الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة، وقال مالك رحمه الله: لا تجب إلا بحلق الكل، وقال الشافعي رحمه الله تجب بحلق القليل اعتبارا بنبات الحرم.
ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد فتتكامل به الجناية وتتقاصر فيما دونه بخلاف تطيب ربع العضو؛ لأنه غير مقصود، وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب.
ــ
[البناية]
[حلق المحرم شعر رأسه أو لحيته ونحوها]
م: (وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة) ش: هذا مخالف لما ذكره السرخسي وقاضي خان وشرح الطحاوي حيث ذكر فيها على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن حلق جميع الرأس واللحية، فعليه دم، وإن حلق أقل من ذلك فعليه إطعام. وذكر في " جامع المحبوبي " الصحيح ما ذكره عامة المشايخ، وهو المذكور في " الهداية ".
م: (وقال مالك رحمه الله: لا يجب إلا بحلق الكل) ش: عملاً بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى} [البقرة: 196][البقرة: الآية 196]، وأن الرأس للكل م:(وقال الشافعي رحمه الله تجب بحلق القليل) ش: وهو ثلاث شعرات، وفي " شرح الوجيز " في شعرة واحدة مد من طعام وفي قول درهم، وفي قول ثلث درهم، وفي قول دم كامل م:(اعتبارا بنبات الحرم) ش: يستوي فيه قليله وكثيره، كذا في " جامع البزدوي ".
م: (ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد) ش: فإن الأتراك يحلقون أوساط رءوسهم، وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لانتفاء الراحة والزينة وعامة العرب يمسكون رءوسهم بشعورهم، وإنما يحلقون النواصي والأقفية م:(فتتكامل به الجناية) ش: أشار إلى نفي مذهب مالك رحمه الله م: (وتتقاصر فيما دونه) ش: أشار إلى نفي قول الشافعي رحمه الله أي تتقاصر الجناية فيما دون الربع.
م: (بخلاف تطيب ربع العضو) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين حلق الربع وبين تطيب الربع، يعني إذا حلق ربع الرأس أو ربع اللحية يجب الدم، وإذا طيب ربع الرأس أو ربع اللحية لا يجب الدم، بل تجب الصدقة على ظاهر الرواية، وإنما قلنا على ظاهر الرواية، لأنه ذكر في المنتقى أنه يجب فيه الدم.
م: (لأنه) ش: أي لأن تطيب ربع العضو م: (غير مقصود) ش: لأن العادة في التطيب لسبب الاقتصار على الربع فصار العضو الكامل في الطيب كالربع في حلق الكفارة. م: (وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق) ش: أي يتعارف فإن الأكاسرة كانوا يحلقون بعض لحى شجعانهم، ومنهم من كان يحلقها كلها م:(وأرض العرب) ش: أي وكذا معتاد بأرض العرب، وإن عامة العرب يحلقون من النواصي والأقفية مقدار الربع، وكذا الأتراك يحلقون من وسط الرأس قدر
وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما عضو مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة، فأشبه العانة. ذكر في الإبطين الحلق هاهنا وفي الأصل النتف وهو السنة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل فطعام أراد به الصدر أو الساق وما أشبه ذلك؛ لأنه مقصود بطريق التنور فتتكامل
ــ
[البناية]
الربع به يقع ترفقهم عادة، فلحق الربع بالكل احتياطاً لإيجاب الكفارة في المناسك، فإنها مبنية على الاحتياط.
م: (وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة)
ش: فإن قلت: كان ينبغي في حلق الإبطين أن يجب دمان، إذ كل إبط عضو مقصود بالحلق.
قلت: الأصل في جنايات المحرم إذا كانت من جنس واحد أن يجب ضمان واحد، ألا ترى أنه إذا تنور جميع بدنه يلزمه دم واحد م:(فأشبه العانة) ش: في وجوب الدم، وفي " جامع قاضي خان " إذا كان شعر العانة كثيراً، ففي حلق ربعها دم م:(ذكر في الإبطين) ش: أي ذكر محمد رحمه الله في الإبطين م: (الحلق هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ".
م: (وفي الأصل) ش: أي وذكر في " المبسوط " م: (النتف) ش: أي نتف الإبطين م: (وهو السنة) ش: أي نتف الإبطين هو السنة، وفي العامل بالسنة أولى، وفي الأصل أنه لا حظر في الحلق وإن كانت السنة هو النتف وفي " شرح الطحاوي " ولو حلق من أحد الإبطين أكثر وجب الصدقة، لأنه ليس له نظير في البدن، وليس لأحدهما حكم الكل.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: قيل قولهما بيان قول أبي حنيفة، لا أنه خالفهما في ذلك، وإنما خصا بالذكر، لأن الرواية محفوظة عنهما، كذا في " الكافي " م:(لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل) ش: أي من العضو م: (فطعام) ش: أي الواجب طعام م: (أراد به) ش: أي أراد محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " بالعضو الكامل م: (الصدر أو الساق وما أشبه ذلك) .
