الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر ثم راح إلى عرفات» ولو بات بمكة ليلة عرفات، وصلى بها الفجر ثم غدا إلى عرفات ومر بمنى أجزأه؛ لأنه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم إقامة نسك، ولكنه أساء بتركه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها لما روينا، وهذا بيان الأولوية، أما لو دفع قبله جاز
ــ
[البناية]
بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم راح إلى عرفات» ش: هذه قطعة من حديث جابر الذي رواه مسلم مطولاً، وروى الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا إلى عرفات» وقال الترمذي: وإسماعيل بن مسلم تكلموا فيه.
م: (ولو بات بمكة ليلة عرفة ثم صلى بها الفجر ثم غدا) ش: بالغين المعجمة والدال المهملة من الغد، وهو الذهاب أول النهار م:(إلى عرفات ومر بمنى) ش: يعني جازها ولم ينزل بها م: (أجزأه) ش: ولا شيء عليه خلافاً للظاهرية م: (لأنه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم إقامة نسك ولكنه أساء بتركه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: إساءة الأدب في تركه اتباعه النبي صلى الله عليه وسلم وفي ترك العمل بقوله صلى الله عليه وسلم، وهو أيضاً قوله:«خذوا عني مناسككم» .
[الدفع من منى إلى عرفة]
[الجمع بين الصلاتين بعرفة وخطبة الإمام بها]
م: (ثم يتوجه إلى عرفات) ش: هذا عطف على قوله فيقيم بها حتى يصلي الفجر من يوم عرفة م: (فيقيم بها) ش: أي بعرفات م: (لما روينا) ش: إشارة إلى قوله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر إلى آخره م: (وهذا) ش: أي الذهاب والتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس م: (بيان الأولوية) ش: يعني أولى من الذهاب قبل طلوع الشمس، وذكر هذا القيد، أعني طلوع الشمس [....] . وقال تاج الشريعة رضي الله عنه: ينبغي هذا القيد هنا، وقال الأترازي رحمه الله: كان هذا القيد تركه سهواً من الكاتب، وقال الأكمل: قال بعض الشارحين ترك هذا القيد من الكاتب.
قلت: أراد به الأترازي، فإنه هكذا ذكره كما ذكرنا. م:(أما لو دفع قبله جاز) ش: أي قبل طلوع الشمس إلى عرفات، وقال الأكمل: هذا إضمار قبل الذكر، وكان من حق الكلام أن يقول ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس حتى يصبح بناء على قوله - أما لو دفع قبله عليه - وقال الكاكي مثله، ثم قال ولكن اتبع لفظ الإيضاح، فإنه ذكر هنا الضمير بعد طلوع الشمس، حيث قال - وإذا طلعت الشمس إلى أن قال: وإن دفع قبله جاز - انتهى.
قلت: هذا الجواب بطريق الاعتذار لا يحسن على ما لا يخفى، ولكن يمكن أن يقال الإضمار قبل الذكر يقع كثيراً من الكلام إذا دلت عليه قرينة لفظية أو حالية، وها هنا قد مضى
لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم، قال في الأصل: وينزل بها مع الناس لأن الانتباذ تجبر، والحال حال تضرع، والإجابة في الجمع أرجى، وقيل: مراده أن لا ينزل على الطريق كي لا يضيق على المارة. قال: وإذا زالت الشمس يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر فيبتدئ بالخطبة، فيخطب خطبة يعلم فيها الناس الوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة، ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة
ــ
[البناية]
قوله فيما قبل هذا تعليل، فلما طلعت الشمس راح إلى منى، فيكون الضمير في قوله - قبله - يرجع إلى الطلوع الذي يدل عليه لفظ طلعت، كما في قوله سبحانه وتعالى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8][المائدة: الآية 8] ، فالضمير يرجع إلى العدل الذي يدل عليه اعدلوا.
م: (لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم، قال في الأصل) ش: أي قال محمد رحمه الله في " المبسوط " م: (وينزل بها) ش: أي في عرفات م: (مع الناس لأن الانتباذ) ش: أي الانفراد والعزلة م: (تجبر) ش: لأنه لا يرى أحد مجاورة من تجبر وتكبر م: (والحال) ش: أي حال الحاج في هذا الوقت م: (حال تضرع) ش: وسكينة م: (والإجابة في الجمع أرجى) ش: لأنه قد يكون فيه من لا ترد دعوته.
