الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ صِيَغِ الْعُمُومِ]
الَّذِي يُفِيدُ الْعُمُومَ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ الْعَقْلِ. [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: صِيَغُ الْعُمُومِ الَّتِي تُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً]
وَالْأُولَى: عَلَى ضَرْبَيْنِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ بِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لَهُ أَوْ بِوَاسِطَةِ اقْتِرَانِ قَرِينَةٍ بِهِ.
وَالْأَوَّلُ: أَعْنِي الَّذِي يَدُلُّ بِنَفْسِهِ نَوْعَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمْعِ الْمَفْهُومَاتِ كَلَفْظِ " كُلِّ، وَجَمِيعِ، وَأَيِّ " فِي حَالِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ؛ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَامِلًا لِلْكُلِّ، فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِأُولِي الْعِلْمِ كَلَفْظِ " مَنْ " شَرْطًا أَوْ اسْتِفْهَامًا، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعُقَلَاءِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِمْ لِلتَّغَلُّبِ أَوْ غَيْرِهِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِ الْعَالَمِينَ، فَإِمَّا أَنْ يَعُمَّهُمْ أَوْ يَخْتَصَّ بِبَعْضِهِمْ؛ وَالْأَوَّلُ " مَا " الِاسْمِيَّةُ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً، نَحْوُ هَاتِ مَا رَأَيْت، فَتُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا عَدَا الْعَالَمِينَ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْجَمَادِ وَالْإِنْسَانِ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْعَالَمِينَ أَيْضًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَخْتَصَّ عُمُومُ بَعْضِهِمْ، فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْأَمْكِنَةِ. نَحْوُ: أَيْنَ تَجْلِسْ أَجْلِسْ، وَمِنْهُ " حَيْثُ "، أَوْ بِالْأَزْمِنَةِ نَحْو: مَتَى تَقُمْ أَقُمْ.
الثَّانِي: مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً لَا بِالْوَضْعِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ، فَهُوَ إمَّا فِي جَانِبِ الثُّبُوتِ كَ " لَامِ " التَّعْرِيفِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ، وَلَامُ التَّعْرِيفِ
إنَّمَا تُفِيدُ الْجِنْسَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمُوعِ أَوْ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ، وَالْجَمْعِ الْمُضَافِ لِهَذَيْنِ، نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِمَّا فِي جَانِبِ الْعَدَمِ، وَهِيَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِي يُفِيدُ الْعُمُومَ عُرْفًا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي الْعُرْفِ تَحْرِيمَ وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ مُجَرَّدِ اللُّغَةِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الَّذِي يُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ وَلِعِلَّتِهِ. إمَّا بِصَرَاحَتِهِ وَإِمَّا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءَاتِ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْنَمَا ثَبَتَ الْعِلَّةُ.
وَثَانِيهِمَا: مَا يُذْكَرُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ، كَمَا إذَا سُئِلَ عَمَّنْ أَفْطَرَ، فَقِيلَ: مَنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَيَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَيْهِ مِثْلُهَا.
ثَالِثِهَا: مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ، كَقَوْلِهِ عليه السلام:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومٍ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ، وَلَا يَخْلُو
بَعْضُهُ عَنْ نِزَاعٍ وَلَيْسَ شَامِلًا لِجَمِيعِ الصِّيَغِ كَمَا سَيَأْتِي سَرْدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ " مَنْ وَمَا " لَا يُفِيدَانِ أَيْضًا الْعُمُومَ إلَّا بِاسْتِضَافَةِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِمَا، إمَّا الصِّلَةِ إنْ كَانَتَا مَوْصُولَيْنِ، أَوْ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُمَا إنْ كَانَتْ اسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ، أَوْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إنْ كَانَا لِلشَّرْطِ، وَلَوْ نَطَقَ وَاحِدٌ " بِمَنْ، وَمَا " وَحْدَهَا، لَمْ يُفِدْ كَلَامُهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ " كُلُّ، وَجَمِيعُ " فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ لَفْظٍ إلَيْهِمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْعُمُومُ. وَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَجِيبٌ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إفَادَةُ الْعُمُومِ عَلَيْهِمَا، إنَّمَا يَتَوَقَّفُ مُطْلَقُ الْإِفَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِصِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ بِجَمِيعِ التَّرَاكِيبِ.
وَذَكَرَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي مُلَخَّصِهِ " أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْعُمُومِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ " كَجَمِيعِ، وَكُلِّ، وَمَتَى، وَمَا " وَإِمَّا بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ كَالْمُعَرَّفِ بِ " لَامِ " الْجِنْسِ مِنْ الْجُمُوعِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ يَعْنِي عَنْ الْكَلِمَةِ أَوْ بِ " لَا " النَّافِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ النَّفْيِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قِسْمَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ الْعُمُومَ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مُفْرَدٌ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ لَا كَالنِّسَاءِ، وَإِمَّا عَامٌّ بِمَعْنَاهُ فَقَطْ، بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعَبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عَامٌّ بِصِيغَةٍ فَقَطْ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْمَعْنَى، وَهَذَا الْعَامُّ مَعْنَاهُ: إمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ " كَالْقَوْلِ وَالرَّهْطِ "، وَإِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ نَحْوُ " مَنْ، وَمَا ".