الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود، وليست بمتولدة من البدن، ثم هي مؤذية بطباعها، والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي، وما لا يؤذي لا يحل قتلها، ولكن لا يجب الجزاء للعلة الأولى.
ومن قتل قملة تصدق بما شاء مثل كف من طعام؛
ــ
[البناية]
ويفسد فسادًا كبيرًا، ولأبي يوسف رحمه الله في السمود، والدلف الجزاء؛ لأنهما من الجنس الممتنع المتوحش الذي لا يبتدئ بالأذى.
[قتل المحرم للبعوض والنمل]
م: (وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود) ش: لأنها ليست بمتوحشة عن الأذى، بل هي طالبة للأذى وليست هذه الأشياء من قضاء التفث، م:(وليست بمتولدة من البدن) ش: واحترز به عن القملة على ما يجيء، وذكر علتين، وإن كانا علتين؛ لأنه ذكر في موضع السلب، وفي موضع السلب يكون بعلل كثيرة بمعنى علة واحدة في أن الحكم ينتفي بالجميع كما ينتفي بانتفاء الواحدة. وفي " المحيط ": ليس في قتل القنافذ، والخنافس، والسلاحف، والوزغ، والذباب، والزنبور، والدلمة، وصياح الليل والصرصر وأم جنين، وابن عرس شيء لأنهما من هوام الأرض وحشراتها وليست بصيود، ولا متولدة من البدن، بخلاف القمل، ولم يوجب عمر، وعطاء، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد رحمهم الله فيها شيئًا، وعن أبي يوسف رحمه الله: يجب الجزاء بقتل القنفذ.
م: (ثم هي) ش: أي البعوض وما ذكر معه. م: (مؤذية بطباعها) ش: فلا يجب الجزاء بقتلها. م: (والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي) ش: أي مراد محمد رحمه الله من قوله: وليس في قتل البعوض والنمل إلى آخر ما ذكره في " الجامع الصغير "، ولفظه محرم قتل برغوثة أو بقة أو نملة فلا شيء عليه، ولم يذكر في الأصل البرغوث والبق. م:(وما لا يؤذي لا يحل قتلها) ش: أي النمل التي لا تؤذي لا يحل قلتها، يعني النملة، ولكن لا يحل قتلها، ومع هذا إذا قتلها المحرم. م:(ولكن لا يجب عليه الجزاء للعلة الأولى) ش: وهي أنها ليست بمتولدة من البدن، والعلة الثانية كونها مؤذية بطباعها.
م: (ومن قتل قملة تصدق بما شاء) ش: ذكر في " الجامع الصغير "، وإن قتل قملة أطعم شيئًا، وقال في الأصل: تصدق بشيء، ولفظ شيء يشمل القليل والكثير، وأوضحه المصنف رحمه الله بقوله. م:(مثل كف من طعام) ش: وكذا ذكره القدوري رحمه الله في " شرحه "، حيث قال: يتصدق بما شاء بكف من طعام، وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " رحمه الله: ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة ثم قال: وذكر الحسن بن زياد رحمه الله عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: إذا قتل المحرم قملة، أو ألقاها أطعم كسرة، وإن كانت اثنتين، أو ثلاثة أطعم قبضة من الطعام، وإن كان أكثر أطعم نصف الصاع، ولو ألقاها على
لأنها متولدة من التفث الذي على البدن، وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا، وهذا يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا.
ومن قتل جرادة تصدق بما شاء،
ــ
[البناية]
الأرض تصدق بما شاء، ولو كانت ساقطة على الأرض فقتلها، فلا شيء عليه، كما في البرغوث.
وفي " الفتاوى ": محرم وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل فعليه الجزاء، ولو وضع في الشمس، ولم يقصد قتل القمل لا شيء عليه، كما لو فتل الثوب فمات القمل، انتهى. وقال الشافعي رضي الله عنه: لو كثر القمل على بدنه، أو ثيابه لم يكره تنحيته، ولو قتله لم يلزمه شيء، ويكره أن يفلي رأسه ولحيته، فإن فعل وأخرج منها قملة وقتلها يتصدق ولو بلقمة، لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس، وكذا في " شرح الوجيز ".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أطعم شيئًا كثيرًا في قملة قتلها. وفي اثنتين وثلاث كف من طعام، وعن أبي يوسف في القملة كف من دقيق، كذا في " المحيط "، و" قاضي خان "، وفي " عيون المسائل ": ألقى قملة من رأسه أطعم كسرة خبز، وعن ابن عمر رضي الله عنهما يتصدق بكسرة، أو قطعة، أو قبضة من طعام، وعن مالك لا يقتله، ولا يطرحه من رأسه، فإن قتله فعليه حفنة من طعام، وقال أحمد: يطعم شيئا كما قال محمد رحمه الله.
وقال إسحاق رحمه الله تمرة فما فوقها، وقال النووي: يكفر إذا كثر، وعن عطاء، وقتادة رضي الله عنهما قبضة من طعام، وقال سعيد بن المسيب، وابن جبير، وطاوس، وأبو ثور: لا شيء فيها، وقال ابن المنذر: ليس لمن أوجب فيها شيئًا حجة، وللمحرم أن يعود لغيره، وهو قول عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجابر بن زيد، وعطاء، والشافعي، وابن حنبل، وأكثر أهل العلم، وكرهه ابن عمر، ومالك. وفي " المنتقى ": قال الحلال: [من قال] : ارفع هذا القمل عني فعليه الكفارة، وفي " العيون ": ولو أشار المحرم إلى قملة فقتله المشار إليه يجب على المشير الجزاء، قال السروجي: في هذا بعد؛ لأن القمل ليس بمصيد حتى يجعل بالإشارة مزيلًا للأمن. م: (لأنها) ش: أي لأن القملة. م: (متولدة من التفث الذي على البدن) ش: أي من الوسخ والدرن أي على البدن من قلة الإزالة وعدم التنظيف. م: (وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا) ش: أي قال محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": إذا قتل قملة أطعم شيئًا من غير تعيين، وقال المنصف: م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره في " الجامع الصغير ". م: (يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا) ش: ككسر خبز ونحوها.
