الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ثم يأتي مكة من يومه ذلك، أو من الغد، أو من بعد الغد، فيطوف بالبيت
طواف الزيارة
سبعة أشواط، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة فطاف بالبيت ثم عاد إلى منى وصلى الظهر بمنى. ووقته أيام النحر؛ لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح قال:{فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28](28 الحج)، ثم قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]
ــ
[البناية]
الطواف مؤدى في الإحرام ليظهر كونه ركناً.
فإن قلت: روي في السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء» .
قلت: قد مر هذا الحديث مع جوابه.
[طواف الزيارة]
م: (ثم يأتي مكة من يومه ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: ثم يأتي مكة) ش: قال: أي القدوري رحمه الله ثم يأتي الحاج المفرد مكة من يومه ذلك، يعني يوم النحر م:(أو من الغد) ش: أي أو يأتي من يوم الغد، وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة م:(أو من بعد الغد) ش: وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة م: (فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواط، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة، فطاف بالبيت ثم عاد إلى منى، وصلى الظهر بمنى» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.»
فإن قلت: في حديث جابر الطويل رضي الله عنه أنه صلى يوم النحر بمكة ولفظه قال ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر
…
الحديث.
قلت: قال ابن حزم رحمه الله وأحد الخبرين وهم، إلا أن الغالب أنه صلى الظهر بمكة لوجود ذكرها، وقال غيره يحتمل أنه أعادها لبيان الجواز. وقال أبو الفتح اليعمري في " سيرته ": وقع في رواية ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع في يومه إلى منى فصلى الظهر» وقالت عائشة رضي الله عنها وجابر رضي الله عنه صلى الظهر ثم اليوم بمكة، ولا شك أن أحد الخبرين وهم ولا ندري أيهما لصحة الطريق في ذلك.
م: (ووقته) ش: أي وقت طواف الزيارة م: (أيام النحر) ش: وهي ثلاثة أيام العاشر والحادي عشر، والثاني عشر م:(لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح قال: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] (الحج: الآية 28) ش:، ثم قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ش: أي قال الله عز وجل {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]
فكان وقتهما واحدا، وأول وقته بعد طلوع الفجر من يوم النحر؛ لأن ما قبله من الليل وقت الوقوف بعرفة والطواف مرتب عليه، وأفضل هذه الأيام أولها كما في التضحية
ــ
[البناية]
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29](الحج: الآية 28)، والمراد بالذكر والله أعلم التسمية على ما ينحر لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] ليس بأمر لازم، إن شاء أكل من أضحيته، وإن شاء لم يأكل، وهذا الأمر كما في قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2](المائدة: الآية 2) ، فإن مثل هذا الأمر للإباحة سعة لنا، وإذا قلنا بالوجوب يعود علينا.
قوله - البائس - هو الذي له بؤس، وهو شدة الفقر، يقال بئس الرجل، وبئس إذا صار ذا بؤس. قوله تفثهم التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال، والبيت العتيق القديم، سمي به لأنه أعتق من الغرق أيام الطوفان، وقيل: إنه أعتق من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار، وقيل: لأنه لم يدعه أحد من الناس. قوله ثم قال وليطوفوا بالبيت العتيق فإنه عطف النحر، والنحر مؤقت بأيام النحر.
م: (فكان وقتهما واحداً) ش: أي وقت النحر والطواف، لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه، إلا أن الأضحية لم تشرع بعد أيام النحر والطواف مشروع بعد ذلك.
فإن قلت: هذا الطواف يجوز أداؤه بعد أيام النحر، ولو كان مؤقتاً لما جاز القضاء بعد الوقت كرمي الجمار والوقوف بعرفة.
قلت: إنما لا يجوز قضاؤهما بعد الوقت لا لأنهما مؤقتان، بل لأن القضاء شرع بالتطوع، والتطوع بهما غير مشروع، بخلاف التطوع بالطواف، فإنه مشروع، كذا في " مبسوط " البكري. م:(وأول وقته) ش: أي أول وقت طواف الزيارة م: (بعد طلوع الفجر من يوم النحر لأن ما قبله من الليل وقت الوقوف بعرفة، والطواف مرتب عليه) ش: أي على الوقوف، وبقولنا قال مالك وقال الشافعي رحمه الله أول وقته إذا انتصف الليل من ليلة النحر، وبه قال أحمد، وآخر وقته اليوم الثاني من أيام التشريق، فإن أخره عنها طاف وعليه دم عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا شيء عليه، وفي " شرح القدوري ": آخره آخر أيام التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما آخره غير موقت، وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك رحمه الله آخره بمضي ذي الحجة، وعن الشافعي وأحمد - رحمهما الله - أول وقته من نصف الليل، وأفضله ضحى نهاره، وآخره غير مؤقت.
م: (وأفضل هذه الأيام) ش: أي أيام النحر م: (أولها كما في الأضحية) ش: فإن التضحية في
ففي الحديث "أفضلها أولها". فإن كان قد سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف ولا سعي عليه، وإن كان لم يقدم السعي رمل في هذا الطواف وسعى بعده؛ لأن السعي لم يشرع إلا مرة، والرمل ما شرع إلا مرة في طواف بعده سعي. ويصلي ركعتين بعد هذا الطواف؛ لأن ختم كل طواف بركعتين فرضا كان الطواف أو نفلا لما بيناه. قال: وقد حل له النساء، ولكن بالحلق السابق إذ هو المحلل لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء. قال: وهذا الطواف هو المفروض في الحج، وهو ركن فيه، إذ هو المأمور به في قَوْله تَعَالَى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29](29 الحج) ، ويسمى طواف الإفاضة، وطواف الزيارة
ــ
[البناية]
أول أيام النحر أفضل م: (ففي الحديث أفضلها) ش: أي وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أفضل التضحية أول أيامها، وهذا الحديث غريب جداً، يعني لم يثبت، والأولى أن يقال هذا بالإجماع.
