الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القران
"
القران أفضل من التمتع والإفراد، وقال الشافعي رحمه الله: الإفراد أفضل، وقال مالك رحمه الله: التمتع أفضل من القران؛ لأن له ذكرا في القرآن، ولا ذكر للقران فيه. وللشافعي رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام:"القران رخصة "
ــ
[البناية]
[باب القران]
[تعريف القران]
م: (باب القران) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القرآن، وهو لغة مصدر قرنت هذا بذلك، أي جمعت بينهما. وشرعاً الجمع بين الحج والعمرة وفي الصفة التي تأتي. وهو من باب ضرب يضرب، وأقرن الرجل إذا رفع رمحه لئلا يصيب من قدامه. وفي المشارق يقال قرن، ولا يقال أقرن، ولذا يقال أقرن التمرتين في لقمة واحدة وفي الحديث «نهى عن الإقران في التمر» قاله القاضي عياض رحمه الله كذا في أكثر الروايات. قال: وصوابه القرآن في صحيح البخاري في باب التمتع والإقران.
قال السغناقي في " شرحه " الإقران غير ظاهر، لأن فعله ثلاثي، قال وصوابه قرن وإنما الإفراد على القرآن لتقدمه طبعاً على القران؛ ولأن القران إنما عرف بعد معرفة الإفراد، ثم قدم القران على التمتع؛ لأنه أفضل منه، وقال تاج الشريعة رحمه الله من حق المقرن يقدم على المفرد في الحج في البيان والذكر إلا أن المفرد قدم، لأن معرفة القران مرتبة على معرفة الإفراد، ومعرفة الذات مقدمة على معرفة الصفات.
[المفاضلة بين القران والتمتع والإفراد]
م: (القران أفضل من التمتع والإفراد) ش: وهو اختيار المزني وأبي إسحاق المروزي رضي الله عنه وابن المنذر من أصحاب الشافعي رحمه الله وبه قال الثوري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وكثير من أهل الحديث واختيار الظاهرية، وروي ذلك عن عمر وعلي وعائشة وأبي طلحة وعمران بن الحصين وسراقة بن مالك وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً والبراء بن عازب والهرماس بن زياد الباهلي وسبرة وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهم.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: الإفراد أفضل) ش: وبه قال أحمد رحمه الله م: (وقال مالك رحمه الله: التمتع أفضل من القران) ش: وبه قال الشافعي في قول م: (لأن له) ش: أي لأن للتمتع م: (لأن له ذكرا في القرآن، ولا ذكر للقران فيه) ش: أي في القرآن، قال الله عز وجل:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] فإذا كان مذكوراً في القرآن يكون أهم لو لم يكن أهم لم يذكر في القرآن م: (وللشافعي رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام: " القران رخصة ") ش: هذا غريب جداً، وذكر الكاكي وجه قول الشافعي «أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: " إنما أجرك على قدر تعبك» والقران رخصة، والإفراد عزيمة، فالتمسك بالعزيمة أولى، انتهى.
ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام:«يا آل محمد أهلوا بحجة، وعمرة معا»
ــ
[البناية]
قلت: الشافعي رضي الله عنه لم يرض بهذا، وإنما استدل بما أخرجه البخاري رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج» وبما أخرجه البخاري ومسلم أيضاً عن نافع «عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً» وبما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن نافع الصايغ عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع «عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم» - وبما أخرجه مسلم عن أبي الزبير «عن جابر رضي الله عنه قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج» م: (ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق) ش: لأن القارن يؤدي النسكين بسفر واحد ويلبي لهما بتلبية واحدة ويحلق مرة واحدة والمفرد يؤدي كل نسكه بصفة الكمال، فكان أفضل.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم م: «يا آل محمد أهلوا بحجة، وعمرة معا» ش: هذا الحديث أخرجه الطحاوي عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معاً» ، ولنا أحاديث غير هذا، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد العزيز بن صهيب «عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة يقول لبيك حجة وعمرة.»
فإن قلت: قال ابن الجوزي رحمه الله: في " التحقيق " مجيباً عنه: إن أنسا حينئذ كان صبياً فلعله لم يفهم الحال.
قلت: رد عليه صاحب " التنقيح "، فقال: بل كان بالغاً بالإجماع، بل كان له نحو من عشرين سنة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، يدل على ذلك ما أخرجه واللفظ لمسلم «عن بكير عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكير: فحدثت بذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال لبى بالحج وحده، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس ما يعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجة» .
