الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك، والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا، ويرجع الآخذ على القاتل، وقال زفر رحمه الله: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه فلا يرجع على غيره. ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به، فهو بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان عليه كالغاصب.
فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته
ــ
[البناية]
الآخذ والقاتل. م: (جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك) ش: أي التعرض الموجب لتفويت الأمن. م: (والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا) ش: لأنهم يضمنون بما قرروا بشهادتهم ما كان على شرف السقوط بتمكين الزوج على ما عرف. م: (ويرجع الآخذ على القاتل) .
ش: فإن قلت: ليس للآخذ في الصيد ملك ولا يد محترمة، فكيف يرجع على القاتل، فالضمان يجب بأحد هذين الأمرين.
قلت: يده على الصيد معتبرة بحق الآخذ؛ لأنه يتمكن من إرساله وإسقاط الجناية عن نفسه فالقاتل صار مفوتًا هذه اليد، فيضمن إن لم يملكه الآخذ كغاصب المدبر إذا قتله إنسان في يده فأدى الغاصب ضمانه، فإنه يرجع على القاتل بقيمته كما لو ملكه وإن كان المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى ملك.
م: (وقال زفر رحمه الله: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه) ش: وهو تعرضه للصيد الآمن فلا يرجع على غيره؛ لأنه يستلزم تنزيل الراجع منزلة المالك بواسطة الضمان والصيد غير قابل للملك في حق المحرم. م: (فلا يرجع على غيره) ش: كمسلم غصب خنزير ذمي فأتلفه من يده آخر فأخذ الذمي من الغاصب لم يرجع الغاصب على المتلف بشيء، فكذا هذا.
م: (ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به) ش: أي بالأخذ. م: (فهو) ش: أي القاتل. م: (بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون) ش: أي قتله. م: (في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان) ش: أي يضاف الضمان. م: (عليه) ش: أي إلى القاتل. م: (كالغاصب) ش: أي إذا أتلف المغصوب وضمنه الغاصب، فإن حصل الضمان يستقر عليه، والجواب عما استشهد به زفر أن غاصب الخنزير أثبت له يد محترمة؛ لأن خروجه عن محل التمليك لإهانته، بخلاف الصيد؛ لأن ذلك فيه زيادة احترام في حق المحرم بإحرامه لحرمة الأذى، فبقيت له يد محترمة، وإن لم يثبت له ملك.
[قطع حشيش الحرم وشجره]
م: (فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته) ش: الواو فيه للحال. اعلم أن ما زرعه الإنسان وشجر الحرم أنواع أربعة؛ إما أن يكون من جنس ما
إلا فيما جف منه؛ لأن حرمتهما تثبت بسبب الحرم، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ، ولا يكون للصوم في هذه القيمة مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال على ما بينا،
ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها
ــ
[البناية]
ينبته الناس كالجوز واللوز والتفاح والكمثرى ونحوها، أو من جنس ما لا ينبتونه كشجر أم غيلان والأثل وكل واحد منهما إما أن ينبت بنفسه أو ينبته الناس فينبت، ولا يجب الجزاء إلا في نوع واحد وهو الذي ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس، ولا شيء في الأنواع الثلاثة؛ لأنها لا تنبت للحرم بل إلى المنبت؛ لهذا تملك بالإنبات فكانت أهلية ولم تكن حرمية.
وفي " المبسوط " حرمة شجر الحرم كحرمة صيده فإن صيده يأكل منها ويأوي إليها ويستظل بظلها ويتخذ الوكر على أغصانها، ويسكن إليها في الحر والمطر كالكهوف، وما ينبته الناس عادة فهو لهم، والناس يزرعون في الحرم ويحصدونه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير نكير.
