الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفوات
ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر، فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه، وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة» . وعليه الحج من قابل،
ــ
[البناية]
[باب الفوات]
[حكم من أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة]
م: (باب الفوات) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام الفوات في الحج وآخره عن الإحصار؛ لأن الفوات إحرام وأداء، والإحرام والإحصار إحرام بلا أداء، فكان الإحصار قابلًا في العارضية، فقدم على الطواف وأيضًا معنى الإحصار من الفوات نازل منزلة المفرد من المركب، والمفرد قبل المركب.
م: (ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه) ش: أي إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وأراد بقوله: لما ذكرنا ذكره في الفصل المتقدم على باب القران.
م: (وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل) ش: أي بالحلق، وعن مالك رحمه الله: يبقى محرمًا حتى يقف بعرفة في العام القابل، واختلف أصحاب الشافعي رضي الله عنهم في أن التحلل بماذا، قال بعضهم: يتحلل ويسعى، ويحلق قولا واحدًا.
وقال بعضهم في المسألة قولان: أحدهما: وهو الصحيح أن عليه طوافًا وسعيا وحلقًا، والثاني: أنه ليس عليه شيء، وقال المزني رحمه الله: لا يسقط، وبه قال مالك رحمه الله. م:(ويقضي الحج من قابل) ش: أي من عام قابل. وقال الشافعي رحمه الله: إن كان الحج فرضا يبقى في ذمته، ويحج من قابل، وإن كان تطوعًا يلزمه القضاء، وعن أحمد: لا قضاء في رواية. م: (ولا دم عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: (من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة. وعليه الحج من قابل) ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني رحمه الله في " سننه " عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم فحديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه عنه رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» ، ورحمة بن مصعب رحمه الله ضعيف. قال الدارقطني: رحمة ضعيف، وقد تفرد به. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله وضعفه عن جماعة.
والعمرة ليست إلا الطواف والسعي، ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم. وهاهنا عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة، ولا دم عليه
ــ
[البناية]
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه عن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي، عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه، ومن فاته عرفات، فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» . ويحيى بن عيسى النهشلي رحمه الله قال النسائي رحمه الله فيه: ليس بالقوي، وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": كان ممن ساء حفظه، وكثر وهمه حتى خالف الأثبات، فبطل الاحتجاج به، ثم أسند عن ابن معين رحمه الله أنه قال: كان ضعيفًا ليس بشيء، وقال في " التنقيح ": روى له مسلم، والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث، ولم يذكر أحد منهم ما حاله.
م: (والعمرة ليست إلا الطواف والسعي) ش: بين الصفا والمروة. م: (ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين) ش: وهما الحج والعمرة، قوله: صحيحًا، أي نافذًا لازمًا، لا يرتفع برافع احترز به عن إحرام الرقيق بغير إذن المولى. وإحرام المرأة في التطوع بغير إذن زوجها، فإن للمولى والزوج أن يحللاهما وليس باحتراز عن الإحرام الفاسد كما إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة، أو أحرم مجامعًا، فإن حكمه حكم الصحيح، قيل: قوله: لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين منقوض بالمحصر، فإن الهدي طريق له للخروج عنه، وأجيب بأنه بنى الكلام على ما هو الوضع، ومسألة الإحصار في العوارض تثبت بالنص، وقال السغناقي رحمه الله في الجواب: أجرى الكلام على ما هو الأصل فلا ترد العوارض نقضًا.
م: (كما في الإحرام المبهم) ش: أي لا، كما لا يخرج في الإحرام المبهم إلا بأحد النسكين، والإحرام المبهم بأن يقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يقول: بحج وعمرة. م: (وهاهنا) ش: يعني في مسألة الفوات عن الوقوف. م: (عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة) ش: لأن الحكم إذا دار بين الشيئين وانتفى أحدهما، تعين الآخر، وقد انتفى الحج منها لفائتة فتعين العمرة. م:(ولا دم عليه) ش: وقال الشافعي، ومالك، والحسن بن زياد رحمهم الله: عليه دم لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه حين فاته الحج: فإذا أدركت الحج من قابل، فحج واهدي ما استيسر من الهدي، وهكذا عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ ولأنه صار كالمحصر، فيجب عليه دم قياسًا عليه.