م: (فإن كان قد سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف) ش: أي طواف الزيارة م: (ولا سعي عليه) ش: أي بين الصفا والمروة م: (وإن كان لم يقدم السعي) ش: يعني عقيب طواف القدوم م: (رمل في هذا الطواف وسعى بعده؛ لأن السعي لم يشرع إلا مرة، والرمل ما شرع إلا مرة في طواف بعده سعي) ش: والأصل هنا أن السعي الواجب في الحج موضعه طواف الزيارة، لأنه ذكره في الحج، فيتبعه ما هو الواجب، بخلاف طواف القدوم، فإنه سنة فلا يتبعه ما هو الواجب، لأنه أعلى من السنة فلا يصح أن يكون تبعاً لها، إلا أنه جاز تقديم السعي وفعله عقيب طواف القدوم رخصة طلباً للتخفيف، لأن يوم النحر يوم الاشتغال في الأفعال، فإذا لم يترخص بتقديم السعي عقيب طواف الزيارة لأنه هو العزيمة والأصل في الرمل أن كل طواف بعده سعي ففيه رمل، وكل طواف لا سعي بعده فلا رمل فيه.
م: (ويصلي ركعتين بعد هذا الطواف) ش: أي بعد طواف الزيارة م: (لأن ختم كل طواف بركعتين فرضا كان الطواف أو نفلا لما بيناه) ش: أي في طواف القدوم وهو قوله صلى الله عليه وسلم " وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين " م: (قال: وقد حل له النساء) ش: وفي بعض النسخ قال أي القدوري رحمه الله: وقد حل له النساء، أي بعد الطواف م:(ولكن بالحلق السابق إذ هو المحلل لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء) ش: أي إلا أن الشأن أو الحلق آخر عمله في آخر عمله النساء، لأن الطواف لا يصلح للتحلل، وهذا كالطلاق الرجعي فإنه محرم إلا أنه أخر عمله إلى انقضاء العدة، فإن الفرقة بعد انقضائها تضاف إلى الطلاق لا إلى الانقضاء.
م: (قال: وهذا الطواف) ش: أي طواف الزيارة م: (هو المفروض في الحج، وهو ركن فيه) ش: أي في الحج م: (إذ هو المأمور به في قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 28) ش:، ويسمى طواف الإفاضة) ش: عند أهل الحجاز م: (وطواف الزيارة) ش: عند أهل العراق م:
وطواف يوم النحر. ويكره تأخيره عن هذه الأيام لما بينا أنه موقت بها
وإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة رحمه الله، وسنبينه في باب الجنايات إن شاء الله تعالى. قال: ثم يعود إلى منى فيقيم بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليها كما روينا، ولأنه بقي عليه الرمي وموضعه بمنى،
فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث فيبدأ بالتي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها، ثم يرمي التي تليها من ذلك ويقف عندها، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها
ــ
[البناية]
(وطواف يوم النحر) ش: أي ويسمى أيضاً يوم النحر، ويسمى أيضاً طواف يوم النحر، ويسمى أيضاً طواف الركن م:(ويكره تأخيره عن هذه الأيام) ش: أي عن أيام النحر م: (لما بينا أنه مؤقت بها) ش: أي بأيام النحر، وهو ما ذكره بقوله ووقته أيام النحر.
م: (وإن أخره) ش: أي إن أخر هذا الطواف م: (عنها) ش: أي عن أيام النحر م: (لزمه دم عند أبي حنيفة رحمه الله، وسنبينه في باب الجنايات إن شاء الله تعالى. قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ثم يعود) ش: أي من مكة بعد طواف الزيارة م: (إلى منى فيقيم بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليها) ش: أي إلى منى م: (كما روينا) ش: وهو ما ذكره قبل هذا بقوله وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة فطاف» قيل هذا كقوله «روي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت ثم عاد إلى منى وصلى الظهر بمنى» م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحاج م: (بقي عليه الرمي وموضعه بمنى) ش: وفي " شرح مختصر الكرخي " قال القدوري، قال أصحابنا: إذا بات بمكة فقد أساء ولا شيء عليه. وقال الشافعي رحمه الله إن بات ليلة فعليه مد، وإن بات ليلتين فعليه مدان، وإن بات ثلاث ليال فعليه دم.
م: (فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث فيبتدئ بالتي) ش: أي بالجمرة التي م: (تلي مسجد الخيف) ش: وهو مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، قال في " الديوان " الخيف ما يحد من غلظ الجبل وارتفع عن سبيل الماء، ومنه سمي مسجد الخيف، وفي " المغرب " بالسكون المكان المرتفع نحو خيف منى، أو الذي اختلفت ألوان حجارته، ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم:" نحن نازلون بخيف بني كنانة " يعني المحصب.
قلت: الخيف خيفان، خيف منى، وخيف بني كنانة، قوله - بالجمرة التي تلي مسجد الخيف - المراد بالجمرة موضعها، بدليل قوله م:(فيرميها بسبع حصيات) ش: أي يرمي الجمرة، أي موضعها بسبع حصيات م:(يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها) ش: أي عند الجمرة الأولى.