م: (ومن قتل جرادة تصدق بما شاء) ش: قوله: بما يشمل القليل والكثير، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
لأن الجراد من صيد البر، فإن صيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ. وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر رضي الله عنه: تمرة خير من جرادة.
ــ
[البناية]
وفي الجرادة: تمرة أيضًا أنه أمر في جرادات بقبضة من طعام، وعنه التمرة خير من جرادة، وعنه التمرتان أحب إلي من جرادتين، أخرجه سعيد بن منصور رحمه الله. م:(لأن الجراد من صيد البر، فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ) ش: اختلف العلماء في الجراد، فروي أنه من صيد البحر.
وكذا ذكره الترمذي من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه «قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة، أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضربه بأسيافنا أو عصينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوه فإنه من صيد البحر» وقال الترمذي رحمه الله هذا حديث غريب، وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان، وقد تكلم فيه شعبة رحمه الله.
ورواه أبو داود رحمه الله من رواية حبيب المعلم عن أبي الهرم، وقال: المهزم ضعيف، والحديث وهم. قلت: وجه الوهم أن حماد بن سلمة رواه عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب قوله: غير مرفوع، والرجل بكسر الراء، وسكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد، ولا يقال ذلك إلا للجراد خاصة، وفي رواية الترمذي: وقع أسياطنا جمع سوط، والمشهور أسواط، والصحيح أنه من صيد البر، كما قال المصنف رحمه الله فيجب الجزاء بقتله، قال شيخنا زين الدين رحمه الله: وهو قول عمر، وابن عباس رضي الله عنهما وعطاء بن أبي رباح، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في قوله الصحيح المشهور، كما حكاه ابن العربي عن أكثر أهل العلم، وقال شيخنا: وفيه قول ثالث، وهو أنه من صيد البر والبحر، ورواه سعيد بن منصور في " سننه " عن هشيم عن منصور.
وعن الحسن قوله: م: (وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر رضي الله عنه: تمرة خير من جرادة) ش: وقصة أن أهل حمص أصابوا جرادًا كثيرًا في إحرامهم، وجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر رضي الله عنه إن دراهمكم كثيرة يا أهل حمص، تمرة خير من جرادة، وروى مالك رحمه الله في " الموطأ " أخبرنا يحيى بن سعيد أن رجلًا سأل عمر - رضي الله
ولا شيء عليه في قتل السلحفاة؛ لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس والوزغات، ويمكن أخذها من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا،
ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد، فأشبه كله. ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع
ــ
[البناية]
عنه - عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: يقال: حتى يحكم كعب بدرهم، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: إنك لتجد الدراهم، تمرة خير من جرادة.
م: (ولا شيء عليه) ش: أي على المحرم. م: (في قتل السلحفاة) ش: بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء نوع من حيوان الماء معروف، وقد يكون في البر وجمعها سحالف، وسلاحف، قال الفراء: الذكر من السلاحف العلم والأنثى في لغة بني أسد السلحفاة، وحكى أبو عبيد رحمه الله عن بعضهم سلحفة، مثل بالهبة لكنها أي جمع حرة، قال صاحب " الديوان ": هي صغار دواب الأرض. م: (لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس) ش: وهو جمع خنفساء بضم الفاء، وفي كتاب " الجمهور ": وصححها بالضم والفتح جميعًا، وهو دويبة سوداء منتنة الريح، وجاء في معناها الخنفس والخنفسة بفتح الفاء. م:(والوزغات) ش: جمع وزغة وهي المسماة أم أبرص. م: (ويمكن أخذها) ش: أي أخذ السلحفاة. م: (من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا) ش: فلا يجب بقتلها الجزاء، وبه قال الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله.
م: (ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21](المؤمنون: الآية 21) ، وكلمة من للتبعيض، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله وقال الروياني رحمه الله من الشافعية والقاضي من الحنابلة: لا يضمنه، وهو قول مالك رحمه الله.
وقال النووي رحمه الله وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن نقص الصيد ضمنه وإلا فلا. وقال السروجي رحمه الله ونقله عنه غلط. وقال الكرماني رضي الله عنه: لو حلب الصيد فعليه ما نقص بحلبه يرويه قوم به نقص الصيد عن ضمان اللبن. م: (فأشبه كله) ش: أي فأشبه لبنه كله؛ لأنه يتولد من عينه، وتناول الصيد حرام على المحرم، فكذا ما كان منه اعتبارًا للبعض بالكل.
م: (ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع) ش: هذا لفظ القدوري بعينه، وقال الإمام حميد الدين رحمه الله أراد بالسباع النمر والأسد والفهد. م:(ونحوها) ش: أراد به القرد والفيل، كذا قاله حميد الدين.
وقال الأترازي فيه؛ لأن السبع اسم لكل مختطف ينتهب قاتل عادي عادة، انتهى.
قلت: في نظره نظر؛ لأن الوصف الذي وصف به السبع، وقال عادة لا يوجد في القرد والفيل عادة، ثم قال الأترازي رحمه الله: ويجوز أن يريد بقوله ونحوها أي ونحو السباع ما
ونحوها، فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب الجزاء؛ لأنها جبلت على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة، وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها لغة. ولنا أن السبع صيد لتوحشه، وكونه مقصودا بالأخذ إما لجلده، أو ليصطاد به، أو لدفع أذاه، والقياس على الفواسق ممتنع لما فيه من إبطال العدد
ــ
[البناية]
لا يؤكل لحمه من السباع: كالطربان والسمور والدلف والفيل والثعلب، انتهى.
قلت: فيه تأمل لا يخفى، وقال الأكمل ونحوها، أي سباع الطير، وكذلك قاله الكاكي، وهو الأوجه، وقال السروجي: ولا فرق في ذلك بين سباع البهائم وسباع الطير.
م: (فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه) ش: يعني فيما مضى من الخمس الفواسق. م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب الجزاء) ش: أي في السباع أصلًا، وبه قال أحمد، وقال مالك: السباع المبتدئة بالضرر من الطير والوحش كالفهد والذئب والغراب لا جزاء فيه وفي غيرها يجب.
وفي السروجي قال الشافعي رحمه الله: لا شيء فيما لا يؤكل لحمه، ولا في المتولد مما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه كالسمع بكسر السين وسكون الميم، وهو المتولد بين الذئب والضبع. م:(لأنها) ش: أي لأن السباع. م: (جبلت) ش: أي خلقت. م: (على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة) ش: لأنها خلقت مؤذية بطبعها، فكل ما كان في طبعها الإيذاء صار كالخمس الفواسق.