وقال مالك رحمه الله: لا بأس بما أنبته الناس في الحرم من النخل والشجر كما في البقول والزروع، وهو قول أبي الخطاب وابن عقيل من الحنابلة. وقال القاضي منهم: يجب الجزاء، وهو قول الشافعي في الجزاء في الشجر بكل حال، وهو المذهب عنده فأوجب في الدوحة وهي الشجرة العظيمة بقرة، ورووه عن ابن عباس رضي الله عنهما وليس له صحة، وضعفه مالك رحمه الله، وفي أصغر من ذلك شاة والكبيرة بالبقرة والصغيرة بالشاة عند الشافعي وابن حنبل، ولا أصل له إلا ما روي عن عطاء والشافعي لا نقله الصحابة، وقلد الشافعي فيه مع مخالفة الأصول. وعن بعض السلف أنه أوجب في الدوحة بدنة، وعن عبد الله وابن المنذر وابن أبي نجيح في الدوحة سبعة دنانير أو ستة دنانير، وقال مالك وأبو ثور وداود الظاهري وابن المنذر: لا ضمان في شجر الحرم ولا في حشيشه كقطع المحرم في الدليل، وهو قول الشافعي في القديم. وقال في الجديد: يلزمه الجزاء، وبه قال أحمد، لكن الجزاء عند الشافعي في الدوحة بقرة كما قلنا عن قريب، وفيما دونها شاة وفي الصغيرة القيمة والمعتبر فيها أن تكون سبعة للعظيمة. وقال ابن المنذر: لا أجد دليلًا فيه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
م: (إلا فيما جف منه) ش: استثناء من قوله: فعليه قيمته، يعني لا يجب عليه شيء في قطع ما جف منه، أي يبس. م:(لأن حرمتهما) ش: أي حرمة حشيش الحرم وحرمة شجره. م: (تثبت بسبب الحرم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ش: هذا الحديث قد مر. م: (ولا يكون للصوم في هذه القيمة) ش: أي قيمة شجر الحرم وحشيشه. م: (مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال) ش: لا ضمان الفعل كما في صيد الحرم. م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان من ضمان المحال.
م: (ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها) ش: أي إذا أدى القاطع قيمة قيمة الشجر إلى الفقراء. م:
ملكه كما في حقوق العباد.
ويكره بيعه بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله، إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة، بخلاف الصيد، والفرق ما نذكره. والذي ينبته الناس عادة عرفناه غير مستحق للأمن بالإجماع؛ ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات. وما لا ينبت عادة إذا أنبته إنسان التحق بما ينبت عادة. ولو نبت بنفسه في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى ضمانا لمالكه كالصيد المملوك في الحرم
ــ
[البناية]
(ملكه) ش: أي ملك الشجر. م: (كما في حقوق العباد) ش: كالغاصب إذا أدى قيمة المغصوب إلى مالك ملك المغصوب.
فإن قلت: في المقيس عليه تحصل المعاوضة، وفي المقيس لا تحصل.
قلت: تحصل المعاوضة في المقيس أيضًا؛ لأن الفقير نائب عن الله تعالى، وقد ملك العوض، فيملك القاطع المعوض وهو الشجر.
م: (ويكره بيعه) ش: أي بيع الحشيش والشجر. م: (بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله) ش: ولا يبقى أشجار الحرم، وفي ذلك إلحاق صيد الحرم. م:(إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة) ش: لأنه ملكه بالضمان. م: (بخلاف الصيد) ش: يعني لا يجوز بيع الصيد بعد أداء القيمة أصلًا. م: (والفرق ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وهو قوله لأن بيعه جائز تعرض للصيد إلا من يقف عليه بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر شطرًا.
م: (والذي ينبته الناس عادة) ش: متصل بقوله وهو ما ينبته الناس. م: (عرفناه غير مستحق الأمن بالإجماع) ش: لأن الناس يزرعون في الحرم ويحصدون فيه من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد. م: (ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم) ش: أي الذي يحرم قطعه هو الشجر الذي ينبت إلى الحرم. م: (والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات) ش: أي بإنبات أحد. م: (وما لا ينبت) ش: على صيغة المجهول. م: (عادة) ش: أي من حيث العادة. م: (إذا أنبته إنسان التحق بما ينبته عادة) ش: أراد بالالتحاق أن لا يجب بقطعه شيء بحرمة الحرم.
م: (ولو نبت بنفسه) ش: أي لو نبت ما لا ينبت عادة كأم غيلان بلا إنبات أحد. م: (في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى) ش: أي تجب قيمة أخرى. م: (ضمانا) ش: أي للضمان. م: (لمالكه كالصيد المملوك في الحرم) ش: حيث يجب فيه قيمتان: إحداهما لحرمة الحرم والأخرى لصاحب الصيد.
