الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس على أهل مكة طواف القدوم؛ لانعدام القدوم في حقهم.
قال: ثم يخرج إلى الصفا فيصعد عليه، وليستقبل البيت، ويكبر، ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه، ويدعو الله لحاجته؛ لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله؛» لأن الثناء والصلاة يقدمان على الدعاء تقريبا إلى الإجابة كما في غيره من الدعوات، والرفع سنة
ــ
[البناية]
م: (وليس على أهل مكة طواف القدوم؛ لانعدام القدوم في حقهم) ش: لأنهم حاضرون.
[السعي بين الصفا والمروة]
[حكم السعي بين الصفا والمروة وكيفيته]
م: (قال: ثم يخرج إلى الصفا) ش: من باب بني مخزوم، ويسمى باب الصفا، ولا يتعين، بل هو مستحب، وهو أقرب الأبواب إلى الصفا، والشافعي رحمه الله جعل الخروج منه سنة، والصحيح أنه مستحب، وبه قال مالك. ويقدم رجله اليسرى في الخروج، ويقول بسم الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم م:(فيصعد عليه) ش: بقدر ما يرى البيت. والصعود على الصفا مستحب، وقيل سنة، وهو المشهور عن الشافعي رحمه الله وعنه أنه ركن، ذكره الطبري في مناسكه، وعن أحمد: إن لم يصعد عليه فلا شيء عليه، وعن مالك م:(وليستقبل البيت، ويكبر، ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه) ش: وكفيه نحو السماء من أول ما يكبر ويهلل م: (ويدعو الله تعالى بحوائجه) ش: من حوائج الدنيا والآخرة م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى» ش: هذا في حديث جابر أخرجه مسلم مطولاً وهو مشهور.
م: (ولأن الثناء) ش: على الله تعالى م: (والصلاة) ش: على النبي صلى الله عليه وسلم م: (يقدمان على الدعاء تقريبا إلى الإجابة) ش: أراد بهذا أن الدعاء بحوائجه بعد الثناء على الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عقبهما أقرب إلى الإجابة لأنهما وسيلة إليها فلا جرم أنهما يقدمان م: (كما في غيره من الدعوات) ش: أي كما يقدم الدعاء والصلاة في غير هذين الوقتين، ألا ترى أن الدعاء في الصلاة يكون بعد قراءة التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في كل موضع يدعو الشخص بحوائجه بعد أن يثني على الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ذكر الدعاء ها هنا ولم يذكر عند استلام الحجر وفي الطواف لأن حالة الاستلام حالة ابتداء العبادة والطواف يشبه الصلاة والدعاء يؤتى به بعد الفراغ من العبادة، والسعي تتمة ذلك، فأشبه آخر الصلاة فاستقام الدعاء للحاجة فيه.
م: (والرفع سنة الدعاء) ش: أي رفع اليدين سنة.
وروي فيه أحاديث، منها ما أخرجه أبو داود في " سننه " في الدعاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والإشعار أن تشير بإصبع واحدة، والإهلال أن تمد يديك» ، ثم أخرجه عن ابن
الدعاء، وإنما يصعد الصفا بقدر ما يصير البيت بمرأى منه؛ لأن الاستقبال هو المقصود بالصعود، ويخرج إلى الصفا من أي باب شاء. وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى
ــ
[البناية]
عباس رضي الله عنهما أيضاً موقوفاً، ومنها ما رواه أبو داود أيضاً من حديث السائب بن يزيد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا رفع يديه فمسح وجهه بيديه» وفي سنده ابن لهيعة وهو معلول به.
ومنها ما رواه أبو داود أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم» .
وقال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه كلها واهية، وهذه الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً، ومنها ما رواه الترمذي، في الدعوات من حديث سليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفراً خائبتين» . وقال الترمذي حسن غريب، وبعضهم لم يرفعه.