م: (وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها) ش: أي بجميعها. م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم حين دعا على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك؛ فافترسه الأسد بدعائه صلى الله عليه وسلم» .
م: (ولنا أن السبع صيد لتوحشه) ش: وبعده عن أعين الناس. م: (وكونه) ش: أي ولكونه. م: (مقصودا بالأخذ إما لجلده) ش: كما في الأسد والنمر. م: (أو ليصطاد به) ش: أي أو لأجل الاصطياد به كالفهد. م: (أو لدفع أذاه) ش: كما في الخنزير فيجب بقتله الجزاء. م: (والقياس على الفواسق ممتنع) .
ش: هذا جواب عن قياس الشافعي على الفواسق، تقديره أن يقال هذا القياس ممتنع ضعيف لوجود الفارق. م:(لما فيه) ش: أي في قياسه. م: (من إبطال العدد) ش: الذي نص عليه الشارع، ولا يجوز.
فإن قيل: أنتم أبطلتم عدد الخمس حيث ألحقتم بها غيرها.
قيل له: نحن ألحقنا بها ما هو في معناها، أما إلحاق السباع المضرة بقلة الإيذاء غير مستقيم،
واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك. ولا يجاوز بقيمته شاة، وقال زفر رحمه الله: تجب بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه. ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «الضبع صيد وفيه الشاة؛» ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده، لا لأنه محارب مؤذ، ومن هذا الوجه لا يزداد على قيمة
ــ
[البناية]
لأن إيذاء الفواسق يتعدى إلينا؛ لأنها تسكن بيوتنا، أما السباع فإيذاؤها لا يتعدى إلينا ولا يستكن في بيوتنا ولا في القرب منا، فلم يكن في معنى المنصوص، فلا يلحق بها.
م: (واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك) ش: هذا جواب عن قول الشافعي رحمه الله: وكذا اسم الكلب يتناول السباع لغة.
فأجاب عنه: بأنه لا يقع في عرف الناس بخلاف ما قال؛ لأنهم لا يفهمون من إطلاق اسم الكلب المعروف عندهم، والعرف أرجح وأقوى من الحقيقة اللغوية، ولهذا إذا حلف لا يأكل رأسًا فأكل رأس العصفور لا يحنث لعدم العرف فيه وإن كان رأسًا في الحقيقة. م:(ولا يجاوز بقيمته شاة) ش: أي لا يجاوز بقيمة السبع أو بقيمة ما لا يؤكل لحمه من السباع، ولا يجاوز على صيغة المجهول، وشاة بالرفع؛ لأنه أسنده إلى قوله " لا يجاوز " ويجوز النصب على أنه مفعول ثان، وأسند الفعل إلى الجار والمجرور، والمعنى لا يبلغ دمًا.
م: (وقال زفر رحمه الله: تجب) ش: أي قيمته. م: (بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه) ش: أي من الصيد، يعني كما إذا كان الصيد مأكول اللحم، وكما إذا كان السبع ملكًا لآدمي. م:(ولنا قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا غريب جدًا، وقال الأترازي رحمه الله: ولنا ما روى أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الضبع صيد، وفيه الشاة» .
قلت: هذا أغرب من الأول، ووجه الاستدلال به أنه لما ورد الشرع بتقدير الشاة، لا يزاد عليها؛ لأن المقادير لا اهتداء للرأي فيها.
م: (ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده) ش: إذ اللحم غير مأكول. م: (لا لأنه محارب مؤذ) ش: يعني اعتبار القيمة لا لأجل الجلد، معنى المحاربة كما في بعض السباع كالفيل يعلمه أهل الهند المحاربة بحيث يهزم العسكر، وهو معنى مطلوب للملوك والسلاطين، وذلك أمر خارج عن الصيدية، فلا يعتبر، ولا لمعنى الإيذاء، يعني لا يقوم له شرعًا، فينتفي اعتبار الجلد باعتبار اللحم على تقدير كونه مأكول اللحم، ولذلك لا يزيد على قيمة الشاة غالبًا؛ لأن لحم الشاة خير من لحم السبع والضبع. م:(ومن هذا الوجه) ش: أي الوجه الذي ذكره دليلًا عقليًا. م: (لا يزداد على قيمة الشاة ظاهرا) ش: أي بحيث ظاهر الحال.
الشاة ظاهرا،
وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه. وقال زفر رحمه الله: يجب اعتبارا بالجمل الصائل. ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه؛ ولأن المحرم ممنوع عن التعرض لا عن دفع الأذى، ولهذا كان مأذونا في دفع المتوهم من الأذى كما في الفواسق فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه أولى، ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له
ــ
[البناية]
م: (وإذا صال) ش: أي وقت. م: السبع على المحرم فقتله فلا شيء عليه) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله وأكثر أهل العلم، وكذا الخلاف في غير السباع، إلا أنه ذكر السبع لما أنه الصياد فيه غالبًا، كذا في " المبسوط ". م:(وقال زفر رحمه الله: تجب قيمته اعتبارا بالجمل الصائل) ش: وفي " شرح الأقطع " قال زفر رحمه الله: عليه الضمان إلا في الذئب، وقاسه على الجلد إذا صال على إنسان فقتله إنسان لا تسقط قيمته وإن كان قتله دفعًا للأذى، فكذا هنا.
م: (ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه) ش: هذا غريب جدًا، وذكره في " المبسوط "، وجه الاستدلال به أن عمر رضي الله عنه علل لإهدائه بأصل نفسه، فعلم به أن المحرم إذا لم يبتدئ بقتله، بل قتله دفعًا لصولته لم يجب عليه شيء، وإلا لم يبق للتعليل فائدة، واعترض أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم على ما عداه فلا يصح الاستدلال.
وأجيب بأن ذلك في خطابات الشرع، وأما في الروايات.
قيل: فيه نظر؛ لأن قول عمر رضي الله عنه في هذا المحل بمنزلة خطاب الشرع؛ لأنه في حيز الاستدلال به، فلا يفسده.
والجواب: أن الاستدلال إنما هو بفعل، وقوله رواية مسندة.
م: (ولأن المحرم ممنوع عن التعرض) ش: هذا الاستدلال بدليل حديث الفواسق، ووجهه أن المحرم ممنوع من جهة الشرع عن التعرض إلى الصيد. م:(لا عن دفع الأذى) ش: أي ليس ممنوعًا عن التعرض لأجل دفع أذاه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون امتناعه عن التعرض لأجل أذاه. م: (كان مأذونا) ش: من الشرع. م: (في دفع المتوهم) ش: أي الأذى المتوهم. م: (من الأذى كما في الفواسق) ش: الخمس؛ لأنه لما جاز قتلهن لتوهم الأذى منهن. م: (فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه) ش: أي الأذى المتحقق، وهو الصيال. م:(أولى) ش: وأبلغ منه، ولهذا لو أمكنه دفعه بغير سلاح فقتله فعليه الجزاء، ذكره الطحاوي [....]، فلما صار قتله مأذونًا بدلالة النص لا يكون قتله موجبًا للضمان. م:(ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له) ش: أي للشارع.
بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له من صاحب الحق، وهو العبد.
وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص على ما تلوناه من قبل
ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي؛ لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش، والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف بأصل الخلقة. ولو ذبح حماما مسرولا
ــ
[البناية]
م: (بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له) ش: موجود. م: (من صاحب الحق، وهو العبد) ش: على أنه روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجب فيه الضمان أيضًا، وبه قال الشافعي رحمه الله ولا يلزم العبد إذا صال بالصيف فقتله المصول عليه، حيث لا يضمن مع أنه لم يوجد الإذن من مالكه كان العبد مضمونًا في الأصل؛ لأنه آدمي مكلف كالحر حقًا له لا حقًا للمولى، لكونه مكلف كمولاه، فإذا جاء المبيح من قبله وهو المحاربة سقط حقه، كما إذا ارتد، وسقوط البتة التي هي ملك المولى إنما كان في ضمن سقوط الأصل، وهو نفسه، فلا يعتبر به، كما إذا ارتد.
م: (وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد) ش: أي إن اضطر إلى أكل لحم الصيد، وبه صرح في بعض نسخ " مختصر القدوري ". م:(فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن) ش: من الشارع. م: (مقيد بالكفارة بالنص) ش: كما في الحلق، وهو قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) .
وجه الاستدلال بها أن الحلق محظور الإحرام، وقد أذن له الشارع فيه حال الضرورة مقيدًا بالكفارة، وكذا قتل الصيد محظور الإحرام، فيباح لأجل الضرورة مقيدًا بالكفارة، ولا يسقط عنه ما يتعلق به من الكفارة. م:(على ما تلوناه من قبل) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ولو وجد المحرم صيدًا وميتة يأكل الميتة، وبه قال مالك وأحمد والثوري رحمهم الله. وقال أبو يوسف والشعبي - رحمهما الله - يأكل الصيد ويؤدي الجزاء. وفي " الذخيرة " جعل الأقوى رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه وفي " الخزانة " عن ابن سماعة الغصب أولى من الميتة، واختاره الطحاوي. وعند الكرخي يخير.
م: (ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي) ش: وفي بعض نسخ القدوري البط الكسكري، وهو المنسوب إلى كسكر، ناحية من نواحي بغداد، والمراد الأهلي. م:(لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش) ش: لأنها مختلطة بالناس بمرأى أعينهم. م: (والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف) ش: مستأنس. م: (بأصل الخلقة) ش: وأما البط الذي يطير فإنه جنس آخر لا يجوز للمحرم ذبحه؛ لأنه من جملة الصيود.
م: (ولو ذبح حماما مسرولا) ش: بفتح الواو، وهو ما في رجله ريش، من سرولته إذا ألبسته
فعليه الجزاء، خلافا لمالك رحمه الله. له أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه، ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر، وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا؛ لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس كالبعير إذا ند لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم.
وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي رحمه الله: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له فانتقل فعله إليه.
ــ
[البناية]
سرويل فتسرول. م: (فعليه الجزاء) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. م: (خلافا لمالك له) ش: أي لمالك. م: (أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه) ش: فخرج عن حد الصيد.
م: (ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر) ش: كالظبي وحمار الوحش.
فإن قلت: البراءة لا يحل بذكاة الاضطرار حتى لو رمى سهما إلى برج حمام لا يحل، ولو كان صيدًا حل بذكاة الاضطرار.
قلت: من الأصحاب من قال: يحل بذكاة الاضطرار، ذكره في " المحيط " فذكاة الاضطرار متعلقة بالعجز لا بكونه صيدًا، ألا ترى أن الثوري لو ند فلم يقدر عليه ذكي بذكاة، إلا وهو ليس بصيد.
م: (وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا) ش: أي وكذا يجب الجزاء إذا قتل ظبيًا مستأنسًا في البيوت. م: (لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس) ش: لأنه عارض. م: (كالبعير إذا ند) ش: أي إذا نفر، ند يند ندودًا، من باب ضرب يضرب. م:(لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم) ش: لأنه بالندود لا يخرج عن حكمه أهليًا.
م: (وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي رحمه الله: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له) ش: أي لأن المحرم عامل لغيره. م: (فانتقل فعله إليه) ش: وهذا التعليل يشير إلى أن اللام في " لغيره " تتعلق بقوله " ذبحه " وهكذا ذكره أيضًا في " الإيضاح " لا لقوله " يحل " ولكن ما ذكره في " المبسوط " يدل على أنه حلال لغيره، وسواء ذبحه لأجل غيره أو لأجل نفسه، وفي تتمتهم ما يدل على هذا، قال: ما ذبحه المحرم ميتة فأكله حرام عليه، وهل هو ميتة في حق غيره، فعنه قولان في الجديد يكون ميتة، وبه قال مالك رحمه الله وأبو حنيفة رضي الله عنه؛ لأن ذبحه لا يفيد الحل كذبح المرتد، وفي القديم: يحل لغيره، وفي " السروجي " في " شرح المذهب " للنووي رحمه الله: ذبيحة المحرم عليه بلا خلاف، وفي تحريمه على غيره قولان الجديد تحريمه وهو الأصح عند أكثرهم، وفي القديم حله وصححه كثير منهم.
ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي؛ وهذا لأن المشروع هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا، فينعدم بانعدامه. فإن أكل المحرم الذابح من ذلك شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل، وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا. لهما أن هذه ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار، وصار كما إذا أكله محرم غيره.
ــ
[البناية]
م: (ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي) ش: فإن قلت: يشكل على هذا ذبح الغير بغير أمره، فإنه حرام، ومع ذلك يحل تناولها.
قلت: النهي في معنى عين الذبح ولم يصر المذبوح حرامًا لعينه، بل لصيانة حق الغير، ولهذا يحل ذبحه بإذن المالك، فكان الذبح مشروعًا في نفسه، أما هاهنا نفس الفعل حرام لعينه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95](المائدة: الآية 95) ، فقد وصف الصيد بالحرمة فدل على خروج المحل عن قبول الفعل الحلال.
م: (وهذا) ش: أي كون ذبح المحرم حرامًا. م: (لأن المشروع) ش: أي الذبح المشروع. م: (هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا) ش: لأن الذبح لا يتبين بخروج كل الدم النجس لغير الخبيث من الطيب؛ لأن الميتة حرام باعتبار الدم المسفوح باللحم؛ لأن الشرع أقام الذبح مقامه تيسيرًا، ولهذا لو ذبح ولم يسل الدم يحل أكله، ولو ذبح المجوسي وسال الدم لم يحل أكله، فينتفي ما لم يكن مشروعًا على أصل القياس. م:(فينعدم) ش: أي الميزان والحل. م: (بانعدامه) ش: أي بانعدام الفعل المشروع، وهو الذكاة؛ لأن الانعدام لعدم المحلية كالانعدام بعدم الأهلية كما في المجوسي. م:(فإن أكل المحرم الذابح من ذلك) ش: أي من الذي ذبحه. م: (شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: هذا الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا أكل من الصيد بعدما أدى جزاءه، فعنده يجب ما أكل، وعندهما لا يجب عليه إلا الاستغفار، أما إذا أكل قبل أداء الجزاء دخل ما إذا أكل في ضمان الجزاء بالإجماع، وبه صرح في " المختلف "، وقول الشافعي مثل قولهما، كذا في " الإيضاح "، وقال القدوري رحمه الله: أما إذا أكل من المذبوح قبل أداء الجزاء فلا رواية في هذه المسألة، ويجوز أن يقال: يجب فيه الجزاء مضافًا إلى القتل، ويجوز أنهما متداخلان.
م: (وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل) ش: وبه قال الشافعي عنه، ومالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم. م:(وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي لا شيء عليه من قيمة ما أكل بلا خلاف كالحلال إذا قتل صيد الحرم فأكل منه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن هذه) ش: أي ذبيحة المحرم. م: (ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار) ش: والتوبة لأنه معصية. م: (وصار كما إذا أكله محرم غيره) ش: أي غير الذابح أو أكله حلال.
ولأبي حنيفة أن حرمته باعتبار كونه ميتة كما ذكرنا، وباعتبار أنه محظور إحرامه؛ لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية في حق الذكاة، فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط مضافة إلى إحرامه بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه.
ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه، ولا أمره بصيده، خلافا لمالك رحمه الله فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم. له قوله صلى الله عليه وسلم:«لا بأس بأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده، أو يصاد له» .
ــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة أن حرمته) ش: أي حرمة التناول للآكل المحرم الذابح. م: (باعتبار كونه) ش: أي باعتبار كون المذبوح. م: (ميتة كما ذكرنا) ش: من أن المذبوح ميتة. م: (وباعتبار أنه محظور إحرامه) ش: أي أن المذبوح إحرامه. م: (لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية) ش: أي كونه ممنوعًا اصطياده. م: (والذابح) ش: أي وإخراج الذابح. م: (عن الأهلية في حق الذكاة فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط) ش: وهي كونه ميتة، والأصل والأكل من محظورات إحرامه وخروج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية. م:(مضافة إلى إحرامه) ش: أي إلى إحرام الذابح، فوجب بتناوله الجزاء. م:(بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه) ش: لأنه لم يضف إلى إحرامه.
م: (ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه) ش: أي على اصطياده. م: (ولا أمره بصيده، خلافا لمالك رضي الله عنه فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم) ش: فإن عنده لا يجوز له أكل ما اصطاده الحلال لأجل المحرم، وإن لم يكن بإذن المحرم، وقال في " الموطأ ": إذا أكل المحرم من ذلك الصيد الذي صيد لأجله يجب عليه جزاء الصيد كله، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور.
م: (له) ش: أي لمالك. م: (قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «لا بأس بأن يأكل المحرم لحم الصيد ما لم يصده أو يصاد له» ش: هذا الحديث رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولكن لفظه عندهم «صيد البر لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه، أو يصاد لكم» أخرجوه عن يعقوب بن عبد الرحمن رحمه الله عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صيد البر
…
» الحديث، قال الترمذي رحمه الله: المطلب بن عبد الله بن حنطب لا نعرف له سماعًا من جابر، وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك.
ولنا ما روي أن الصحابة رضي الله عنهم تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال صلى الله عليه وسلم " لا بأس به "، واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم، أو معناه أن يصاد بأمره.
ــ
[البناية]
وقال صاحب " التنقيح ": عمرو بن أبي عمرو تكلم فيه بعض الأئمة، لكن روى عنه مالك، وأخرج له البخاري ومسلم في " صحيحهما ": والمطلب بن عبد الله ثقة، إلا أنه لم يسمع من جابر فيما قيل، والعجب من الأترازي أنه ذكر هذا الحديث في معرض الاستدلال لمالك، ولم يذكر أن لفظه ما ذكره المصنف يخالف ما ذكره أصحاب السنن في صدر الحديث. وأعجب منه أنه قال له قوله عليه الصلاة والسلام: " «صيد البر لكم حلال
…
» الحديث، ثم قال: رواه الترمذي، وصاحب السنن، ولم ينبه على صاحب السنن من هو، والترمذي أيضًا صاحب السنن.
م: (ولنا ما روي أن الصحابة رضي الله عنهم تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال عليه الصلاة والسلام:«لا بأس به» ش: هذا رواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن محمد بن المنكدر، عن عثمان بن محمد، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه «قال: تذاكرنا لحم الصيد بأكلها لمحرم، والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فارتفعت أصواتنا فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" فيما تتنازعوا؟ " فقلنا: في لحم الصيد يأكلها المحرم، فأمرنا بأكله
…
» انتهى. وهو يخالف لفظ ما ذكره المصنف، فإن قوله: لا بأس به، يخالف قوله فأمرنا من حيث اللفظ، وإن كانا في الحقيقة بمعنى واحد، على أن الفرق بين اللفظين ظاهر من حيث الظاهر على ما لا يخفى.
م: (واللام فيما روي لام تمليك) ش: هذا جواب عن الحديث الذي رواه مالك رحمه الله، وأراد باللام في قوله: أو يصيد له، فزعم المصنف أنه لام تمليك. م:(فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم) ش: لأن تمليك الصيد إنما يتحقق فيما أهداه إلى المحرم لا فيما أهدي إليه اللحم؛ لأن اللحم يسمى صيدًا حقيقة، فاقتضى الحديث حرمة تناول الصيد على المحرم، وبه نقول لإحرامه أكل لحمه إذا لم يكن بإذنه. م:(أو معناه أن يصاد بأمره) ش: أي أو أن يكون بمعنى أو يصيد له بأمره، فحينئذ يحرم.
واعلم أن هذا الحديث روي بالرفع أيضًا، أو يصاد له كما رواه أصحاب " السنن " على ما ذكرناه الآن فحينئذ لا تمسك لمالك بهذه الرواية لا يقتضي الحل إذا صاده غيره لأجله؛ لأنه صار معطوفًا على المعنى لا على الغاية، ومع هذا فهذا الحديث ضعيف ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والترمذي.
ثم شرط عدم الدلالة، وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة، قالوا: فيه روايتان. ووجه الحرمة حديث أبي قتادة رضي الله عنه وقد ذكرناه. وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء؛ لأن الصيد استحق الأمن بسبب الحرم. قال صلى الله عليه وسلم في حديث فيه طول: «ولا ينفر صيدها» .
ــ
[البناية]
وقال الترمذي: منقطع، وقد ذكرناه الآن. وقال الشيخ حميد الدين الضرير: والصحيح عندي بالنصب، وأو هاهنا بمعنى إلى أن لا يأتي إلى أن يصاد له، وحكم ما بعد الغاية تخالف حكم ما قبلها، فيستقيم السند به حينئذ؛ لأنه صار تقديره يحل للمحرم أكل لحم الصيد بنفسه حلًا محدودًا إلى غاية اصطياد الغير لأجله، كذا في الخيار.
م: (ثم شرط عدم الدلالة) ش: أي شرط القدوري رحمه الله في قوله: إذا لم يذكر المحرم. م: (وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة) ش: أي شرط عدم الدلالة عن القدوري نص في رواية على أن المحرم إذا دل حلالًا على صيد الحل، فذبحه الحلال يكون اللحم حرامًا لا يحل له أكله. قوله: محرمة - بكسر الراء وتشديدها. م: (قالوا: فيه روايتان) ش: أي قال المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم في تحريم اصطياده حلال بدلالة المحرم روايتان في رواية: يحرم، وفي رواية: لا يحرم، قلت: رواية الحرمة رواية الطحاوي رضي الله عنه، ورواية عدم الحرمة رواية أبي عبيد الله الجرجاني.
م: (ووجه الحرمة حديث أبي قتادة، وقد ذكرناه) ش: أي في باب الإحرام بقوله: هل أعنتم، هل أشرتم، هل دللتم، وقد مر الكلام فيه، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري. م:(وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء) ش: وفي بعض النسخ: عليه قيمته، وقيد بقوله: الحلال؛ لأن المحرم لو قتله تلزمه كفارة واحدة لأجل الإحرام. وفي " المبسوط ": ذبح الحلال صيد الحرم فعليه قيمته عند العلماء إلا على قول أصحاب الظاهر فإنه لا شيء عليه عندهم. م: (لأن الصيد يستحق الأمن بسبب الحرم) ش: فإن قلت: الصيد كما استحق الأمن بسبب الحرم فكذلك بسبب الإحرام، وإذا قتل المحرم صيد الحرم ينبغي أن يجب عليه كفارتان وليس كذلك.
قلت: وجوب الكفارتين وجه القياس، صرح بذلك في " الإيضاح ". ووجه الاستحسان ما ذكره في " شرح الطحاوي " أن حرمة الإحرام أقوى؛ لأن المحرم حرم عليه الصيد في الحل، والحرم جميعًا، فامتنع الأقوى الأضعف.
م: (قال عليه الصلاة والسلام في حديث طويل: «ولا ينفر صيدها» ش: وفي بعض النسخ في حديث فيه طول، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما فتح الله عز وجل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " إن الله
ولا يجزيه الصوم؛ لأنها غرامة، وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال. وهذا لأنه يجب بتفويت وصف في المحل، وهو الأمن، والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛
ــ
[البناية]
حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها أحلت لي ساعة من النهار ثم بقي حرام إلى يوم القيامة، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يخلى خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: " إلا الإذخر» .
وأخرج البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة
…
الحديث، وفيه:«لا ينفر صيدها» وذكر المصنف هذا لأنه هو الأصل، وفي حرمة صيد الحرم على الحلال إذا أحرم يتغير صيد الحرم، فالقتل أولى وإنها خلا، والخلا والخلاء بفتح الخاء المعجمة، وبالقصر الرطب من المرعى، وبالمد المكان الخالي، والحشيش هو اليابس من الكلأ، والعضد القطع من باب ضرب، وعضده ضرب عضده من باب دخل.
م: (ولا يجزئه الصوم) ش: أي ولا يجزئ ذابح صيد الحرم الصوم. م: (لأنها) ش: أي لأن قيمة الصيد. م: (غرامة وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال) ش: وليس فيه إلا الغرامة.
فإن قلت: لو كان غرامة ينبغي أن يجب على الصبي، والمجنون، والكافر، كما في أموال الناس، وقد نص في " الإيضاح " أنه لا يجب عليهم.
