الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف فيها - على ما بينا - سقط عنه طواف القدوم؛ لأنه شرع في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال، فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سنة، ولا شيء عليه بتركه؛ لأنه سنة، وبترك السنة لا يجب الجابر.
ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يومها إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج، فأول وقت الوقوف
ــ
[البناية]
[فصل في بيان مسائل شتى من أفعال الحج]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان مسائل شتى من أفعال الحج، ذكرها بفصل على حدة لتعلقها بالباب.
م: (فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات وقف فيها) ش: وفي بعض النسخ ووقف فيها م: (على ما بينا) ش: أي قبل هذا الفصل من أحكام الوقوف بعرفة م: (سقط عنه طواف القدوم؛ لأنه شرع في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال) ش: أي يأتي الأفعال ومنه السور م: (فلا يكون الإتيان به) ش: أي بطواف القدوم م: (على غير ذلك الوجه سنة، ولا شيء عليه بتركه) ش: أي لترك طواف القدوم م: (لأنه) ش: أي لأن طواف القدوم م: (سنة، وبترك السنة لا يجب الجابر) ش: لأن وقت طواف القدوم في ابتداء الحج قبل الشروع في الأفعال والسنن إذا فاتت عن وقتها لا تقضي، وعند مالك رحمه الله طواف القدوم واجب يحتاج تاركه إلى جابر إلا في حق المراهق للوقوف، فإنه يسقط عنه عنده بلا جابر، ذكره في " الذخيرة ".
م: (ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يومها) ش: أي من يوم عرفة م: (إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج) ش: اعلم أن أول وقت الوقوف من وقت الزوال، هو مذهب الأئمة الثلاثة وأصحابهم، وقال أحمد رحمه الله: أول وقته من طلوع الفجر يوم عرفة، ولم يوافقه أحد على هذا، وأبو حفص الكبير من الحنابلة، قال بما قاله الأئمة الثلاثة، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله: م: (فأول وقت الوقوف بعد الزوال عندنا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال) ش: وهذا في حديث جابر الطويل أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف الحديث م:(وهذا بيان أول الوقت) ش: لأن الكتاب مجمل، فالتحق بفعل النبي صلى الله عليه وسلم بياناً به كما في الصلاة.
وقال السروجي: ليس في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا في قوله أن أول وقت الوقوف من الزوال لأنه عليه الصلاة والسلام لما طلعت الشمس في منى سار إلى عرفة، فنزل بنمرة في العقبة التي ضربت له، فأقام بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن
بعد الزوال عندنا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال، وهذا بيان أول الوقت، وقال عليه الصلاة والسلام:«من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج»
«ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج» ، وهذا بيان آخر الوقت. ومالك رحمه الله إن كان يقول: إن أول وقته بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس فهو محجوج عليه بما روينا
ــ
[البناية]
الوادي فخطب خطبته الطويلة التي ذكر فيها تحريم دمائهم، وأموالهم عليهم، والوصية بالنساء، ثم صلى الظهر، والعصر في وقت الظهر، ثم ركب القصواء وأتى الموقف، كما في حديث جابر رضي الله عنه فلم يكن نزوله بعرفة وقت الزوال، ولا وقوفه؛ لأن نمرة ليست من عرفات في الصحيح، مع أن نزوله بنمرة كان قبل الزوال، ووقوفه بعرفة بعد الخطبتين والصلاة ووقت الزوال قبل هذا بكثير، هذا وإن أخذ بقوله، فينبغي أن يكون أول الوقت من طلوع فجر يوم عرفة؛ لأن قوله الأداء يدل على أن النهار محل الوقوف من أوله إلى آخره، وهو أقوى في الدليل، لأن الفعل لو وجد من وقت الزوال لا يدل على أنه أول وقته؛ لأنه يجوز أن يكون الأفضل والأولى هو وقت الزوال مع غيره من أوقات نهار يوم عرفة.
م: (وقال عليه الصلاة والسلام: " من «أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج» ش: هذا الحديث رواه الأربعة عن سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه فأمر منادياً فنادى في الناس «الحج عرفة فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج»
…
" الحديث، رواه الدارقطني من حديث عطاء ونافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج» .
م: (ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج) ش: فيحل بعمرة وعليه الحج من قابل، وفي إسناده رحمه الله من مصعب ضعيف، م:(وهذا بيان آخر الوقت) ش: لأنه يدل على أن وقت الوقوف بعرفة يبقى الليل من يوم النحر ولا يبقى بعد الليل، فيصح قولهم: إن آخر وقت الوقوف قبل طلوع الفجر من يوم النحر.
م: (ومالك رحمه الله إن كان يقول بأول وقته) ش: أي أول وقت الوقوف م: (بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس) ش: من يوم عرفة م: (فهو محجوج عليه بما روينا) ش: وهو «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال» ونقل هذا غير صحيح عن مالك رحمه الله فإن مذهبه هنا مثل مذهبنا، وقد ذكر ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع "، ولا يجزئ الوقوف بعرفة نهاراً قبل الزوال، وقال الكاكي رحمه الله: ما وجدت هذا عن مالك رحمه الله في الكتب المعتبرة لبيان الخلاف وقيل:
ثم إذا وقف بعد الزوال. وأفاض من ساعته أجزأه عندنا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر بكلمة " أو "، فإنه قال:«الحج عرفة فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه» وهي كلمة التخيير. وقال مالك رحمه الله: لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل
ــ
[البناية]
هذا سهو من الكاتب، وليس هو مذهب مالك رحمه الله، قلت: فلأجل هذا ذكر صاحب الكتاب بقوله: وإن كان مالك رحمه الله يقول: ذكره بكلمة الشرط.