ومنها ما رواه الترمذي أيضاً من حديث سالم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما ثم يمسح بهما وجهه» وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرد به، وقال ابن حبان: في كتاب " الضعفاء ": حماد بن عيسى الجعفي يروي المعلولات التي يظن أنها معمولة، لا يجوز الاحتجاج به. وقال النووي رضي الله عنه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء، ذكرت من ذلك نحو عشرين حديثاً في " شرح المهذب ". م:(وإنما يصعد الصفا بقدر ما يصير البيت بمرأى منه) ش: أي بمنظر من الحاج الصاعد م: (لأن الاستقبال) ش: إلى البيت م: (هو المقصود بالصعود، ويخرج إلى الصفا من أي باب شاء) ش: من أبواب المسجد م: (وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني
باب الصفا لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا لأنه سنة. قال: ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هنيته، فإذا بلغ بطن الوادي يسعى بين الميلين الأخضرين سعيا، ثم يمشي على هنيته حتى يأتي المروة ويصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل من الصفا وجعل يمشي نحو المروة وسعى في بطن الوادي، حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة وطاف بينهما سبعة أشواط» وهذا شوط واحد فيطوف
ــ
[البناية]
مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا، لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا) ش: روى الطبراني في " الكبير " من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد إلى الصفا من باب بني مخزوم» م: (لأنه سنة) . ش: وإنما كان قربه من الصفا دون سائر الأبواب. م: (وقال: ثم ينحط) ش: أي ينزل من الصفا عامداً م: (نحو المروة) ش: في بعض النسخ قال: ثم ينحط أي قال القدوري رحمه الله: ثم ينحط م: (ويمشي على هنيته) ش: أي على سكونه ووقاره م: (فإذا بلغ بطن الوادي) ش: قيل: لم يبق اليوم بطن الوادي لأن السوال سنة ولم يبق له أثر إلا أنه جعل له ميلان أخضر وأصفر ليعلم أنه بطن الوادي فيسعى الحاج بين الميلين، كذا في " المبسوط " م:(يسعى بين الميلين الأخضرين سعيا) ش: إنما ذكر الأخضرين بطريق التغليب، لأن أحدهما أخضر والآخر أصفر كما ذكرنا.
وقال المطرزي رحمه الله: الميلان علامتان لموضع الهرولة من بطن الوادي، وقال العلامة حافظ الدين رحمه الله: هما علامتان قد ركزا في حائط المسجد الحرام.
وفي " شرح الوجيز " ثم ينزل من الصفا ويمشي على هنيته حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر الملصق ببنيان المسجد وركنه قدر ستة أذرع ويمشي ويسرع ويسعى سعياً شديداً، وكان ذلك الميل موضوعاً على متن الطريق في الموضع الذي يبتدأ منه السعي إعلاماً فكان السيل يهدمه، فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد، ولهذا معلقاً، فرفع متأخراً عن مبدأ السعي ستة أذرع، لأنه لم يكن موضع أليق منه، وهذا على يسار الساعي، والميل الثاني متصل بدار العباس رضي الله عنه، قال الروياني وغيره: هذه الأسامي.
م: (ثم يمشي على هنيته حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا) ش: من استقبال القبلة ورفع اليدين والدعاء لحاجته م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل من الصفا، وجعل يمشي نحو المروة، وسعى في بطن الوادي، حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة، وطاف بينهما سبعة أشواط» ش: هذا أخرجه البخاري ومسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة سبعاً» م: (وهذا شوط واحد) ش: أي وهذا الذي ذكرناه شوط واحد.
م: (فيطوف) ش: ورجوعه منها إلى الصفا شوط آخر، وبه قال الشافعي رحمه الله -
سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى في بطن الوادي في كل شوط لما روينا، وإنما يبدأ بالصفا
ــ
[البناية]
ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وذكر الطحاوي أنه يطوف سبعة أشواط من الصفا إلى الصفا ولا يعتبر الرجوع من المروة إلى الصفا، وبه قال ابن جرير الطبري والصيرفي من أصحاب الشافعي، فقال أبو بكر الرازي: هذا غلط لأنه يصير أربعة عشر شوطاً، وإنما عليه م:(سبعة أشواط) ش: لأن رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم طاف بينهما سبعة أشواط لا أربعة عشر، وهي ما قال م:(يبدأ بالصفا) ش: في كتاب بدأ بالصفا.