م: (وقيل مراده) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - من قوله - وينزل مع الناس - م: (أي لا ينزل على الطريق كيلا يضيق على المارة) ش: بتشديد الراء، أي الناس الذين يمرون في الطريق، وفي " فتاوى الظهيرية " وينزل بعرفات في أي موضع شاء، إلا أنه لا ينزل على الطريق، وبه قال الشافعي رضي الله عنه في قوله والنزول بقرب جبل الرحمة أفضل. وقال مالك وأحمد رضي الله عنهما ينزل ببطن نمرة، والنزول فيه أفضل، وبه قال الشافعي رضي الله عنه في قول، قالوا نزل صلى الله عليه وسلم فيه، قلنا نمرة بعرنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«ارتفعوا عن بطن عرنة» ، ونزوله صلى الله عليه وسلم فيه لم يكن عن قصد.
م: (وإذا زالت الشمس) ش: أي شمس يوم عرفة، وفي " الإيضاح " وإذا زالت الشمس اغتسل إن أحب، وهو سنة وليس بواجب، كما في الجمعة والعيدين م:(ويصلي الإمام بالناس الظهر والعصر فيبتدئ بالخطبة) ش: أي قبل الصلاة م: (فيخطب خطبة يعلم فيها الناس الوقوف بعرفة، والمزدلفة) ش: هي المشعر الحرام، وقال في " المطالع " من الازدلاف، ولأنها منزلة من الله وقربة وقال الهروي رحمه الله سميت بها لاجتماع الناس في زلفى الليل، وقيل لازدلاف حواء وآدم فيها، أي لاجتماعهما ويسمى الجمع أيضاً لاجتماع الناس فيها. ومزدلفة فوق منى من الجانب الشرقي، وعرفات فوق مزدلفة من الجانب الشرقي أيضاً بميل إلى الجنوب، ومن مزدلفة إلى مسجد عرفات ثلاثة أميال وإلى منى ثلاثة أميال.
م: (ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة، ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في
هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مالك رحمه الله: يخطب بعد الصلاة، لأنها خطبة وعظ وتذكير، فأشبه خطبة العيد ولنا ما روينا، ولأن المقصود منها تعليم المناسك والجمع منها، وفي ظاهر المذهب إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذنون كما في الجمعة. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يؤذن قبل خروج الإمام، وعنه أنه يؤذن بعد الخطبة، والصحيح ما ذكرنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج واستوى على ناقته أذن المؤذنون بين يديه
ــ
[البناية]
الجمعة، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: يعني في حديث جابر رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم خطب بعرفة قبل صلاة الظهر» وصفة الخطبة كما ذكره الكرخي رحمه الله وهي أن الإمام يحمد الله تعالى ويثني عليه ويهلل ويكبر ويعظ الناس ويأمرهم بما يجب عليهم، وينهاهم عما نهاهم الله تعالى عنه ويخبر الناس معالم حجهم وتلبيتهم، ثم يدعو الله تعالى بحاجته ثم ينزل، وفي " الذخيرة " ويبدأ بالتكبير كخطبة العيد.
م: (وقال مالك رضي الله عنه: يخطب بعد الصلاة، لأنها خطبة وعظ وتذكير، فأشبه خطبة العيد. ولنا ما رويناه) ش: أشار به إلى قوله - هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم م: (ولأن المقصود منها) ش: أي من الخطبة م: (تعليم المناسك) ش: من الوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار. م: (والجمع منها) ش: أي الجمع بين الصلاتين من المناسك م: (وفي ظاهر المذهب: إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذنون كما في الجمعة) ش: إنما قال كما في الجمعة، لأن رواية جابر رضي الله عنه تقتضي الأذان بعد الخطبة، ورواية أخرى تقتضي قبلها، فتعارضت، يصير إلى القياس على الجمعة.
م: (وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يؤذن قبل خروج الإمام) ش: لأن هذا الأذان لأداء الظهر كما في سائر الأيام م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف رحمه الله م: (أنه يؤذن بعد الخطبة) ش: وبه قال مالك رضي الله عنه: وفي " البدائع " عن أبي يوسف رحمه الله ثلاث روايات، وظاهر الرواية كقولهما وقول الشافعي رحمه الله إذا فرغ من الخطبة الأولى يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويفتتح الخطبة الثانية، والمؤذنون يأخذون في الأذان معه، ويخفف بحيث يكون فراغه من فراغ المؤذنين من الأذان.