م: (ثم إذا وقف بعد الزوال. وأفاض من ساعته أجزأه عندنا) ش: يعني يكفي من خروجه من العهدة م: (لأنه صلى الله عليه وسلم) ش: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم م: (ذكره بكلمة " أو "، فإنه قال:«الحج عرفة، فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار قد تم حجه» ش: هذا الحديث رواه الطحاوي رضي الله عنه من «حديث الشعبي، قال: سمعت عروة بن نضر بن الطحاوي يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة، فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيء، والله ما جئت انبعثت وأمضيت راحلتي، وما نزلت جبلاً من هذه الجبال إلا وقد وقفت عليه، فهل لي من حج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بالمزدلفة، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه» ورواه الأربعة أيضاً، وليس في لفظ واحد منهم ذكر ساعة بعد قوله: من وقف بعرفة، قوله: وانصبت راحلتي، أي أنزلتها.
قال: أنصب بقرة ينصبها نصباً إذا أنزلها، ونضر ومادته بنون وضاد معجمة وراء، رأيت الأترازي ضبطه بالنون والصاد والباء الموحدة، ولكن بالحركات لا بالحروف، قال: انتصبت أي تعبت، وليس في رواية المذكورين إلا مثل ما ضبطنا، نعم في رواية الترمذي: أكللت من الإكلال وهو الإلقاب، قوله: ما نزلت حبلاً، بفتح الحاء المهملة، وسكون الباء الموحدة وهو المستطيل من الرمل، وقيل: الضم منه، وجمعه حبال، وقيل: حبال من غير الرمل، وضبطه الأترازي رحمه الله بالجيم والباء الموحدة، وهو الجبل المعهود، ولكن بالحركات لا بالحروف، وقال شيخنا زين الدين: وروي جبلاً بالجيم، وهو يؤيد كلام الأترازي رحمه الله ولكن في رواية الطحاوي رحمه الله: ما نزلت جبلاً زملاً من هذه الجبال، وهذا يرد على من ضبطه بالجيم. قوله: ذكر كلمة أو يعني في قوله: من ليل أو نهار، ثم قال: م: (وهي كلمة التخيير) ش: لأن كل اليوم، والليلة غير مشروط فيه، فيكون الشرط وقوف ساعة من اليوم أو الليل، فيكون مجملاً، فالتحق فعل النبي صلى الله عليه وسلم بياناً له، قال تاج الشريعة رحمه الله: فيكون حجة على مالك رحمه الله، قلت: حتى تصح ما نقل من الذي ذكر فيه.
م: (وقال مالك رحمه الله: لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل) ش: قال السروجي رحمه الله. قلت: حتى يصح ما نقل من الذي ذكر عنه، وقال مالك - رحمه
ولكن الحجة عليه ما رويناه. ومن اجتاز بعرفات نائما أو مغمى عليه، أو لا يعلم أنها عرفات جاز عن الوقوف؛ لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف، ولا يمنع ذلك بالإغماء والنوم، كركن الصوم،
بخلاف الصلاة؛ فإنها لا تبقى مع الإغماء، والجهل يخل بالنية، وهي ليست بشرط لكل ركن.
ــ
[البناية]
الله - لا يجزئه إلا أن يقف في الليل، قال السروجي رحمه الله: قوله في الكتاب، قال مالك رحمه الله: إلى آخره سهو، ولم يقل به أحد، وقال الطرطوسي في معرفة قول مالك رحمه الله: أن من ترك الوقوف بالليل بطل حجه عندنا، وعندهم يلزمه الدم، ولو تركه نهاراً أو وقف ليلاً لا يلزمه شيء، فدل على أن المعتبر الوقوف بالليل دون النهار.
م: (ولكن الحجة عليه) ش: أي على مالك رحمه الله م: (ما رويناه) ش: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «الحج عرفة، فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه» م: (ومن اجتاز بعرفات) ش: حال كونه م: (نائما أو مغمى عليه، أو لا يعلم أنها عرفات جاز عن الوقوف) ش: وكذا من كان مجنوناً أو سكراناً أو هارباً أو طالب غريم أو كان جنباً أو محدثاً أو حائضاً أو نفساء، أو لم ينو الوقوف، وعند الشافعي رحمه الله لو حصر في جزء يسير من أجزاء عرفات في لحظ يسير من وقت الوقوف ولا يعلم أنها عرفات، ولم يثبت وقوع الغفلة، والنوم، واجتاز بها في طلب غريم له هارب من يديه، أو بهيمة صح وقوفه، بخلاف السكران والمجنون والمغمى عليه، ذكره النووي رحمه الله، وهو قول مالك رحمه الله وابن حنبل، والحسن البصري، وأبو ثور، وقال عطاء في المغمى عليه: يجزئه، وقال الحسن البصري رحمه الله: يبطل حجه، وعن التوقف فيه، وقال أبو ثور: لا يصح من النائم، وقال في " الذخيرة ": عن مالك رحمه الله: ومن وقف مغمى عليه حتى وقع أجزأه ولا دم عليه.
