الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع، كذا روي عن عدة من التابعين، وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: رحمه الله يبطل تمتعه؛ لأنه أداهما بسفرتين. ولهما أن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع؛ لأن السوق يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه فصح إلمامه بأهله. ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا
ــ
[البناية]
[الحكم لو لم يسق المتمتع الهدي حتى عاد لبلده]
م: (وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع) ش: أي بالإلمام الصحيح يبطل التمتع باتفاق أصحابنا، قاله الأكمل. وقال الأترازي: خلافا للشافعي رحمه الله وقال الكاكي: بطل تمتعه بالإجماع، أما عند الشافعي ومالك - رحمهما الله - بمجرد العود إلى الميقات لإحرام الحج ساق الهدي أو لا يبطل تمتعه ولا دم عليه. وقد قيل إن في أحد قولي الشافعي رحمه الله يكون متمتعاً، ويقول لا أعرف الإلمام م:(كذا روي عن عدة من التابعين) ش: وكذا روى الطحاوي في كتاب " أحكام القرآن " عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وإبراهيم النخعي أن المتمتع إذا رجع إلى أهله بعد فراغه من العمرة بطل تمتعه، انتهى. وقال الحسن هو متمتع وإن رجع إلى أهله، واختاره ابن المنذر.
م: (وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا فلا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: رحمه الله يبطل تمتعه لأنه أداهما بسفرتين) ش: فإنه لو بدأ له أن لا يتمتع كان له أن يمكث م: (ولهما) ش: لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن العود مستحق عليه) ش: أي واجب م: (ما دام على نية التمتع؛ لأن سوق الهدي) ش: أي سوق الهدي م: (يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه) ش: ولا يدخل تمتعه.
م: (بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه) ش: أي لأن عود المكي من أهله إلى مكة غير مستحق عليه، لأنه في مكة وتحصيل الحاصل محال م:(فصح إلمامه بأهله) ش: فلا يصح تمتعه م: (ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا) ش: وبه قال الشافعي رحمه الله في القديم، وقال في الجديد في الأم لا دم عليه، وبه قال أحمد وفي تتمتهم في ظاهر المذهب لا فرق بين أن يكون عبوره على ميقات قبل أشهر الحج أو بعد دخولها. قال ابن شريك: إن عبر على الميقات قبلها لا يكون متمتعاً، ولو عبر في أشهر الحج يكون متمتعاً، وقال مالك رحمه الله: إذا تحلل إلى العمرة حتى دخلت أشهر الحج صار
لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج. وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل،
وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج، وهذا لأنه صار بحال لا يفسد نسكه بالجماع فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج. ومالك رحمه الله يعتبر الإتمام في أشهر الحج، والحجة عليه ما ذكرناه؛ ولأن الترفق بأداء الأفعال، والمتمتع مترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج.
قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
ــ
[البناية]
متمتعاً، أي يتمم العمرة بأن يأتي سائر الأشواط، وقال الشافعي رحمه الله لا يكون متمتعاً كذا في " شرح الأقطع "، سواء طاف الأقل أو الأكثر.
م: (لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج) ش: وبه قال مالك رحمه الله وذلك كالطهارة لما كانت شرطاً للصلاة جاز تقديمه على وقت الصلاة م: (وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها) ش: أي في أشهر الحج م: (وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل) ش: إذا لم يعارضه نص، ولهذا لا يقام ثلاث ركعات من الظهر مقام أربع ركعات إقامة للأكثر مقام الكل لأن النص ناطق بأن فرض المقيم أربع ركعات.
م: (وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا) ش: أي أكثر من أربعة أشواط، وانتصابه على الحال م:(ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج وهذا) ش: أي يكون الأكثر في حكم الكل م: (لأنه صار بحال لا يفسد نسكه) ش: أي عمرته م: (بالجماع) ش: لأن ركن العمرة هو الطواف فيتأكد إحرامه بأداء الأكثر كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف، ولكن عليه دم عندنا، كذا في " المبسوط " ولكن هذا رد المختلف على المختلف، لأن عدم الفساد بالجماع بعد طواف الأكثر، وعند الشافعي ومالك - رحمهما الله - يفسد بالجماع قبل التحليل.