ش: نحو الساعد والعانة والإبط. قال الكاكي رحمه الله: هذا مخالف لما ذكر في " المبسوط " حيث ذكر فيه الأصل من حلق عضو مقصود بالحلق، فعليه دم. وإن حلق عضواً غير مقصود فعليه صدقة فيهما ليس بمقصود حلق شعر الصدر والساق، ولم يذكر الخلاف فيه م:(لأنه مقصود بطريق التنور) ش: أي باستعمال النورة، يقال تنور إذا طلى بالنورة م:(فتتكامل) ش: أي الجناية م: (بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه) ش: ولهذا قالوا عبد المحرم خبز فاحترق بعض يديه في
بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه، وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل، ومعناه أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان مثلا مثل ربع الربع يلزمه قيمة ربع الشاة، ولفظة الأخذ من الشارب تدل على أنه هو السنة فيه دون الحلق.
ــ
[البناية]
التنور فعليه صدقة إذا عتق، لأنه جناية يسيرة، وإن طلى من غير أذى فعليه دم إذا عتق؛ لأن جنايته غليظة ولا فرق بين الحلق والنتف والتنور في وجوب الفدية عند الأئمة الأربعة.
م: (وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل) ش: هذا من مسائل " الجامع الصغير ". وفي " شرح الطحاوي " رحمه الله ولو حلق شاربه فعليه صدقة، لأنه تبع اللحية، وهو قليل وقليل الشارب عضو مقصود بالحلق، فإن من عادة بعض الناس حلق الشارب دون اللحية فكان الواجب تكامل الجناية لحلقه، وأجيب بأنه مع اللحية في الحقيقة عضواً واحداً، لاتصال البعض بالبعض، فلا يجعل في حكم أعضاء متفرقة كالرأس، فإن من العلوية من عادته حلق مقدم الرأس، وذلك لا يدل على أن كله ليس بعضو واحد.
م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكر من حكومة العدل م: (أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان) ش: أي المأخوذ م: (مثلا مثل ربع الربع) ش: أي ربع ربع اللحية م: (يلزمه قيمة ربع الشاة) ش: فيتصدق به، وعلى هذا القياس سائر الأجزاء، وإنما قال مثلاً لأنه يجوز أن يكون ثلث الربع أو نصف الربع أو غير ذلك، ففي الأول ثلث الشاة، وفي الثالث نصف الشاة.
م: (ولفظة الأخذ من الشارب) ش: يعني ذكر محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " لفظة الأخذ من الشارب م: (تدل على أنه) ش: أي أن الأخذ م: (هو السنة فيه) ش: أي في الشارب م: (دون الحلق) ش: في شرح الآثار أن الحلق سنة، وهو أحسن من القص، والقص حسن جائز، وقد بوب الطحاوي رحمه الله في كتاب الكراهية باب حلق الشارب، ثم ذكر أحاديث فيها لفظ قص الشارب عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطرة عشرة "، فذكر قص الشارب» وأخرجه أبو داود بأتم منه، ومنها عن عائشة رضي الله عنها مثله وأخرجه الجماعة ما خلا البخاري.
فلفظ مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشرة من الفطرة قص الشارب
…
" الحديث.» ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفطرة خمس» ، ثم ذكر مثله وأخرجه مسلم. ومنها عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً طويل الشارب فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عود السواك» وأخرجه أبو داود وأحمد ثم قال فذهب قوم من أهل المدينة إلى هذه الآثار واختياره لقص الشارب على إحفائه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
انتهى.
قلت في شرحي الذي شرحته لكتاب الطحاوي رحمه الله المسمى بشرح " معاني الآثار " أراد بالقوم هؤلاء سالماً وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
فإنهم قالوا المستحب هو القص لا الإحفاء، وإليه ذهب حميد بن هلال والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وبكر بن عبد الله ونافع بن جبير وعراك بن مالك والإمام مالك، وقال عياض: ذهب كثير من السلف إلى منع الحلق والاستئصال في الشارب، وكان مالك يرى حلقه مثلة، ويأمر بتأديب فاعله، ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا بل يستحب إحفاء الشارب ويراه أفضل من قصه، انتهى.
قلت: أراد بهم جمهور السلف منهم أهل الكوفة ومكحول ومحمد بن عجلان ونافع مولى ابن عمر وأبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف ومحمد رحمه الله فإنهم قالوا المستحب إحفاء الشارب وهو أفضل من قصه، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وأبي أسيد وعبد الله بن عمر.
واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحفوا الشوارب وأعفوا عن اللحى» ، وأخرجه مسلم والترمذي، وبما رواه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد:«ولا تشبهوا باليهود» ، وأخرجه البزار في " مسنده " ولفظه:«خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأوفوا اللحى» ، وبما رواه عن أبي هريرة رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب أرخوا اللحى» ، وأخرجه مسلم.