لأن التحلل وقع بأفعال العمرة، فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما. والعمرة لا تفوت وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها،
وهي يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة
ــ
[البناية]
ولنا الحديث الذي رواه الدارقطني رحمه الله المذكور آنفًا وهذا دليل على أن الدم غير واجب؛ لأنه موضع الحاجة إلى البيان، واللائق بمنصبه البيان في موضع الحاجة، فإذا لم يبين، علم أنه ليس بواجب. روي عن الأسود رحمه الله أنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه قال: من فاته الحج يحل بعمرة، ولا دم عليه، وعليه الحج من قابل. ثم لقيت زيد بن ثابت رضي الله عنه بعد ذلك بثلاثين سنة، فقال مثل ذلك، وعن عثمان رضي الله عنه مثله.
م: (لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما) ش: ولا يقاس أحدهما على الآخر؛ لأن كل واحد منهما قادر، وعاجز على ما يعجز عنه الآخر وعما يقدر عليه. م:(والعمرة لا تفوت) ش: لأنها غير مؤقتة. م: (وهي جائزة في جميع السنة) ش: حتى لو أهل بعمرة في أشهر الحج فقدم مكة يوم النحر يقضي عمرته، ولا دم عليه، والحاصل أن جميع السنة وقتها. م:(إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها) ش: أي فعل العمرة في هذه الخمسة أيام.
وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يكره في وقت من السنة، وقال مالك: تكره في أشهر الحج تعظيمًا لأمر الحج. وقد اختلف السلف في العمرة في أشهر الحج، وكان عمر رضي الله عنه ينهى عنها، ويقول: الحج في الأشهر، والعمرة في غيرها أكمل لحجكم وعمرتكم.
والصحيح أن العمرة جائزة فيها بلا كراهة بدليل ما روى البخاري رحمه الله في " الصحيح " بإسناده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة» .
م: (وهي يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة) ش: أخرج البيهقي عن شعبة عن يزيد عن معاذ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعد ذلك. وقال الشيخ في " الإمام ": وروى إسماعيل بن عباس عن نافع عن طاوس رحمه الله فإن قال البحر يعني ابن عباس رضي الله عنهما: خمسة أيام: عرفة، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، اعتمر قبلها وبعدها ما شئت.
وقال مخرج الأحاديث: ولم يعزه. قلت: روى سعيد بن منصور رضي الله عنه ورواية عائشة رضي الله عنها لا يوافق كلام المصنف، ولا يوافقه إلا حديث ابن عباس -
ولأن هذه أيام الحج فكانت متعينة له. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه، ولكن مع هذا لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها؛ لأن الكراهة لغيرها وهو تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له فيصح الشروع، والعمرة سنة. وقال الشافعي رحمه الله: فريضة
ــ
[البناية]
رضي الله عنهما على ما لا يخفى. وقال الأترازي رحمه الله: ولنا ما روى أصحابنا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تمت العمرة في السنة كلها إلا: يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التشريق، انتهى. قلت: هذا ليس فيه الكفاية للدليل، وإقامة الحجج.
م: (ولأن هذه) ش: أي هذه الأيام الخمسة. م: (أيام الحج فكانت متعينة له) ش: أي للحج: وروي. م: (عن أبي يوسف رحمه الله: أنها لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه) ش: وهو كون هذه العمرة يوم عرفة قبل الزوال وبعده. م: (ولكن مع هذا) ش: أي مع كونها مكروهة في الأيام الخمسة. م: (لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها) ش: أي بالعمرة إن لم يؤدها في هذه الأيام كبناء الصلاة بعد دخول الوقت المكروه. م: (لأن الكراهة لغيرها) ش: أي لغير عين العمرة، أراد أن الكراهة لمعنى في غيرها لا في نفسها. م:(وهو) ش: أي الكراهة لغيرها. م: (تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له) ش: أي للحج، ومن تعظيم أمره أن يجعل له الوقت خاصة لا يكون فيه غيره، فإذا كان الكراهة لمعنى في غيرها. م:(فيصح الشروع فيها، والعمرة سنة) ش: وفي " الينابيع ": أي سنة مؤكدة، وفي " البدائع ": اختلف أصحابنا فيها.