م: (لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف، ولا يمنع ذلك بالإغماء والنوم) ش: لأن المقصود من الوقوف حصوله من ذلك المكان، وقد وجد م:(كركن الصوم) ش: أي فعل الصوم، وأفعال الحج، كلاهما اختياري، لوجود النية، فكذا هاهنا إذا اجتاز بعرفات، ونوى، بل أولى لأن هذا الوقوف لو جعل كالمعدوم يلزمه التوقف إلى العام القابل، وفيه ضرر عظيم
م: (بخلاف الصلاة، فإنها لا تبقى مع الإغماء) ش: لأن شرط الصلاة أعني الطهارة تنتفي بالإغماء، فينتفي المشروط م:(والجهل يخل بالنية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يجوز الوقوف بعرفات إذا اجتاز بها، وهو لا يعلم لعدم النية، فأجاب وقال: سلمنا أن الجهل يخل بالنية م: (وهي ليست بشرط لكل ركن) ش: فلأجل هذا جاز الوقوف، وإن كان جاهلاً بالموضع.
ومن أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه جاز عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: لا يجوز، ولو أمر إنسانا بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه، أو نام فأحرم المأمور عنه صح بالإجماع، حتى إذا أفاق أو استيقظ، وأتى بأفعال الحج جاز. لهما أنه لم يحرم بنفسه، ولا أذن لغيره به، وهذا لأنه لم يصرح بالإذن منه
ــ
[البناية]
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا طاف حول البيت خلف غريمه، أو خائف من سبع، ولا ينوي الطواف لا يجزئه، وإن وجدت النية في أصل الإحرام مع أنه ركن.
قلت: الوقوف ركن عبادة، وليس بعبادة مقصودة، ولهذا لا ينتفل به، بخلاف الطواف؛ فلأنه عبادة مقصودة، ولهذا ينتفل به فلا بد من وجود أصل النية فيه.
م: (ومن أغمي عليه فأهل عنه) ش: أي أحرم م: (رفقاؤه جاز عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: يعني أحرموا عن أنفسهم بطريق الأصالة، وعن الرفيق بطريق النيابة، حتى لو قتل صيداً عليه دم واحد، كذا في " المبسوط "، وصورة المسألة أن الرفقاء إذا لبسوا الرداء، أو تجنبوا المحظورات صار هو محرماً، ويتداخل الإحرامان، وصار إحرامهم عنه كإحرام الأب عن ابنه الصغير، وإنما قيد بإهلال الرفقاء عنه لأنه إذا أحرم عنه واحد من عرض الناس اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله. قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني: كان الجصاص يقول: لا يجوز، ثم رجع، وقال: يجوز.
م: (وقالا: لا يجوز) ش: وهو قول عامة الفقهاء، وهذا الخلاف فيما إذا لم يوجد الإذن بالإحرام من المغمى عليه صريحاً، فأما إذا أذن صريحاً جاز بالاتفاق، وأشار إليه بقوله م:(أمر إنسانا) ش: أي فلو أمر رجل رجلاً م: (بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه، أو نام فأحرم المأمور صح بالإجماع، حتى إذا أفاق أو استيقظ) ش: الآمر بذلك م: (وأتى بأفعال الحج جاز) ش: أراد بالإجماع عند أصحابنا؛ لأن عند مالك، والشافعي، وأحمد لا يجوزون ذلك. وقال النووي: لا يجوز عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -، سواء كان أذن له فيه قبل الإغماء أم لا، وهذا النقل غلط.
واعتراض القرافي على الإمام فقال: لو وكل في ذلك لم يصح مع القصد ومع عدمه أولى، ورد عليه بأن قياسه على التوكيل باطل بلا شبهة؛ لأن التوكيل بخلاف الاتفاق على الصحة لا البطلان فليت شعري ما سنده في هذا.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م:(أنه) ش: أي الذي أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه م: (لم يحرم بنفسه، ولا أذن لغيره به) ش: أي بالإحرام إذا أغمي عليه م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من أنه لم يحرم بنفسه، ولا بإذن منه لغيره، لا يكون محرماً م:(لأنه لم يصرح بالإذن منه) ش: لأنه إما بالصريح، أو بالدلالة، فالصريح منتقلاً في الكلام في عدم
والدلالة تقف على العلم، وجواز الإذن به لا يعرفه كثير من الفقهاء، فكيف يعرفه العوام، بخلاف ما إذا أذن غيره بذلك صريحا. وله أنه لما عاقدهم عقد الرفقة فقد استعان بكل واحد منهم فيما يعجز عن مباشرته بنفسه. والإحرام هو المقصود بهذا السفر، فكان الإذن به ثابتا دلالة، والعلم ثابت نظرا إلى الدليل، والحكم يدار عليه.
