الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه اعتبارا بالحد عنده، والأصح أنها تجب لأن الجناية متكاملة لقضاء الشهوة،
ولو جامع ميتة أو بهيمة فلا كفارة أنزل أو لم ينزل خلافا للشافعي رحمه الله لأن الجناية تكاملها بقضاء الشهوة في محل مشتهى ولم يوجد،
ثم عندنا كما تجب الكفارة بالوقاع على الرجل تجب على المرأة. وقال الشافعي - رحمه
ــ
[البناية]
المحل يتم بالإيلاج والإنزال شبع، ولا يعتبر به في تكميل الجناية.
م: (وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه) ش: وهو الدبر م: (اعتبارا بالحد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله، فإنه لم يجعل هذا الفعل جناية كاملة في إيجاب العقوبة التي تندرئ بالشبهات، وهذه عقوبة تندرئ بالشبهات كالحدود في جانب المفعول ليس لقضاء الشهوة، وبه قال بعض أصحاب الشافعي رحمه الله.
م: (والأصح أنها تجب) ش: أي الكفارة. رواية عن أبي يوسف رحمه الله م: (لأن الجناية متكاملة لقضاء الشهوة) ش: في محله، والسبب قد تم وهو الفطر بهذه الجناية، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله، وقال مالك وأحمد عليهما الغسل، وقال ابن قدامة قال أبو حنيفة في أشهر الروايتين عنه لا كفارة في الوطء في الدبر.
قلت: هذا غير صحيح، والأصح ما ذكرناه.
م: (ولو جامع ميتة أو بهيمة فلا كفارة أنزل أو لم ينزل خلافا للشافعي رحمه الله) ش: فالصحيح عنه أنه تجب الكفارة. وفي " شرح المهذب " للنووي أولج في قبل بهيمة أو دبرها بطل صومه أنزل أو لم ينزل، وفيما دون الفرج لا يبطل إلا بالإنزال، ولا كفارة فيه، كقولنا، وتجب الكفارة في البهيمة في أصح الطريقين أنزل أم لا، واختلف الحنابلة في وجوب الكفارة في وطء البهيمة والميتة م:(لأن الجناية تكاملها بقضاء الشهوة في محل مشتهى ولم يوجد) ش: تكاملها بالرفع لأنه خبر إن والأولى أن يكون بالنصب بدلاً من الجناية، وقوله في قضاء الشهوة يكون خبر إن، والتقدير أن تكامل الجناية في قضاء الشهوة، حاصل المعنى أن الكفارة تعتمل الجناية الكاملة، وتكاملها لا يكون إلا بقضاء الشهوة في محل مشتهى، ولم ويوجد، ألا ترى أن الطباع السليمة تنفر عنها، فإن حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشهوة والشبق أو لفرط السفه.
[كفارة المفطر عمدا بجماع أو غيره]
م: (ثم عندنا كما تجب الكفارة بالوقاع على الرجل تجب على المرأة) ش: هذا إذا طاوعته المرأة، أما إذا غلبها على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة، وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايات، قال الخطابي: هو قول أكثر العلماء.
م: (وقال الشافعي رضي الله عنه في قول: لا تجب عليها) ش: أي الكفارة وهو أظهر أقوال الشافعي رضي الله عنه وهو رواية عن محمد، وفي قول: تجب كفارة واحدة على الواطئ
الله - في قول: لا تجب عليها لأنها متعلقة بالجماع وهو فعله، وإنما هي محل الفعل، وفي قول تجب ويتحمل الرجل عنها اعتبارا بماء الاغتسال.