م: (ويختم بالمروة) ش: أي يبدأ الشوط الأول من الصفا ويختم الشوط السابع بالمروة، ولو كان الأمر كما قاله الطحاوي رحمه الله يقال: يبتدئ لكل شوط بالصفا، كذا في " المبسوط " وفي " المجتبى " إنما قال: يبدأ بالصفا ويختم بالمروة حتى لا يظن أن كل شوط يبدأ بالصفا ويختم به شوط واحد، وقال الأترازي رحمه الله: وقد ضعفوا قول الطحاوي في عامة كتب أصحابنا بعضهم قالوا: ذلك غلط وبعضهم: ليس بصحيح، وعندي لما قال الطحاوي وجه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رقى على الصفا قال:" نبدأ بما بدأ الله به "، وأراد به قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158][البقرة: الآية 158] ، فيفهم منه أن يبدأ بالصفا في كل شوط، لأن الحديث مطلق فيه يبدأ به كل شوط فإن كان البداءة في كل شوط من الصفا يكون المضي من الصفا إلى المروة، والعود من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً لا محالة.
إنا نقول: إن أهل الحديث أوردوه في عامة كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعاً ولم يذكروا أن البداءة من الصفا شوط والعود من المروة شوط، ويحتمل أن طواف النبي صلى الله عليه وسلم على ما قال الطحاوي يحتمل أن يكون على ما قاله، أو نقول في قوله صلى الله عليه وسلم نبدأ محذوف والمفعول إذا كان محذوفاً يقدر أعم الأشياء لا أخصها، لعدم الألوية، فيكون حينئذ تقدير الكلام نبدأ كل شوط من الأشواط بما بدأ الله به، أي بالصفا، فيكون الأمر على ما قاله الطحاوي رحمه الله انتهى.
قلت: فيه نظر، لأنا لا نسلم أن المفعول فيه محذوف، لأن قوله: بما بدأ الله به، هو المفعول في الحقيقة، لأن كلمة (ما) مصدرية، فالتقدير يبدأ بابتداء الله تعالى، أو موصولة، فالتقدير نبدأ بالذي بدأ الله به وهو الصفا، فمن أين يأتي ما ذكره.
م: (ويسعى في بطن الوادي في كل شوط) ش: المراد من السعي الهرولة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل من الصفا وجعل يمشي ويسعى في بطن الوادي م: (وإنما يبدأ
لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: «ابدأ بما بدأ الله تعالى به» ، ثم السعي بين الصفا والمروة واجب، وليس بركن. وقال الشافعي رحمه الله: إنه ركن لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا» .
ــ
[البناية]
بالصفا صلى الله عليه وسلم) ش: أي في البداية بالصفا م: «ابدأ بما بدأ الله تعالى به» ش: هذا الحديث روي بصيغة الأمر، كما قاله المصنف، وهذه رواية النسائي والدارقطني ثم البيهقي في تتمتهم، وأما في رواية مسلم من حديث جابر الطويل بصيغة الخبر وهي ابتدأ بما بدأ الله به، وبنون الجمع في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه ومالك في الموطأ. وقد عزا بعض الفقهاء لفظ الأمر لمسلم وهو وهم منه، فسعى بل تجب النية ها هنا، ولو بدأ بالمروة لا يعتد به بالإجماع، وشذ عطاء بن أبي رباح فقال: إن بدأ فيه بالمروة أجزأ.
م: (ثم السعي بين الصفا والمروة واجب، وليس بركن) ش: وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وعبد الله بن الزبير وأنس وعروة بن الزبير والحسن البصري، وعطاء ومحمد بن سيرين ومجاهد، ونقل المروزي والميموني عن ابن حنبل أنه مستحب، واختار القاضي من الحنابلة أنه واجب فيجبر بالدم كقولنا.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: إنه ركن) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية. ويروى عن عائشة رضي الله عنها وإذا كان ركنا لا يصح بدونه م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا» ش: هذا الحديث رواه الشافعي رضي الله عنه أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة «عن حبيبة بنت أبي تجرأ إحدى نساء بني عبد الدار قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي وهو يقول: " اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي» .
وقال ابن القطان: عبد الله بن المؤمل سيء الحفظ، وفي حديثه اضطراب كبير، وعن يحيى بن معين والنسائي والدارقطني: هو ضعيف، وقال ابن حبان: هو لا يجوز الاحتجاج بحديثه إذا انفرد، وذكره ابن الجوزي رحمه الله في " الضعفاء والمتروكين ".