م: (ثم يرمي التي) ش: أي الجمرة التي م: (تليها) ش: أي تلي جمرة مسجد الخيف م: (من ذلك) ش: يعني بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة م: (ويقف عندها) ش: أي عند الجمرة الثانية، وهي التي تلي الجمرة التي تلي مسجد الخيف م:(ثم يرمي جمرة العقبة كذلك) ش: أي حصيات م: (ولا يقف عندها) ش: أي عند جمرة العقبة.
هكذا روى جابر رضي الله عنه فيما نقل من نسك رسول الله عليه الصلاة والسلام مفسرا،
ويقف عند الجمرتين في المقام الذي يقف فيه الناس، ويحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويهلل، ويكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله تعالى بحاجته،
ويرفع يديه
ــ
[البناية]
م: (هكذا روى جابر رضي الله عنه فيما نقل من نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرا) ش: نصب على الحال من قوله - هكذا - من أنه مفعول - روي - ويجوز أن يكون حالاً من الموصول في قوله - فيما نقل - أي فيما نقله، ويجوز حذف الراجع إلى الموصول عند أهل العلم به، ثم الحديث الذي نسبه المصنف إلى جابر غريب عن جابر، والذي روي عن جابر رحمه الله في حديثه الطويل أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر لا غير، وروى أبو داود في " سننه " عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها» . قال المنذري في " مختصره ": حديث حسن، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم " في مستدركه " وقال: صحيح على شرط مسلم.
م: (ويقف عند الجمرتين) ش: أي الجمرة الأولى والوسطى م: (في المقام الذي يقف فيه الناس) ش: وهو أعلى الوادي، كذا في " المحيط " م:(ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويهلل، ويكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله تعالى بحاجته) ش: وكان ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير والأسود وطاوس والنخعي رضي الله عنهم يطلبون القيام عند الجمرتين وقال ابن المنذر ولا شيء عليه في ترك القيام، لأنه سنة لا عند الثوري رحمه الله، فإنه قال: يريق دماً.
م: (ويرفع يديه) ش: يعني عند الوقوف في الجمرتين، وفي المرغيناني يرفعهما حذو منكبيه بسطا، وفي " الينابيع " يرفع يديه عقيب كل حصاة ويكبر ويهلل ويسبح ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويسأل حاجته ثم يأتي المقام، وقيل: إنه يقول عند كل حصاة يرميها بيمينه بسم الله والله أكبر ثم يرفع يديه ويقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملا مشكوراً، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال يجب أن يكون بين الرامي وبين المرمى خمسة أذرع، وفي " خزانة الأكمل " إن رماها من بعيد فوقعت الحصاة قريباً من الجمرة أجزأه، وقال الكرماني رحمه الله وعند الشافعي رحمه الله لا يجزئه وهو قول ابن حنبل.
ولو رماها في الهواء فوقعت في المرمى لا يجزئه، ذكره النووي رحمه الله ويجزئه
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» - وذكر من جملتها " عند الجمرتين "، والمراد رفع الأيدي بالدعاء. وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» ، ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت،
ــ
[البناية]
الطرح، وإن رمى حصاة فوقعت وطارت أخرى فوقعت الثانية في المرمى دون الأولى لا يجزئه، وإن التقطها طائر قبل وصولها لا يجزئه، وإن وقعت الحصاة على حجر أو أرض صلبة فتدحرجت أو على ثوب إنسان فطارت ووقعت في المرمى أجزأه، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأصح، ولو وقعت في عنق البعير أو على المحمل فتدحرجت إلى المرمى تجزئه، وعند الشافعية لا يجزئه في أظهر الوجهين، ذكرهما النووي. ولو رمى عن القوس أو بالرجل لا يجزئه.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن ") ش: هذا الحديث تقدم في باب صفة الصلاة، ولفظ الحديث في " شرح الآثار " بإثبات الفعل بدون حرف الاستثناء بعده، ولكن الفقهاء ذكروه بنفي الفعل وحرف الاستثناء بعده، وقالوا لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، ولئن صح ما رواه الفقهاء فهو أبلغ م:(وذكر من جملتها) ش: أي من جملة السبعة م: (عند الجمرتين) ش: الأولى والوسطى م: (والمراد رفع الأيدي بالدعاء) ش: أي المراد من قوله - لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، رفع الأيدي بالدعاء.
وقال الكاكي رحمه الله يرفع يديه بالدعاء حذو منكبيه، نص عليه محمد، ويجعل بطون كفيه إلى السماء بخلاف الافتتاح، وقال ابن المنذر رفع اليد في الدعاء في المقامين إجماع، ولا نعلم أحداً أنكر ذلك غير مالك، واتباع السنة أولى، وقد ثبت دعاؤه عليه صلى الله عليه وسلم في المقامين.
م: (وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن شريك عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج» ، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
م: (ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه) ش: للوقار والسكينة م: (وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت، ولهذا لا يقف؛ بعد
ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة في يوم النحر أيضا. قال: وإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس. كذلك،
وإن أراد أن يتعجل النفر إلى مكة نفر، وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203](203 البقرة) ، والأفضل أن يقيم لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صبر
ــ
[البناية]
جمرة العقبة في يوم النحر أيضاً) ش: لأن العبادة لم تبق.
فإن قلت: الأصل أن الدعاء بعد العبادة كما في الصلاة.
قلت: بل الأصل أن يكون الدعاء مقترنه في العبادة، وإنما أخرت في حق الصلاة لعدم التكلم فيها.
م: (فإن كان من الغد) ش: وفي أكثر النسخ قال أي القدوري رحمه الله: وإذا كان بعد الغد وهو الثالث من أيام النحر، أعني اليوم الثاني عشر من ذي الحجة م:(رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس. كذلك) ش: أي كما رمى في اليوم الحادي عشر يبتدئ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف فيرميها ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف عند الجمرتين ويدعو لحاجته ويرفع يديه ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها ولا يرفع يديه.
