الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْأَوَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمُخَصَّص]
الْأَوَّلُ: الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ لُغَةً: بِمَعْنَى الْعَطْفِ وَالْعَوْدِ، كَقَوْلِهِمْ: ثَنَيْت الْحَبْلَ إذَا عَطَفْت بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: بِمَعْنَى الصَّرْفِ وَالصَّدِّ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْت فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لِأَنَّهُ قَدْ ثَنَّى ذِكْرَهُ مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ، وَمَرَّةً فِي التَّفْصِيلِ. وَاصْطِلَاحًا: الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، فَقَالَ عليه السلام: إلَّا زَيْدًا، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَسَيَأْتِي. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِذَلِكَ، فَقَوْلُنَا: الْحُكْمُ جِنْسٌ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّفْظِ، فَيَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ، وَخَرَجَ بِالْوَسَائِطِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ، وَأَسْتَثْنِي زَيْدًا، وَخَرَجُوا وَلَمْ يَخْرُجْ زَيْدٌ. تَنْبِيهٌ
الْإِخْرَاجُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ عَامِلًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، إذْ الْإِخْرَاجُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ مَبْنِيًّا فَلَا إخْرَاجَ عَنْهُ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
وَحَدَّهُ ابْنُ عَمْرُونٍ مِنْ النُّحَاةِ بِأَنْ يَنْفِيَ عَنْ الثَّانِي مَا يُثْبِتُ لِغَيْرِهِ بِإِلَّا أَوْ كَلِمَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا، فَيَشْمَلُ أَنْوَاعَ الِاسْتِثْنَاءِ: مِنْ مُتَّصِلٍ، وَمُنْقَطِعٍ، وَمُفْرَدٍ، وَجُمْلَةٍ، وَتَامٍّ، وَمُفَرَّغٍ، وَخَرَجَ الْوَصْفُ بِإِلَّا أَوْ غَيْرِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، لِتَغَايُرِ حَقِيقَتِهِمَا، إذْ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ، وَالثَّانِي مَجَازٌ. وَجَمَعَهُمَا ابْنُ مَالِكٍ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ، فَقَالَ: تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ فِي قُوَّةِ حَدَّيْنِ.
وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ " النِّهَايَةِ " أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ تَعْلِيقَ الْأَلْفَاظِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءً فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي " الْمُحِيطِ " لِلْحَنَفِيَّةِ يُسَمَّى الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا اسْتِثْنَاءَ التَّحْصِيلِ، وَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءَ التَّعْطِيلِ.
قَالَ الْخَفَّافُ: الِاسْتِثْنَاءُ ضِدُّ التَّوْكِيدِ، يُثْبِتُ الْمَجَازَ وَيُحَقِّقُهُ، وَصَرَّحَ النُّحَاةُ بِأَنَّ اللَّفْظَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ، فَإِذَا جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ رُفِعَ الْمَجَازُ وَقَرَّرَهُ، فَاللَّفْظُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ظَنِّيٌّ، وَبَعْدَهُ قَطْعِيٌّ، وَهَذَا مُعَاكِسٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ عَدُّوا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَامَّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيٌّ، وَبَعْدَهُ ظَنِّيٌّ.
قِيلَ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّجَوُّزِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ ثَابِتٌ، وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُقَرِّرُ الْمَجَازَ فِي إخْرَاجِ شَيْءٍ، وَيُحَقَّقُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا بَقِيَ تَحْقِيقًا ظَاهِرًا لَا يُخَالِفُ مَا لَمْ تَأْتِ قَرِينَةٌ، كَمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، إلَّا أَنَّ الْقَرِينَةَ قَبْلَهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقُوَّةُ
وَهَلْ الْإِخْرَاجُ مِنْ الِاسْمِ أَوْ الْحُكْمِ أَوْ مِنْهُمَا؟ أَقْوَالٌ، أَصَحُّهَا الثَّالِثُ،