ولنا قَوْله تَعَالَى: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} [البقرة: 158](158 البقرة) ، ومثله أن يستعمل للإباحة فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه في الإيجاب ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد، ثم معنى ما روي كتب استحبابا كما في قَوْله تَعَالَى {كتب عليكم إذا حضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] [180 البقرة: الآية] ،
ــ
[البناية]
قلت: ولهذا رواه الحاكم في " مستدركه " وسكت عنه، وقال السروجي: وقد رواه البيهقي عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ولم يتعرض له بضعف مع علمه بضعفه، [.....] نظراً إلى عصبيته وعدم إنصافه، وهذا لا يليق بالإنسان في أمر الدين، وتراهم يقولون: الجرح مقدم على التعديل مع وجود التعديل، فكيف مع عدمه.
قوله: حبيبة بنت تجرأ بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الجيم وفتح الراء والهمزة. وقال الذهبي رحمه الله: حبيبة بنت تجرأ العبدرية، ويقال حبيبة بالتشديد روت عنها صفية بنت شيبة.
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) ش: أي بالصفا والمروة وجه الاستدلال به هو قوله م: (ومثله) ش: أي مثل هذا الكلام وهو لفظ لا جناح م: (يستعمل للإباحة) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235][البقرة: الآية 215]، فإذا كان يستعمل للإباحة م:(فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه) ش: أي عن ظاهر الآية م: (في الإيجاب) ش: أي في نفي الإيجاب، قال الكاكي: وفي بمعنى إلى لأن: حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، أي عدلنا عن النفي المطلق إلى الإيجاب الثابت بالخبر.
قلت: إن أراد بالخبر ما رواه الشافعي رحمه الله فلا يصح، لأن الخبر ضعيف منكر كما ذكرناه، ولم يذكر ما وجب العدول، واختلف فيه الشارحون، فمنهم من قال عملاً بما رواه لأنه خبر واحد يوجب الإيجاب، ومنهم من قال بأول الآية، وهو قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158][البقرة: الآية 158] ، فإن الشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة وذلك يكون فرضاً، فأول الآية يدل على الفرضية وآخرها على الإباحة فعلمنا بهما، وقلنا بالوجوب لأنه ليس بفرض علماً وهو فرض عملاً فكان فيه نوع من كل واحد من الفرض والاستحباب وقيل بالإجماع.
قلت: الذي قال عملاً بما رواه لم يقف على حال الحديث، وكيف يعمل به وهو حديث ضعيف، حتى قال أحمد: أحاديث رواة هذا الحديث منكرة، وقال ابن حبان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لا يجوز الاحتجاج بخبره.
م: (ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد) ش: يعني فيما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (ثم معنى ما روي) ش: أي الشافعي رضي الله عنه م: (كتب استحبابا كما في قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180][البقرة: الآية 180] ش: قيل فيه نظر، لأن
ثم يقيم بمكة حراما؛ لأنه محرم بالحج فلا يتحلل قبل الإتيان بأفعاله. ويطوف بالبيت كلما بدا له؛ لأنه يشبه الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم:«الطواف بالبيت صلاة»
ــ
[البناية]
الوصية للوالدين والأقربين كانت فرضاً ثم نسخت فكان كتب دلالة على الفرضية، قالوا وإن ذلك ليس بمجمع عليه، بل قال بعضهم ليست بمنسوخة بل يجمع للوارث من الوصية والميراث، والمانع يكفيه ذلك.
م: (ثم يقيم بمكة حراما) ش: أي ثم بعد فراغه من الطواف والسعي يقيم بمكة محرماً لا يحلق ولا يقصر م: (لأنه محرم بالحج فلا يتحلل قبل الإتيان بأفعاله) ش: أي بأفعال الحج فيقيم محرماً أي يوم النحر، وهو وقت التحلل. قال الكاكي: قوله: ثم يقيم بمكة حراماً، احترازاً عن قول ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال: يحلق أو يقصر ويحل، لما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمنا من أهل بحجة، ومنا من أهل بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة فدخلنا مكة صبيحة أربعة ذي الحجة، فلما طفنا وسعينا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بحجة بالإحلال فأحللنا وواقعنا النساء» .
