الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَرِيبُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَحْثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لُغَوِيٌّ، وَتِلْكَ عَقْلِيٌّ، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا. وَمِمَّنْ أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ أَيْضًا صَاحِبُ " الْبَدِيعِ "، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي تَسْمِيَتِهِ أَمْرًا، وَهُنَا فِي تَسْمِيَتِهِ خِطَابًا، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ مَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ التَّعَلُّقُ الْعِلْمِيُّ لَا التَّنْجِيزِيُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى خِطَابًا؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا قُصِدَ بِهِ إفْهَامُ مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ، وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْمَعْدُومِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قُلْنَا: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا، فَإِنْ قُلْنَا يُسَمَّى فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي قَالَ بِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لِلْمَعْدُومِ زَمَنَ النَّبِيِّ عليه السلام أَرَادَ بِهِ التَّنَاوُلَ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ أَهْلًا لِلْخِطَابِ كَمَا فِي الْأَمْرِ، لَا أَنَّهُ حَالَ عَدَمِهِ مُخَاطَبٌ بِمَعْنًى يَفْهَمُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ هَلْ خِطَابُ اللَّهِ رَسُولَهُ بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ يَشْمَلُ أُمَّتَهُ]
الْخِطَابُ الْمُخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ عليه السلام بِوَضْعِ اللِّسَانِ، مِثْلُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْأُمَّةُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ مِنْ قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُهُمْ الْحُكْمُ لَا بِاللَّفْظِ.
وَقِيلَ يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ عَامٌّ إلَّا بِدَلِيلٍ يُخْرِجُهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْكَبِيرِ عَنْ أَتْبَاعِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْأُمَّةُ مَعَهُ بِشَرْعٍ فِي الْخِطَابِ الْمُخْتَصِّ، وَلِهَذَا قَالُوا: يَصِحُّ لَنَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا اللَّفْظُ فِي وَضْعِهِ فَمُخْتَصٌّ بِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ هَلْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ مِثْلًا لَهُ فِي الْخِطَابِ، فَلَسْنَا عَلَى ثَبْتٍ فِي ذَلِكَ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَطْلُبُونَ مُشَارَكَتَهُ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ، فَأَمَّا مَا لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّتُهُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ.
وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَقَالَ: الصِّيغَةُ إمَّا أَنْ تَرِدَ فِي مَحَلِّ التَّخْصِيصِ أَوْ لَا، فَإِنْ وَرَدَتْ فَهُوَ خَاصٌّ، وَإِلَّا عَامٌّ، لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ دَلِيلًا نَاطِقًا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَلَا عَلَى التَّعْمِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ ظَهَرَ اخْتَصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ، فَكَأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلِهَذَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلًا. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا مَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحُكْمِ غَيْرُهُ، وَأَتَى بِلَفْظِهِ لِجَلَالَةِ وُقُوعِ الْمُشَافَهَةِ مَعَهُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] فَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ صلى الله عليه وسلم بِلَا خِلَافٍ، وَعَلَى هَذَا فَذِكْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذِهِ الْآيَةَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمُخَاطَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ وَهُمْ
مَعْصُومُونَ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَالْمُحَالُ يَصِحُّ فَرْضُهُ لِغَرَضٍ.
وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ مَكِّيِّ وَالْمَهْدَوِيِّ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] لِلنَّبِيِّ عليه السلام، وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ.
قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، وَارْتَكَبَ شَطَطًا فِي التَّأْوِيلِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ} [الأنعام: 35] وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنْ بَابِ الْخِطَابِ الْعَامِّ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ. وَالْمَعْنَى اتِّفَاقُ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ عَلَى ذَلِكَ، وَيُسْتَرَاحُ حِينَئِذٍ مِنْ إيرَادِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ.
أَمَّا فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ بِهِ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ عَلَى دُخُولِهِمْ فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ، وَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مُبَيِّنَةً أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِهِ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ مَجَازًا، هَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ فَإِنَّ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: طَلَّقْتُمْ، وَطَلِّقُوهُنَّ، قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ مَعَهُ بِالْحُكْمِ، وَأَنَّهُ خُصَّ بِالْخِطَابِ لِكَوْنِهِ مَتْبُوعَهُمْ، وَلَوْلَا فَهْمُ عُمُومِهَا لِلْأُمَّةِ لَمَا افْتَتَحَ بِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْخِطَابِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مُخْتَصٌّ لَفْظُهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَقَوْلِهِ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1]