الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«كحديث الخثعمية فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه: " حجي عن أبيك واعتمري» . وعن محمد رحمه الله: أن الحج يقع عن الحاج، وللآمر ثواب النفقة؛ لأنه عبادة بدنية، وعند العجز أقيم الإنفاق مقامه كالفدية في باب الصوم.
قال: ومن أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما فهي عن الحاج ويضمن النفقة؛ لأن الحج يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام
ــ
[البناية]
ومنها ما أخرجه البيهقي من حديث عطاء الخراساني عن أبي العون بن المحصن الحنفي رضي الله عنه «قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يتمالك على الراحلة أفتأمرني أن أحج عنه؟ قال: " نعم، حج عنه ". قال: وكذلك من مات من أهلنا ولم ير [....] ، أفنحج عنه، قال: " نعم وتؤجرون " قال: ويتصدق عنه ويصام عنه؟ قال: " نعم والصدقة أفضل.» قال البيهقي: إسناده ضعيف.
م: (كحديث الخثعمية، فإنه صلى الله عليه وسلم قال فيه:«حجي عن أبيك واعتمري» ش: حديث الخثعمية أخرجه الأئمة الستة في كتبهم. أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والباقون عن أخيه الفضل بن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، ظهر البعير، قال: حجي عنه» . وفي رواية المصنف رحمه الله وهم، فإن حديث الخثعمية ليس فيه ذكر اعتمري، وهذه اللفظة في حديث أبي رزين العقيلي رحمه الله كما ذكرناه الآن، وهذا الحديث يدل صريحًا على جواز الحج عن الغير.
م: (وعن محمد رحمه الله: أن الحج يقع عن الحاج) ش: يعني المأمور. م: (وللآمر ثواب النفقة؛ لأنه عبادة بدنية) ش: كذا أشار إليه في " المبسوط: أن الحج غير مركب من البدن، والمال فيه شرط الوجوب وقد ذكرناه. م:(وعند العجز) ش: عن الحج بنفسه. م: (أقيم الإنفاق مقامه) ش: أي مقام أداء الأفعال يعني الواجب عليه إذا حج، وإنفاق المال في طريقه فإن عجز عن الأداء بقي عليه الإمضاء ما يقدر.
وهو الإنفاق في طريقه. م: (كالفدية في باب الصوم) ش: فإنها أقيمت مقام الصوم، فكذا الإنفاق هاهنا يقوم مقام أداء الأفعال في حق سقوط الأفعال، وهذا لأن الإنفاق سبب أداء الأفعال، وإقامة السبب مقام المسبب أصل في الشرع في " النهاية " إلى هذا مال عامة المتأخرين، منهم صدر الإسلام أبو اليسر والإمام الأسبيجابي وقاضي خان وغيرهم، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: إن أصل الحج يكون عن الآمر.
[أمره رجلان بأن يحج لكل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما]
م: (قال: ومن أمره رجلان بأن يحج لكل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما فهي عن الحاج ويضمن النفقة؛ لأن الحج يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام) ش: يجزيه هذا
وكل واحد منهما أمره أن يخلص الحج له من غير اشتراك، ولا يمكن إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية فيقع عن المأمور، ولا يمكنه أن يجعله عن أحدهما بعد ذلك، بخلاف ما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعله عن أحدهما؛ لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما، فيبقى على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه، وهنا يفعل بحكم الآمر، وقد خالف أمرهما فيقع عنه. ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما؛ لأنه
ــ
[البناية]
الموضع أن الحج في هذه الصورة من وجه يقع للمأمور باعتبار المخالفة ولهذا لا يخرج الأمر عن حجة الإسلام، ومن وجه يقع للآمر من حيث قطع المسألة وتعين النفقة وهذا لا يخرج المأمور عن حجة الإسلام أيضًا، وقد صرح الإمام العتابي وغيره في " شرح الجامع الصغير " أن الحج يقع عن الأمر من وجه، وعن المأمور من وجه، فلا يخرج عن حجة الإسلام لا المأمور ولا الآمر.
والمصنف رحمه الله أشار إلى هذين الوجهين أيضًا حيث قال: أولًا فهي عن الحاج، ثم قال الحج يقع عن الآمر، يعني يقع عن وجه من وجه آخر. وقال الأكمل: ذهب الشارحون إلى أن الدليل غير مطابق للمدلول، قوله فهي أي حجة عن الجميع، ويضمن النفقة ودليله لأن الحج يقع عن الآمر، ولا مطابقة بينهما كما ترى، ثم نقل عن السغناقي أن هذا التعليل حكم غير مذكور.