والجواب عنه أنه منسوخ لأنه كان ذلك في الابتداء حين كان الناس يعدون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة تقريراً للحكم الشرعي ودرءاً للحكم الجاهلي في نسخ ذلك.
وإذا فرغ من السعي وهو مفرد بعمرة حلق أو قصر وكذا المتمتع الذي لم يسق الهدي، وبه قال أحمد رضي الله عنه، وعند مالك والشافعي هما سواء، ويمكث بمكة حلالاً إلى يوم التروية، ثم يحرم بالحج يوم التروية من ميقات أهل مكة وإن قدم إحرامه كان أفضل، وإن كان مفرداً بالحج أو متمتعاً ساق الهدي لا يتحلل بل يبقى محرماً ويؤدي أفعاله إلى أوان التحلل.
م: (ويطوف بالبيت كلما بدا له) ش: أي كلما ظهر له أن يطوف م: (لأنه) ش: أي لأن الطواف م: (يشبه الصلاة) ش: يعني في الثواب دون الحكم، ألا ترى أن الإنحراف والشر فيه لا يفسده. م: (قال صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة» ش: هذا الحديث رواه ابن حبان رضي الله عنه في " صحيحه " من حديث طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى قد أحل فيه المنطق فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير» ، وأخرجه الحاكم أيضاً وسكت عنه.
والصلاة خير موضوع، فكذا الطواف إلا أنه لا يسعى عقيب هذه الأطوفة في هذه المدة؛ لأن السعي لا يجب فيه إلا مرة، والتنفل بالسعي غير مشروع، ويصلي لكل أسبوع ركعتين، وهي ركعتا الطواف على ما بينا
ــ
[البناية]
ومعنى قوله صلاة، يعني يشبه الصلاة لأنه ليس بصلاة حقيقة، ولهذا يجوز الكلام فيه، وقد رواه الترمذي رضي الله عنه بلفظ الطواف حول البيت مثل الصلاة، ثم قال: وقد روي هذا موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما.
م: (والصلاة خير موضوع، فكذلك الطواف) ش: خير موضوع، وفي " شرح الطحاوي " رحمه الله الطواف للغرباء أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل، وهو مذهب عامة أهل العلم، لأن الغرباء يفوتهم الطواف، وأهل مكة لا يفوتهم الأمران، وعند الاجتماع الصلاة أفضل بعينها، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125][الحج: الآية 125]، قيل: الغرباء م: (إلا أنه لا يسعى عقيب هذه الأطوفة في هذه المدة) ش: هذا الاستثناء من قوله: ويطوف بالبيت كلما بدا له يعني لا يسعى بين الصفا والمروة عقيب هذه الأطوفة التي يأتي بها في مدة إقامته بمكة إلى أوان التحلل.
م: (لأن السعي لا يجب فيه) ش: أي في المفرد بالحج الموصوف من عند قوله - وإن كان مفرداً بالحج - إلى هنا م: (إلا مرة واحدة، والتنفل بالسعي غير مشروع) ش: لعدم ورود النص به.
فإن قلت: السعي تبع الطواف، ولهذا لا يجوز قبله والتنفل بمتبوعه مشروع فيجب أن يكون التنفل بالسعي أيضاً مشروعاً تبعاً للطواف.
قلت: السعي إنما ثبت كونه عبادة بالنص، بخلاف القياس فيقتصر على النص، والنص ورد بالإتيان مرة فلا يشرع ثانياً بالقياس لأنه لا محل له.
م: (ويصلي لكل أسبوع) ش: أي لكل سبعة أشواط وهو طواف واحد م: (ركعتين) ش: وفيه خلاف أبي يوسف رحمه الله، وإن عنده يجوز أن يجمع بين أسبوعين فصاعداً قبل أن يصلي ركعتي الطواف، وبه قال أحمد، ولكن عند أبي يوسف رحمه الله ينصرف عن وتر ثلاثة أو خمسة أو سبعة وعند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما يكره الجمع بين الأسبوعين وبه قال مالك رضي الله عنه، وعند الشافعي رضي الله عنه الأفضل الفصل بين كل أسبوعين بركعتين.
م: (وهي ركعتا الطواف على ما بينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يصلي الطائف لكل أسبوع ركعتين» ، ذكره عند قوله: ثم يأتي المقام فيصلي ركعتين.