م: (وإن أراد أن يتعجل النفر) ش: أي الرجوع من منى إلى مكة نفر إلى مكة م: (وإن أراد أن يقيم) ش: أي بمنى م: (رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع) ش: وهو الثالث عشر من ذي الحجة، والثالث من أيام التشريق، والرابع من يوم النحر م:(بعد زوال الشمس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] (البقرة الآية: 203) .
ش: المراد من اليومين الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة من نفر بعدما رمى الجمار الثلاث في اليوم الثاني من أيام التشريق فلا إثم عليه وهو النفر الأول، والنفر الثاني في اليوم الثالث وهو آخر أيام التشريق، والحاصل أنه لا إثم عليه في التأجيل، ولا في التعجيل وأنه مخير فيهما، ويجوز التخيير بين التعجيل والتأخير، وإن كان التأخير أفضل، لأنه يجوز التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل.
وقال الزمخشري: قيل: إن أهل الجاهلية كانوا فريقين، منهم من جعل التعجيل إثماً، ومنهم من جعل التأخير إثماً فورد القرآن ينفي الإثم عنهما، ويتعجل يأتي مطاوعاً ومتعدياً، والأول أولى يدل له قوله {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] أي ذلك التأخير ونفي المأثم فيها للحاج الذي يتقي به معاصي الله تعالى.
م: (والأفضل أن يقيم) ش: أي بمنى م: (لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صبر حتى رمى الجمار الثلاث في
حتى رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع
وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع، فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي، وفيه خلاف الشافعي رحمه الله
وإن قدم الرمي في هذا اليوم - يعني اليوم الرابع - قبل الزوال، وبعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة رحمه الله وهذا استحسان، وقالا: لا يجوز اعتبارا بسائر الأيام، وإنما التفاوت في رخصة النفر، فإذ لم يترخص التحق بها، ومذهبه مروي عن ابن عباس - رضي
ــ
[البناية]
اليوم الرابع) ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن ابن إسحاق، وقد ذكرناه عن قريب.
م: (وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع) ش: وهو آخر أيام التشريق م: (فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي) ش: فلا ينفر حتى يرمي م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يجوز له النفر إذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر حتى يرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله لما روى عمر رضي الله عنه أنه قال: من أدرك المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس، قلنا: الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع، لأن ليلة يوم الرابع ملحقة باليوم الثالث في حق الرمي، بدليل أنه لو ترك رمي اليوم الثالث، ورمى في هذه الليلة يجوز بخلاف ما بعد طلوع الفجر، فإنه وقت الرمي فلا يتقي جاره بعد ذلك، وما روي عن عمر رضي الله عنه غير مشهور، ولو ثبت يحمل على الأفضلية.
م: (وإن قدم الرمي في هذا اليوم - يعني اليوم الرابع - قبل الزوال وبعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة رحمه الله وهو استحسان، وقالا: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله م: (اعتبارا بسائر الأيام) ش: يعني قياساً عليها، وأراد بسائر الأيام اليومين، يوم الثاني والثالث دون اليوم الأول من أيام النحر، فإن رمي جمرة العقبة في ذلك اليوم قبل الزوال جائز بالإجماع م:(وإنما التفاوت في رخصة النفر، فإذ لم يترخص التحق بها) ش: أي بسائر الأيام، ولأنه صلى الله عليه وسلم رمى فيه بعد الزوال، وكون الرمي عبادة لا يعرف إلا بقياس، فيقتصر على مورد النص.
م: (ومذهبه) ش: أي مذهب أبي حنيفة رحمه الله م: (مروي عن ابن عباس رضي الله عنه) ش: رواه البيهقي عنه إذا انفتح النهار من يوم النحر فقد حل الرمي والصيد، والانفتاح الارتفاع، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الأفضل بدلالة جواز النفر بحكم الآية، وقياسهما على اليوم الثاني والثالث ضعيف لأنه لا يجوز ترك الرمي فيهما أصلاً، فجاز التقديم أيضاً على الزوال.
الله عنهما -؛ ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك؛ فلأن يظهر في حق جوازه في الأوقات كلها أولى، بخلاف اليوم الأول، والثاني، حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية، لأنه لا يجوز تركه فيهما فبقي على الأصل المروي.
؛ فأما يوم النحر فأول وقت الرمي فيه من وقت طلوع الفجر. وقال الشافعي: أوله بعد نصف الليل لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلا» .
ــ
[البناية]
م: (ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم) ش: يعني اليوم الرابع م: (في حق الترك؛ فلأن يظهر في جوازه في الأوقات كلها أولى، بخلاف اليوم الأول، والثاني، حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية) ش: إنما قيد بالمشهور، احترازاً عما ذكره الحاكم في " المنتقى " قال: كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، يعني في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر، فإن رمى قبله جاز.
م: (لأنه لا يجوز تركه فيهما) ش: أي لا يجوز ترك الرمي في اليومين م: (فبقي على الأصل المروي) ش: أي بقى حكم الرمي في اليومين على الأصل المروي، يعني لم يجز إلا بعد الزوال وأراد بالمروي ما روي عن جابر قبل هذا، أو أراد بالأصل المروي أن لا يتغير حكم المروي عما كان، والذي روي عن جابر هو «أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة قبل الزوال يوم النحر ورمى في بعض الأيام بعد الزوال» .