قال: والمرأة في جميع ذلك كالرجل؛ لأنها مخاطبة كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها لأنه عورة، وتكشف وجهها) لقوله عليه الصلاة والسلام:«إحرام المرأة في وجهها» ولو أسدلت شيئا على وجهها
ــ
[البناية]
التصريح بالإذن م: (والدلالة تقف على العلم) ش: بجواز الإحرام عن المغمى عليه، والعلم منفوذ م:(وجواز الإذن به) ش: أي بالإحرام عنه م: (لا يعرفه كثير من الفقهاء، فكيف يعرفه العوام، بخلاف ما إذا أذن غيره بذلك) ش: أي بالإحرام إذناً م: (صريحا) ش: ففيه يجوز اتفاقاً.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله م: (أنه) ش: أي أن هذا الرجل المغمى عليه م: (لما عاقدهم) ش: أي الرفقاء م: (عقد الرفقة فقد استعان بكل واحد منهم) ش: أي من الرفقاء م: (فيما يعجز عن مباشرته بنفسه) ش: لأن السفر محل الاستعانة فيما بينهم م: (والإحرام هو المقصود) ش: في سفر هذا الرجل لا رجل مقصود م: (بهذا السفر) ش: هو الإحرام م: (فكان الإذن به) ش: أي بالإحرام م: (ثابتا دلالة) ش: أي من حيث الدلالة، وإن لم يوجد صريحاً م:(والعلم) ش: أي على الرفقاء م: (ثابت نظرا إلى الدليل) ش: وهو عقدهم عقد الرفقة م: (والحكم يدار عليه) ش: أي على الدليل، كمن نصب قدراً على كانون وجعل فيها اللحم، وأوقد تحتها النار، وجاء آخر فطبخه لا يضمن لوجود الإذن دلالة، فكذا هاهنا، ولو أحرم بنفسه ثم أغمي عليه أو مرض فطافوا به حول البيت على بعير ووقفوا به بعرفة والمزدلفة، ووضعوا الأحجار في يده ورموا بها، وسعوا به بين الصفا والمروة، فإن ذلك يجزئه عند أصحابنا جميعاً.
م: (قال: والمرأة في جميع ذلك) ش: أي في جميع المناسك م: (كالرجل) ش: أي تفعل مثل ما يفعل الرجل، إلا في أشياء وهو خمسة عشر موضعاً ويجيء بيانها الآن م:(لأنها مخاطبة كالرجل) ش: لأن أوامر الشرع عامة غير أنها استثناء لبيان أنها تختص بأشياء في المواضع خمسة عشر، أشار إلى المواضع بقوله:
م: (غير أنها) ش: أي غير أن المرأة م: (لا تكشف رأسها لأنه عورة، وتكشف وجهها) لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «إحرام المرأة في وجهها» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في " سننه " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها» . م: (ولو أسدلت شيئا على وجهها) ش: أي لو أرخت شيئاً، وفي " المغرب ": سدل الثوب سدلاً من باب: طلبه إذا أرسله من غير أن يضم جانبيه، وقيل: هو أن
وجافته عنه جاز هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها ولأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل،
ولا ترفع صوتها بالتلبية لما فيه من الفتنة، ولا ترمل، ولا تسعى بين الميلين؛ لأنه مخل بستر العورة، ولا تحلق، ولكن تقصر؛ لما روي «أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى النساء عن الحلق، وأمرهن بالتقصير»
ــ
[البناية]
يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه، والسدل خطأ، وفي كثير من النسخ: استدلت بالهمزة، والأصل رعاية قول أهل اللغة م:(وجافته عنه) ش: بالجيم، أي باعدت الشيء عن وجهها، وهو من باب المفاعلة من جفى جنبيه عن الفراش إذا نبا وارتفع.
م: (جاز) ش: جواب لو م: (هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها) ش: هذا أخرجه ابن ماجه، وأبو داود، عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد «عن عائشة قالت: كانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حازوا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا» .
م: (ولأنه) ش: أي سدل الشيء على الوجه م: (بمنزلة الاستظلال بالمحمل) ش: فإنه يجوز، فكذلك السدل. والمحمل بفتح الميم الأولى، وكسر الثانية، وبالعكس الهودج الكبير الحجاجي.
م: (ولا ترفع صوتها بالتلبية) ش: هذا هو الثاني من الخمسة عشر م: (لما فيه) ش: أي رفع صوتها م: (من الفتنة) ش: عن عطاء، وسليمان بن يسار: لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية، بل تسمع نفسها، رواه عنهما سعيد بن منصور رحمه الله، وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها بالتلبية؛ لأن صوتها عورة، وعند البعض إن لم يكن عورة فهو مشتهى، وقالت الظاهرية: ترفع صوتها كالرجل والتفاوت إليهم.
م: (ولا ترمل) ش: هذا هو الثالث من الخمسة عشر، أي لا ترمل في طوافها؛ لأنها تجد ستر العورة؛ لأنه لا يطلب منها إظهار الجلد؛ لأن بدنها غير صالح للحرب والقتال (ولا تسعى بين الميلين) ش: بين الصفا والمروة م: (لأنه مخل بستر العورة) ش: هو تعليل الرمل والسعي كليهما، وهذا هو الرابع من الخمسة عشر.
م: (ولا تحلق) ش: هو الخامس منها م: (ولكن تقصر) ش: هو السادس منها م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن الحلق، وأمرهن بالتقصير» ش: هذا غريب؛ لأنه مركب من حديثين، وفي نهي النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، منها ما رواه الترمذي في الحج، والنسائي في الزينة من حديث قتادة عن
ولأن حلق الشعر في حقها مثلة، كحلق اللحية في حق الرجال.
وتلبس من المخيط ما بدا لها؛ لأن في لبس غير المخيط كشف العورة. قالوا: ولا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع؛ لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خاليا.
ــ
[البناية]
خلاس بن عمرو عن علي رضي الله عنه قال: «نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها» .
ومنها ما رواه البزار من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى مثله.
ومنها ما رواه البزار أيضا من حديث وهب بن عمير قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول نهى النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأما حديث التقصير، فرواه أبو داود في " سننه " من حديث صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان رضي الله عنها أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير» ، وفي " فتاوى الولوالجي ": تقصر من ربع شعر رأسها قدر الأنملة، وقيل: تأخذ من أطراف شعر رأسها كالأنملة من غير تقدير الربع.
