَا طُرِدَتْ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُمْكِنْ احْتِمَالُ اخْتِصَاصِ الْعِلَّةِ بِصَاحِبِ الْوَاقِعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ خَاصَّةً بِهِ لَمْ يَعُمَّ، كَقَوْلِهِ: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا، قَالَ: يُعَمَّمُ بِتَعْمِيمِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّهُ عَلَّلَ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا، وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ فِي حَقِّ كُلِّ مُحْرِمٍ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَصْفَى.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: يَعُمُّ، لِقَوْلِهِ عليه السلام «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الصِّيغَةِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ أَيْضًا.
وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي كِتَابِ " الْأَعْلَامِ " إطْلَاقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةُ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ:«دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» ، قَالَ: فَلَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ؛ بَلْ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ بِذَلِكَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الِاسْتِحَاضَةُ حَيْثُ وُجِدَتْ، إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّخْصِيصِ.
وَذَهَبَ حُذَّاقُ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ يَعُمُّ بِاللَّفْظِ لَا بِالْقِيَاسِ، حَتَّى إنَّهُمْ حَكَمُوا بِكَوْنِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ يُنْسَخُ بِهَا كَمَا يُنْسَخُ بِالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ مَعَ مَنْعِهِمْ مِنْ النَّسْخِ بِالْقِيَاسِ، ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ [إذَا عَلَّقَ غَيْرُ الشَّارِعِ حُكْمًا فِي وَاقِعَةٍ عَلَى عِلَّةٍ]
هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الشَّارِعِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ لَوْ قَالَ وَلَهُ عَبِيدٌ: أَعْتَقْتُ هَذَا الْعَبْدَ، لِأَنَّهُ أَبْيَضُ، فَلَا يُعْتَقُ الْبَاقُونَ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ وُقُوعِ الْعِلَّةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ حَيْثُ تَعُمُّ، وَبَيْنَ وُقُوعِهَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَلَا تَعُمُّ. قَالَ: وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ الشَّارِعُ: لَا تَأْكُلْ الرُّءُوسَ، وَجَبَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ، وَلَوْ قَالَ غَيْرُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتَ الرُّءُوسَ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى الْمَعْهُودِ، انْتَهَى.