م: (فأما يوم النحر فأول وقت الرمي من وقت طلوع الفجر. وقال الشافعي) ش: رحمه الله م: (أوله بعد نصف الليل) ش: وبه قال أحمد وهو قول عطاء م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلا» ش: هذا رواه الطبراني رحمه الله في " معجمه " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً» وروى الدارقطني رحمه الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً وأي ساعة يشاءوا من النهار» .
وروى البزار رحمه الله في " مسنده " عن ابن عمر رضي الله عنهما من طريق مسلم ابن خالد الزنجي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» ويروى " حتى تطلع الشمس "
ــ
[البناية]
رخص لرعاء الإبل أن يرموا بالليل» .
وقال ابن القطان رحمه الله: مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي رحمه الله ضعفه قوم ووثقه آخرون، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، والرعاء بكسر الراء وبالمد جمع راع الغنم، وقد يجمع على رعاة بالضم كقضاة جمع قاض.
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم م: «لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» ويروي «حتى تطلع الشمس» ش: الرواية الأولى رواها الطحاوي رحمه الله في " شرح الآثار " حدثنا ابن أبي داود ثنا المقدمي ثنا فضيل بن سليمان حدثني موسى بن عقبة أخبرنا كريب عن ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه نقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين.» والرواية الثانية رواها الأربعة عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس.» فإن قلت: ما وجه الدليل من الحديثين.
قلت: الإصباح يوجد بعد الفجر فيقول ثبت أول الوقت برواية الطحاوي رحمه الله، ووقت الأفضل بحديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت: كأنه ما اطلع في هذا الموضع في كتب الحديث، فالحديثان كلاهما لنا، وما رواه الشافعي يحمل على الليلة الثانية والثالثة.
فإن قلت: احتج الخصم أيضاً بما رواه أبو داود رحمه الله من حديث هشام بن عروة عن أبيه «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت ففاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم» - يعني عندها، وروى أبو داود رحمه الله أيضاً من حديث ابن جريج قال: أخبرنا عطاء رحمه الله قال أخبرني مخبر «عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة في ليلة قال: إنما كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.»
قلت: حديث أم سلمة مروي من طرق وليس فيها أنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرها أن ترمي ليلاً، ولأن بين مكة وبين جمرة العقبة ميلين فيجوز أن تكون رمت أول الليل ثم صلت الصبح بمكة. وأما حديث أسماء رضي الله عنها فمنقطع بروايته عن ابن جريج عن عطاء قال: أخبرني مخبر عن أسماء
فيثبت أصل الوقت بالأول، والأفضلية بالثاني. وتأويل ما روي الليلة الثانية، والثالثة؛
ولأن ليلة النحر وقت الوقوف، والرمي يترتب عليه، فيكون وقته بعده ضرورة، ثم عند أبي حنيفة: يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي» جعل اليوم وقتا له، وذهابه بغروب الشمس. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يمتد إلى وقت الزوال، والحجة
ــ
[البناية]
فهو منقطع مجهول، ثم إنه لم يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك فلم يكره.
م: (فيثبت أصل الوقت بالأول) ش: أي يثبت أصل وقت رمي الجمرة بالحديث الأول، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» م: (والأفضلية بالثاني) ش: أي وتثبت الأفضلية بالحديث الثاني، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس» . م: (وتأويل ما روي) ش: أي ما روى الشافعي رحمه الله م: (الليلة الثانية، والثالثة) ش: هذا جواب عن الحديث الذي رواه الشافعي رحمه الله، وهو «أنه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً» وهو أنه محمول على الليلة الثانية والثالثة توفيقاً بين الحديثين، ولئن سلمنا أن المراد منه ليلة العيد، فنقول لا حجة للخصم علينا، لأنه ثبت منه رخصة للرعاء والضعفاء، فلا يعد وهماً؛ لأن الرمي ثابت بخلاف القياس.
م: (ولأن ليلة النحر وقت الوقوف) ش: يعني وقوف المزدلفة م: (والرمي يترتب عليه) ش: أي على الوقوف م: (فيكون وقته بعده ضرورة) ش: أي فيكون وقت الرمي بعد الوقوف، وكون الرمي مرتباً على الوقوف بالإجماع، والقول بأن وقته بعد النصف من الليل يؤدي إلى خرق الإجماع.
م: (ثم عند أبي حنيفة رحمه الله: يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس) ش: أي عنده وقت رمي جمرة العقبة من وقت طلوع الشمس إلى غروب الشمس، روى ذلك الحسن عنه، كذا ذكره القدوري رحمه الله م:(لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي» ش: هذا الحديث قد تقدم عند قوله - ثم يحلق أو يقصر - ومضى الكلام فيه هناك م: (جعل اليوم وقتا له) ش: أي جعل النبي صلى الله عليه وسلم اليوم وقتاً للرمي، يعني جعله ظرفاً، فجاز في كل جزء من أجزائه إلى غروب الشمس م:(وذهابه) أي ذهاب اليوم م: (بغروب الشمس) ش: لأن اليوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
م: (وعن أبي يوسف رحمه الله أنه) ش: أي روي عن أبي يوسف رحمه الله أن وقت الرمي م: (يمتد إلى وقت الزوال) ش: وما بعده قضاء، لأن الوقت يعرف بتوقيت الشارع، والشرع ورد بالرمي قبل الزوال، فلا يكون ما بعده وقتاً له، وفي " الإيضاح " وأصل محمد رحمه الله في وقت الرمي كأصل أبي حنيفة رحمه الله.