م: (والصحيح ما ذكرنا) ش: أي الصحيح من المذهب ما ذكرنا وهو ظاهر المذهب. قال الأكمل: وقال بعض الشارحين: ورواية أبي يوسف رحمه الله أنه يؤذن بعد الخطبة أصح عندي وإن كان على خلاف ظاهر الرواية لما صح من حديث جابر رضي الله عنه أن بلالاً أذن بعد الخطبة ثم أقام. قلت بعض الشارحين هو الأترازي، فإنه قال هذه المقالة.
م: (ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج واستوى على ناقته أذن المؤذنون بين يديه) ش: هذا الحديث غريب جداً، والذي صح من الحديث ما رواه أبو داود رضي الله عنه في " سننه " «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن
ويقيم المؤذن بعد الفراغ من الخطبة؛ لأنه أوان الشروع في الصلاة فأشبه الجمعة. قال: ويصلي بهم الظهر، والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين، وقد ورد النقل المستفيض باتفاق الرواة بالجمع بين الصلاتين، وفيما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين، ثم بيانه أنه يؤذن للظهر، ويقيم للظهر، ثم يقيم للعصر؛ لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود، فيفرد بالإقامة إعلاما للناس
ــ
[البناية]
بلال رضي الله عنه ثم أقام، فصلى» الحديث رواه عن جابر رضي الله عنه.
م: (ويقيم المؤذن بعد الفراغ) ش: أي بعد فراغ الإمام م: (من الخطبة؛ لأنه أوان الشروع في الصلاة فأشبه الجمعة. قال: ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين) ش: ويخفي الإمام القراءة فيهما، لأنهما ظهر وعصر، كما في سائر الأيام. وعن أحمد رحمه الله إن شاء صلى بإقامة من غير أذن، وبقولنا قال الشافعي رحمه الله وأبو ثور والثوري وأبو عبيد والطبري وابن الماجشون، وهو اختيار الأثرم وأبو حامد من الحنابلة. وقال ابن قدامة وهو أول حديث جابر رضي الله عنه الصحيح أنه صلى صلاتين بأذان وإقامتين، وهو حجة على مالك رضي الله عنه في اعتبار الأذانين، وفي هذه المسألة ستة أقوال.
الأول: مذهبنا الذي ذكرنا الذي بأذان وإقامتين، وبه قال عطاء والظاهرية والشافعي رضي الله عنهم في قول وأحمد، واختاره الطحاوي، وبه قال زفر وأبو ثور.
والثالث: بأذانين وإقامتين، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومحمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين وهل بنية وهو رواية ابن مسعود.
والرابع: بإقامتين فقط، وروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وسالم بن عبد الله وهو أحد قولي الثوري وأحمد والشافعي رحمهم الله.
والخامس: بإقامة واحدة من غير أذان، وبه قال الثوري وأبو بكر بن داود، ورواية مقطع عن أحمد والسادس: بغير أذان ولا إقامة، روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
م: (وقد ورد النقل المستفيض) ش: أي الشائع م: (باتفاق الرواة) ش: أي رواة الحديث م: (بالجمع بين الصلاتين) ش: أي الظهر والعصر م: (وفيما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين) ش: كذا في " صحيح مسلم " كما ذكر الآن م: (ثم بيانه أنه) ش: أي أن المؤذن م: (يؤذن للظهر) ش: أي لأجل صلاة الظهر ثم م: (يقيم للظهر، ثم يقيم للعصر؛ لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود) ش: لأنه يصلى في وقت الظهر م: (فيفرد بالإقامة إعلاما للناس) ش: أي لأجل إعلام الناس من أنه يصلي العصر.
ولا يتطوع بين الصلاتين تحصيلا لمقصود الوقوف، ولهذا قدم العصر على وقته، فلو أنه فعل مكروها، وأعاد الأذان للعصر في ظاهر الرواية، خلافا لما روي عن محمد رحمه الله؛ لأن الاشتغال بالتطوع، أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول، فيعيده للعصر، فإن صلى بغير خطبة أجزأه؛ لأن هذه الخطبة ليست بفريضة.
قال: ومن صلى الظهر في رحله وحده، صلى العصر في وقته، عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: يجمع بينهما المنفرد؛ لأن جواز الجمع للحاجة
ــ
[البناية]
م: (ولا يتطوع) ش: أي الإمام، وكذا القوم لا يتطوعون م:(بين الصلاتين) ش: أي الظهر والعصر م: (تحصيلا لمقصود الوقوف) ش: أي بعرفة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تحصيل المقصود بالوقوف م: (قدم العصر على وقته) ش: وقال النووي يصلي السنن الراتبة، فيصلي أولاً سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها، ثم سنة العصر، ولا يتنفلون بعد الصلاتين، ولم يسبح بهما ولا بعد واحدة منها، متفق عليه ولا فرق بين جمع عرفة.