والإحفاء الاستئصال، قال الخطابي: يقال أعفى شاربه ورأسه، وقال ابن دريد حفى شاربه حفياً إذا استأصل أخذ شعره، ومنه قوله أحفوا الشوارب، وقال الجوهري الإحفاء مصدر من قولهم أحفى شاربه إذا استقصى في أخذه.
قلت: أراد الطحاوي رحمه الله بتبويب باب الحلق الإحفاء، لأن لفظ الحلق لم يرد. والحاصل أن الإحفاء للاستئصال حتى يرى جلده، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحفي حتى يرى جلده ويعلم من هذا كله أن الإحفاء أفضل من القص، وهو خلاف ما ذهب إليه المصنف من أن لفظ الأخذ هو السنة، لأن الإحفاء أوفى من الأخذ.
وقال الكاكي رحمه الله وذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حلقه سنة ونسب ذلك إلى العلماء الثلاثة، انتهى.
والسنة أن يقص حتى يوازي الإطار. قال وإن حلق موضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات. فكذا ما يكون وسيلة إليها، إلا أن فيه إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة. ولأبي حنيفة رحمه الله أن حلقه مقصود لأنه لا يتوصل إلى المقصود إلا به، وقد وجد
ــ
[البناية]
قلت: لم يذكر الطحاوي كذلك وإنما قال بعد روايته الأحاديث المذكورة والتوفيق بينها أن الإخفاء أفضل من القص، ثم قال نعم باب حلق الشارب. وإنما أراد بذلك الإحفاء حتى يصير كالحلق. وفي " المختار " حلقه سنة وقصه حسن. وفي " المحيط " الحلق أحسن من القص، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهما الله -.
م: (والسنة أن يقص شاربه حتى يوازي الإطار) ش: هذا تفسير القص وهو أن يأخذ من الشارب حتى يوازي بالزاي المعجمة من الموازاة، وهي المقابلة والمواجهة والأصل فيه العمرة يقال فيه وازيته إذا حازيته. وقال الجوهري رضي الله عنه: ولا يقف وازيته وغيره أجازه على تخفيف الهمزة وثقلها، والإطار بكسر الهمزة الطرف الأعلى من الشفة العليا وفي " المغرب " إطار الشفة منتهى جلدها ولحمه استقبال من إطار المنجل والدف، وإن حلق موضع المحاجم.
وفي أكثر النسخ م: (قال) ش: أي قال القدوري رحمه الله م: (وإن حلق المحرم موضع المحاجم) ش: وفي بعض النسخ مواضع المحاجم وفي بعضها موضع المحجم وهي جمع محجمة بكسر الميم وهي قارورة الحجامة، ويقال لها المحجم أيضاً بكسر الميم والمحجم بفتح الميم والجيم اسم مكان الحجم ويجمع على محاجم أيضا، والمراد هو الأول.
وإنما ذكرها بالجمع لاختلاف عادات الناس في مواضع الحجامة، فإن العرب يحتجمون على الرأس والفرس بين الكتفين وأهل الهدر على البطن م:(فعليه دم عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: وبه قال الشافعي وأحمد. وقال ابن حزم وهو قول إبراهيم النخعي وعطاء وقال الحسن البصري من احتجم وهو محرم فعليه دم، وقال مالك رحمه الله من فعل شيئاً من ذلك، فأما دفع عن نفسه أذى فعليه الفدية.
م: (وقالا: عليه صدقة لأنه) ش: أي لأن موضع الحجامة م: (إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات) ش: أي من محظورات الإحرام، أي ممنوعاته م:(فكذا) ش: لا يكون من المحظورات م: (ما يكون وسيلة إليها) ش: أي إلى الحجامة، لأنه وسيلة إلى الأمر المباح م:(إلا أن فيه) ش: أي غير أن في الحلق م: (إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة) ش: لأن ليس في كل منهما ترفق ولا نيل راحة.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله أن حلقه) ش: أي حلق موضع المحاجم م: (مقصود لأنه لا يتوصل) ش: يسار م: (إلى المقصود) ش: وهو الحجامة م: (إلا به) ش: أي بالحلق م: (وقد وجد
إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم
وإن حلق رأس محرم بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم. وقال الشافعي: رحمه الله: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه، وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم، وقد تقرر سببه، وهو ما نال من الراحة والزينة
ــ
[البناية]
إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم) ش: قيل لا شك أن حلق موضع المحاجم وسيلة إلى الحجامة، وما كان وسيلة إلى الشيء كيف يصح أن يكون مقصوداً، وأجيب بأنه لا ينافي كونه وسيلة أن يكون مقصوداً، ألا ترى الإيمان وسيلة لصحة جميع العبادات وهو مع هذا من أعظم المقاصد.
