الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَائِدَةٌ
اُخْتُلِفَ فِي " إنْ شَاءَ اللَّهُ " هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ دُخُولُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَقَعْ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ ": اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، أَوْ يَكُونُ شَرْطًا يُعَلَّقُ بِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ لِعَدَمِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ عَنْ اللُّغَةِ تَسْمِيَةُ كُلِّ تَعْلِيقٍ اسْتِثْنَاءً. وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ، فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالثَّانِي فَقَالَ: سَمَّاهُ أَئِمَّتُنَا اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا، لِأَنَّهُ ثَنَّى بِمُوجِبِ اللَّفْظِ عَنْ الْوُقُوعِ، كَقَوْلِهِ: طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ ثَنَّى اللَّفْظَ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ، لَكِنْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ عليه السلام اسْتِثْنَاءً فِي قَوْلِهِ:«مَنْ أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي قَوْلِهِ:" إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَغَيْرِهِ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمَلُ وَجَاءَ بَعْدَهَا ضَمِيرُ جَمْعٍ]
مَسْأَلَةٌ
إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمَلُ، وَجَاءَ بَعْدَهَا ضَمِيرُ جَمْعٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ: اُدْخُلْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَجَالِسْهُمْ، وَالْزَمْهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَجِيءُ فِيهِ خِلَافُ الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّ مَأْخَذَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ.
وَقَالَ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ: إنَّ الْمُقْتَضِي لِلدُّخُولِ فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ قَائِمٌ، وَالْمُخَرَّجُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزَالُ الْمَقْضِيُّ بِالشَّكِّ. وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، وَلَا مُقْتَضِي لِلتَّخْصِيصِ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الضَّمِيرُ جَمْعًا؛ فَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، فَلَوْ قُلْت: أَتَانِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ فَقَتَلْته، لَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى خَالِدٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى اللَّحْمِ، لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ أَعَادَاهُ إلَى الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ اللَّحْمَ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْتَةِ هُرُوبًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَعَمَلًا بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْأَقْرَبِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي " الْإِحْكَامِ ": وَالْإِشَارَةُ تُخَالِفُ الضَّمِيرَ فِي عَوْدِهَا إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ. هَذَا حُكْمُهَا فِي اللُّغَةِ إذَا كَانَتْ الْإِشَارَةُ، بِذَلِكَ، أَوْ تِلْكَ، أَوْ أُولَئِكَ أَوْ هُوَ، أَوْ هُمْ، أَوْ هُنَّ، أَوْ هُمَا، فَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا أَوْ هَذِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى حَاضِرٍ قَرِيبٍ ضَرُورَةً
قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ اللُّغَوِيِّينَ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ مِنْ حُكْمِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ الطُّهْرُ خَاصَّةً دُونَ الْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْءُ فِي اللُّغَةِ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا سَوَاءً وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، كَأَنَّ قَوْلَهُ: