الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: والكفارة مثل كفارة الظهار لما روينا، ولحديث الأعرابي فإنه قال:«يا رسول الله هلكت وأهلكت، فقال: ماذا صنعت؟، قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا، فقال صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة، فقال: لا أملك إلا رقبتي هذه، فقال: صم شهرين متتابعين، فقال: وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم؟ فقال: أطعم ستين مسكينا، فقال: لا أجد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يؤتى بفرق من تمر "ويروى" بعرق فيه خمسة عشر صاعا، وقال: فرقها على المساكين: فقال: والله ليس ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي، فقال: كل أنت وعيالك يجزيك ولا يجزي أحدا بعدك»
ــ
[البناية]
وعن الرابع: أن تمام الجوع لا يبيح الفطر عند الضرورة، لأن الضرورة عبارة عن خلو المعدة لخوف الهلاك على نفسه بسبب من الجوع، لأن الجوع عبارة عن الاستشهاء ووقوع الحاجة إلى الأكل، وهذا لا يباح بحال، والضرورة عبارة عن خلو المعدة التي يتعلق بها بقاء الطبيعة، وذلك الخلو لا يتصور بعضه ببعض الزاد إذا بقي، ولا يخلو دخول الجوف عما فيه لا يتصور بعضه، وعن الخامس فهو الجواب عن الأول.
[صفة كفارة المفطر عمدا في رمضان]
م: ( [ثم قال] والكفارة مثل كفارة الظهار) ش: أي الكفارة التي تجب بالواقع، مثل كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر م:(لما روينا) ش: أراد به قوله عليه الصلاة والسلام: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الأول: أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة من حديث أبي هريرة فقال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن «حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد من رقبة تعتقها؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال لا، قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما نحن كذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرق فيها تمر، والفرق المكيل، قال: أين السائل؟ فقال أنا، فقال خذها فتصدق بها، فقال الرجل: أعلى [وجه الأرض] أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أسنانه، قال: أطعمه أهلك» .
وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير كلهم عن ابن عيينة، قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله فقال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا فقال أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أسنانه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك» .
وقال أبو داود: حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان، قال مسدد حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال:«أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت، فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، قال اجلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه وقال: أطعمهم إياه» .
وقال الترمذي: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأبو عمار الضبي وأحمد واللفظ لفظ أبي عمار، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن «عن أبي هريرة
…
قال أتاه رجل فقال يا رسول الله هلكت، فقال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، فأجلس؟ فجلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرق فيه تمر، والفرق المكتل الضخم، قال: فتصدق به، قال: ما بين لابتيها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
أحد أفقر منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه، قال: خذه فأطعمه أهلك» .
وقال النسائي: أخبرنا محمد بن نصر النيسابوري ومحمد بن إسماعيل الترمذي، قالا حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثني أبو بكر وهو ابن أبي أويس عن سليمان قال يحيى بن سعيد وأخبرني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، قال الرجل: يا رسول الله ما أجده، فأتي بفرق من تمر فقال: خذ هذا فتصدق به، قال: ما أحد أحوج يا رسول الله مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: كله» . ورواه من طريق أخرى.
وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال:«أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: هلكت فقال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة قال: لا أجدها قال صم شهرين متتابعين قال: لا أطيق قال أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، قال: اجلس فجلس فبينما هو كذلك إذ أتي بمكتل يدعى الفرق، قال: اذهب فتصدق به فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، قال: فانطلق فأطعمه عيالك» .
النوع الثاني: في معناه قوله - بينما - أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت بينا، ثم زيدت فيه الميم فصارت بينما، وتضاف إلى جملة اسمية وفعلية، وتحتاج إلى جواب يتم به المعنى، وجوابه هنا هو قوله - إذ جاء رجل - زعم ابن بشكوال أن هذا الرجل هو سلمة بن صخر البياضي فيما ذكره ابن أبي شيبة في مسنده، وعن ابن الجارود سليمان بن صخر. وفي جامع الترمذي سلمة بن صخر، وهذا في المتن لحديث الأعرابي، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة. والعرب اسم لهذا الجيل من الناس سواء أقاموا بالبادية أو المدن، والنسبة إليه عربي.
