الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا مات المريض أو المسافر وهما على حالهما لم يلزمهما القضاء؛ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر، ولو صح المريض وأقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة؛ لوجود الإدراك بهذا المقدار، وفائدته وجوب الوصية بالإطعام، وذكر الطحاوي خلافا فيه بين أبي حنيفة وأبي يوسف - يرحمهما الله -، وبين محمد رحمه الله، وليس بصحيح، وإنما الخلاف في النذر
ــ
[البناية]
[موت المسافر والمريض المفطران في رمضان]
م: (وإذا مات المريض أو المسافر) ش: أي أو مات المسافر م: (وهما على حالهما) ش: أي والحال أنهما على حالهما يعني مات المريض في مرضه والمسافر في سفره م: (لم يلزمهما القضاء؛ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر) ش: لأن شرط وجوب إدراك عدة الأيام الأخر بالنص فلم يحصل الإدراك فلم يلزم القضاء.
م: (ولو صح المريض وأقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة) ش: في المرض م: (والإقامة) ش: أي بقدر الإقامة في المسافر م: (لوجود الإدراك) ش: إلى أيام أخر م: (بهذا المقدار، وفائدته) ش: أي وفائدته لزوم القضاء م: (وجوب الوصية بالإطعام) ش: يعني يجب عليه أن يوصي بأن يطعم عنه من ثلث ماله لكل يوم مسكيناً بقدر ما يجب في صدقة الفطر وإن لم يوص وتبرعت الورثة جاز فإن لم يتبرعوا لا يلزمهم الأداء بل يسقط في حكم الدنيا عندنا خلافاً للشافعي على ما يجيء.
م: (وذكر الطحاوي خلافا فيه) ش: أي في المذكور في هذه المسألة وفي وجوب الوصية بالإطعام عن الباقي م: (خلافاً بين أبي حنيفة، وأبي يوسف؛ وبين محمد - رحمهما الله -) ش: فقال عندهما إذا صح يوماً يلزمه قضاء الجميع فتلزمه الوصية عما لم يصح، وعند محمد رحمه الله تلزمه الوصية بالإطعام عما لم يصح وما قدر على قضائه تجب الوصية بالإطعام عنه إن لم يصح بالاتفاق.
م: (وليس بصحيح) ش: أي هذا الخلاف ليس بصحيح، وقال أبو بكر الجصاص الرازي: هذا الخلاف الذي نقله الطحاوي ولا نعرفه عنهم، بل المشهور من قولهم جميعا ًأنه لا يلزم إلا قضاء ما أدرك، وقال صاحب " التحفة ": ذكر الطحاوي رحمه الله هذه المسألة على الخلاف ثم قال: وهذا غلط، وقال صاحب " الإيضاح ": والصحيح أن لا خلاف هاهنا، وقال المصنف: وليس بصحيح.
م: (وإنما الخلاف في النذر) ش: فإن المريض إذا قال لله علي أن أصوم شهراً فمات قبل أن يصح لم يلزمه وإن صح يوماً واحداً لزمه أن يوصي بجميع الشهر في قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف وقال محمد رحمه الله يلزمه بقدر ما صح لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فصار كقضاء رمضان.
والفرق بينهما، أن النذر سبب فيظهر الوجوب في حق الخلف، وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيتقدر بقدر ما أدرك وقضاء رمضان إن شاء فرقه، وإن شاء تابعه
ــ
[البناية]
م: (والفرق بينهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهما بين قضاء رمضان والنذر م: (أن النذر سبب) ش: وقد وجد المانع وهو عدم صحة الذمة في التزام أدائه قد زال بالبرء وإذا وجد السبب المقتضي وزال المانع م: (فيظهر الوجوب) ش: لا محالة، وصار كصحيح نذر فمات قبل الأداء، وإذا ظهر الوجوب ولم يتحقق بكماله بل بعضها يتحقق م:( [في حق الخلف، وفي هذه المسالة السبب إدراك العدة] فيتقدر بقدر ما أدرك) ش: لأن وجوب القضاء مشروط بشرط إدراك العدة فوجب بقدر الإدراك.
وقيل: تعصب إن أرى الطحاوي بأنه لا يهتم في غزارة علمه واجتهاده وورعه وتقدمه ثم ذكر مولده ووفاته ثم مدح كتابه " معاني الآثار " وقال: هل ترى له نظيرا ًفي سائر المذاهب فضلاً عن مذهبنا.
وقال: قد نشأ جماعة بعده بكثير من الزمان، باعتبار أن الخلاف لم يبلغهم، فذلك ليس بحجة لهم عليه، لأن جهل الإنسان لا يعتبر حجة على غيره، وفي آخر كلامه فما أصدق من قال: قد تبين الصبح لذي عينين.
وهذا كله لا يفيد في تعصبه لأن كل من نشأ بعد الطحاوي فقد اعترف بفضله من علماء مذهبه ومذهب غيره، حتى قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر: كان الطحاوي كوفي المذهب فكان عالماً بجميع مذاهب العلماء، وقال السمعاني: كان الطحاوي ثقة ثبتاً.