ومنها ما أخرجه البخاري «عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بالعقيق " أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال صل في هذا الوادي المبارك، وقيل عمرة في حجة» ومنها ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع
ولأن فيه جمعا بين العبادتين، فأشبه الصوم مع الاعتكاف والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل، والتلبية غير محصورة
ــ
[البناية]
عمر الحديبية وعمرة القضاء في ذي القعدة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجته» .
وقال ابن حزم رحمه الله: روي القران عن أنس رضي الله عنه ستة عشر من الثقات، واتفقوا على أن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إهلالاً بحجة وعمرة معاً، وهم الحسن البصري رحمه الله وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد ويحيى بن إسحاق الأنصاري وثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمان التيمي ويحيى بن إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن أسلم وأبو أسماء وأبو قتادة وأبو قزعة، وهو سويد الباهلي رضي الله عنهم.
والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها وحديث ابن عمر وحديث جابر رضي الله عنهم هو أن الصحابة قد اختلفوا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين أحرم فبعضهم قالوا من مسجد ذي الحليفة، وبعضهم قالوا من البيداء، فالذين سمعوا تلبيته بالعمرة في المسجد سمعوا تلبيته بالحج بعد أن استقرت راحلته على البيداء قالوا: إنه عليه الصلاة والسلام قرن الحج بالعمرة والذين لم يسمعوا تلبيته في المسجد لكونهم غائبين، وسمعوا تلبيته بالحج في البيداء.
قالوا: أفرد بالحج، والذين سمعوا في المسجد ولم يسمعوا تلبيته بالحج بالبيداء، ثم رده صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من العمرة ففعل به ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة، وغير ذلك قالوا إنه تمتع، وكل منهم شهد بما صح عنده، ثم لما صح هذا الاحتمال ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، لأنا أنسا رضي الله عنه شهد بالقران بعدما تحقق عنده، وحديث المفرد والمتمتع محتمل والعمل بالمتحقق أولى من المحتمل.
فإن قلت: قد صح عن عثمان رضي الله عنه أنه كان ينهي عن القران، فلو كان أفضل لما نهى عنه.
قلت: «روى الطحاوي رحمه الله بإسناده إلى مروان بن الحكم، قال: كنا نسير مع عثمان رضي الله عنه، فإذا رجل يلبي بالحج والعمرة، فقال عثمان: من هذا؟ فقالوا: علي فأتاه عثمان فقال ألم تعلم أني نهيت عن هذا، فقال بلى ولكن لم أكن أدع قول النبي صلى الله عليه وسلم لقولك» فدل إنكار علي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنهما على أن القران هو الأفضل.
م: (ولأن فيه) ش: أي في القران م: (جمعا بين العبادتين) ش: الحج والعمرة م: (فأشبه الصوم مع الاعتكاف والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل) ش: يعني يحمي الغزاة، ويصلي أيضاً. وجه الشبه في هذين الاثنين هو الجمع بين العبادتين م:(والتلبية غير محصورة) ش: هذا جواب عن قوله، ولأن في الإفراد زيادة التلبية، وتقديره أن المفرد كما يكون بالتلبية مرة أخرى فكذلك
والسفر غير مقصود، والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح لما ذكر، والمقصود بما روي نفي قول أهل الجاهلية إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور. وللقران ذكر في القرآن؛ لأن المراد من قَوْله تَعَالَى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196](196 البقرة) ، أن يحرم بهما من دويرة أهله على ما روينا من قبل. ثم فيه تعجيل الإحرام واستدامة إحرامهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع، فكان القران أولى من التمتع
ــ
[البناية]
القارن، لأن له أن يأتي منها ما شاء فيجوز أن تكون تلبية القارن أكثر من تلبية المفرد.
م: (والسفر غير مقصود) ش: هذا جواب عن قوله - والسفر - ووجهه أن المقصود هو الحج والسفر وسبيله إليه، فلم يقع الترجيح م:(والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح لما ذكر) ش: يعني فلا تؤثر فيهما ليترجح به، حاصله أنه ليس بعبادة بنفسه، وهو خروج عن العبادة، بخلاف السلام، فإنه عبادة بنفسه.
م: (والمقصود) ش: أي المراد م: (بما روي) ش: أي ما روى الشافعي رضي الله عنه م: (نفي قول أهل الجاهلية) ش: هذا جواب عن قوله - القران رخصة - فإنهم قالوا م: (إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور) ش: أخرج البخاري ومسلم عن طاووس «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفراً ويقولون: أدبر الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا يا رسول الله أي الحل، قال: الحل كله» .
