الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحج عن الغير
الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها،
ــ
[البناية]
[باب الحج عن الغير]
[شروط جواز الحج عن الغير]
م: (باب الحج عن الغير)
ش: لما فرغ عن بيان أفعال الحج بنفسه مع عوارضه، شرع في بيان الحج عن غيره بطريق النيابة. ولما كان الأصل في التصرفات أن تقع عمن تصدر منه، كان الحج عن الغير خليقًا أن يؤخر في باب على حدة.
م: (الأصل في هذا الباب) ش: أي في باب الحج عن الغير. م: (أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره) ش: خلافًا للمعتزلة، فإنهم قالوا: ليس للإنسان ذلك؛ لأن الثواب هو الجنة وهي لله تعالى، ولا يجوز تمليك ملك الغير، وسيجيء الرد عليهم. م:(صلاة) ش: يعني سواء كان جعل ثواب عمله لغيره صلاة. م: (أو صوما أو صدقة أو غيرها) ش: كالحج وقراءة القرآن والأذكار، وزيارة قبور الأنبياء والشهداء والأولياء والصالحين، وتكفين الموتى، وجميع أنواع البر والعبادة، مالية كالزكاة والصدقة والعشور والكفارات ونحوها، أو بدنية كالصوم والصلاة والاعتكاف وقراءة القرآن والذكر والدعاء، أو مركبة منهما كالحج والجهاد.
وفي " البدائع ": جعل الجهاد من البدنيات وفي " المبسوط " جعل المال في الحج شرط الوجوب، فلم يكن الحج مركبًا من البدل.
قيل: هو أقرب إلى الصواب ولهذا لا يشترط المال في حق المكي إذا قدر على المشي إلى عرفات. فإذا عمل شخص، ثواب ما عمله من ذلك إلى آخره يصل إليه وينتفع به، حيًا كان المهدى إليه أو ميتا، ومنع الشافعي ومالك - رحمهما الله - وصول ثواب القرآن إلى الموتى، وثواب الصلاة والصوم وجميع الطاعات والعبادات غير المالية وجوزا فيها. ويرد عليهما بما رواه الدارقطني «أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك» .
وعن علي بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من مر على المقابر فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات» رواه الدارقطني.
وعن أنس رضي الله عنه «أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم، فقال: " نعم، إنه ليصل إليهم
عند أهل السنة والجماعة
ــ
[البناية]
ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطريق إذا أهدي إليه» . رواه أبو حفص الكبير.
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا على موتاكم سورة يس» رواه أبو داود.
وروى الحافظ اللالكائي في " شرح السنة " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يموت الرجل ويدع ولدًا، فترفع له درجات، فيقول: ما هذا يا رب؟ فيقول سبحانه وتعالى: استغفار ولدك. وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19](محمد: الآية 19) . قال: ويستغفرون لمن في الأرض، وكذا استغفار نوح وإبراهيم عليهما السلام. وذكر عبد الحق صاحب " الأحكام " في العاقبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الغريق ينتظر دعوة تلحقه من ابنه وأخيه أو صديق له، فإذا لحقته كان أحب من الدنيا وما فيها» . ولهذا شرع الدعاء للميتة في صلاة الجنازة.
وفي العاقبة أن يصاد بن غالب قال: رأيت رابعة العدوية العابدة في المنام، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت: يا بشر، هديتك تأتينا في أطباق من نور، عليها مناديل الحرير. وهكذا يأتينا دعاء الأحياء إذا دعوا لإخوانهم الموتى فاستجيب لهم. ويقال هذه هدية فلان إليك، ومما يدل على هذا أن المسلمين يجتمعون في كل عصر وزمان ويقرءون القرآن ويهدون ثوابه لموتاهم. وعلى هذا أهل الصلاح والديانة من كل مذهب من المالكية والشافعية وغيرهم ولا ينكر ذلك منكر فكان إجماعًا.