قلت: وإن كان ضمان المحل، لكن فيه معنى الحل أيضًا، حتى لو أخذ حلال صيد الحرم فقتله في يده حلال آخر فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد متلف، فأحدهما بالأخذ والآخر بالقتل والأخذ المفوت للأمن كالاستهلاك ثم يرجع الأخذ على القاتل عما ضمن بالاتفاق.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يؤدى في ضمن جزاء الإحرام فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم، كما لا يؤدى ضمان حق العبد في ضمن الجزاء فيمن قتل صيدًا مملوكًا في الحرم.
قلت: حرمة الحرم حصلت في حرمة الإحرام فيما نحن فيه؛ لأن حرمة الحرم لإثبات الأمن للصيد، وكذا حرمة الإحرام، فكان الضمان لله تعالى في الحرمتين، فجعل أحدهما تبعًا للأخرى، بخلاف الصيد المملوك بأن مما يجب بأن القتل حق الله تعالى، فلا يمكن أن يقضي به حق العبد، فصار في حق العبد كأن الضمان لم يستوف، كذا في " الأسرار ".
م: (وهذا) ش: يشير به بين قتل المحرم الصيد، وقتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني بقوله. م:(لأنه) ش: أي لأن وجوب الضمان. م: (يجب بتفويت وصف في المحل) ش: أراد بالوصف الأمن، وبالمحل الصيد. م:(وهو الأمن) ش: أي الوصف هو الأمن. م: (والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛ لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه) ش: ولهذا لو
لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه،
والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال. وقال زفر رحمه الله: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم، والفرق قد ذكرناه،
وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان. ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه إذا كان في يده، خلافا للشافعي رحمه الله فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد. ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم، أو صار هو من صيد الحرم،
ــ
[البناية]
اشترك حلالان في قتله يجب عليهما ضمان واحد، بخلاف المحرمين؛ فإنه يجب على كل واحد منهما قيمة كاملة لا جزاء القتل.
م: (والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال) ش: أما صلاحية الصوم جزاء الأفعال فلقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، وأما عدم صلاحيته لضمان المحل فلأنه لا مماثلة بين الصوم، وهو العرض، وبين المحل وهو العين. م:(وقال زفر رحمه الله: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد؛ لأن الواجب هنا كفارة كالواجب على المحرم، فيتأدى بالصوم. م:(والفرق) ش: أي الفرق بين قتل المحرم الصيد وبين قتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني. م: (قد ذكرناه) ش: هو الذي ذكره بقوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحل.
م: (وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان) ش: في رواية يجزئه، وبه قال الشافعي وزفر ومالك وأحمد، حتى لو سرق المذبوح بعد الذبح لا شيء عليه، ويشترط أن تكون قيمته عندنا مثل قيمة الصيد؛ لأن الهدي مال يجعل لله تعالى والإراقة طريق صالح لجعل المال له تعالى خالصًا بمنزلة التصدق، وفي رواية لا يجوز حتى لو سرق المذبوح لا يتأدى الواجب ويشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد.
م: (ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه) ش: أي في الحرم. م: (إذا كان في يده) ش: قال في " النهاية " يعني وهو حلال حتى يظهر خلاف الشافعي رضي الله عنه، فإن المحرم لا يتوقف وجوب الإرسال على أدنى بعضه لا يجب عليه الإرسال على دخول الحرم، فإنه يجب عليه الإرسال بالاتفاق. م:(خلافا للشافعي رحمه الله فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد) ش: لأن الله تعالى غني والعبد محتاج فلا يجب الإرسال.
م: (ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم) ش: أي ترك التعرض للصيد لأجل حرمة الحرم. م: (أو صار هو من صيد الحرم) ش: تعليل ثان لوجوب الإرسال، وفي نسخة الأترازي بخطة إذ هو من صيد الحرم بكلمة إذ التي هي للتعليل، وقال قوله - إذا صارت من صيد الحرم - تعليل لوجوب ترك التعرض، وكلمة هو راجع إلى الصيد. وقال الأكمل أيضًا ما يقوي كلامه حيث قال: إنه لما صار في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وبين الملازمة بقوله
فاستحق الأمن لما روينا. فإن باعه رد البيع فيه إن كان قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء؛ لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا. ومن أحرم وفي بيته أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله. وقال الشافعي رحمه الله: عليه أن يرسله؛ لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده. ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا
ــ
[البناية]
إذا صار يعني الصيد من صيد الحرم بالدخول فيه وصيد الحرم مستحق للأمن. م: (فاستحق الأمن لما روينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ولا ينفر صيدها» .
م: (فإن باعه رد البيع فيه) ش: أي فإن باع الحلال الصيد الذي أدخله من الحل إلى الحرم رد البيع فيه، أي في الصيد. م:(إن كان) ش: أي الصيد. م: (قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد، وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء) ش: يتصدق بقيمته. م: (لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله - لأن البيع في الصيد لم يجز لما فيه من التعرض للصيد - وفي " مناسك الحسن " نقل صاحب " الأجناس " أن أحد متعاقدي البيع في الصيد إذا كان محرمًا لا يجوز البيع سواء كان بيعًا أو هبة أو صدقة، وإن كان المتعاقدان حلالين ينظر إلى موضع الصيد إن كان في الحلال جاز البيع سواء كان المتبايعان في الحل أو الحرم أو أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، وإن كان الصيد في الحرم لم يجز البيع، فإن سلمه للمشتري فذبحه كان على المحرم الذي باعه جزاؤه، وعلى المشتري قيمته للبائع إذا كان قد اصطاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه، وللبائع أن يتعين بهذه القيمة في الجزاء الذي عليه، وكذا بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال، يعني يرد البيع إن كان الصيد قائمًا، وإن كان فائتًا فعليه الجزاء.
م: (ومن أحرم وفي بيته) ش: أي والحال أن في بيته. م: (أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله) ش: ولا يزول ملكه عنه، وهو مذهب الأوزاعي ومجاهد وعبد الله بن الحارث ومالك وأحمد وأبي ثور، لكن يجب إزالة يده عنه إن كان في يده أو رجليه أو جبهته أو في قفص معه، أو كان مربوطًا بحبل معه، وقال أبو ثور رحمه الله: لا تلزمه إزالته، وصححه ابن المنذر، وإن كان في بيته أو في قفصه لا يلزمه إرساله.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: يجب عليه أن يرسله) ش: وبه قال مالك: وأحمد في رواية عن كل منهما. وقال الأزهري: لا يزول ملكه. م: (لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده) ش: وهذا بناء على أن بالإحرام هل يزول الملك عن الصيد المملوك أم لا، فعندنا لا يزول، وعنده يزول.