م: (والحجة عليه) ش: أي على أبي يوسف رحمه الله م: (ما روينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم «إن أول نسكنا هذا اليوم الرمي» ، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " الحاصل أن ما بعد طلوع الفجر
عليه ما روينا. وإن أخره إلى الليل رماه ولا شيء عليه، لحديث الرعاء. وإن أخر إلى الغد رماه؛ لأنه وقت جنس الرمي، وعليه دم عند أبي حنيفة رحمه الله لتأخيره عن وقته، كما هو مذهبه.
قال: فإن رماها راكبا أجزأه لحصول فعل الرمي. وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا، وإلا فيرميه راكبا؛ لأن الأول بعده وقوف، ودعاء على ما ذكرنا فيرمي ماشيا ليكون أقرب إلى التضرع، وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف رحمه الله.
ويكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها
ــ
[البناية]
من يوم النحر إلى طلوع الشمس وقت الجواز مع الإساءة، وما بعده إلى الزوال وقت مسنون، وما بعده إلى الغروب وقت الجواز من غير إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة.
م: (وإن أخره إلى الليل) ش: أي وإن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل م: (رماه) ش: أي في الليل م: (ولا شيء عليه، لحديث الرعاء) ش: «لأنه صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل أن يرموا ليلاً» م: (وإن أخره إلى الغد) ش: أي وإن أخر الرمي إلى غد يوم النحر م: (رماه؛ لأنه) ش: أي لأن غد يوم النحر م: (وقت جنس الرمي، وعليه دم عند أبي حنيفة رحمه الله لتأخيره) ش: أي لتأخيره الرمي م: (عن وقته، كما هو مذهبه) ش: هو أن تأخير الشك عن وقته يوجب النسك من وقتيه يوجب الدم عنده.
م: (قال: وإن رماها) ش: أي فإن رمى الجمار حال كونه م: (راكبا أجزأه لحصول فعل الرمي) ش: وفي " المبسوط "" والمحيط " قال أبو حنيفة رحمه الله يجوز الرمي راكباً وماشياً لحصول الرمي، وفي حمل النوازل عن أبي يوسف رحمه الله إذا رمى يوم النحر أفضل وفيما بعده من الأيام راجلاً لأنه كذا روي من فعله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي رحمه الله: المستحب أن يرمي يوم النحر وآخر أيام التشريق راكباً، لأنه صلى الله عليه وسلم رمى فيهما راكباً، كذا ذكره في " الإملاء "، والصحيح أن لا يرمي غير الأول راكباً من أيام التشريق كلها، كما روي عن أبي يوسف رحمه الله لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى «أنه صلى الله عليه وسلم يأتي الجمرات بعد يوم النحر ماشياً» .
م: (وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا، وإلا) ش: أي وإن لم يكن بعده رمي كرمي جمرة العقبة م: (فيرميه) ش: حال كونه م: (راكبا لأن الأول) ش: أي الرمي الأول م: (بعده وقوف، ودعاء على ما ذكرناه) ش: عند قوله ثم الأصل إن كان رمي بعده رمي يقف بعده، لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه م:(فيرمي ماشيا ليكون أقرب إلى التضرع) ش: وإظهار المسكنة.
م: (وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف رحمه الله) ش: أي بيان الأفضل في الرمي مروي عن أبي يوسف رحمه الله ماشياً أو راكباً، وهو أن كل رمي بعده رمي، فالأفضل أن يرمي ماشياً، وكل رمي ليس بعده رمي كجمرة العقبة، فالأفضل أن يرمي راكباً.
م: (ويكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها) ش: وذكرنا فيما مضى «عن
وعمر رضي الله عنه كان يؤدب على ترك المقام بها. ولو بات في غيرها متعمدا لا يلزمه شيء عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله؛ لأنه وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه، فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر.
قال: ويكره أن يقدم الرجل ثقله إلى مكة ويقيم حتى يرمي لما روي أن عمر رضي الله عنه كان يمنع منه، ويؤدب عليه؛ ولأنه يوجب شغل قلبه، وإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب وهو الأبطح وهو اسم موضع قد نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
[البناية]
عائشة رضي الله عنها قالت: أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس» م: (وعمر رضي الله عنه كان يؤدب على ترك المقام بها) ش: أي بمنى، وهذا غريب، نعم روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه كان ينهى أن يبيت من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا بمنى.
م: (ولو بات في غيرها) ش: أي في غير منى حال كونه م: (متعمدا لا يلزمه شيء عندنا) ش: وإن كان يكره م: (خلافا للشافعي رحمه الله) ش: فإن عنده بالمبيت بمنى قولان: أحدهما أنه يجب حتى وجب بتركها الدم، وبه قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - في رواية؛ لأنه نسك والثاني أنه مستحب، وبه قال أحمد رحمه الله في رواية، وعن بعض أصحاب الشافعي رحمه الله لو ترك البيتوتة ليلة فعليه مد، ولو ترك ليلتين فعليه مدان، ولو ترك ثلاث ليال فعليه دم م:(لأنه) ش: تعليل لأصحابنا، أي لأن المبيت م:(وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه، فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر) ش: كالبيتوتة بمنى ليلة العيد.
م: (قال: ويكره أن يقدم الرجل ثقله) ش: بفتح الثاء المثلثة وفتح القاف، وهو متاع المسافر وحشمه، كذا في " الديوان " م:(إلى مكة، ويقيم حتى يرمي لما روي أن عمر رضي الله عنه كان يمنع منه، ويؤدب عليه) ش: هذا غريب، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن عمارة، قال: قال عمر رضي الله عنه: من قدم ثقله من منى ليلة نفره فلا حج له م: (ولأنه) ش: أي ولأن تقدم الثقل م: (يوجب شغل قلبه) ش: من الاشتغال وذلك لأنه إذا قدمه يحصل له في قلبه أمور من جهة.