م: (عند أهل السنة والجماعة) ش: خلافًا للمعتزلة وفي مذهب أهل العدل والتوحيد، أن ليس للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره لأن الثواب نعمة دائمة خالصة مع التعظيم ومعظم ركنه للتعظيم. وبه فارق أغراض الصبيان والمجانين والبهائم وتعظيم المستحق لغير المستحق قبيح في العقل. ولو جاز أن يجب العالم أو التقي أو العادل تعظيمه لحامل أو جاهل أو صبي أو حمار، فإنه صح تعظيمه عقلًا، وإنكاره مكابرة. ولو جاز هذا فالأنبياء أحق الناس بهبة ثواب أعمالهم لآبائهم وأمهاتهم. وقد علم خلافه بالتواتر حين «قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وسائر أولاده وزوجاته: " إني لا أملك يوم القيامة من الله شيئًا، ولا ينفعكم إلا أعمالكم.» وقال الله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39](النجم: الآية 39) .
لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام «أنه ضحى بكبشين أملحين، أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ»
ــ
[البناية]
قلنا: أما قولهم قبيح عقلًا غير مسلم. بل يجوز في العقل تعظيم غير المستحق بواسطة محبته له. وباعتبار ذلك استحقق تعظيمه. وأما قولهم قد علم خلافه غير مسلم، ولئن سلم ذلك لقد شرطه أو بالمنع عن الله تعالى. وأما الجواب عن الآية فبثمانية أوجه:
الأول: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21](الطور: الآية 21) ، أدخل الأبناء الجنة بصلاح آبائهم، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
الثاني: خاصة بقوم إبراهيم وقوم موسى عليهما السلام، يعني في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] للعطف فهذان في صحيفتهما مختص بهما، فأما هذه الأمة فلقد ما سعيت ما سعى لها غيرها، قاله عكرمة.
الثالث: أن المراد بالإنسان الكافر هنا، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له، قاله الربيع بن أنس بن الفضل رضي الله عنه.
الخامس: أن معنى ما سعى: ما نوى، قاله أبو بكر الوراق رحمه الله.
السادس: أن ليس للإنسان الكافر من الخير إلا ما عمله في الدنيا فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير البتة، ذكره الأستاذ أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله.
السابع: اللام بمعنى على أي ليس على الإنسان إلا ما سعى كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7](الإسراء: الآية 7)، أي فعليها وكقوله تعالى:{وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52](الرعد: الآية 25) ، أي وعليهم.
الثامن: ليس إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة لتحصيل سببه لسعيه في تحصيل ولد أو صديق يستغفر الله، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة، فيكتب محبة أهل الدين والصلاح فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه حكى هذا أبو الفرج بن الجوزي.
م: (لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه ضحى بكبشين أملحين، أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما، وروى حديثهما ابن ماجه في " سننه " من طريق عبد الرزاق بإسناده عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا أراد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين أقرنين أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته ممن شهد بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد» .
وكذلك رواه أحمد في " مسنده " وروى أحمد أيضًا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره، ومنهم جابر روى حديثه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي عياش المعافري عن جابر بن عبد الله قال: «ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين، فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي
…
الآية، " اللهم لك ومنك عن محمد وأمته بسم الله، والله أكبر، ثم ذبح» .
ومنهم أبو رافع حديثه عن أحمد رحمه الله. وحذيفة بن أسيد عند الحاكم، وأبو طلحة عند ابن أبي شيبة في " مسنده ". وأنس بن مالك حديثه عند ابن أبي شيبة أيضًا.
قوله: أملحين؛ الأملح الذي به سواد وبياض، ويقال: كبش أملح، فيه ملحة وهي بياض بشقه شعرات سود، وقوله أحدهما بالجر وكذا قوله، والآخر وهما بدلان من قوله بكبشين، ويجوز نصبهما على تقدير يذبح أحدهما؛ لأن قوله ضحى يدل على الذبح قوله وشهد له بالبلاغ أي شهد للنبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ أوامر الله ونواهيه إلى عباده. وإنما بين الأمة ممن آمن وشهد؛ لأن الأمة على نوعين: أمة دعوة وإجابة وهم المؤمنون وأمة دعوة لا إجابة وهم الكافرون.