م: (ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحرمون وفي بيوتهم صيود ودواجن) ش: رواه
يحرمون، وفي بيوتهم صيود، ودواجن، ولم ينقل عنهم إرسالها، وبذلك جرت العادة الفاشية، وهي من إحدى الحجج. ولأن الواجب ترك التعرض، وهو ليس بمتعرض من جهته؛ لأنه محفوظ بالبيت والقفص لا به، غير أنه في ملكه، ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك، وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع.
قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر
ــ
[البناية]
ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث كنا نحج وننزل عند أهلنا [....] من الصيد ما نرسلها. حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد أن عليًا رضي الله عنه رأى مع جماعة داجنا من الصيد وهم محرمون فلم يأمرهم بإرساله والدواجن جمع داجن، وهو الذي تعود المكان وألفه من قولهم بعير داجن، وشاة داجن، إذا كان مقيمًا بالبيت لا يرعى، وأراد بالصيود نحو الصقر والشاهين، وبالدواجن نحو الغزال.
م: (ولم ينقل عنهم إرسالها) ش: أي لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم إرسال الدواجن بعد الإحرام. م: (وبذلك جرت العادة الفاشية) ش: أي بكون الدواجن في البيوت وهم محرمون أي جرت العادة المستمرة المشهورة من العشر وهو الظهور. وقال قاضي خان: ألا ترى أن الرجل يحرم وله بيت حمام لا يجب عليه إرسالها. م: (وهي من إحدى الحجج) ش: أي العادة الفاشية من إحدى الحجج التي يحكم بها، قال صلى الله عليه وسلم «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» . وقال الكاكي: العادة الفاشية مثل الإجماع القولي.
م: (ولأن الواجب) ش: على المحرم، هذا دليل آخر يتضمن الجواب عن دليل الشافعي رحمه الله. م:(ترك التعرض) ش: للصيد. م: (وهو) ش: أي المحرم الذي في بيته قفص صيد. م: (ليس بمتعرض) ش: للصيد. م: (من جهته لأنه) ش: أي أن الصيد. م: (محفوظ بالبيت والقفص لا به) ش: أي لا بالمحرم. م: (غير أنه في ملكه) ش: لم يزل عنه.
م: (ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك) ش: لأنه ليس يتعرض للصيد فإن وجوب الجزاء لو كان باعتبار الملك ينبغي أن يجب الجزاء أرسل أو لم يرسل ولا يقول به أحد، فإن أرسله لا ينعدم ملكه. م:(وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع) ش: أي لا يضيع الملك؛ لأن إضافة المال حرام فيرسله في بيت أو يودعه عنه إنسان.
م: (قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: وبه قال مالك وأحمد:. م: (وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف) ش: لأن الإرسال واجب عليه. م: (ناه عن المنكر) ش: لأن الإرسال حرام عليه، فكان مقيمًا للحسنة فلا
{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91](91 التوبة) . وله أنه ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما، فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه، بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام؛ لأنه لم يملكه. والواجب عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا، ونظيره الاختلاف في كسر المعازف.
وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق؛ لأنه لم يملكه بالأخذ، فإن الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96](96 المائدة) ، فصار كما إذا اشترى الخمر، فإن قتله محرم آخر في يده فعلى كل واحد منهما
ــ
[البناية]
يكون ضامنًا، قال تعالى. م:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91](التوبة: الآية 91) ش: لأنه فعل ما فعله طلبًا لرضا الله تعالى، وما لأحد سبيل إلى منع المحسن من إحسانه.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة رحمه الله. م: (أنه) ش: أي المحرم. م: (ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما) ش: أي معصومًا. م: (فلا يبطل احترامه بإحرامه) ش: كما في سائر أمواله. م: (وقد أتلفه المرسل فيضمنه) ش: بالإتلاف. م: (بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام) ش: لأن محرم العين على المحرم فلا يضمن المرسل. م: (لأنه) ش: أي لأن الآخذ. م: (لم يملكه) ش: أي لم يملك الصيد. م: (والواجب عليه) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال سلمنا أنه ملكه ملكًا محترمًا، ولكن وجب إخراجه من الملك تركًا للتعرض الواجب الترك فأجب بقوله الواجب عليه. م:(ترك التعرض) ش: لا الإخراج عن ملكه. م: (ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا) ش: فيضمنه. م: (ونظيره الاختلاف في كسر المعازف) ش: لأنه آمر بالمعروف ناه عن المنكر، وعند أبي يوسف رحمه الله يجب الضمان؛ لأنه مملوك لصاحبه كما إذا قتل الجارية المغنية خطأ تجب قيمتها غير مغنية والمعازف الملاهي، قال ابن دريد: قال قوم من أهل اللغة: هو اسم يجمع العود والطنبور وأشباههما. وقال آخرون: بل المعازف التي استخرجها أهل اليمن في ديوان الأدب المعزف ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن.
م: (وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة رحمه الله وصاحبيه. م: (لأنه) ش: أي لأن المحرم. م: (لم يملكه) ش: أي الصيد. م: (بالأخذ) ش: ملكًا محترمًا. م: (فإن الصيد لم يبق محلا للتمليك) ش: لأن الحرمة أضيفت إلى العين. م: (في حق المحرم؛ لقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ش: (المائدة: الآية 96) أي محرمين. م: (فصار كما إذا اشترى الخمر) ش: يعني إذا اشترى المسلم الخمر لا يملكها، فإذا أتلفها آخر لا ضمان عليه؛ لأنها حرام لعينها لقوله صلى الله عليه وسلم «حرمت الخمرة لعينها» فكذا إذا أرسل صيد المحرم؛ لأن الصيد حرام عليه لعينه، فلا يجب الضمان.
م: (فإن قتله محرم آخر في يده) ش: أي في يد المحرم. م: (فعلى كل واحد منهما) ش: أي من