م: (ولأن حلق الشعر في حقها مثلة، كحلق اللحية في حق الرجال) ش: المثلة حرام فلا تجوز: إقامة السنة بارتكاب الحرام، والسنة في حقها التقصير، وقال المطرزي رحمه الله: المثلة قطع بعض الأعضاء، وتسويد الوجه، وتغيير الهيئة.
م: (وتلبس من المخيط ما بدا لها) ش: وهو السابع منها، أي تلبس ما ظهر لها، وما شاءت، ولكن لا تلبس المصبوغ بورس أو زعفران، إلا أن يكون قد غسل؛ لأن هذا يزيد، وهو من دواعي الجماع، وهي ممنوعة من ذلك في الإحرام كالرجل م:(لأن في لبس غير المخيط كشف العورة) ش: وهو حرام م: (قالوا) ش: أي قال أصحابنا المتأخرون م: (ولا تستلم الحجر) ش: هو الثامن م: (إذا كان هناك جمع) ش: من الناس م: (لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خالياً) ش: هذا كما رأيت لم يذكر المصنف إلا ثمانية أشياء من تلك الخمسة عشرة.
التاسع: لا تطلع بخلاف الرجل. العاشر: ليس عليها كفارة في تأخير طواف الإفاضة عن أيام النحر بعذر الحيض، والنفاس، الحادي عشر: لها ترك طواف الوداع بعذر الحيض، والنفاس. الثاني عشر: اشترط المحرم لها أو الزوج في مسافة السفر، الثالث عشر: لها لبس الخفين، الرابع عشر: لها لبس القفازين.
والقفاز شيء تلبسه النساء في أيديهن لتغطية الكف والأصابع؛ لأن سعد بن أبي وقاص -
قال: ومن قلد بدنة تطوعا أو نذرا، أو جزاء صيد، أو شيئا من الأشياء، وتوجه معها يريد الحج فقد أحرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«من قلد بدنة فقد أحرم» ؛ ولأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة؛ لأنه لا يفعله إلا من يريد الحج والعمرة
ــ
[البناية]
رضي الله عنه كان يلبس بناته القفاز وهن محرمات، ورخصت عائشة فيه، وبه قال عطاء والثوري، وحكي عن ابن عمر رضي الله عنهما ذكره القرطبي، وقال البغوي: وهو أظهر قولي الشافعي رضي الله عنه، وقال النووي رضي الله عنه: أصح قولي الشافعي المنع منه خلاف ما نقله البغوي.
الخامس عشر: لها لبس الحلي، السادس عشر: لها كشف وجهها، وإن كانت مشاركة للرجل فيه، لكن لا يجوز لها ذلك، إلا في الإحرام.
فإن قلت: كيف حكم الخنثى في هذه الأشياء.
قلت: يشترط في حقه ما يشترط في المرأة احتياطاً في المحرمات.
م: (قال: ومن قلد بدنة) ش: وفي بعض النسخ: قال: أي محمد في " الجامع الصغير ": لأن هذا من مسائله م: (تطوعا) ش: أي لأجل التطوع م: (أو نذرا) ش: أي أو لأجل النذر الذي عليه م: (أو جزاء صيد) ش: أي ولأجل جزاء الصيد، بأن قتله حتى وجبت عليه قيمته فاشترى بتلك القيمة بدنة في سنة أخرى، وقلدها أو قتل الحلال صيد الحرم فاشترى بقيمته بدنة م:(أو شيئا من الأشياء) ش: مثل دم المتعة، والقران، والدماء الواجبة، كالحلق وغيره، قال تاج الشريعة رحمه الله: عبر بهذه الأشياء تيسيراً عليه، وقال الأترازي: كان ينبغي أن يقول: أو بشيء من الأشياء كما في " الجامع الصغير "؛ لأن أشياء مفعول له بالعطف على ما قبله وأحد شرائطه أن يكون مصدراً، فإن قصده المصنف فلا بد من اللام في قولك: حد للشيء انتهى. قلت: الذي قاله النحاة بأنه لا بد من اللام إما ظاهرة أو مقدرة، وهاهنا مقدرة، تقديره والشيء من الأشياء. م:(وتوجه معها) ش: أي مع البدنة حال كونه م: (يريد الحج فقد أحرم) ش: أي صار محرماً م: (لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «من قلد بدنة فقد أحرم» ش: هذا حديث غريب مرفوعاً ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " على ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر رضي الله عنهما قال: حدثنا ابن نصير، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، قال:«من قلد بدنة فقد أحرم» حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من قلد أو جلل أو أشعر فقد أحرم» .
م: (ولأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة) ش: أي في إجابة دعاء إبراهيم عليه السلام م: (لأنه) ش: أي لأن التقليد م: (لا يفعله إلا من يريد الحج أو العمرة) ش: وفي " شرح الطحاوي " رحمه الله: ولو قلد بدنة بغير نية الإحرام يصير محرماً.