قوله - هلكت - في رواية البخاري وكذا في رواية البقية، وفي متن حديث الباب - هلكت وأهلكت - وليس في الكتب الستة لفظ وأهلكت، وقال الخطابي رحمه الله هذه اللفظة غير محفوظة، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه، إنما ذكروا قوله - هلكت - فقط غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ، والمعلى ليس بذاك القوي في الحفظ والإتقان، انتهى.
قلت: أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي ثور حدثنا المعلى بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري به، وفيه هلكت وأهلكت، وفي رواية البيهقي في " سننه " أيضاً جاءه رجل
وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله يخير لأن مقتضاه الترتيب
ــ
[البناية]
وهو ينتف شعره ويدق صدره، ويقول هلكت ألا بعد وأهلكت، [وفي رواية ويدعو بالويل، وفي رواية ويلطم وجهه، وفي رواية الحجاج بن أرطاة ويدعو ويله، وفي مرسل سعيد بن المسيب عن الدارقطني ويحثي على رأسه التراب.
قوله - قال مالك - وفي رواية مسلم - وما أهلكك - وكذا في رواية الترمذي وابن ماجه] ، وفي رواية أبي داود - وما شأنك؟ - وفي متن حديث الكتاب ماذا صنعت؟. قوله - بفرق - بفتح الفاء والراء مكيال لستة عشر رطلاً، والعرق بفتح العين والراء، وقال أبو عبيد فتح الراء وهو الصواب عند أهل اللغة، قال وأكثرهم يروونه بسكون الراء. وفي ديوان الأدب - العرق - الزنبيل، وقال أبو عمر - العرق - أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من الفرق، والعرقة زنبيل، وفي المحكم الفرق واحدته فرقة.
قوله - لابتي المدينة - تثنية اللابة، قال الأصمعي اللابة الحرة وهي الأراضي التي قد ألبتها حجارة سود، جمعها لابات ولوب. قوله - يجزيك لا يجزي أحداً بعدك - لم يرد في كتاب من كتب الحديث.
النوع الثالث: أن هذا الحديث يدل على بيان كفارة من أفطر في رمضان عمداً على الترتيب المذكور فيه، وفيه كلام كثير لا يحتمل هذا الموضع بيانه، فمن أراد ذلك فعليه بشرحنا للبخاري والذي سميناه عمدة القاري في شرح البخاري.
م: (وهو) ش: أي حديث الأعرابي م: (حجة على الشافعي رحمه الله في قوله يخير) ش: أي يخير من عليه الكفارة بين الإعتاق والصوم والإطعام مطلقاً، فأيهما أدى خرج عن العهدة. وقال الكاكي قوله - وهو حجة على الشافعي في قوله يخير - وقع سهواً من الكاتب، فإن الشافعي لا يقول بالتخيير، بل يقول مثل مذهبنا بالترتيب، وبه قال أحمد في أصح الروايتين.
وقال في شرح الموطأ وابن المنذر في الأشراف قالوا هذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه والأوزاعي، والثوري والحسن بن حي والشافعي رحمهم الله وأحمد وأبي ثور، وقال السغناقي: والشافعي رحمه الله لا يقول بالتخيير بل يقول بالترتيب المذكور في حق المظاهر كما هو قولنا، وهو منصوص في كتبهم في الوجيز والخلاصة المسنوبان للغزالي، وكذلك في كتبنا في مبسوط شمس الأئمة وفخر الإسلام.
م: (لأن مقتضاه) ش: أي مقتضى الحديث وجوب م: (الترتيب) ش: ودلالة الحديث على الترتيب ظاهرة، والذي ذهب إلى التخيير استدل بحديث سعد بن أبي وقاص «أن رجلاً سأل