م: (وإذا نفر) ش: أي وإذا ذهب متوجهاً م: (إلى مكة نزل بالمحصب) ش: على وزن اسم المفعول من التحصيب وهو الأبطح، وهو اسم موضع ذي حصى بين منى ومكة م:(وهو الأبطح) ش: أي وهو الذي يقال له الأبطح م: (وهو) ش: أي المحصب م: (اسم موضع قد نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: فيه أحاديث: منها ما رواه قتادة عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف» .
وكان نزوله قصدا، وهو الأصح حتى يكون النزول به سنة على ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:«إنا نازلون غدا عند خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم»
ــ
[البناية]
ومنها ما أخرجه مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانوا ينزلون بالأبطح» .
ومنها ما رواه مسلم أيضاً «عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بالأبطح من حين خرج من منى، ولكن جئت فضربت قبة في منزل، قال أبو بكر رضي الله عنه وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم» .
م: (وكان نزوله قصدا) ش: أي وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالمحصب قصداً م: (وهو الأصح حتى يكون النزول به سنة) ش: قوله: وهو الأصح احترازاً عما قاله بعض أصحابنا أن النزول بالمحصب ليس بسنة، واحتجوا على ذلك بما روى البخاري، عن عطاء، عن ابن عباس، قال ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن هذا قال الشافعي رحمه الله: التحصيب مستحب، وليس بسنة، وبه قال مالك، وذهب المصنف وآخرون أنه سنة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نزل به قصداً، رآه المشركون لطيف صنع الله تعالى به من الفتح، والنصر وإهانة لهم، فكان سنة كالرمل في الطواف، ومعنى ليس التحصيب بشيء ليس بنسك مفروض.
م: (على ما روي أنه صلى الله عليه وسلم) ش: أي النبي صلى الله عليه وسلم م: (قال لأصحابه: «إنا نازلون غدا عند خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة عن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما «عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله أين ننزل غداً أي في حجه، قال: " هل ترك لنا عقيل منزلاً " قال: " نحن نازلون بخيف كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر» وذلك أن بني كنانة خالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يودوهم، ولا يبايعوهم.
وأخرجه البخاري، ومسلم أيضاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى: «نحن نازلون غدا ًبخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم، وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله]صلى الله عليه وسلم يعني بذلك المحصب، وقد ذكر الأترازي الحديث أولاً، فقال: وقد روى صاحب " السنن " بإسناده إلى أسامة بن زيد فذكره، ثم قال: وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، فكان ما اطلع أولاً على تخريج البخاري، ومسلم ثم استدركه وليس هذا طريقة من له يد في الحديث.
وقال أيضاً: قوله: «خيف بني كنانة» كما ذكرنا في " السنن " بلا تكرار الخيف خيفان، وعلى ما ذكره صاحب " السنن "، يكون الخيف الثاني عطف بيان؛ لأن الخيف خيفان،
يشير إلى عهدهم على شركهم على هجران بني هاشم، فعرفنا أنه نزل به إراءة للمشركين لطيف صنع - الله تعالى - به، فصار سنة كالرمل في الطواف،
قال: ثم دخل مكة وطاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها، وهذا طواف الصدر، ويسمى طواف الوداع، وطواف آخر العهد بالبيت لأنه يودع البيت ويصدر به عنه، وهو واجب عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله
ــ
[البناية]
أحدهما: خيف منى، وهو الذي فيه المسجد، وهو مشهور، والثاني خيف بني كنانة، وهو المحصب، وسمي خيف بني كنانة لأنهم تحالفوا مع قريش في ذلك الموضع على بني هاشم.
قوله: حيث تقاسم، أي تعاهد، وتحالف، قوله: على شركهم أي مع شركهم، وعلى بمعنى مع، كما يقال: فلان يقول الشعر على صغر سنه، أي مع صغر سنه.
م: (ويشير إلى عهدهم) ش: أي يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد بني كنانة م: (على هجران بني هاشم) ش: روي أنهم حبسوا بني هاشم في واد سبع سنين م: (فعرفنا أنه) ش: أي النبي صلى الله عليه وسلم م: (نزل به) ش: أي بالمحصب م: (إراءة) ش: أي لأجل الإراءة، وهو مصدر من أرى يرى إراءة م:(للمشركين لطيف صنع - الله تعالى - به) ش: حيث فتح له مكة، ونصره عليهم م:(فصار) ش: أي النزول بالمحصب م: (سنة كالرمل في الطواف) ش: حيث كان لإظهار الجد والقوة ليغيظ به المشركين.
م: (قال: ثم دخل مكة) ش: وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري رحمه الله ثم دخل الحاج مكة بعد نزوله بالمحصب م: (فطاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها) ش: أي في السبعة الأشواط م: (وهذا طواف الصدر) ش: لأنه يصدر به عن مكة، أي يرجع، والصدر بفتحتين وهو الرجوع م:(ويسمى طواف الوداع) ش: لأن وداع البيت يحصل به، والوداع بفتح الواو اسم التويدع كسلام بمعنى التسليم، وكلام بمعنى التكليم م:(وطواف آخر عهده) ش: أي ويسمى أيضاً طواف العهد م: (بالبيت؛ لأنه يودع البيت ويصدر به عنه) ش: أي يصدر بهذا الطواف عن البيت، وفي بعض النسخ: يصدر عنه، أي رجع عن البيت والأول أجود.