وإظهار الإجابة قد يكون بالفعل كما يكون بالقول فيصير به محرما لاتصال النية بفعل هو من خصائص الإحرام. وصفة التقليد أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل، أو عروة مزادة، أو لحاء شجرة،
فإن قلدها وبعث بها ولم يسقها لم يصر محرما لما روي عن عائشة أنها رضي الله عنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها، وأقام في أهله حلالا، فإن توجه بعد ذلك لم يصر محرما حتى يلحقها؛ لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم يوجد منه إلا مجرد النية، وبمجرد النية لا يصير محرما، فإذا ركبها وساقها أو أدركها
ــ
[البناية]
ولو ساق هدياً قاصداً إلى مكة صار محرماً بالسوق نوى أو لم ينو، وقال صاحب " النهاية ": صيرورته محرماً بمجرد السوق من غير انضمام نية الإحرام لم أجد في الشروح هذه العبارة إلا في شرح الطحاوي رضي الله عنه، فإن في عامة النسخ شرط الهدي، أي كان كما يضم إلى التلبية وسوق هدي المتعة، وتقليد البدنة.
م: (وإظهار الإجابة) ش: قيل: إنه معطوف على اسم إن، قرئ منصوباً، وعلى محل إن قرئ مرفوعاً قاله الأكمل، قلت: فيه تعسف إلا وجه أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره هو قوله م: (قد يكون بالفعل كما يكون بالقول) ش: ألا ترى إن قال: يا فلان، فأجابه تارة بقول: لبيك، وتارة بالحضور، والامتثال بين يديه م:(فيصير به محرما) ش: أي فيصير بالسوق محرماً. م: (لاتصال النية بفعل هو من خصائص الإحرام) ش: أراد به التقليد مع السوق م: (وصفة التقليد أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل أو عروة مزادة) ش: هي المظهرة م: (أو لحاء شجرة) ش: بكسر اللام وبالحاء المهملة، وبالمد، وهو القشر أو قطعة أدم، أو شراك نعل.
م: (فإن قلدها وبعث بها ولم يسقها لم يصر محرما لما روي «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها، وأقام في أهله حلالا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم «عن عائشة رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي فأفتلت قلائدها بيدي من عهن كان عندنا، ثم أصبح فيها حلالاً يأتي ما يأتي الرجل من أهله» وكان الصحابة رضي الله عنهم مختلفين في هذه المسألة على ثلاثة أقاويل، منهم من قال: إذا قلدها صار محرماً، ومنهم من قال: إذا توجه في إثرها صار محرماً، فأخذنا باليقين، وقلنا: إذا أدركها وساقها صار محرماً لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم في هذه الحالة.
م: (فإن توجه بعد ذلك) ش: أي بأن توجه بعدما بعث هديه م: (لم يصر محرما حتى يلحقها؛ لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم توجد منه إلا مجرد النية، وبمجرد النية لا يصير محرما) ش: وفي " المحيط ": لا يصير داخلاً في الإحرام بمجرد النية ما لم يضم إليها التلبية أو سوق الهدي م: (فإذا ركبها) ش: أي البدنة م: (وساقها أو أدركها) ش: [.....] بين السوق والإدراك؛ لأنه على رواية " الجامع الصغير " يشترط الإدراك، فحسب لأنه قال: لم يصر محرماً
فقد اقترنت نيته بعمل هو من خصائص الإحرام، فيصير محرما كما لو ساقها في الابتداء. قال: إلا في بدنة المتعة فإنه محرم حين توجه، معناه إذا نوى الإحرام، وهذا استحسان. وجه القياس فيه ما ذكرنا. ووجه الاستحسان أن هذا الهدي مشروع في الابتداء نسكا من مناسك الحج وضعا لأنه مختص بمكة ويجب شكرا للجمع بين أداء النسكين، وغيره. قد يجب بالجناية وإن لم يصل إلى مكة فلهذا اكتفي فيه بالتوجه، وفي غيره
ــ
[البناية]
حتى يلحق البدنة، وعلى رواية الأصل: شرط الإدراك والسوق جميعاً؛ لأنه قال: لم يصر محرماً حتى يلحق الهدي ويسوقه ويتوجه معه، والمصنف رحمه الله جمع بين الروايتين، وقال فخر الإسلام رحمه الله: فذلك أمر إضافي، وإنما الشرط أن يلحقه ليصير فاعلاً فعلى المناسك على المخصوص.
م: (فقد اقترنت نيته بعمل هو) ش: أي السوق والإدراك م: (من خصائص الإحرام) ش: جمع خصيصة وهي التي تختص بالشيء، ومن خصائص الإحرام سوق الهدي م:(فيصير محرما كما لو ساقها في الابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر.
م: (قال: إلا في بدنة المتعة) ش: وفي بعض النسخ قال: إلا في بدنة المتعة، أي قال محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": إلا في بدنة المتعة، وهو استثناء من قوله: فإن توجه بعد ذلك لم يصر محرماً حتى يلحقها، يعني أن في بدنة المتعة يصير محرماً بمجرد التوجه، وهاهنا قيد لا بد منه، وهو أنه إنما يصير محرماً بالتقليد أن لو حصل التقليد في أشهر الحج، وإن حصل في غير أشهره لا يصير محرماً ما لم يدركه، ويصير معه هكذا ذكره محمد رحمه الله.
م: (فإنه محرم حين توجه، معناه إذا نوى الإحرام) ش: يحرم حين توجه إذا وجدت النية، فإذا لم توجد لا يصير محرماً م:(وهذا استحسان) ش: أي كونه محرماً في بدنة المتعة بمجرد التوجه قبل اللحاق استحسان، والقياس أن لا يصير محرماً بمجرد التوجه.