فمنهم من قال: إنها واجبة كصدقة الفطر، والأضحية، والوتر، ومنهم من أطلق عليها اسم السنة، وهي لا تنافي الوجوب، وفي " التحفة "، و" القنية ": اختلف المشايخ فيها، قيل: هي سنة مؤكدة، وقيل: واجبة، وقيل في " التحفة ": وهما متقاربان، وفي " الذخيرة ": لا يوجد في كتب أصحابنا أن العمرة تطوع، إلا في كتاب " الحجر ". وقال بعض المشايخ - ومنهم محمد بن الفضل -: فرض كفاية ذكره في " المنافع "، وبالأول قال الشعبي، والنخعي، ومالك، وأبو ثور رحمهم الله، وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه، ومنهم من قال: العمرة تطوع، وبه كان الشافعي رحمه الله يقول ببغداد ثم قال بمصر: هي فريضة كالحج، وهو الجديد، وإليه أشار بقوله المصنف.
م: (وقال الشافعي رضي الله عنه: فريضة) ش: وبه قال أحمد، وابن حبيب، وأبو بكر بن الجهم رضي الله عنهم من المالكية، ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما وابن عباس رضي الله عنهما ذكر ذلك ابن المنذر رحمه الله في " الأشراف "، قال: وهو قول عطاء،
لقوله عليه الصلاة والسلام: «العمرة فريضة كفريضة الحج»
ــ
[البناية]
وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومسروق، وإسحاق رضي الله عنهم. م:(لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «العمرة فريضة كفريضة الحج» ش: هذا غريب.
وروى الحاكم في " مستدركه "، والدارقطني في " سننه " من حديث محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت» ، وقيل أحاديث أخر منها: ما رواه أبو داود والدارقطني رحمهما الله في سننهما " عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما «أن رجلًا قال: يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وأن تحج وتعتمر» .
ومنها ما رواه أبو رزين العقيلي رضي الله عنه «قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا ظعن، قال: " احجج عن أبيك، واعتمر.» ومنها ما رواه ابن ماجه في " سننه "، وأحمد في مسنده " عن محمد بن الفضيل عن حبيب عن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة رضي الله عنهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى النساء جهاد؟ قال: " عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة» .
ومنها ما رواه الدارقطني من حديث الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابًا وبعث به مع عمرو بن حزم وفيه أن العمرة الحج الأصغر» ومنها ما رواه البيهقي في " سننه " عن طريق ابن لهيعة عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
عطاء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» .
والجواب عن هذه الأحاديث أما حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال الحاكم بعد أن أخرجه الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه من قوله: وفي إسناده إسماعيل بن مسلم ضعفوه، ومحمد بن معبد قال البخاري فيه: منكر الحديث، ولم يرض به أحد. وقال حرفنا حديثه ما روى زيد بن ثابت مرفوعًا، وكذا أخرجه البيهقي موقوفا قال: وهو الصحيح.
وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو مخرج في " الصحيحين " وليس فيه: وتعتمر وهذه الزيادة فيها شذوذ، قال صاحب " التنقيح " وأما حديث أبي ذر بن العقيلي فقال أحمد رضي الله عنه لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أصح من هذا، ولكن لا يدل على وجوب العمرة إذ الأمر فيه ليس للوجوب، فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه، وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة فيه لكونه غير متطبع، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقال صاحب " التنقيح "، قد أخرجه البخاري في صحيحه " من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة.
وأما حديث عمرو بن حزم رحمه الله ففي إسناده سليمان بن داود رحمه الله قال غير واحد من الأئمة: إنه سليمان بن أرقم رحمه الله وهو متروك، وأما حديث جابر، رضي الله عنه ففي البيهقي، قال: ابن لهيعة غير محتج به، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله به واستدل من قال بفرضية العمرة بالآية الكريمة وهو قَوْله تَعَالَى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) ؛ لأن الله تعالى عطف العمرة على الحج وأمر بهما، والأمر للوجوب، والواجب من هذا أن عمر وعليًا وابن مسعود وسعيد بن جبير وطاوس رضي الله عنهم قالوا: إتمامها أن يحرم بها من دويرة أهله، فجعل الإتمام تقديم الإحرام بها على المواقيت المعروفة لا فرض العبادة.