م: (وهو) ش: أي طواف الصدر م: (واجب عندنا) ش: وبه قال أحمد رضي الله عنه م: (خلافا للشافعي رحمه الله) ش: فإن عنده يستحب في أحد القولين، وبه قال مالك رحمه الله أنه سنة ولا دم على تاركه، وعلى تارك طواف القدوم دم، وقال ابن قدامة في " المغني ": ووافقه أبو حنيفة رحمه الله فيهما، وهذه غفلة، فالمتأخر يوقف المتقدم دون العكس، قال السروجي رحمه الله: أوجب الدم على تارك طواف الوداع الحسن البصري، ومجاهد، والثوري، والحكم، وحماد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل عليه.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف» ، ورخص للنساء الحيض تركه إلا على أهل مكة؛ لأنهم لا يصدرون، ولا يودعون، ولا رمل فيه لما بينا أنه شرع مرة واحدة،
ويصلي ركعتي الطواف بعده لما قدمنا. ثم يأتي زمزم، فيشرب من مائها؛ لما روي «أن النبي عليه الصلاة والسلام استقى دلوا بنفسه فشرب منه، ثم أفرغ باقي الدلو في البئر» .
ــ
[البناية]
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف» ، ورخص للنساء الحيض تركه) ش: يجوز رفع الآخر، ونصب الطواف وبالعكس. قوله: رخص أي النبي صلى الله عليه وسلم للنساء الحيض، وهو جمع حائض، وتخصيص الحائض برخصة الترك دليل على الوجوب أيضاً، وهذا الحديث رواه البخاري عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» في لفظ مسلم، قال:«كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» ورواه الشافعي رحمه الله، وزاد في آخره، «فإن آخر النسك الطواف بالبيت» وهذه الزيادة توافق ما في الكتاب.
قال م: (إلا على أهل مكة؛ لأنهم لا يصدرون، ولا يودعون) ش: هذا استثناء من قوله: وهو واجب، أي طواف الصدر واجب، إلا على أهل مكة فإنه ليس بواجب عليهم، وقال الأترازي رحمه الله: لو كان واجباً لوجب على أهل مكة.
قلت: جوابه يفهم من قول المصنف لأنهم لا يصدرون ولا يودعون، فلا يحتاج إلى التطويل م:(ولا رمل فيه) ش: أي في طواف الصدر م: (لما بينا أنه شرع مرة واحدة) ش: أشار بقوله: لما بينا إلى قوله فيما مضى: والرمل ما شرع إلا مرة واحدة في طواف بعده سعي، وفي السروج: ويسقط طواف الوداع عن ستة: عن المكي؛ لأن التوديع شأن المفارق، والمعتمر، وأهل المواقيت فمن دونها ممن نوى الإقامة بمكة قبل النفر الأول، وبعده لا يسقط عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند الشافعي رحمه الله يسقط لعدم مفارقته البيت وعن الحائض والنفساء.
م: (ويصلي ركعتي الطواف بعده) ش: أي بعد طواف الصدر م: (لما قدمنا) ش: أي في أوائل هذا الباب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ويصلي الطائف لكل أسبوع ركعتين» ، ويأتي زمزم فيشرب من مائها لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى دلواً بنفسه فشرب منه ثم أفرغ باقي الدلو في البئر» ش: قال الأترازي: قال في " الإيضاح ": روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى.. إلخ. نحوه، والعجب منه: كيف يقنع بهذا المقدار، وقد روى أحمد في " مسنده "، والطبراني في " معجمه " «عن ابن
ويستحب أن يأتي الباب، ويقبل العتبة، ثم يأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر إلى الباب فيضع صدره ووجهه عليه، ويتشبث بالأستار ساعة يدعو الله تعالى فيها، ثم يعود إلى أهله، هكذا روي أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل بالملتزم ذلك. قالوا: وينبغي أن ينصرف وهو يمشي وراءه، ووجهه إلى البيت متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد، فهذا بيان تمام الحج.
ــ
[البناية]
عباس رضي الله عنهما قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم زمزم فنزعت له دلواً فشرب منها ثم مج فيها، ثم أفرغناها في زمزم، ثم قال: " لولا أن تعلموا عليها السرعة لبدئ» .
وروي عن ابن سعد في كتاب " الطبقات " في باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق المذكور في الكتاب، قال: أخبرنا عبد الوهاب عن ابن جريج عن عطاء «لما أفاض نزع بنفسه الدلو يعني من زمزم لم ينزع منه أحد فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر....» الحديث وهو مرسل.
م: (ويستحب أن يأتي الباب) ش: أي باب الكعبة م: (ويقبل العتبة) ش: أي عتبة الباب م: (ويأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر إلى الباب) ش: أي ما بين الحجر الأسود إلى باب البيت م: (فيضع صدره ووجهه عليه، ويتشبث بالأستار) ش: أي يتعلق بأستار الكعبة وهو جمع ستر م: (ساعة يدعو الله تعالى فيها، ثم يعود إلى أهله، هكذا روي أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل بالملتزم ذلك) ش: هذا أخرجه أبو داود في " سننه " عن المثنى بن صالح «عن عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ، قال: نتعوذ بالله من النار، ثم مضى، واستلم الحجر، وقام بين الركن والباب، فوضع صدره، ووجهه، وذارعيه، وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.» م: (قالوا) ش: أي مشايخنا: م: (فينبغي أن ينصرف) ش: أي الحاج م: (وهو يمشي وراءه) ش: أي والحال أنه يمشي وراءه يعني ينكص على عقبيه م: (ووجهه) ش: أي والحال أن وجهه م: (إلى البيت) ش: حال كونه م: (متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد الحرام) ش: فهذا الذي ذكرنا م: (بيان تمام الحج) ش: أي الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.