م: (وجه القياس فيه ما ذكرنا) ش: يريد به قوله: لم يوجد منه إلا مجرد النية م: (ووجه الاستحسان أن هذا الهدي مشروع في الابتداء) ش: احترز به عن دم الجناية، والنذر، فإنهما شرعا بناء عليهما لا ابتداء م:(نسكا) ش: أي حال كونه نسكاً، احترز به عما وجب ابتداء م:(من مناسك الحج وضعا) ش: يعني من حيث الوضع الشرعي م: (لأنه مختص بمكة) ش: حيث صار نسكا من مناسك الحج.
م: (ويجب) ش: أي الهدي م: (شكرا للجمع بين أداء النسكين) ش: هذا بيان اختصاصه بمكة لأن الجمع بين النسكين لا يكون إلا بمكة، فكان هدي المتعة مختصاً بمكة م:(وغيره) ش: أي غير دم المتعة م: (قد يجب بالجناية) ش: بأن صاد صيداً قبل وصوله إلى مكة م: (وإن لم يصل إلى مكة) ش: واصل بما قبله م: (فلهذا اكتفي فيه) ش: أي في هدي المتعة م: (بالتوجه وفي غيره) ش: أي وفي
توقف على حقيقة الفعل،
فإن جلل بدنة، أو أشعرها، أو قلد شاة لم يكن محرما؛ لأن التجليل لدفع الحر، والبرد، والذباب، فلم يكن من خصائص الحج. والإشعار مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله، فلا يكون من النسك في شيء. وعندهما إن كان حسنا فقد يفعل للمعالجة
ــ
[البناية]
غير هدي المتعة م: (توقف) ش: أصله تتوقف بالتاءين، فحذفت إحداهما للتخفيف، أي توقف الهدي م:(على حقيقة الفعل) ش: وهو السوق واللحاق، حاصله أن الهدي في المتعة أو القران نسك من مناسك الحج، اكتفي بالتوجه وإن لم يسق لتأكده في النسكية، وغيره لما تتأكد نسكيته أم يكتف بالتوجه، بل يتوقف على الإدراك والسوق، أو على الإدراك لتأكد تحققه بالفعل.
م: (فإن جلل بدنة) ش: أي ألقى عليها الجل م: (أو أشعرها) ش: من الإشعار، وهو الإدماء بالجرح، وقال الأكمل: إشعار البدنة إعلامها بشيء أنها هدي من الشعار، وهي العلامة م:(أو قلد شاة لم يكن محرما؛ لأن التجليل لدفع الحر، والبرد، والذباب، فلم يكن من خصائص الحج) ش: الذباب بكسر الذال المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع ذبابة وهو معروف، قال الجوهري: الواحدة ذبابة، وجمع القلة أذبة، والكثير ذباب، مثل غراب وغرابة وغربان.
وفي " جامع العتابي ": وقد يكون الإشعار للزينة، وعند الشافعي رضي الله عنه وأحمد، ومالك رحمهم الله يصير محرماً في هذه الصورة بمجرد النية والإشعار، وهو قول إبراهيم النخعي رحمه الله، ورخصت عائشة رضي الله عنها في تركه، ذكره المنذري رحمه الله، وهي لا ترخص في ترك السنن.
م: (والإشعار مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله، فلا يكون من النسك في شيء) ش: يعني لا يعد من النسك، ولا يعتبر به م:(وعندهما إن كان) ش: أي الإشعار م: (حسنا فقد يفعله للمعالجة) ش: إن فعل الإشعار هو حسن، وإن تركه فلا بأس به؛ لأنه قد يفعل لمعالجة البدنة لأجل [....] . وقال السروجي رحمه الله وعن أبي يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله ثلاثة أقوال، قيل سنة عندهما، ويصير به محرماً مع التوجه، ذكره في " البدائع ". وقال الأسبيجابي: عندهما هو سنة وفي " المحيط " و " التحفة " لا يصير محرماً عندهما، وإن كان سنة لأنه من خصائص الإحرام إذ الناس قد تركوه، وعندهما حسن ولا يصير به محرماً، لأنه قد يفعل بغير الإحرام كالتحيل، ذكره في " المبسوط ". وقيل: هو مباح ولا يصير به محرماً بالاتفاق، ذكره في " البدائع " وغيره وقال الشافعي ومالك رضي الله عنهما هو سنة، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول إنه مثلة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة، وأيضا هو تعذيب
بخلاف التقليد، لأنه يختص بالهدي، وتقليد الشاة غير معتاد وليس بسنة أيضا. قال:
والبدن من الإبل والبقر. وقال الشافعي رحمه الله: من الإبل خاصة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الجمعة، فالمتعجل منهم كالمهدي بدنة، والذي يليه كالمهدي بقرة
ــ
[البناية]
للحيوان، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله: يحتمل أن أبا حنيفة رحمه الله كره الإشعار المحدث.
فأما الذي جاءت به السنة فلا. وقال الطحاوي رحمه الله ما كره أبو حنيفة الإشعار، وإنما كره على وجه يخاف منه هلاكها لسراية الجرح لا سيما في حر الحجاز، فأراد سد الباب على العامة، لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، فأما من وقف على الحد فقطع الجلد دون اللحم فلا يكره حكاه عنه في " المبسوط " وغيره.
وتفسير الإشعار عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله الطعن بالرمح في أسفل السنام من قبل اليسار، وقال الشافعي رضي الله عنه من قبل اليمين، وقال فخر الإسلام رحمه الله الأشبه أن الإشعار من قبل اليسار.