وقال ابن القصار: استدلالهم بهذه الآية غلط؛ لأن من أراد أن يأتي بالسنة فواجب عليه أن يأتي بها تامة كمن أراد أن يصلي تطوعًا عليه يجب عليه أن يكون على طهارة ويأتي بها تامة الأركان والشروط، وما قالوه يبطل بعمرة ثانية وثالثة فإنه يجب إتمامها والمضي فيها وفي فسادها وإن لم تكن واجبة في الأصل. وقال أبو عمر حافظ المغرب: إن الله سبحانه وتعالى لم يوجب
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ؛ ولأنها غير مؤقتة بوقت وتتأدى بنية غيرها كما في فائت الحج، وهذه أمارة النفلية
ــ
[البناية]
العمرة، ولا أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب النفل ولا أجمع المسلمون على فرضيتها، والمفروض لا يثبت إلا من هذه الوجوه، فقد ثبت في " الصحيح " أنه صلى الله عليه وسلم قال:«بني الإسلام على خمس» ، وذكر منها «حج البيت» ولم يذكر العمرة. فلو كانت فريضة كالحج كما زعموا لذكرها، فسقط قول من ادعى أنها فريضة.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ش: هذا الحديث غريب مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة رحمه الله في " مصنفه "، موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه فقال: حدثنا ابن إدريس وأبو ساحة عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «الحج فريضة والعمرة تطوع» .
وروى ابن ماجه في " سننه ": حدثنا هشام بن عمار عن الحسن بن الحسن بن يحيى الحسني عن عمر بن قيس عن طلحة بن يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: «الحج جهاد، والعمرة تطوع» . وعمر بن قيس رضي الله عنه تكلم فيه.
وأخرج الترمذي عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة؟ قال: " لا، وأن تعتمروا هو أفضل» ، وقال: حديث حسن صحيح، وهو قول بعض أهل العلم، قالوا: العمرة ليست بواجبة. وكان يقال: هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة.
م: (ولأنها غير موقتة) ش: أي ولأن العمرة غير موقتة. م: (بوقت) ش: إذ لو كانت فرضًا لتعلقت بوقت كالصلاة والصوم.. م: (وتتأدى بنية غيرها) ش: يعني تؤدى بإحرام غيرها بأن نواها بنية الحج. م: (كما في فائت الحج) ش: فإنه يتأدى بنية الحج الذي فاته. م: (وهذه أمارة النفلية) ش: يعني كونها غير موقتة وكونها تؤدى بنية غيرها، علامة النفلية، أي علامة كونها نفلًا، والفرض وبيان النفل، فإن النفل يتأدى بنية الفرض. والفرض الذي هو غير معين، لا يتأدى بنية النفل.
فإن قلت: هذا يشكل بالأيمان، وصلاة الجنازة، فإنهما فرضان وليسا بموقتين. وبالصوم
وتأويل ما رواه، أنها مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار. قال: وهي الطواف والسعي. وقد ذكرناه في باب التمتع، والله أعلم بالصواب.
ــ
[البناية]
فإنه يتأدى بنية غيره وهو فرض.
قلت: عدم التوقيت في الأيمان نشأ من فرضية مبتدأة من غير انقطاع، فكان جميع العمر من غير انقطاع وقته، ولا كذلك العمرة فإنها غير الخصم، يتأدى بأكثره كما في سائر الفرائض. وأما صلاة الجنازة فوقتها حضورها، فكانت موقتة وتتأدى بنية غيرها. وأما صوم رمضان فإنها فرض يتأدى بنية النفل لكونه معينًا في وقت له معتاد، ولم يشرع في غيره. فكذلك لم يصح بنية النفل.
م: (وتأويل ما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي. م: (أنها) ش: أي العمرة. م: (مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار، قال: وهي الطواف والسعي، وقد ذكرناه في باب التمتع) ش: هذا التعليل كأنه جواب عما يقال: ما وجه هذا التأويل الذي أولتم وقلتم: إن الفرض هنا بمعنى التقدير؟
فأجاب بما حاصله: أن الآثار أي الأحاديث والأخبار، إذا تعارضت لا تثبت الفرضية؛ لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل مقطوع به.
فإن قيل: هو ثابت بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) ، عطف العمرة على الحج، والحج فريضة، والأمر بالإتمام، والأمر للوجوب؟
قلت: قد مر الجواب عن هذا عن قريب.
ونقول أيضًا، القران في النظم لا يؤوب القران في الحكم. والأمر إنما هو بالإتمام. والإتمام إنما يكون بالشروع. ونحن نقول به، وإن كانت في الابتداء سنة. والله أعلم بالتوفيق.