قلت: لا فائدة في ذكر تعليل بدون ذكر المعلل، وتحرير الكلام ما ذكرناه الآن، ثم نقل الأكمل خط الأترازي على الشراح من ثقة، ثم قال أقول بتوفيق الله في تقرير كلامه أي كلام المصنف رحمه الله يقع عن الآمر، على ظاهر الرواية حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام ولا يمكن إيقاعه عن الآمر وكيف يمكن!
م: (وكل واحد منهما أمره أن يخلص الحج له من غير اشتراك، ولا يمكن إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية) ش: يعني ليس أحدهما أولى من الآخر فلا يقع عنهما ولا عن أحدهما. م: (فيقع عن المأمور) ش: كلامه لا يخلو عن الإغلاق. م: (ولا يمكنه أن يجعله لأحدهما بعد ذلك) ش: هذا كأنه جواب عما يقال إذا وقع الحج للمأمور فيجعل عن أيهما شاء، كما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعل عن أيهما شاء أي إن وقع لنفسه؛ لأنه لما لم يهل به على أولوية المأمور به وقع عن نفسه ولزمه الحج وضمن النفقة.
م: (بخلاف ما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعله عن أحدهما؛ لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما، فيبقى على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه) ش: كما كان قبله. م: (وهنا) ش: أي في المذكور في الصورة الأولى. م: (يفعل بحكم الآمر، وقد خالف أمرهما فيقع عنه) ش: بخلاف ما هناك؛ لأنه متبرع فيه لا بحكم الآمر فكذلك قيد بالآمر؛ لأنه إذا أدى العمرة عن رجلين أو عن أحدهما بلا أمر يصح؛ لأنه في الحقيقة جعل ثوابه للغير. م: (ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما؛ لأنه
صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه. وإن أبهم الإحرام بأن نوى عن أحدهما غير عين، فإن مضى على ذلك صار مخالفا لعدم الأولوية، وإن عين أحدهما قبل المضي. فكذلك عند أبي يوسف رحمه الله وهو القياس؛ لأنه مأمور بالتعيين. والإبهام يخالفه فيقع عن نفسه، بخلاف ما إذا لم يعين حجة أو عمرة حيث كان له أن يعين ما شاء لأن الملتزم هناك مجهول، وهاهنا المجهول من له الحق. وجه الاستحسان أن الإحرام شرع وسيلة إلى الأفعال لا مقصودا بنفسه. والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين فاكتفى به شرطا
ــ
[البناية]
صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه) ش: فيضمن لتصرفه في المال في خلال الموضع الذي أمر بصرفه فيه. م: (فإن أبهم الإحرام بأن نوى عن أحدهما غير عين) ش: يعني من غير تعيين فلا يخلو عن أمرين إما أن لا يمضي على ذلك أو مضى. م: (فإن مضى على ذلك) ش: أي على الإبهام. م: (صار مخالفا لعدم الأولوية، وإن عين أحدهما قبل المضي. فكذلك عند أبي يوسف رحمه الله وهو القياس) ش: أي قول أبي يوسف رحمه الله هو القياس. م: (لأنه مأمور بالتعيين) ش: من جهة كل منهما. م: (والإبهام يخالفه) ش: أي إبهامه عن أحدهما يصير مخالفًا. م: (فيقع عن نفسه) ش: كما إذا أمره رجلان كل منهما بشراء عبد هكذا فاشتراه لأحدهما غير معين يقع الشراء للمأمور، ثم إذا أراد أن يعين أحدهما، لا يصح فكذا هنا. م:(بخلاف ما إذا لم يعين حجة أو عمرة حيث كان له أن يعين ما شاء) ش: كان هذا جواب عما يقال إذا أحرم رجل على الإبهام من غير تعيين حجة ولا عمرة فإنه يصح أن يعين في الحجة والعمرة ما شاء، فلما لا يكون هاهنا كذلك. وأجاب بخلاف ما إذا.. إلى آخره، ثم بين الفرق بينهما بقوله. م:(لأن الملتزم هناك مجهول) ش: أي فيما إذا أبهم الإحرام مجهول ومن هم له الحق معلوم وجهالة الملتزم لا تمنع صحة الأداء كما إذا قال لفلان علي شيء لأحد يصح الإقرار، ويلزمه البيان ولو قال لأحدهما علي شيء لا يصح الإقرار لأن جهالة من له الحق تمنع صحة الإقرار. م:(وهاهنا) ش: يعني فيما إذا لم يعين حجة أو عمرة. م: (المجهول من له الحق) ش: وبينهما فرق.