م: (بخلاف التقليد، لأنه يختص بالهدي) ش: يعني لا يكره تقليد البدن بالاتفاق م: (وتقليد الشاة غير معتاد) ش: فإن من عادة العرب أن لا يقلدوا الشاة م: (وليس بسنة أيضا) ش: وبه قال مالك رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله: يقلد الغنم، لما روي «أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مرة غنماً وقلده» هكذا نقله الكاكي رحمه الله عن كتبهم، ثم قال قلنا: هذا غير ثابت، لأن رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رووه، انتهى.
قلت: كيف يقول بهذا وقد أخرجه الأئمة الستة عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها «أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها» ولمسلم بهذا الإسناد قالت «لقد رأيتني أقلد القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم فيبعث به ثم يقيم فينا حلالاً» انتهى. ولا يصير بتقليد الغنم محرماً عندنا، وكذا روي عن ابن عمر رضي الله عنهما فإنه لا يقلد الغنم، وإنما يقلد البدنة فلا يصير محرماً به. وعن ابن عباس رضي الله عنهما يصير محرماً بتقليد الشاة والغنم والبدن والبقر.
وفي بعض النسخ م: (قال) ش: أي قال محمد رحمه الله في " " الجامع الصغير "
م: (والبدن من الإبل والبقر) ش: والهدي من الغنم والبقر، قلت م:(وقال الشافعي رحمه الله: من الإبل خاصة) ش: وبه قال ابن سيرين، وقال مالك رضي الله عنه من الإبل فمن لم يجد فمن البقر م:(لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: (في حديث الجمعة، «فالمتعجل منهم كالمهدي بدنة،
فصل بينهما. ولنا أن البدنة تنبئ عن البدانة وهي الضخامة، وقد اشتركا في هذا المعنى، ولهذا يجزئ كل واحد منهما عن سبعة، والصحيح من الرواية في الحديث كالمهدي جزورا
ــ
[البناية]
والذي يليه كالمهدي بقرة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة فراح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» .
وفي لفظ لهما «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المتهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة
…
» إلى آخره، وفي رواية النسائي رحمه الله قال في الخامسة:«كالذي يهدي عصفوراً» وفي السادسة «كالذي يهدي عصفوراً» وفي رواية قال في الرابعة: «كالذي يهدي بطة، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالهدي بيضة» وقال النووي رحمه الله في " الخلاصة " وإسنادهما صحيح، إلا أنهما شاذان لمخالفتهما الروايات المشهورة، وذكر الأترازي الحديث الذي ذكره المصنف بصيغة التمريض ولم يسنده إلى أحد. م:(فصل بينهما) ش: أي بين البدنة والبقرة بواو العطف، وهو دليل المغايرة، فثبت أن البدنة غير البقرة. وفي " جامع الفتاوى " وهذا فيما إذا أوجب على نفسه البدنة فهو بالخيار عندنا إن شاء أهدى الإبل، وإن شاء أهدى البقر، ولو أوجب على نفسه الهدي فهو مخير بين ثلاثة أشياء، إما الإبل أو البقر أو الغنم، ولو أوجب على نفسه الجزور فهو الإبل خاصة.
م: (ولنا أن البدنة تنبئ عن البدانة وهي الضخامة) ش: يقال بدن يبدن بدناً فأضخم م: (وقد اشتركا) ش: أي الإبل والبقر م: (في هذا المعنى) ش: أي في الضخامة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اشتراكهما في هذا المعنى م: (يجزئ كل واحد منهما) ش: أي من الإبل والبقر م: (عن سبعة) ش: أنفس والعجب من صاحب الهداية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، حيث يستدل بالدليل العقلي، والخصم يستدل بالحديث، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه جعل الهدي من ثلاثة من الإبل والبقر والغنم والبدنة من الإبل والبقر
م: (والصحيح من الرواية في الحديث «كالمهدي جزوراً» ش: يعني في موضع البدنة.
قلت: هذه اللفظة وإن كانت في مسلم، ولكن رواية البدنة باتفاقهم عليها، فليس كما قال المصنف، ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، ويكتب الأول فالأول مثل الجزور ثم نزلهم حيث صغر إلى مثل البيضة، فإذا جلس الإمام طويت الصحف وحضروا الذكر» . وقال السروجي رحمه الله قوله «كالمهدي جزوراً» لا أصل له، ولفظة البدنة ثابتة متفق عليها، ولم يذكر في كتب الحديث «كالمهدي جزوراً» فيما علمت، انتهى.
والله تعالى أعلم بالصواب.
ــ
[البناية]
قلت: قد حط عليه مخرج الأحاديث حطاً بالغاً، فقال: جهل هذا الجاهل جهلاً فاحشاً في قوله هذا.
قلت: لم يكن من حسن الأدب أن يحط مثل هذا الحط، وكان ينبغي أن يقول وقد ذهل أو لم يطلع عليه، والعجب من الأكمل أيضاً حيث يقول ولئن ثبتت تلك الرواية، يعني رواية «كالمهدي جزوراً» وكيف يتردد وقد أخرجه مسلم على ما ذكرنا، ولو اطلع هو أيضاً على هذه الرواية لم يقل هكذا، ثم أجاب عن تعليل الشافعي رضي الله عنه بقوله فصل بينهما نافلاً عن النهاية بقوله للتمييز من حيث الحكم بالعطف لا يدل على اختلاف الجنسية، وكذا التخصيص باسم خاص لا يمنع الدخول تحت اسم العام، كما في قَوْله تَعَالَى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98](البقرة: الآية 98) . والله أعلم.