الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإذا طلع الفجر يصلي الإمام بالناس الفجر بغلس لرواية ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها يومئذ بغلس "
ــ
[البناية]
ولا نقول به.
فإن قلت: خبر أسامة خبر واحد فلا يجوز تأخير المغرب عن وقته، لأن محافظة الوقت واجبة بالدلائل القطعية، ولو كان من المشاهير تجب الإعادة على الإطلاق، لأنه مؤدي للمغرب قبل الوقت الثابت بالحديث المشهور.
قلت: قال الشيخ الكاكي رحمه الله: وجوب التأخير ثبت الجمع بمزدلفة وهو من المشاهير تجوز للزيادة به على الكتاب فصار للعصر بعرفات وللمغرب بمزدلفة وقتان، أحدهما ثابت بالدليل القطعي، والثاني ثابت بالسنة المشهورة إلا أنه مأمور بالأداء في الوقت الثابت بالسنة، فإذا أداها في الوقت الثابت بالكتاب ثبت لها أصل الجواز، وكان مثبتاً لمخالفة السنة المشهورة فيؤمر بالإعادة تحقيقاً للجمع، فإذا فات وقت الجمع فلا فائدة في الأمر بالإعادة بعدما ثبت جواز الأداء والله أعلم.
وأشكل عن أبي يوسف رحمه الله بأن صلاة المغرب التي صلاها في الطريق، إما إن وقعت صحيحة أو لا، فإن كان الأول فلا تجب الإعادة إلا في الوقت ولا بعده، وإن كان الثاني وجبت فيه وبعده لأنها وقعت فاسدة، فلا تنقلب صحيحة بمضي الوقت.
وأجيب بأن الفساد موقوف لظهور أثره في ثاني الحال، كما مر في مسألة الترتيب.
[صلاة الفجر بغلس في المزدلفة والوقوف بها]
م: (قال: وإذا طلع الفجر) ش: أي في يوم النحر م: (يصلي الإمام بالناس الفجر) ش: أي صلاة الفجر م: (بغلس) ش: بفتحتين، وهو آخر ظلمة الليل، قاله الأترازي ثم قال كذا في الديوان وقال الأكمل الغلس: ظلمة آخر الليل، وفي بعض الشروح ناقلاً عن الديوان آخر ظلمة الليل، وقد وافق على ما نحن فيه على ما سيظهر، انتهى.
قلت: أراد ببعض الشروح شرح الأترازي م: (لرواية ابن مسعود رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها يومئذ بغلس» ش: هذا رواه البخاري، ومسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين، صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها.» قوله - قبل ميقاتها - معناه المعهود المعتاد في كل يوم، لا أنه صلاها قبل الفجر ولكنه غلس بها كثيرا بينه لفظ البخاري، وصلى الفجر حين طلع الفجر، وفي لفظ لمسلم «أنه صلى الله عليه وسلم جمع الصلاتين جميعاً، وصلى الفجر حين طلع الفجر» وقائل يقول لم يطلع الفجر، ولهذا يندفع قول من يقول أن الدليل غير مطابق للمدلول، لأن الدليل يدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها بغلس،
ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز كتقديم العصر بعرفة. ثم وقف - أي ووقف معه الناس، فدعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في هذا الموضع يدعو حتى روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم
ــ
[البناية]
والمدلول قوله - وإذا طلع الفجر يصلي الإمام بالناس الفجر بغلس.
م: (ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز) ش: أي التغليس م: (كتقديم العصر بعرفة) ش: أي كما يجوز تقديم العصر بعرفة قبل وقتها لدفع حاجة الوقوف بها، واعترض عليه أن هذا الدليل العقلي لا يطابق المدلول، بيانه أن تقريره في التغليس دفع حاجة الوقوف، ودفع الحاجة يجوز التقديم للعصر بعرفة، وتقديم العصر كان على وقته، فيكون ها هنا تصحيحاً للتشبيه، وهو خلال المطلوب، وأجيب بأن معناه لما جاز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف بعدها، فلا يجوز التغليس بالفجر وهو في وقتها أولى.
م: (ثم وقف) ش: أي ثم وقف الإمام بعد أن غلس بصلاة الفجر م: (أي ووقف معه الناس، فدعا) ش: بما شاء من الأدعية ويرفع يديه ويستقبل بهما وجهه سبطاً. وفي النوازل ويدعو بالمزدلفة نحو ما دعا بعرفة «اللهم حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي من النار يا أرحم الراحمين» .
م: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في هذا الموضع يدعو حتى روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم) ش: فيه حديثان، أحدهما قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في هذا الموضع، وأشار به إلى المشعر الحرام الذي هو الجبل الذي يقال له قزح، ويدعو لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198](البقرة: الآية 198)، وهذا في حديث جابر الطويل رضي الله عنه حيث قال:«ثم ركب أي النبي صلى الله عليه وسلم القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس» .
الحديث الثاني: هو حديث عباس بن مرداس رضي الله عنه وليس هو حديث ابن عباس الذي هو عبد الله وقول المصنف في حديث ابن عباس رضي الله عنه وهم، ولم ينبه على هذا أحد من الشراح، واعتذر بعضهم بأن المصنف إنما أراد بابن عباس رضي الله عنه كنانة بن عباس بن مرداس وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: أن ابن عباس إذا أطلق لا يراد به إلا عبد الله بن عباس، فلو أراد كنانة لقيده.
والثاني: أن المصنف ليس من عادته أن يذكر الشافعي دون الصحابي عند ذكر الحديث، فلا يليق به ذلك.