م: (فصار كما إذا تحلل منها) ش: أي من العمرة م: (قبل أشهر الحج) ش: يعني لا يكون متمتعاً م: (ومالك رحمه الله يعتبر الإتمام) ش: أي إتمام العمرة م: (في أشهر الحج) ش: يعني لو طاف ستة أشواط قبل أشهر الحج وطاف شوطاً واحداً في الأشهر يكون متمتعاً إن حج من عامه ذلك، وقال في " شرح مختصر الكرخي " قال مالك رحمه الله إذا أتى بالأفعال قبل الأشهر نفى إحرام العمرة حتى دخلت الأشهر، ثم أحرم بالحج فهو متمتع م:(والحجة عليه) ش: أي على مالك رحمه الله. م: (ما ذكرنا) ش: وهو أن للأكثر حكم الكل م: (ولأن الترفق بأداء الأفعال) ش: يعني أن الترفق بالنسكين يكون بأداء الأفعال العمرة والحج م: (والمتمتع مترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج) ش: فلا بد من أن توجد الأفعال كلها أو أكثرها في أشهر الحج، يكون متمتعاً.
م: (قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) ش: وفي أكثر النسخ قال وأشهر
كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين
ــ
[البناية]
الحج.. إلخ أي قال القدوري رحمه الله، ولما ذكر قبله أشهر الحج احتاج إلى بيانها، فقال: وقال وأشهر الحج، وكذا ذكره الطحاوي رحمه الله في " مختصره " إلا أنه قال والعشر الأولى من ذي الحجة، وهذا هو الميقات الزماني، واتفق أهل العلم على أن أوله مستهل شوال واختلفوا في آخره، المذهب أن آخره غروب الشمس من اليوم العاشر من ذي الحجة وبه قال أحمد رحمه الله م:(كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: العبادلة عند الفقهاء ثلاثة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رحمهم الله وفي اصطلاح المحدثين أربعة فأخرجوا عبد الله بن مسعود وأدخلوا عبد الله بن عمرو بن العاص وزادوا عبد الله بن الزبير، قاله أحمد وغيره وغلطه الجوهري إذ أدخل ابن مسعود وأخرج ابن العاص.
وقال البيهقي: لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى عملهم، ويلتحق بابن مسعود كل من سمي بعبد الله من الصحابة، نحو من مائتين وعشرين رجلاً، قاله النووي رحمه الله.
أما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، قال أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر من ذي الحجة.
وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه الحاكم في " مستدركه " في تفسير سورة البقرة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في قوله عز وجل {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197](البقرة: الآية 197) ، قال شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس قال أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وأما حديث عبد الله بن الزبير فرواه الدارقطني عن محمد بن عبيد الله الثقفي عن عبد الله ابن الزبير نحوه، وهكذا روي عن عطاء ومجاهد والشعبي والثوري وقتادة وسعيد بن أبي عروة وابن حبيب المالكي عن مالك.
وقال مالك في المشهور عنه ذو الحجة بتمامها، ويروي ذلك ابن عمر أيضاً وفي رواية عن أبي يوسف رحمه الله تسعة أيام من ذي الحجة وعشر ليال، ذكره في " جوامع أبي يوسف " رحمه الله، وبه أخذ الشافعي رحمه الله، وحكى الخراسانيون وجهاً أنه لا يصح الإحرام ليلة العيد بل آخرها يوم عرفة. وعنه في الإملاء والقديم آخرها آخر ذي الحجة، ذكر ذلك النووي رحمه الله.
ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات
ــ
[البناية]
م: (ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات) ش: هذا دليل عقلي، تقديره أن الحج يفوت بفوات العشر الأول من ذي الحجة، فلو كان الوقت باقياً إلى آخر ذي الحجة، لما فات لأن العبادة لا تفوت ما دام وقتها باقياً إلى آخر ذي الحجة فعلم أن المراد من الأشهر الثلاثة.
وهاهنا أسئلة، الأول: أن قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197](البقرة: الآية 197) ، والشهر يقع على الكامل حقيقة لا على الناقص، كما في العدة؟ والجواب أن الأشهر اسم عام، ويجوز أن يراد من العام الخاص إذا دل الدليل، وقد دل نقلاً، ولهذا أريدت التثنية من الجمع في قَوْله تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4](التحريم: الآية 4) ، لدلالة الدليل عليه، لأن الكل واحد، وينزل بعض الشهر منزلة كله، كما في قولهم رأيتك سنة كذا، وإنما الرؤية حصلت في بعض زمان السنة لا كلها.