وقال ابن الجوزي في ترجمته في كتاب " المنتظم "، كان الطحاوي ثقة ثبتاً فهماً فقيهاً عاقلاً، واتفقوا على فضله وصدقه وزهده وورعه. وقال ابن كثير في " البداية والنهاية ": وهو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة، فهو كما ترى إمام عظيم ثبت ثقة حجة كالبخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب " السنن " و " الصحاح " يدل على ذلك اتساع روايته ومشاركته إياهم بل هو أثبت منهم في استنباط الأحكام من القرآن والسنة وأفقه منهم من الفقه، يصدق ذلك من ينظر في كلامه وكلامهم، ولا بينة للأترازي فيما ذكره في حق الطحاوي رضي الله عنه لأنه مثل الذي يمدح الشمس بقوة النور ويذكره المحاق بقوة الظلمة وما كانت [....] إلا في ترجيح كلامه هنا على من رد عليه وتحقيق كلامه بالرد عليهم ولم يفعل شيئاً.
م: (وقضاء رمضان) ش: أي وقضاء صوم شهر رمضان عند فوات الأداء م: (إن شاء فرقه) ش: أي صوم متفرقاً م: (وإن شاء تابعه) ش: أي يصوم متوالياً هذا قول ابن عباس رضي الله عنه وأنس رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص ورافع بن خديج وسعيد بن جبير وابن محيريز وأبي قلابة
لإطلاق النص،
لكن المستحب المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب، وإن أخره حتى دخل رمضان آخر صام الثاني؛ لأنه في وقته. وقضى الأول بعده لأنه وقت القضاء.
ــ
[البناية]
ومجاهد والحسن وابن سيرين وابن المسيب وعبد الله بن عتبة وطاووس وعطاء وعبيد بن عمير والأوزاعي وابن حي والثوري ومالك والشافعي رحمه الله وأحمد وإسحاق وقال أبو عمر كلهم يستحبون التتابع ولا يوجبون وحكي وجوبه عن علي وابن عمر والنخعي والشعبي وعروة بن الزبير.
وقال داود بن علي: يجب ولا يشترط م: (لإطلاق النص) ش: وقَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وهو مطلق غير مقيد بالتتابع فجاز التتابع والتفريق بحكم الإطلاق.
فإن قلت: وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات.
قلت: قالوا لم تثبت صحة هذه الرواية ولو ثبتت كانت منسوخة لفظاً وحكماً، ولهذا لم يقرأ بها أحد من الشواذ.
وفي " المنافع " قرأ بها أبي ولم تشتهر فكانت كخبر الواحد غير مشهور فلا تجوز الزيادة على الكتاب بمثله، بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها مشهورة غير متواترة والقراءات السبع متواترة عند الأئمة الأربعة وجميع أهل السنة خلافاً للمعتزلة فإنها [
…
] عندهم.
فإن قلت: روى ابن المنذر بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه» .
قلت: في صحته نظر ولئن ثبت فهو خبر واحد فلا يزاد به على النص.
م: (لكن [المستحب المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب، وإن أخره) ش: أي وإن أخر قضاء رمضان م: (حتى دخل رمضان آخر صام الثاني) ش: أي رمضان الثاني م: (لأنه في وقته) ش: فيصومه م: (وقضى الأول) ش: أي رمضان الأول م: (بعده) ش: أي بعد رمضان الثاني م: (لأنه وقت القضاء) ش: فلا بد من إسقاطه كما في سائر العبادات، وسواء في ذلك التأخير بعذر أو بغير عذر وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه والحسن البصري وطاووس وإبراهيم النخعي والشعبي وحماد وداود وأصحابه وفي " المحيط ": ومن أفطر بعذر وقدر على القضاء فعليه القضاء.
وفي " البدائع " أيضاً على التراخي عند عامة مشايخنا ويضيق عليه عند آخر عمره وعند الكرخي على الفور، وحكاه عن أصحابنا، والصحيح الأول، وحكى الكرخي أيضاً عن الأصحاب أنه موقوف بما بين الرمضانين وهو غير سديد.
ولا فدية عليه؛ لأن وجوب القضاء على التراخي حتى كان له أن يتطوع والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما أفطرتا
ــ
[البناية]
م: (ولا فدية عليه) ش: فقال الشافعي عليه الفدية، وبه قال مالك وأحمد قالوا عليه لكل يوم مد من الطعام ولو أخر القضاء إلى الرمضان الثاني أثم عندهم، ومذهبهم يروى عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس مرفوعاً، ومذهبنا عن علي وابن مسعود، وبقولنا قال المزني.
م: (لأن وجوب القضاء على التراخي حتى كان له أن يتطوع) ش: لأنه لو لم يكن وجوب القضاء على التأخير لما كان له أن يتطوع لأن تأخير الواجب عن وقته المضيق بالنفل لا يجوز.
فإن قلت: روى الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من أدرك رمضان ثم أفطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى دخل رمضان آخر صام الذي أدركه ثم يقضي الذي عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكيناً» قلت: في إسناده عمر بن موسى وهو ضعيف جداً، والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضاً ضعيف.