ــ
[البناية]
عنهما ويتحمل عنها، وهو قول الأوزاعي، وله قول ثالث كقولنا م:(لأنها متعلقة بالجماع) ش: أي لأن الكفارة متعلقة بالجماع يعني بسبب فعل الجماع م: (وهو) ش: أي الجماع م: (فعله) ش: أي فعل الرجل، م:(وإنما هي محل الفعل، فلا تجب عليها، وفي قول) ش: للشافعي رضي الله عنه م: (تجب ويتحمل الرجل عنها) ش: لأنه أوقعها في هذه المؤنة هذا إذا كان موسراً، وأما إذا كان معسراً فلا يتحملها كالتكفير بالصوم م:(اعتبارا بماء الاغتسال) ش: يعني قياساً على ماء الاغتسال، فإنه عليه، لأنه أوقعها فيه والحق التعلق بالجماع ينقسم إلى بدني ومالي، فما كان مالياً، فعلى الزوج، وما كان بدنياً فعليهما كثمن ماء الاغتسال فإنه عليه والاغتسال عليها، وفي تتمتهم فيه تسعة فروع.
أحدها: إذا كانا جميعاً من أهل الإطعام أو العتق يحمل ويتداخلان لأنهما جنس واحد والسبب واحد.
الثاني: إذا كانا جميعاً من أهل الصوم، فعلى كل واحد أن يصوم ولا يتحمل عنها، لأنها عبادة بدنية ولا يجزئ فيها التحمل.
الثالث: إذا كان الرجل من أهل الإعتاق، وهي من أهل الصوم فيه وجهان، أحدهما: عليه الصوم لعدم التحمل فيه، والثاني: يسقط عنها لعتق الرجل.
الرابع: إذا كان هو من أهل العتق وهي من أهل الإطعام يتحمل عنها، وهما يتداخلان؟ فيه وجهان، أحدهما: لا يتداخلان لأنهما جنسان مختلفان، ولا تداخل مع الاختلاف. والثاني: تدخل فيه.
الخامس: لو كان هو من أهل الصوم، وهي من أهل العتق [فوجهان، أحدهما: لا يتحمل عنها، لأنه عاجز، والثاني: يتحمل فتبقى] في ذمته إلى أن يقدر.
والسادس: لو كان هو من أهل الإطعام وهي من أهل الصوم لا يتحمل عنها، لأنه [بدني فلا يتحمل فيه. السابع: لو زنى بامرأة لا يتحمل عنها، لأن] التحمل بسبب الزوجية ولم يوجد، ولهذا لا يلزمه ثمن ماء الاغتسال.
الثامن: إذا كان نائماً فاستدخلت ذكره فعليها الكفارة، لأن الرجل لم يجعلها مفطرة.
التاسع: إذا قدم الرجل من سفر مفطراً فجامعها، فإن ظن أنها مفطرة فلا يتحمل ولو جامعها مع العلم بصومها فيه وجهان، أحدهما: لا يتحمل، والثاني يتحمل.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» وكلمة "من" تنتظم الذكور والإناث، ولأن السبب جناية الإفساد لا نفس الوقاع وقد شاركته فيها ولا يتحمل لأنها عبادة أو عقوبة ولا يجري فيهما التحمل،
ولو أكل أو شرب ما يتغذى به أو ما يتداوى به فعليه القضاء.
ــ
[البناية]
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» ش: قال الأترازي: هذا ما رواه أصحابنا في كتبهم وذكره السغناقي ثم تبعه الأكمل مجرداً من غير بيان في حاله ولا نسبه إلى أحد. وقال الكاكي وفي " المبسوط "، واحتج علماؤنا بقوله عليه الصلاة والسلام:«من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» ، رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وقال مخرج أحاديثه: هذا حديث غريب لم أجده، واستدل ابن الجوزي في التحقيق لمذهبنا ومذهبه بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
«أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً» انتهى قال: ووجهه أنه علق التكفير بالإفطار وهو معنى حسن صحيح.
وقال الكاكي: وما رواه في المتن رواه الدارقطني بمعناه، قلت: روى الدارقطني في " سننه " عن يحيى الحماني حدثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أفطر يوماً في رمضان بكفارة الظهار» .