السؤال الثاني: إذا كان الحج لا يصح في شوال ولا في ذي القعدة، فكيف سميت أشهر الحج؟
قلت: يجوز فيها بعض أفعال الحج، ألا ترى أن الآفاقي إذا قدم مكة في شوال وطاف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج فإنه يجب مرة واحدة في طواف الحج كلها، فإذا لقي به طواف القدوم لا يجب في طواف الزيارة ولا في طواف الصدر، ولو قدم في رمضان وفعل ذلك لم ينب عن السعي، فظهر أن محل البعض أفعال الحج، إلا أنه لا يجوز الوقوف ولا طواف الزيارة وغيرهما من الأفعال في شوال، لا باعتبار أنه ليس بوقت، بل باعتبار أنه مختص بأزمنة مخصوصة، فيجب الإتيان بها على الوجه المشروع كالركوع والسجود، فلا يجوز تقديم السجود عليه، لا باعتبار أنه أتى به في غير وقته، بل باعتبار أنه قدمه على غير الوجه المشروع.
السؤال الثالث: إذا كان موقتاً بالأشهر، كيف جاز تقديم الإحرام عليها؟
قلت: الإحرام شرط وليس من أفعال الحج، ويجوز تقديم الشرط على وقت المشروط، كتقديم الوضوء على الصلاة، وأما كراهية التقديم فلئلا يقع في المحظور بطول الزمان، لا لأنه قدم على وقت الحج.
السؤال الرابع: ما فائدة الخلاف الذي بيننا وبين مالك؟
قلت: قال في " المحيط "، وفائدة هذا الخلاف تظهر في حق أفعال الحج، فإنها لا تصلح إلا فيها وفي حق المتمتع حتى لو طاف أربعة أشواط الحج والباقي فيها لا يكون متمتعاً، وفائدة
وهذا يدل على أن المراد من قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شهران وبعض الثالث لا كله.
فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجا، خلافا للشافعي رحمه الله فإن عنده يصير محرما بالعمرة؛ لأنه الإحرام ركن عنده، وهو شرط عندنا، فأشبه الطهارة في جواز التقديم على الوقت، ولأن الإحرام تحريم أشياء
ــ
[البناية]
خلاف مالك رحمه الله تظهر أيضاً في تأخر طواف الحج والزيارة إلى آخر ذي الحجة.
السؤال الخامس: هل للمتمتع اختصاص بقوله أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، والقارن أيضاً له أن يجمع بين النسكين في أشهر الحج.
قلت: قال صاحب النهاية: وجدت رواية في " المحيط " أنه لا يشترط لصحة الفرائض ذلك، قال في البيهقي دخل جمع بين حج وعمرة، أي أحرم ثم قدم مكة وطاف لعمرته في شهر رمضان كان قارناً، ولكن لا هدي عليه.
السؤال السادس: أن قوله الحج أشهر معلومات مبتدأ وخبر، فكيف يصح حمل الخبر على المبتدأ، إلا أن الحج عبارة عن الأفعال المعلومة من الوقوف والطواف وغير ذلك، والأشهر زمان فلا يجوز الوقوف والطواف والسعي ونحوها أشهر؟
قلت: قال الفراء معناه الحج في أشهر معلومات، يعني أن إحرام الحج فيها وقال أبو علي الفارسي معناه الحج حج أشهر معلومات يعني أن أفعال الحج ما وقع في أشهر الحج. وقال الزمخشري أي وقت الحج أشهر، كقولك البرد شهران.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من فوات الحج بمضي عشر ذي الحجة م: (يدل على أن المراد من قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شهران وبعض الثالث لا كله) ش: لأنه لو كان وقت الحج باقياً بعد مضي العشر لم يفت الحج لأن العبادة لا تفوت مع بقاء وقته.
م: (فإن قدم الإحرام بالحج عليها) ش: أي على أشهر الحج م: (جاز إحرامه وانعقد حجا، خلافا للشافعي رحمه الله فإن عنده يصير محرما بالعمرة) ش: هذا قوله الجديد، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد، وبقولنا قال في القديم، وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن شبرمة والحكم، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وقال داود الظاهري لا ينعقد، وهو قول جابر وعكرمة.
م: (لأنه الإحرام ركن عنده) ش: فلا يجوز تقديمه على الأشهر كسائر الأركان م: (وهو شرط عندنا) ش: فيجوز تقديمه على الوقت م: (فأشبه الطهارة في جواز التقديم على الوقت) ش: فإن الوضوء للصلاة يجوز تقديمه عليها م: (ولأن الإحرام تحريم أشياء) ش: أي يستلزم تحريم أشياء