ثم هذا الوقوف واجب عندنا، وليس بركن حتى لو تركه بغير عذر يلزمه الدم. وقال الشافعي رحمه الله: إنه ركن
ــ
[البناية]
وأما حديث ابن عباس بن مرداس فقد ذكرناه عند قوله وأما الاجتهاد فلأنه صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له، إلا في الدماء والمظالم، وها هنا استجيب له دعاؤه لأمته، حتى الدماء والمظالم بالرفع فيهما، والمظالم جمع مظلمة، وهو الظلم أو اسم مأخوذ ظلماً يعني حتى استجيب له دعاؤه في الدماء والمظالم، والأصل أن تبقى حقوق العباد لكن قالوا إن الله تعالى يرضي الخصوم بالأزدياد في بيوتهم حتى تركوا خصوماتهم في الدنيا والمظالم واستوجبوا المغفرة.
فإن قلت: هذا خاص بالذي يحج أول عام أو لا.
قلت: لا بل هو عام لجميع أمته ولا قرينة للتخصيص، ثم الكلام في إعراب حتى الدماء والمظالم، فقد ذكرنا أنه بالرفع فيهما لأن حتى للعطف كما في قولهم قدم الحاج حتى المشاة، ويجوز الجر فيهما على أن تكون حتى جارة كما في قولك أكلت السمكة حتى رأسها، وها هنا قيل حتى ظهرها قبلها، لأن الرأس داخل في أكله السمكة، وتقدير الكلام استجيب له دعاؤه ولأمته في ذنوبهم حتى الدماء والمظالم.
فإن قلت: الشرط في الرفع أن يكون ما بعدها مجازاً لما قبلها، وفيه الدعاء والمظالم ليس من عين الدعاء.
قلت: لا بد من التأويل، وهو أن قال إن معناه استجيب له كل ذنب لأمته حتى استجيب له في الدماء والمظالم.
م: (ثم هذا الوقوف) ش: أي الوقوف بالمزدلفة م: (واجب عندنا، وليس بركن، حتى لو تركه بغير عذر يلزمه الدم) ش: وإن تركه بعذر لازدحام أو تعجيل السير إلى منى فلا شيء عليه، قاله في " المحيط "، والمبيت بمزدلفة سنة وبه قال مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والثوري وإسحاق وأبو ثور.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: إنه ركن) ش: أي أن الوقوف بالمزدلفة ركن، ونسبة هذا القول إلى الشافعي غير صحيحة، لأنه ذكر في " وجيزهم " أن الوقوف بالمزدلفة سنة، قال الأترازي رحمه الله: إن صاحب " الهداية " وجد نقلاً صحيحاً عن الشافعي رحمه الله أنه ذكر. وقال الشافعي وقال الكاكي - رحمهما الله -: نسبته لهذا القول إلى الشافعي رحمه الله وقع سهواً من الكاتب لما أنه ذكر في كتبهم أنه سنة، وذكر في " المبسوط " الليث بن سعد مكان الشافعي، وفي " الأسرار " علقمة، وفي " فتاوى قاضي خان " رحمه الله مالكاً مكانه، وذكر في " المحيط " مالكاً والشعبي وعلقمة، ونسبة هذا أيضاً إلى مالك رضي الله عنه سهو، لأن
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198][198 البقرة] ، وبمثله تثبت الركنية، ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قدم ضعفة أهله بالليل، ولو كان ركنا لما فعل ذلك، والمذكور فيما تلا الذكر وهو ليس بركن بالإجماع، وإنما عرفنا الوجوب بقوله عليه الصلاة والسلام: «من وقف معنا هذا الموقف وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات فقد تم
ــ
[البناية]
الصحيح من مذهبه أن الوقوف بها سنة، والنزول بها واجب، وكذا الوقوف مع الإمام سنة عنده. وذهب علقمة بن قيس والشعبي والنخعي والحسن البصري والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان إلى أن الحج يفوت بفوات الوقوف بالمزدلفة، ويروى عن ابن عباس والزبير. وفي " المبسوط " وعلى قول الليث بن سعد هذا الوقوف ركن. وقالت الظاهرية: من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بالمزدلفة بطل حجه إن كان رجلاً، ولو دفع عن عرفة قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وحجه تام م:(لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] [البقرة: الآية 198] ، وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الأمر الذي في الآية الكريمة م: (تثبت الركنية) ش: لأنه نص قطعي، فأمر بالذكر عند المشعر الحرام والذكر يكون مع الوقوف فيكون فرضاً.
م: (ولنا ما روي «أنه عليه الصلاة والسلام قدم ضعفة أهله بالليل» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس» وروى البخاري رضي الله عنه ومسلم عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقدم ضعفة أهله
…
الحديث، والضعفة على وزن فعلة، جمع ضعيف ويجمع على ضعفاء أيضا وأراد به النساء والولدان والخدام.
م: (ولو كان) ش: أي الوقوف بمزدلفة م: (ركنا لما فعل ذلك) ش: أي تقديم الضعفة، لأن ما كان ركناً لا يجوز تركه للعود، وفي " الإيضاح " الركن لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، وقد أجمعت الأمة أن الوقوف بعرفة وطواف الزيارة من جملة الأركان، وفي الوقوف بمزدلفة لم ينعقد الإجماع بل الحديث ورد به م:(والمذكور فيما تلا الذكر) ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي رحمه الله بالآية، وتقديره أن المأمور به في الآية هو الذكر.
م: (وهو ليس بركن بالإجماع) ش: فكذا ما كان وسيلة إليه، وهو الحضور في الوقوف م:(وإنما عرفنا الوجوب) ش: جواب عن سؤال مقدر ما يقال إذا نفيتم الركنية عن الوقوف بالمزدلفة، فمن أين يقولون بوجوبه، فقال وإنما عرفنا الوجوب، أي وجوب الوقوف بمزدلفة م:(لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من وقف معنا هذا الموقف وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات، فقد تم