م: (وإن حلق رأس محرم) ش: أي وإن حلق المحرم رأس محرم آخر م: (بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم) ش: وفي " البدائع " حلق رأس محرم أو حلال أو قلم أظافيره، وهو محرم فعليه صدقة، سواء كان نائماً، وفي " شرح الوجيز " إذا حلق حلال أو حرام المحرم بغير أمره ينظر إن كان المحرم نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه، ففيه قولان أصحهما أن الفدية على الحالق، وبه قال مالك رحمه الله وأحمد، لأنه هو المقصود لا تقصير من جهة المحلوق، والثاني: أنها على المحلوق، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، واختاره المزني لأنه هو المرتفق به. وقد ذكر المزني أن الشافعي رحمه الله قد حط على هذا القول لكن الأصحاب نقلوه عن البويطي ووجدوه غير محطوط عليه، ولو حلقه بأمره فالفدية على المحلوق ولا شيء على الحالق قولاً واحداً، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن فعل الحالق يضاف إليه سواء كان الحالق محرماً أو حلالاً.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله) ش: أي من أصل الشافعي م: (أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه) ش: أي من الإكراه، لأن الإكراه لا بعد قصده وإلا أخذ بالفعل بالنوم بعدما نام م:(وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم) ش: يعني ينتفي الإثم الذي هو حكم الآخرة دون الحكم الذي يتعلق بالدماء م: (وقد تقرر سببه) ش: أي سبب وجوب الفدية والواو فيه للحال م: (وهو) ش: أي السبب م: (ما نال من الراحة والزينة) ش: أي ما نال المحلوق من الزينة والراحة بزوال الشعث ومن الزينة بزوال انتشار الشعر.
فإن قلت: ذكر في الديات أن في شعر الرأس دية، لأنه فوق أنه كمال، لأن وجود الشعر جمال وزينة، وجعل هاهنا فوات الزينة.
قلت: شعر الرأس زينة من حيث أصل الخلقة، فكذلك تجب الدية بزواله، والمراد هاهنا من
فيلزمه الدم حتما، بخلاف المضطر حيث يتخير؛ لأن الآفة هناك سماوية، وهاهنا من العباد، ثم لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة فصار كالمغرور في حق العقر، وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه، وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا في الوجهين. وقال الشافعي رحمه الله: لا شيء عليه، وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس الحلال له
ــ
[البناية]
الزينة زوال الشعث، وهو أمر عارض يزيد صفرة الوجه، فكان هذا غير زوال، فأطلق هاهنا جمالا ًوهناك زينة للفرق بينهما.
م: (فيلزمه الدم حتما) ش: أي وجوباً، لأن النذر من قبل من ليس له الحق فيغلظ الحكم م:(بخلاف المضطر حيث يتخير) ش: أي بخلاف المحرم المضطر إلى حلق رأسه، فإنه إذا حلق يتخير بين الأشياء الثلاثة إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق بها على ستة مساكين، وإن شاء صام ثلاثة أيام، وفيه نفي لقول الشافعي رحمه الله، فإنه يقول إذا حلق المحرم غير مضطر فهو مخير بين الأشياء الثلاثة كما في حال الضرورة م:(لأن الآفة هناك) ش: أي في الاضطرار م: (سماوية) ش: أي من قبل الله عز وجل م: (وهاهنا) ش: أي في الإكراه م: (من العباد) ش: أي من قبلهم م: (ثم لا يرجع المحلوق رأسه) ش: مما وجب عليه من الدم م: (على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة) ش: وهو الانتفاع م: (فصار) ش: أي المحلوق م: (كالمغرور في حق العقر) ش: حيث لا يرجع بالعقر على مائعه. صورته اشترى جارية فاستولدها، ثم استحقت يغرم قيمة الولد والعقر، ويرجع بقيمة الولد على البائع ولا يرجع بالعقر، لأن العقر بسبب ما كان من الراحة بالوطء، ولهذا قال المصنف على من رفع الساق، وكذا إذا تزوج امرأة فاستحقت لا يرجع على الذي تزوجها لأنها حرة، لأن المغرور هو الذي استوفى منافع البضع، وقال في " شرح مختصر الكرخي " رحمه الله كان أبو حازم يقول يرجع، وعليه الكفارة، لأن الحالق ألجأه إلى التكفير فصار كأنه أخذ من ماله ذلك القدر فأتلفه.
م: (وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه) ش: يعني إذا حلق حلال رأس محرم يجب على المحلوق الدم عندنا لحصول الارتفاق الكامل، وعند الشافعي رحمه الله إذا لم يكن بأمره فلا شيء عليه، وفي السكون وجهان م:(وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا) ش: يعني فيما إذا كان المحرم حلق المحرم م: (في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحالق بأمر المحلوق أو بغير أمره.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا شيء عليه) ش: أي الحالق، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م:(وعلى هذا الخلاف) ش: أي بيننا وبين الشافعي رحمه الله م: (إذا حلق المحرم رأس حلال) ش: فعندنا تجب الصدقة على الحالق، وعند الشافعي لا شيء عليه م:(له) ش: أي
أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب.
ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام؛ لاستحقاقه الأمان بمنزلة نبات الحرم، فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره إلا أن كمال الجناية في شعره. فإن أخذ من شارب حلال أو قلم أظافيره أطعم ما شاء
ــ
[البناية]
للشافعي رحمه الله م: (أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب) ش: بكسر الجيم، أي الموجب للدم هو الارتفاق، ولا يحصل الارتفاق للشخص بحلق شعر غيره.
م: (ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام لاستحقاقه الأمان) ش: أي لاستحقاق ما ينمو من الأمان بمنزلة بيان الحرم. قال السغناقي رحمه الله هذا يقتضي أن الحلال إذا حلق رأس حلال في الحرم أن يجب على الحالق الجزاء كما في قطع نبات الحرم ولكن ما وجدت رواية له بل وجدت رواية أنه لا يجب شيء، قيل لا يقتضي لأن شعر الحلال في الحرم لا يصير م:(بمنزلة نبات الحرم) ش: وإنما يصير بالإحرام فلا يلزمه هذا م: (فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره) ش: أي بين حلق شعر نفسه وبين حلق شعر غيره، لأن الأمان يزول في الصورتين. م:(إلا أن كمال الجناية في شعره) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال لم يفترق الحال بين الصورتين ينبغي أن يجب عليه الدم في حلق شعر غيره، فأجاب بأن كمال الجناية في حلق شعر نفسه لوجود العين إزالة الأمن والارتفاق الكامل ولهذا يجب الدم بخلاف شعر غيره، قلت: فإن حلقه هو الارتفاق الكامل من الراحة والزينة للحالق بل له نوع ارتفاق بأن بدر مع الداري ينفقه، ولهذا وجبت الصدقة لقصور الجناية.
م: (فإن أخذ من شارب حلال) ش: وفي بعض النسخ فإن حلق من شارب حلال، وكذا في نسخة الأترازي وقال وهذه من مسائل " الجامع الصغير " وقد نص في " شرحه " فخر الإسلام البزدوي عن محمد عن يعقوب عن محمد عن أبي حنيفة في المحرم يأخذ من شارب الحلال أو يقص من أظفاره قال يطعم شيئاً.. إلى آخره. وقد قال المصنف بلفظ أحمد تبعاً للفظ محمد رحمه الله م:(أو قلم) ش: بالتشديد. وقال الأترازي رحمه الله، لأن التفضيل للتكثير ما في الفعل كما في حول وطوف، وإما في الفاعل كما في موت الإبل، وإما في المفعول كما في غلقت الأبواب وما نحن فيه من قبيل الثالث انتهى.
قلت: ليس التعليل هاهنا بمعنى ما ذكره ولا معنى من معاني هذه الثلاثة، وإنما فعل بالتشديد هاهنا للتعدية كما في قولك فرحته ولقن ابن الحاجب إن فعل بالتشديد يجيء للتعدية، ثم ذكر المقال المذكور م:(أظافيره) ش: جمع أظفار وهو جمع ظفر، وهو من جموع القلة م:(أطعم ما شاء) ش: في لفظ محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " يطعم شيئاً، وفي لفظ النسفي في " الكنز " وفي أخذ شارب حلال وقلم أظفاره طعام.
والوجه فيه ما بينا ولا يعرى عن نوع ارتفاق؛ لأن يتأذى بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دم؛ لأنه من المحظورات لما فيه من قضاء التفث وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم، ولا يزاد على دم إن حصل في مجلس واحد؛ لأن الجناية من نوع واحد
ــ
[البناية]
قال الشارح أي صدقة بطعام كالفطرة. وقال الأترازي عبارته مشككة جداً، ثم قال ملخصه إنه إن أراد بقوله أطعم ما شاء العموم، يعني قليلاً أو كثيراً كيفما شاء، فلا يجوز لأنه صرح في " شرح الكرخي " بإيجاب الصدقة نصاً عن أبي حنيفة رحمه الله في قلم المحرم أظافير الحلال، وإن أراد الخصوص بإرادة التصديق فنصف صاع من حنطة فلا يجوز أيضاً، لأن إزالة تفث غيره أدنى من إزالة تفث نفسه، انتهى.
قلت: لا اعتراض على محمد أيضاً، لأن معنى قوله يطعم شيئاً من الصدقة، وكذا قول المصنف أطعم ما شاء وهو في معنى ما ذكره محمد ولا اعتراض على محمد أيضاً ولا معنى لقوله يطعم شيئا من الصدقة لأن الكرخي رحمه الله نص في إيجاب الصدقة كما ذكرنا، وبين شارح " الكنز " الصدقة بقوله أي صدقة بطعام كالفطرة كما ذكرنا.