م: (فلو أنه فعل) ش: أي فلو أن الإمام تطوع ذلك اليوم م: (فعل مكروهاً، وأعاد الأذان للعصر في ظاهر الرواية) ش: وهو قول أبي يوسف رحمه الله م: (خلافا لما روي عن محمد رحمه الله) ش: رواه ابن سماعة عنه أنه لا يعيد الأذان وتجزئه الإقامة، لأن الوقت قد جمعهما فيكتفي بأذان كما في العشاء مع الوتر.
م: (لأن الاشتغال) ش: هذا تعليل وجه ظاهر الرواية، لأن اشتغال الإمام م:(بالتطوع، أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول) ش: أي اتصال الأذان، يقال فلان فعل ذلك من فوره إذا أوصل الفعل بالآخر لا لبث بينهما م:(فيعيده للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فإن صلى بغير خطبة أجزأه؛ لأن هذه الخطبة ليست بفريضة) ش: إذ هي ليست تخلف عن ركن بخلاف خطبة الجمعة، فإنها خلف عن الركعتين.
م: (قال: ومن صلى الظهر) ش: وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري رحمه الله ومن صلى الظهر م: (في رحله) ش: أي في منزله حال كونه م: (وحده صلى العصر في وقته) ش: يعني لا يجمع العصر مع الظهر م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (قول أبي حنيفة رحمه الله) ش: وبه قال إبراهيم النخعي والثوري.
م: (وقالا: يجمع بينهما المنفرد) ش: كما يجمع بينهما الإمام، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو مروي عن ابن عمر وعائشة - رحمهما الله -، وإليه ذهب عطاء وإسحاق وأبو ثور، وقال ابن حزم لو فاتته مع الإمام يفرض عليه أن يجمع بينهما واحد م:(لأن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف والمنفرد محتاج إليه) ش: لأن حال الوقوف حال تضرع واشتغال بالدعاء،
إلى امتداد الوقوف، والمنفرد محتاج إليه؛ ولأبي حنيفة رحمه الله أن المحافظة على الوقت فرض بالنصوص فلا يجوز تركه إلا فيما ورد الشرع به، وهو الجمع بالجماعة مع الإمام، والتقديم لصيانة الجماعة؛ لأنه يعسر عليهم الاجتماع للعصر بعد ما تفرقوا في الموقف لا لما ذكراه إذ لا منافاة، ثم عند أبي حنيفة رحمه الله الإمام شرط في الصلاتين جميعا. وقال زفر رحمه الله: في العصر خاصة؛ لأنه هو المغير عن وقته، وعلى هذا الخلاف الإحرام بالحج.
ــ
[البناية]
فيحتاج إلى الامتداد مع ذلك المنفرد أيضاً محتاج إليه.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله أن المحافظة على الوقت) ش: أي على وقت الصلاة م: (فرض بالنصوص) ش: قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238][البقرة: الآية 238] وقال {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103][النساء: الآية 103] أي فرضا موقتاً م: (فلا يجوز تركه) ش: أي ترك الفرض الموقت م: (إلا فيما ورد الشرع به) ش: أي بالترك م: (وهو الجمع بالجماعة مع الإمام) ش: أي ما ورد الشرع به هو الجماعة مع الإمام م: (والتقديم لصيانة الجماعة) ش: هذا جواب عن قولهما، تقريره لا نسلم أن جواز الجمع بالتقديم لامتداد الوقوف، بل لصيانة الجماعة.
م: (لأنه يعسر عليهم الاجتماع للعصر بعد ما تفرقوا في الموقف) ش: لأن الموقف موضع واسع ذو طول وعرض، ولا يمكنهم إقامة الجماعة إلا بالاجتماع، وأنه متعذر في العادة فيجعل العصر لئلا تفوتهم فضيلة الصلاة بالجماعة لحق الوقوف، لأن الجماعة تفوت لا إلى خلف، وحق الوقوف ينادي قبل وبعد م:(لا لما ذكره) ش: أي التقديم لأجل الصيانة لا لأجل ما ذكر أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وهو الحاجة إلى امتداد الوقوف م:(إذ لا منافاة) ش: أي لأنه لا منافاة بين الصلاة والوقوف، لأن الوقوف لا ينقطع بالاشتغال بالصلاة، كما لا ينقطع بالأكل والشرب والتوضي وغير ذلك.