فإن قيل: النبات يملك بالأخذ، فكيف تجب القيمة بعد ذلك. وأجيب بأن قوله صلى الله عليه وسلم:«الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار» ، محمول على خارج الحرم، وأما حكم الحرم فبخلافه؛ لأنه حرام التعرض بالنص كصيده.
وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام. ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس بالرعي؛ لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا، والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل، وحمل الحشيش من الحل ممكن فلا ضرورة فيه، بخلاف الإذخر؛ لأنه استثناه النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
[البناية]
فإن قيل: الحرم غير مملوك لأحد، فكيف يتصور قوله - وقيمة أخرى ضمانًا لمالكه - وأجيب بأنه على قول من يرى بملك أرض الحرم، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -.
م: (وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام) ش: لأنه لو وجب الضمان فيه لتضرر أهل الحرم في إيقاد النار؛ لأن ما جف بمنزلة الميت من الصيد. م: (ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر) ش: وهو نبت بمكة معروف، وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وفي " المحلى " لا يحل لأجل قطع شيء من شجر الحرم ولا شوكه ولا من حشيش حاشًا الإذخر، واستثنى مالك والشافعي - رحمهما الله - السنا أيضًا. قال: وهو خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجب الضمان بإتلاف الشجر، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء، وبه قال مالك، والشافعي، وابن حنبل، ويحرم قطع الشجر والعوسج وبه قال مالك، وابن حنبل، وعطاء. وعن مجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي: لا يحرم، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام:" «لا يعضد شوكها» في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في " الصحيحين ".
وقال الشافعي: لا قطع في الشجرة المؤذية كقتل الصيد المؤذي وهو قياس بعيد في مقابلة النص فهو فاسد الوضع، كاستدلال الشافعية بخبر الواحد فيما تعم به البلوى، واختار المتولي منهم أنه مضمون، وقطع إمام الحرمين، والغزالي، إلى أن تحريم الشجرة مما لا ينبته الناس.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس بالرعي) ش: وبه قال الشافعي، ومالك. م:(لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا) ش: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يختلى خلالها» . م: (والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل) ش: هذا جواب عما يقال النص في القطع لا في الرعي، والمشافر جمع مشفرة، ومشفر البعير كالجحفلة من الفرس، والشفر من الإنسان، والمناجل جمع منجل بكسر الميم، وهو الحديد الذي يحصد به الزرع. م:(وحمل الحشيش من الحل ممكن) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف رحمه الله؛ لأن فيه ضرورة تقريره سلمنا أن النص في القطع لا في الرعي، لكن لا نسلم الضرورة؛ لأن حمل الحشيش من الحل إلى خارج الحرم ممكن. م:(فلا ضرورة، بخلاف الإذخر) ش: هذا جواب أيضًا عما يقال: ما بال الإذخر لم يحرم رعيه، ولا ضرورة فيه، فأجاب بقوله: بخلاف الإذخر.
م: (لأنه) ش: أي لأن الإذخر. م: (استثناه النبي صلى الله عليه وسلم) ش: وهو في حديث طويل أخرجه الأئمة
فيجوز قطعه ورعيه، وبخلاف الكمأة؛ وذلك لأنها ليست من جملة النبات،
وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي رحمه الله: دم واحد بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده، وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل. قال: إلا أن يتجاوز الميقات غير محرم بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد
ــ
[البناية]
الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «لما فتح الله على رسوله مكة..» الحديث، وقد ذكرناه عن قريب. وفي آخره: الإذخر. م: (فيجوز قطعه ورعيه) ش: لاستثناء الشارع في أمره. م: (وبخلاف الكمأة) ش: معطوف على قوله بخلاف الإذخر. م: (وذلك لأنها ليست من جملة النبات) ش: إنما هو شيء مزروع في الأرض ينبت من ماء السماء لا من الأرض في النبات ينبت من الأرض ومائها، كذا قال في " الكافي "، والكمأة بفتح الكاف، وسكون الميم، وفتح الهمزة جمع كم على عكس ثمرة.