م: (والوجه فيه ما بينا) ش: يعني قوله - إن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام - إلى أن قال - فلا يفترق بين شعره وشعر غيره - م: (ولا يعرى عن نوع ارتفاق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي رحمه الله في قوله لا يجب شيء على المحرم إذا حلق رأس الحلال، لأنه قاسه على ما إذا لبس غيره مخيطاً في عدم ارتفاقه، فكما لا يجب في إلباس غيره شيء، فكذلك هاهنا ورد عليه المصنف بقوله ولا يعرى أي المحرم عن نوع ارتفاق وبين ذلك بقوله م:(لأن يتأذى) ش: أي لأن المحرم الذي حلق للحلال أو أخذ من شاربه أو أظافير يتأذى م: (بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام) ش: أي بأن الصدقة بالطعام كالفطرة كما ذكرنا.
م: (وإن قص) ش: أي المحرم م: (أظافير يديه ورجليه فعليه) ش: أي وأظافر رجليه أراد به قص أظافيره كلها من اليدين والرجلين م: (فعليه دم لأنه) ش: أي لأن قصه هذا م: (من المحظورات) ش: أي من ممنوعات المحرم م: (لما فيه) ش: أي لما في القص المذكور م: (من قضاء التفث) ش: أي من إزالة الوسخ م: (وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها) ش: أي كل الأظافير من اليدين والرجلين م: (فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم) ش: لأن قص الأظفار لا يجوز للمحرم، وقال عطاء يجوز ولا خلاف فيه عند الأئمة الأربعة م:(ولا يزاد على دم) ش: أي على دم واحد م: (إن حصل في مجلس واحد لأن الجناية من نوع واحد) ش: أي قص الأظافير الارتفاق من حيث القص، وهو شيء واحد، وبه قال حماد ومالك والشافعي وأحمد.
فإن كان في مجالس فكذلك عند محمد رحمه الله لأن مبناها على التداخل فأشبه كفارة الفطر إلا إذا تخللت الكفارة لارتفاع الأولى بالتكفير. وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه معنى العبادة فيتقيد التداخل باتحاد المجلس كما في آي السجدة. وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق، وإن كان قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر رحمه الله: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله الأول استحسانا؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة أكثرها.
ــ
[البناية]
م: (فإن كان) ش: أي قص الأظافير كلها م: (في مجالس فكذلك) ش: أي يجب دم واحد م: (عند محمد رحمه الله لأن مبناها) ش: أي مبنى هذه الكفارة م: (على التداخل) ش: إذا اتحد الجنس م: (فأشبه كفارة الفطر) ش: إذا أفطر في أيام رمضان، فإنه تكفيه كفارة واحدة، وكما تتداخل الكفارة أيضاً إذا ترك الجماع في أيام النحر كلها، وخرج عن هذا سجدة التلاوة، لأنها ليست بكفارة عند الشافعي رحمه الله إذا وجدت أفعال متفرقة من جنس واحد في مجلس واحد أو مجلس من غير تكفير، ففي تداخل الكفارة قولان في مثل قول محمد رحمه الله، وحكي عن مالك كذلك وفي قول مثل قولهما.
م: (إلا إذا تخللت الكفارة) ش: يعني إن كفر للأولى تجب كفارة أخرى للثانية م: (لارتفاع الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (بالتكفير) ش: فتصير الثانية جناية مبتدأة م: (وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه) ش: أي في هذا التكفير م: (معنى العبادة) ش: بدليل أن كفارات الإحرام تجب على المعذورات كالمكره والجاهل والناسي تجب عليه ولا تجب العقوبات، بخلاف كفارات الفطر، فإنها لا تجب على المعذور م:(فيتقيد التداخل باتحاد المجلس) ش: يعني لا يكون التداخل إلا إذا اتحد المجلس لأن لاتحاد المجلس تأثيرا ًفي عدم المتفرقات، وإذا اختلفت المجالس يترجح جانب اختلاف المجالس م:(كما في آي السجدة) ش: إذا تكررت في مجلس واحد تجب سجدة واحدة، فإن كانت في مجالس مختلفة فعليه لكل واحدة سجدة.
م: (وإن قص يدا أو رجلا) ش: أي وإن قص المحرم أظافير رجل واحدة م: (فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق) ش: أي كما إذا حلق ربع رأسه فإنه يجب عليه دم، لأن الربع يحكي حكاية الكل م:(وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه) ش: أي معنى قول القدوري في قص الأقل من الخمسة بقوله فعليه صدقة هو أنه م: (تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر رحمه الله: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو) ش: أي قول زفر رحمه الله م: (قول أبي حنيفة رحمه الله الأول استحساناً؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة) ش: أي الأظافير الثلاثة م: (أكثرها) ش: أي أكثر الأظافير من اليد والرجل، لأن حكم الأكثر حكم الكل.
وجه المذكور في الكتاب أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه، وقد أقمناها مقام الكل، فلا يقام أكثرها مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى.
وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد رحمه الله: عليه دم اعتبارا بما لو قصها من كف واحد، وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة. ولهما أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه يتأذى ويشينه ذلك، بخلاف الحلق،
ــ
[البناية]
م: (وجه المذكور في الكتاب) ش: أي القدوري وأراد بالذكر وجوب الصدقة لكل ظفر م: (أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه) ش: باتفاق م: (وقد أقمناها مقام الكل) ش: الواو فيه للحال أي والحال إزالة قد أقمنا أقل ما يجب الدم بقلمه مقام الكل م: (فلا يقام أكثرها) ش: أي أكثر اليد الواحدة م: (مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى) ش: أي إلى ما لا يتعسر اعتباره. وفي " الكافي " المراد من عدم التناهي العسر لا المذكور في أصول الدين في وجود ما لا يتحرى، لأنه لو كان وجوب الدم باعتبار الأكثر لكان يجب دم أو الصدقة في عشر الأصبع، لأن العشر أكثر بالنسبة إلى نصف العشر، وفي العشر لا يجب بالإجماع.
وقال الأترازي رحمه الله بيانه أن بيان المؤدي ما لا يتناهى إن أوجبنا الدم في خمسة أصابع اليد الواحدة أو الرجل الواحدة لحصول الارتفاق الكامل بقص الربع، لأن مجموع الأصابع عشرون والخمسة ربع ذلك، ثم إذا أوجبنا الدم في ثلاثة أصابع إقامة للأكثر مقام الكل يلزمه اعتبار ذلك فيما دون الثلاثة، لأن الأصبعين أكثر الثلاثة فيلزم أن يجب فيهما دم أيضاً، لأنها نصف الأصبعين وما يقابله، فليس بكثير، ويكون كثيراً فيلزم حينئذ بالأكثر في كل أصبع بلا نهاية، فلا يجوز للزوم خرق الإجماع من ذلك فافهم.
م: (وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد رحمه الله: عليه دم) ش: هذه من مسائل القدوري. قوله - متفرقة - بالجر صفة المعدود كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43][يوسف: الآية 43]، م:(اعتبارا بما لو قصها من كف واحد) ش: لأن الخمسة ربع الأصابع فصار قصها متفرقة كقصها من يد واحدة أو من رجل واحدة م: (وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة) ش: أي واعتباراً أيضاً بما إذا حلق ربع رأسه من جوانب مختلفة فإنه يضم بعضه إلى بعض كما في النجاسة في مواضع متفرقة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه) ش: أي على وجه التفرق م: (يتأذى به) ش: لاختلاف ما ينتفع به م: (ويشينه) ش: أي يريد في المنظر مكروهاً وهو من الشنو، وهو العين، يقال شانه يشينه شيناً، والشين هاهنا من حيث إن البخل لا يكون نقص البغض. وفي " المبسوط " أنه لا يحسن في النظر، فيزداد له شغل القلب م:(ذلك، بخلاف الحلق) ش: كأنه جواب عما يقال من جهة محمد رحمه الله -
لأنه معتاد على ما مر. وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين، وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص عنه أو عن الطعام ما شاء. قال: وإن انكسر ظفر المحرم فتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم. وإن تطيب أو لبس مخيطا أو حلق من عذر فهو مخير إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام، وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)
ــ
[البناية]
ينبغي أن يكون كذلك في الحلق من جوانب الرأس، فأجاب بقوله م:(لأنه) ش: أي لأن الحلق على هذا الوجه م: (معتاد على ما مر) ش: في أن الأتراك والعرب يفعلون ذلك، لأنه معتاد عندهم، وقص البعض دون البعض ليس بمعتاد فافترقا. م:(وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة) ش: بمقدارها م: (فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين) ش: وقال مالك رحمه الله في ظفرين فدية، وقال ابن القاسم في الواحد، وفي الموازية لا شيء في الواحد، إلا أن يميط به أذى، وقال أشهب: يطعم مسكيناً، وقال الشافعي رحمه الله أوجب الفدية في الثلاثة، وفيما دونها مداً لكل ظفر. م:(وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا) ش: يعني، وكذا الحكم لكل ظفر طعام مسكين عندهما، وعند محمد رحمه الله دم إذا قص أكثر من خمسة أصابع متفرقاً وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قلماً متفرقاً يعني من الأطراف، وليس من عضو واحد م:(إلا أن يبلغ ذلك) ش: أي الطعام م: (دما) ش: أي تبلغ قيمة الطعام الذي وجب لأجل قص الأصابع المتفرقة دماً م: (فحينئذ ينقص عنه) ش: أي عن الدم م: (أو عن الطعام ما شاء) ش: حتى لو قص ستة عشر ظفراً من كل عضو أربعة فعليه لكل ظفر طعام مسكين، إلا أن يبلغ ذلك طعاماً فينقص منه ما شاء. وفي " شرح المجمع " واختلفوا في كيفية النقصان عن الدم كيلا يبلغ الواجب، وما قيل ينقص من صاع أو نصفه شيء حتى ينقص منه الواجب عن الدم، والأصح أن ينظرا على أصوع من الشعير أو التمر، فإن لم يبلغ ذلك وما إذا أخرج فيكون الواجب أنقص من الدم، وتكون الصدقة بمقدار مقدر شرعاً، وكذا في نصف صاع من بر. م:(قال: وإن انكسر ظفر المحرم وتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم) ش: حيث يجب عليه إذا قلعه، وكذلك الشعر المقطوع. وقال ابن المنذر في " الإشراق " أجمع أهل العلم أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسراً منه كابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومالك والحميدي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. م: وإن تطيب) ش: أي المحرم م: أو لبس مخيطا أو حلق من عذر) ش: أي من أجل عذر.