م: (وكلمة من تنتظم الذكور والإناث) ش: قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 31][الأحزاب: 31] وفي بعض النسخ تنتظم الذكور والإناث، م:(ولأن السبب) ش: أي سبب الكفارة م: (جناية الإفساد) ش: أي إفساد الصوم م: (لا نفس الوقاع) ش: ولهذا إذا حصل الوقاع ولم يوجد الإفساد لا تجب الكفارة، كما في الوقاع في ليالي رمضان.
م: (وقد شاركته فيها) ش: أي في جناية الفساد فشاركته في الكفارة فتجب عليها كما تجب عليه، وهذا جواب عن قول الشافعي أعني عن قوله الأول.
م: (ولا يتحمل لأنها) ش: أي لأن الكفارة م: (عبادة أو عقوبة) ش: وأيا ما كانت لا تلزمه م: (ولا يجري فيهما) ش: أي في العبادة والعقوبة م: (التحمل) ش: لأن العبادة فعل اختياري، فلو جاز التحمل لحصل الجبر واللازم منتف فينتفي الملزوم، وأما العقوبة فقد شرعت زجراً على الجاني لا على غيره، وهذا جواب عن قوله الثاني.
م: (ولو أكل) ش: أي الصائم م: (أو شرب ما يتغذى به أو ما يداوى به) ش: في نهار رمضان وكان عمداً م: (فعليه القضاء) ش: أي قضاء ذلك اليوم، وقال الأوزاعي: ليس عليه
والكفارة وقال الشافعي رحمه الله: لا كفارة عليه لأنها شرعت في الوقاع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة، فلا يقاس عليه غيره. ولنا أن الكفارة تعلقت بجناية الإفطار في رمضان على وجه الكمال لا بنفس الوقاع
ــ
[البناية]
القضاء، واستدل بحديث الأعرابي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة، ولم يبين حكم القضاء. قلنا: إنه وجب عليه الصوم بشهود الشهر، وقد انعدم الأداء عنه فيلزمه القضاء، وإنما بين للأعرابي ما كان مشكلاً.
م: (والكفارة) ش: أي مع القضاء هو قول جمهور العلماء منهم الشعبي والزهري والثوري والحسن البصري وعطاء ومالك وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم وكان سعيد بن جبير يقول: لا كفارة على المفطر في رمضان، أي مفطر كان، لأن في آخر حديث الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كلها أنت وعيالك» فانتسخ بهذا حكم الكفارة، ولنا ما يأتي عن قريب.
وقال سعيد بن المسيب: عليه صوم شهر، وقال عطاء: عليه تحرير رقبة، فإن لم يجد فبدنة أو بقرة أو عشرون صاعاً من طعام على أربعين مسكيناً، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: عليه أن يصوم اثني عشر يوماً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36][التوبة: 36] ، وعند إبراهيم النخعي عليه أن يصوم ثلاثة آلاف يوم، رواه عنه حماد بن أبي سليمان وقال أبو عمر بن عبد البر، هذا لا وجه له إلا أن يكون كلامه قد خرج على وجه التغليظ والغضب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكيناً، وعن ابن سيرين يقضي يوماً، وهو رواية عن الشعبي ومذهب ابن جبير، ورواه القاضي بكار عن النخعي، وعن عمر رضي الله عنه يقضي يوماً ويطعم مسكيناً واحداً.
وعن الحسن البصري أنه سئل عن رجل أفطر أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح. قال: يعتق أربع رقاب، فإن لم يجد فأربعة من البدن فإن لم يجد فعشرون صاعاً من التمر لكل يوم، فإن لم يجد صام لكل يوم يومين، وروي مثله مرسلاً من طريق بن المسيب، وعن علي وابن مسعود رضي عنهما - أنهما قالا: لا يقضيه أبداً، وإن صام الدهر كله، ورفعه أبو هريرة رضي الله عنه، قال أبو عمر: وهو ضعيف.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا كفارة عليه) ش: ولكن يعزره السلطان ويجب عليه إمساك بقية يومه، وبه قال أحمد وداود م:(لأنها) ش: أي لأن الكفارة م: (شرعت في الوقاع) ش: أي الجماع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة فلا يقاس عليه غيره) ش: بيانه أن الأعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائباً نادماً، والتوبة رافعة للذنب بالنص، ومع ذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة فعلم أنها تثبت على خلاف القياس، وما كان كذلك لا يقاس عليه غيره.