فإن قيل: النص عام، وقد خص منه الإذخر بالنص أو الإجماع، فلم لا يجوز تخصيصه بغير الرعي والضرورة.
قلنا: الإذخر خص بالاستثناء المتصل، والكمأة تداخله، فلا يجوز تخصيصه المتراخي يجوز عند بعض أصحابنا، كذا قيل. وفي " المبسوط "، و" البدائع ": تأويل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان من قصد فيه الاستثناء، فسبقه العباس رضي الله عنه أو كان أوحي إليه أنه يرخص فيما سبقه العباس، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم عممه، فجاء جبريل صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فقال:«إلا الإذخر» .
م: وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا) ش: يعني من الجنايات. م: أن فيه على المفرد دما فعليه) ش: أي على القارن. م: (دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي رضي الله عنه: دم واحد) ش: أي عليه دم واحد، وبه قال مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه. م:(بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده) ش: لأن إحرام العمرة داخل في إحرام الحجة عنده، حتى إن القارن يطوف طوافًا واحدًا ويسعى سعيين.
م: (وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل) ش: أراد به ما ذكره بقوله: في باب القران الاختلاف بيننا وبين الشافعي رضي الله عنه بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين ويسعى سعيين، وعنده طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا.
م: (إلا أن يتجاوز) ش: وفي بعض النسخ، قال: أي القدوري. م: (إلا أن يتجاوز القارن) ش: وفي بعض نسخ القدوري رحمه الله إلا أن يجاوز من باب المفاعلة، والأول من باب التفاعل وهذا استثناء من قوله: فعليه دمان، إلا في هذه المسألة، وفيه نظر؛ لأن للقارن دمان، أي على القارن دمان في كل موضع يجب فيه على المفرد دم إلا في صورة واحدة، وهي أن يجاوز. م:(الميقات غير محرم) ش: أي حال كونه غير محرم. م: (بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد) ش: وفي
خلافا لزفر رحمه الله لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد، وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد.
وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية. وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد باتحاد المحل، كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة.
ــ
[البناية]
بعض النسخ يلزمه لذلك الدم دم واحد. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وليس في الأصول معنى يجب على المفرد دم، وعلى القارن دم، إلا في هذه المسألة ففيه نظر؛ لأن القارن إذا أفاض قبل الإمام عليه دم واحد، وكذا إذا أدى طواف الزيارة جنبًا، أو محدثًا، وقد رجع إلى أهله يجب عليه دم واحد، وكذلك إذا وقف القارن بعرفة ثم قتل صيدًا. م:(خلافا لزفر رحمه الله) ش: فإن عنده يجب عليه دمان.
م: (لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد) ش: هذا تعليل لنا لا لزفر، أي الواجب عليه عند عبور الميقات أحد الإحرامين هو إحرام واحد للعمرة. م:(وبتأخير واجب واحد، لا يجب إلا جزاء واحد) ش: ألا ترى أنه لو أحرم بالعمرة عند الميقات، ثم جاوز، ثم أحرم بالحج لا شيء عليه مع أنه قارن، بخلاف سائر المحظورات، فإنه صار بجنايته مرتكبًا به محظورة إحرامين، فيدخل النقص فيهما، وهاهنا ليس كذلك، وكذا لو أهل بعمرته بعدما جاوز ثم أهل بحجته بمكة فعليه دم واحد بتأخيره إحرام العمرة.
م: (وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل) ش: وهو قول الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري، وبه قال مالك، والمتولي من الشافعية، وهو رواية عن أحمد، واختيار أبي بكر من الحنابلة. وعن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وطاووس، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، أن عليهما جزاء واحد. م:(لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية) ش: الشافعي رضي الله عنه يقول: هو ضمان المحل، والمحل واحد، ونحن نقول: هو ضمان الفعل، والفعل متعدد.
م: (وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد) ش: أي الجزاء. م: (باتحاد المحل) ش: والمحل واحد، والجزاء واحد على كل واحد منهما نصف قيمة الصيد، وإن كانوا أكثر من ذلك ضم الضمان على عددهم. م:(كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة) ش: لأنه لا ضمان المحل. م: (وعلى كل واحد منهما كفارة) ش: لأنها ضمان الفعل.
وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة. ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي. وأولادها فعليه جزاؤهن؛ لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا، ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الأولاد. فإن أدى جزاءها ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة
ــ
[البناية]
م: (وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه) ش: أي اشتراه. م: (فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا) ش: أي لأن بيع المحرم الصيد حال كونه حيًا. م: (تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة) ش: وكلاهما باطل فيكون البيع باطلًا. وقال الناطقي: لو اشترى، أو باع حال إحرامه الصيد، نقض الحاكم البيع، وإن قبضه المشتري فاستهلكه، والبائع محرم، والمشتري حلال، فعلى البائع قيمة الصيد للكفارة، ولا ضمان عليه للبائع إن كان صاده حال إحرامه، وإن صاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه حال إحرامه فعلى المشتري قيمته للبائع. م:(ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي وأولادها فعليه جزاؤهن) ش: أي جزاء الأم والأولاد. م: (لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا) ش: يعني بعد إخراجه من الحرم متصف بوصف شرعي وهو الأمن. وإذا كان كذلك بقي مستحقًا بأن يكون آمنًا من جهة الشرع، ولقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97](آل عمران: الآية 97) ، فبقي معه هذا الوصف.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه الأمن شرعًا. م: (وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية) ش: أي كون الصيد واجب الرد إلى المأمن، أي إلى موضع أمانه، وهو الحرم صفة شرعية. م:(فتسري إلى الأولاد) ش: يعني يثبت وجوب الرد إلى الحرم في الأولاد أيضًا؛ لأن الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد، كالحرية، والكتابة، والتدبير.
فإن قلت: ينتقض هذا بولد المغصوبة، فإنها واجب الرد، ولم يسر إلى والدها.
قلت: صفة المغصوبية ليست بصفة شرعية فلا يتعدى إلى الولد.
فإن قلت: المضمونية صفة شرعية، فينبغي أن تتعدى.
قلت: هي صفة غير لازمة، فلا تسري، بخلاف التدبير وغيره، فإنه صفة لازمة، وفي " جامع قاضي خان ": إن سبب وجوب الضمان في المغصوب تفويت اليد، ولم يوجد ذلك في الأولاد لا حقيقة، ولا حكمًا؛ لأن المالك لم يطالب الأولاد حتى إذا طالبه وامتنع كان ضامنًا، أما حق الرد لله تعالى في كل ساعة، فإذا لم يرد ومنع كان ضامنًا من وقت المنع.
م: (فإن أدى جزاءها) ش: أي جزاء الظبية. م: (ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة) ش: أي مستحقة الأمن، فحينئذ لم تبق الأولاد مستحقة للأمن
لأن وصول الخلف كوصول الأصل، والله أعلم بالصواب.
ــ
[البناية]
أيضًا لحدوثها على ملكه خارج الحرم، وهو معنى قوله. م:(لأن وصول الخلف) ش: وهو القيمة إلى الفقراء. م: (كوصول الأصل) ش: وهو الصيد إلى الحرم، ألا ترى أنه لو غصب جارية فأدى قيمتها ثم ولدت أولادًا فاستهلكها وأولادها لا يجب عليه شيء فكذا هاهنا، كذا في " الجامع المحبوبي " وكذا فسر الإمام حميد الدين الضرير رحمه الله قوله: لأن وصول الخلف كوصول الأصل، وقيد بقوله: لأن وصول قيمة الصيد إلى فقراء مكة، بمنزلة وصول الصيد إلى الحرم.
وقال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه يجوز أن يصرف القيمة إلى فقراء مكة وغيرهم عندنا، فإذا أدى الجزاء إلى غيرهم يسقط أيضًا مع أنه لم يصل الخلف إلى فقرائها، فلا يستقيم التعليل بأن وصول الخلف إلى فقراء مكة كوصول الأصل إلى الحرم، انتهى.
قلت: فنظيره غير موجه، فلا يرد شيء على المصنف، ولا على الشيخ حميد الدين الضرير، أما المصنف فإنه أطلق هو، ويشمل الوصول إلى فقراء مكة، والى غير فقرائها، وقال الشيخ حميد الدين الضرير رحمه الله: فإنه قيده باعتبار الغالب، والله أعلم الصواب.