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى كافة الخلق وهم بأجمعهم أمة له. إلا أنه صلى الله عليه وسلم ضحى إحدى الشاتين عن أمة المؤمنين لا عن الكافرين لأنهم لا يستحقون الثواب. وجه الاستدلال به ظاهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل من ثوابه لأمته، وهذا يعلم منه صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يجوز أن
جعل تضحية إحدى الشاتين لأمته
والعبادات أنواع: مالية محضة كالزكاة، وبدنية محضة كالصلاة، ومركبة منهما: كالحج، والنيابة تجري في النوع الأول في حالتي الاختيار والضرورة، لحصول المقصود بفعل النائب. ولا تجري في النوع الثاني بحال؛ لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل به، وتجري في النوع الثالث عند العجز للمعنى الثاني وهو المشقة بتنقيص المال.
ــ
[البناية]
ينفعه عمل غيره والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم هو العروة الوثقى.
م: (جعل) ش: أي النبي صلى الله عليه وسلم. م: (تضحية إحدى الشاتين لأمته) ش: أي ثوابها، أي جعل ثوابها لأمة المؤمنين وهذا دليل صريح على جواز أن يجعل الرجل من ثوابه لغيره، وينتفع به الغير سواء كان حيًا أو ميتا.
م: (والعبادات أنواع: مالية محضة) ش: أي نوع منها عبادة مالية خالصة. م: (كالزكاة) ش: وصدقة الفطر، والمقصود منها صرف المال إلى سد خلة المحتاج. م:(وبدنية محضة) ش: أي نوع مهنا عبادة بدنية محضة. م: (كالصلاة) ش: والمقصود منها التعظيم بالجوارح، وإتعاب النفس الأمارة بالسوء ابتغاء مرضاة الله. م:(ومركبة منهما) ش: أي نوع منها عبادة مركبة من المالية والبدنية. م: (كالحج) ش: وقد ذكرنا في أول الباب أن الصواب أن الحج من العبادات البدنية؛ لأن المال شرط الوجوب.
م: (والنيابة تجري في النوع الأول) ش: وهو العبادة المالية المحضة كالزكاة فتجوز النيابة فيها. م: (في حالتي الاختيار) ش: أي الصحة. م: (والضرورة) ش: أي المرض. م: (لحصول المقصود بفعل النائب) ش: وذلك لأن المقصود هو صرف المال لسد خلة المحتاج، وهو يحصل بفعل النائب؛ لأن المقصود هو صرف المال. م:(ولا تجري) ش: أي النيابة. م: (في النوع الثاني) ش: وهو العبادة البدنية المحضة كالصلاة. م: (بحال) ش: أي في الاختيار والضرورة. م: (لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل به) ش: أي بالنائب. م: (وتجري) ش: أي النيابة. م: (في النوع الثالث) ش: وهو العبادة المركبة من المال والبدن كالحج. م: (عند العجز للمعنى الثاني للمشقة بتنقيص المال) ش: إنما قال للمعنى الثاني؛ لأن الحج يشترط على معنيين: إتعاب النفس وتنقيص المال. فانتفى المعنى الأول عند العجز فتعين الثاني.
وقال الكاكي: وفي بعض النسخ للمعنى الأول، وهو اعتبار كونه ماليًا، وهذا أظهر بالنسبة إلى تقدير الكتاب، ولا يجزئ عند القدرة حتى لو حج صحيح رجلًا، ثم عجز لم يجزه بالإجماع. وفي كتب الشافعية، لو حج المغصوب غيره نظر إن شفي لم يجزه ذلك قولًا واحدًا عند الشافعي رحمه الله وإن مات فيه قولان في قول يجوز وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وفي قول لا يجوز.