م: (فهو مخير إن شاء ذبح وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش: أول الآية
وكلمة "أو" للتخيير، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور
ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، وكذلك الصدقة عندنا لما بينا. وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان
ــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] وهو القمل أو الجراحة، فعليه إذا حلق فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو نسك، وهو شاة، والنسك مصدر، وقيل جمع منسكة.
م: (وكلمة "أو" للتخيير) ش: فيدل على أن الذي يحلق بعذر بين هذه الأشياء الثلاثة م: (وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: أي الآية قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196)، أطلق على بعض الآية أنه من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل م:(بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور) ش: وهو كعب بن عجرة بضم العين المهملة، وسكون الجيم ابن أمية بن عدي يكنى أبا محمد؛ شهد بيعة الرضوان مات سنة ثلاثة وخمسين بالمدينة وله خمس وسبعون سنة. وأخرج الأئمة الستة حديثه عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم يوقد تحت قدرة ناراً والقمل يتهافت على وجهه، فقال: " أيؤذيك هوامك هذه؟ " قال: " نعم، قال: " فاحلق رأسك وأطعم فرقاً بين ستة مساكين "، والفرق ثلاثة أصوع " أو صم ثلاثة أيام أو نسك شاة» .
وأخرج البخاري ومسلم أيضاً «عن عبيد الله بن مغفل حدثنا، قال حدثني كعب بن عجرة أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماً فقمل رأسه ولحيته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فدعى الحلاق فحلق رأسه، ثم قال: " هل عندك نسك "، قال ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع، فأنزل الله فيه خاصة {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ثم كانت للمسلمين عامة» وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدره بالصوم ستة أيام إلا لما يقدر الطعام ستة مساكين كان القياس أن يكون الصوم ستة أيام.
م: (ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء) ش: هذا بالاتفاق بين الأئمة الأربعة م: (لأنه) ش: أي لأن الصوم م: (عبادة في كل مكان) ش: فلا يتقيد بمكان معين م: (وكذلك الصدقة عندنا) ش: خلافاً للشافعي فإنه يقول الطعام لا يجزئه إلا في الحرم، وبه قال أحمد م:(لما بينا) ش: هو أنه عبادة في كل مكان م: (وأما النسك) ش: وهو ذبح الشاة م: (فيختص بالحرم بالاتفاق) ش: أي بيننا وبين الشافعي.
م: (لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان) ش: كالأضحية م: (أو مكان) ش: كجميع
وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان. ولو اختار الطعام أجزأه، فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف رحمه الله اعتبارا بكفارة اليمين، وعند محمد رحمه الله لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك وهو المذكور.
ــ
[البناية]
الهدايا م: (وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان) ش: وهو الحرم. وقال مالك رحمه الله إذا ذبحها في الحرم وفرق لحمها في الحل جاز كقولنا. وقال الحسن البصري كل دم واجب فليس له أن يذبحه إلا بمكة، وعند الظاهرية تجوز الثلاثة في أي موضع شاء، ومثله عن مجاهد رحمه الله، فإن هلك المذبوح أو سرق سقط لتعيينه كالزكاة، وفيه خلاف الشافعي.
م: (ولو اختار) ش: الحالق المعذور م: (الطعام أجزأه فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف اعتبارا بكفارة اليمين) ش: ذكر في القرآن بلفظ الإطعام وهو يفيد الإباحة، واعتبر أبو يوسف رحمه الله لفظ الطعام في الحديث حيث قال أطعم مساكين.
م: (وعند محمد رحمه الله لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك) ش: أي الصدقة المذكورة في قَوْله تَعَالَى {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] تنبئ عن التمليك م: (وهو المذكور) ش: في الآية المذكورة، وإنما ذكر الضمير بالنظر إلى الخبر كما في قَوْله تَعَالَى الإطعام لا الصدقة، قال عز وجل {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] قيل لا تدل الصدقة على التمليك، وقال صلى الله عليه وسلم:«نفقة الرجل على أهله صدقة» ، ولا تمليك هاهنا، فإنما هو الإباحة.