م: (ثم عند أبي حنيفة رحمه الله الإمام شرط في الصلاتين جميعا. وقال زفر رحمه الله: في العصر خاصة) ش: أي الإمام شرط في العصر خاصة، ولم يذكر قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأن عندهما الإمام ليس بشرط أصلاً م:(لأنه هو المغير عن وقته) ش: أي لأن العصر هو الذي غير عن وقته حيث قدم قبل وقته، بخلاف الظهر فإنه في وقته، فجاز له أن يصلي العصر مع الإمام، وأن يصلي الظهر في منزله.
م: (وعلى هذا الخلاف الإحرام بالحج) ش: أي الخلاف الذي قلنا في الإمام أنه شرط في الصلاتين عند أبي حنيفة رحمه الله، وشرط عند زفر في العصر وحده الإحرام بالحج، قال أبو حنيفة رحمه الله الإحرام بالحج شرط فيهما جميعا حتى إذا صلى الظهر مع الإمام وهو حلال من أهل مكة ثم أحرم للحج فإنه يصلي العصر لوقته، ولا يجوز كقول زفر، كذا في
ولأبي حنيفة رحمه الله أن التقديم ورد على خلاف القياس عرفت شرعيته فيما إذا كان العصر مرتبة على ظهر مؤدى بالجماعة مع الإمام في حالة الإحرام بالحج فيقتصر عليه، ثم لا بد من الإحرام بالحج قبل الزوال في رواية تقديما للإحرام على وقت الجمع، وفي أخرى يكتفي بالتقديم على الصلاة؛ لأن المقصود هو الصلاة. قال: ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل، والقوم معه عقيب انصرافهم من الصلاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام راح إلى الموقف عقيب
ــ
[البناية]
" شرح الطحاوي " رحمه الله.
م: (ولأبي حنيفة أن التقديم) ش: أي تقديم العصر قبل وقته م: (ورد على خلاف القياس عرفت شرعيته) ش: أي عرفت مشروعيته، وفي بعض النسخ عرفنا شرعيته م:(فيما إذا كان العصر مرتبة على ظهر مؤدى بالجماعة مع الإمام في حالة الإحرام بالحج فيقتصر عليه) ش: أي على مورد النص، وإنما قيد الإحرام بالحج لما روى محمد عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه كان حين صلى الظهر مع الإمام محرماً بالعمرة ثم أحرم بالحج قبل العصر لم يجزئه، لأن إحرام العمرة لا تأثير له في جواز الجمع، فوجوده وعدمه سواء.
م: (ثم لا بد من الإحرام بالحج قبل الزوال) ش: أي لا بد في جواز الجمع بين الصلاتين بأن يكون محرماً من قبل الزوال، لأن الإحرام شرط جواز الجمع، وشرط الشيء يسبقه، ولهذا لا يجوز الجمع قبل الزوال، م:(في رواية تقديما) ش: أي لأجل التقديم م: (للإحرام على وقت الجمع) ش: تحقيق وجه هذه الرواية أن بالزوال يدخل وقت الجمع، ويختص بهذا الجمع المحرم بالحج، فيشترط تقديم الإحرام على الحج قبل الزوال.
م: (وفي أخرى) ش: أي وفي رواية أخرى م: (يكتفي بالتقديم) ش: أي بتقديم الإحرام م: (على الصلاة لأن المقصود هو الصلاة) ش: أي لأن المصنف اشترط الإحرام هو لأجل الصلاة لا لأجل الوقت، حتى إن الحلال لو صلى الظهر مع الإمام ثم أحرم فصلى العصر أو المحرم بالعمرة صلى مع الإمام ثم أحرم بالحج فصلى العصر معه لم تجز العصر إلا في وقتها.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ثم يتوجه) ش: أي الإمام م: (إلى الموقف) ش: بكسر القاف م: (فيقف بقرب الجبل) ش: أي الجبل الذي يسمى جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط عرفات، يقال له ألال على وزن هلال، والجوهري فتح همزته. وقال النووي المعروف كسرها، وذهب ابن جرير والماوردي إلى أنه يستحب الوقوف على جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات، ويقال له جبل الدعاء، قيل هو موقف الأنبياء عليهم السلام. وقال النووي رحمه الله ولا أصل له إذ لم يرد به حديث صحيح ولا ضعيف، والصواب الاعتناء بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
م: (والقوم معه) ش: أي يتوجه القوم مع الإمام م: (عقيب انصرافهم من الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم راح إلى الموقف عقيب الصلاة) ش: كما في حديث جابر الذي رواه مسلم مطولاً.