قوله: من أفجر الفجور، أي من أشر السيئات، وإنما قالوا ذلك لئلا يخلو البيت عن الزوار في سائر الشهور، فنفى صلى الله عليه وسلم قولهم بقوله القران رخصة جائزة وتوسعة من الله تعالى، وليس المراد من الرخصة ما هو أصح، لأن القران عزيمة فسماه رخصة مجازاً، ويجوز أن يراد بها الصلح ويكون كإسقاط شرط الصلاة في السفر، والرخصة مجازاً في مثله عزيمة عندنا.
م: (وللقران ذكر في القرآن) ش: هذا جواب عن قول مالك رضي الله عنه م: (لأن المراد من قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)، أن يحرم من دويرة أهله على ما روينا من قبل) ش: يعني ما روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم في فضل المواقيت م: (ثم فيه) ش: أي في القران، وهذا مشروع في الترجيح بعد تمام الجواب م:(تعجيل الإحرام) ش: لأنه إذا لم يكن قارناً يكن إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة، ويحرم من مكة، وإحرام القارن بهما من الميقات م:(واستدامة إحرامهما) ش: أي استدامة إحرام الحج والعمرة م: (من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع) ش: لأن إحرامه بالعمرة ممتنع، وإحرامه بالحج ممكن فيحل قبل إحرام الحج والبقاء في الإحرام نسك وعبادة م:(فكان القران أولى من التمتع) .
وقيل الاختلاف بيننا، وبين الشافعي بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وعنده طوافا واحداً، وسعيا واحداً.
ــ
[البناية]
م: (وقيل الاختلاف بيننا، وبين الشافعي بناء) ش: أي الاختلاف الحاصل بيننا وبين الشافعي رضي الله عنه مبني م: (على أن القارن عندنا يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وعنده طوافا واحداً) ش: أي يطوف طوافاً واحداً م: (وسعياً واحداً) ش: أي ويسعى سعياً واحداً، يعني أن النزاع لفظي، وهكذا الاختلاف في كتبهم، وفي " التحفة " وحاصل الخلاف أن القارن يحرم بإحرامين فلا يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج، وعنده يكون محرماً بإحرام واحد وهو قول ابن سيرين والحسن البصري وطاووس ومسلم والزهري ومالك وأحمد رحمهم الله في رواية وابن راهويه وداود، وفيه قول ثالث، وهو أن يطوف طوافين ويسعى سعيا ًواحداً، وهو قول عطاء ابن أبي رباح، وقولنا قول مجاهد رحمه الله رجع إليه، وجابر بن زيد وشريح القاضي وعامر الشعبي ومحمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن الأوزاعي وعبد الرحمن بن الأسود والثوري والأسود ابن يزيد والحسن بن أبي الحسن وحماد بن سلمة، وحماد بن سليمان والحكم بن عتبة وزياد بن مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى، وهو محكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين بن علي وابن مسعود رضي الله عنهم، ذكر ذلك ابن حزم في " المحلى " وغيره.
واحتج الشافعي رضي الله عنه ومن معه بما رواه الترمذي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد» . وقال الترمذي رضي الله عنه حديث حسن غريب، قال: روي عن عبد الله بن عمر ولم يرفعوه، قال: وهو أصح وقال الطحاوي رضي الله عنه رفع حديث ابن عمر خطأ فيه الداودي فرفعه، وإنما هو عن ابن عمر رضي الله عنه نفسه، قال: هكذا رواه الحفاظ، وهم مع ذلك لا يحتجون بالداودي عن عبد الله أصلاً، فكيف يحتج بحديث ابن عمر في هذا، وصح عنه أنه قال:«تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع» وصح عنه أنه قال: «أفرد الحج والمفرد والمتمتع أتى بطوافين وسعيين» .
واعلم أنه ينبني على هذا الأصل مسائل منها أن القران أفضل، لأنه يجمع بين العبادتين بإحرامين، وعند الشافعي رحمه الله بخلافه ويطوف طوافين ويسعى سعيين وتقدم أفعال العمرة على أفعال الحج، وعنده خلاف ذلك، والدم الواجب فيه دم النسك وعنده دم الجبر، حتى لا يحل له الأكل من عنده، وعليه دمان عند ارتكاب محظور الإحرام، وعنده دم واحد وإذا احصر القارن يحل بهديين عندنا، وعنده بواحدتين.