وقد تحققت.
وبإيجاب الإعتاق تكفيرا عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية.
ــ
[البناية]
م: (ولنا أن الكفارة تعلقت بجناية الإفطار) ش: أي أن وجوب الكفارة في الوقاع تعلق بجناية الإفساد للصوم م: (في رمضان على وجه الكمال لا بنفس الوقاع وقد تحققت) ش: أي الجناية في الأكل والشرب فوجب القول بوجوب الكفارة بطريق الأولى، لأن الكفارة وردت زجراً، والزجر إنما يكون في إتيان حرام تدعو إليه النفس، وداعية النفس في الصوم إلى الأكل والشرب أكثر منها إلى الجماع، فلما وجب في الجماع الزجر، فلأن تجب الكفارة في الأكل والشرب أولى وأحرى، قيل: لا نسلم عدم تعلق الكفارة بنفس الوقاع لأنه حرام في الصوم.
وأجيب بأن وقاع الزوجة من حيث هو ليس بحرام بالنص، فعلم أن الكفارة تعلقت بإفساد الصوم فقيل: لا نسلم تعلقها بإفساد الصوم والفساد حاصل في الإطار بالحصاة والنواة فأجيب نعم لكن لا على وجه الكمال فيما ذكر لعدم فوت معنى الصوم وهو قهر النفس بالتجويع.
م: (وبإيجاب الإعتاق تكفيرا عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية) ش: هذا جواب عن قول الشافعي رضي الله عنه أن الكفارة شرعت في الوقاع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة، وبيانه أن يقال لا نسلم أن هذه الجناية [ترفع بالتوبة، فإن الشرع لما أوجب الإعتاق كفارة هذه الجناية] ، علم أنها غير مفكرة لها كجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل بالحد، والباقي بإيجاب العتق تتعلق بقوله - عرف - والتقدير عرف بإيجاب الشارع الإعتاق أن التوبة غير مكفرة، وقوله - تكفيراً - نصب على التعليل أي لأجل التكفير.
فإن قال الخصم للجماع مزية في استدعاء الزاجر لغلظه في الجناية ولا يثبت الحكم في غير من زجره، الأول: أن الجماع يوجب الفطر من [الحكم] فكان أشد بخلاف الأكل والشرب.
والثاني: أن الإحرام يفسد بسبب الجماع، ولا يفسد بسائر محظورات الإحرام.
والثالث: أن الشارع أوجب في الوقاع عند عدم الملك ولم يشرع في الأكل عند عدم الملك، فكان أشد.
والرابع: أن تمام الجوع يبيح الفطر عند الضرورة، فكان نقيضه يوجب شبهة الإباحة والكفارة لا تجب بالشبهة، بخلاف الوقاع فإنه لا يباح أصلاً في حق الصائم.
والخامس: أن الوقاع بالمرأة له داعيان من النظر بخلاف الأكل فكان أشد.
وأجيب عن الأول بأنه لا فرق بين جماع الصغير، والكبير والمكرهة والبهيمة على أصله وليس فطراً، ومع ذلك وجبت الكفارة. وعن الثاني خوف الجماع في الحج أقوى حتى لا يرتفع بالحلق إلى أن يطوف طواف الزيارة بخلاف سائر المحظورات حتى ترتفع بالحلق، وهنا كلها سواء. وعن الثالث التسوية بين الأكل والوقاع في الركنية حرمة وإباحة.