وقد ذكرناه الآن بخلاف ما إذا أحرم عن أحد أبويه حيث يصح، وإن كان من له الحق مجهولًا؛ لأن ذلك ليس بحكم الآمر ليراعي شرائط الإمساك. م:(وجه الاستحسان) ش: هو قول أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما. م: (أن الإحرام شرع وسيلة إلى الأفعال) ش: يعني ليس بمقصود بنفسه، بل هو وسيلة يقصد به الأداء ولهذا لا يصح قبل أشهر الحج. م:(لا مقصودا) ش: أي ليس بشرع مقصود. م: (بنفسه والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين) ش: لأنه شرط فيراعى وجوده لا بصيغة التعيين كالوضوء للصلاة وإن لم يقع بها. م: (فاكتفى به) ش: أي بالإحرام المبهم. م: (شرطا) ش: أي من حيث الشرطية للأداء.
فإن قيل: الإحرام بمنزلة التكبير في الصلاة وفيه جهة الركنية، فينبغي أن يكون بمنزلة الشروع في الأفعال.
بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام؛ لأن المؤدي لا يحتمل التعيين فصار مخالفا. قال: فإن أمره غيره أن يقرن عنه فالدم على من أحرم؛ لأنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين، والمأمور هو المختص بهذه النعمة؛ لأن حقيقة الفعل منه، وهذه المسألة تشهد بصحة المروي عن محمد رحمه الله أن الحج يقع عن المأمور. وكذلك إن أمره واحد بأن يحج عنه، والآخر بأن يعتمر عنه، وأذنا له بالقران، فالدم عليه
ــ
[البناية]
قلنا: هو بمنزلة الوضوء عندنا ولهذا يجوز أن يكون قبل أشهر الحج.
م: (بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام) ش: هذا متصل بقوله: فاكتفى به شرطا، يعني إذا أهل عن أحدهما، ثم عين أحدهما قبل المضي، صح تعيينه بخلاف ما إذا عين أحدهما بعد المضي، وهو قوله بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام؛ لأنه إذا أدى ثم عين، فإنه يقع ابتداء، ثم التعيين يرد على ما مضى ويحمل، فلا يفيد شيئا، وهو معنى قوله. م:(لأن المؤدي لا يحتمل التعيين فصار مخالفا) ش: لأن ما مضى فات لا يعتمد التعيين كما ذكرنا.
م: (فإن أمره غيره) ش: وفي بعض النسخ قال: فإن أمره غيره، أي قال محمد رحمه الله: فإن أمر رجل غيره. م: (أن يقرن) ش: بضم الراء من باب نصر ينصر مفرد له عنه. م: (فالدم) ش: أي الدم القران. م: (على من أحرم) ش: أي وهو القارن. م: (لأنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين) ش: أي الحج والعمرة.
م: (والمأمور هو المختص بهذه النعمة؛ لأن حقيقة الفعل منه) ش: ولكن يقع القران على الآمر. وبه قال الشافعي رضي الله عنه في قول وفي أصح قوليه يجب دم القران من الآمر لأن مقتضى إحرامه أمره به، وكأنه القارن بنفسه.
م: (وهذه المسألة تشهد بصحة المروي عن محمد رحمه الله أن الحج يقع عن المأمور) ش: لكون الدم عليه، وفيه نظر؛ لأن جميع الدماء في مال الحاج إلا دم الإحصار، فإنه في مال المحجوج عنه، وقيل: لا تدل هذه المسألة عليه؛ لأن سائر الأفعال من الرمي وغيره يوجد منه حقيقة، ويقع شرعًا عن الآمر، ووجوب هذا الدم من باب إقامة النسك وإقامة المناسك عليه حقيقة، وإن انتقل إلى الآمر حكمًا.
م: (وكذلك إن أمره واحد) ش: أي وكذلك وجود الدم على المأمور إن أمره واحد. م: (بأن يحج عنه، والآخر) ش: أي وأمره شخص آخر. م: (أن يعتمر عنه، وأذنا له) ش: أي أذن الاثنان كلاهما. م: (بالقران، فالدم عليه) ش: أي على المأمور، وإنما قيد بالإذن؛ لأنه إذا لم يوجد الإذن منهما بالقران ومع هذا قران، يكون مخالفًا عند أبي حنيفة رحمه الله.
فإن قيل: وجوب الدم عليه، لا يتوقف على إذنهما لما أنه على تقرير عدم الإذن يلزمه الدم