م: (والحامل والمرضع) ش: الواو بمعنى أو لأن الحكم في كل واحد منهما ثابت على الانفراد بدليل ما ذكر في " المبسوط "، إذا خافت الحامل والمرضع على نفسهما أو ولدهما، والحامل التي في بطنها ولد، والمرضع التي لها لبن ولا يدخل في آخرهما التاء كما في حائض وطالق، لأن ذلك صار من الصفة الثابتة لا الحادثة، فصار كالاسم، فقال الخليل: هذا معنى النسب كلابن وتامر بمعنى ذات حمل وذات إرضاع وذات حيض وذات طلاق.
وقال سيبويه: إنسان أو أنثى حامل ومرضع إذا أريد به الحدوث يجوز إدخال التاء يقال: حائضة الآن أو غدا ًوفي " الذخيرة " المراد من المرضع الظئر لأنها إذا كانت أم ولد وللمولودات لا تفطر الأم لأن الصوم واجب عليها والإرضاع غير واجب، قال الكاكي: قال شيخي العلامة: ينبغي أن يشترط أن يكون الأب موسراً ويأخذ الولد ضرع غيرها، أما إذا كان الأب معسراً أو الولد لا يأخذ ضرع غير أمه فحينئذ يجب على أمه الإرضاع.
م: (إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما أفطرتا) ش: بإجماع أهل العلم م: (وقضتا) ش: وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأنس وابن عمر وعكرمة ومجاهد وعطاء وسعيد بن المسيب وأبي الزناد والزهري ويحيى بن سعيد وأحمد وإسحاق وسعيد بن جبير وطاووس والأوزاعي والثوري.
وقال مالك: لا يجب عليه شيء، ويروى ذلك عن ربيعة وخالد بن دريد وأبي ثور وداود بن علي الظاهري واختاره الطحاوي رحمه الله وابن المنذر، ويحكى ذلك عن القاسم وسالم
وقضتا، دفعا للحرج، ولا كفارة عليهما؛ لأنه إفطار بعذر، ولا فدية عليهما، خلافا للشافعي رحمه الله فيما إذا خافت على الولد، هو يعتبره بالشيخ الفاني. ولنا: أن الفدية بخلاف القياس في الشيخ الفاني، والفطر بسبب الولد ليس في معناه؛ لأنه عاجز بعد الوجوب،
والولد لا وجوب عليه أصلا، والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام يفطر، ويطعم لكل يوم مسكينا
ــ
[البناية]
ومكحول وسعيد بن عبد العزيز لأنه عاجز عن الصوم فأشبه المريض إذا مات قبل البرء والمسافر إذا مات قبل الإقامة والصبي والمجنون.
وللشافعي قولان أحدهما، لا تجب الفدية عليهما لعدم وجوب الصوم عليهما، والثاني تجب الفدية لكل يوم مد من طعام وهو الصحيح، وعدم وجوب الفدية هو القديم والوجوب هو الجديد، وقال البويطي: هي مستحبة.
م: (دفعا للحرج) ش: أي لدفع الحرج عنهما في الصوم. قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] م: (ولا كفارة عليهما) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال، ينبغي أن تجب عليهما الكفارة على قياس مذهبكم، لأنكم توجبون الكفارة في الأكل والشرب عمداً فأجاب بقوله م:(لأنه إفطار بعذر) ش: ووجوب الكفارة عند عدم العذر فأشبهت المريض والمسافر.
م: (ولا فدية عليهما خلافا للشافعي رحمه الله فيما إذا خافت على الولد) ش: يعني إذا خافت الحامل أو المرضع على ولدهما وأما إذا خافتا على نفسهما لا تجب الفدية.
م: (هو يعتبره بالشيخ الفاني) ش: أي الشافعي رحمه الله يعتبر الفطر بفطر الشيخ الفاني أي يقيس عليه وجه الاعتبار أن الفطر حصل بسبب نفس عاجزة عن الصوم خلقة لا علة، فيوجب الفدية كفطر الشيخ الفاني الذي قارب الفناء أو الذي فنيت قوته.
م: (ولنا أن الفدية بخلاف القياس في الشيخ الفاني) ش: لأن الفدية في الشيخ الفاني تشبيع والصوم تجويع (والفطر بسبب الولد ليس في معناه) ش: أي في معنى الشيخ الفاني م: (لأنه) ش: أي لأن الشيخ الفاني م: (عاجز بعد الوجوب) ش: أي بعد وجوب الصوم عليه لتوجه الخطاب عليه فصار إلى حقه وهو الفدية.
م: (والولد لا وجوب عليه أصلاً) ش: فكيف يصار إلى الخلف بدون الأصل فيكون قياساً ضعيفاً لوجود الفارق م: (والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام) ش: وفي جامع البرهاني " تفسيره أن يعجز عن الأداء أو لا يرجى له عود القوة، ويكون مآله الموت بسبب الهرم.
م: (يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا) ش: وعن مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول وأبي ثور ولا تجب عليه الفدية وعن مالك أنها مستحبة وفي وجوبها عنه روايتان م: (كما يطعم في