المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي - البناية شرح الهداية - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصوم

- ‌[تعريف الصوم]

- ‌ صوم رمضان

- ‌[سبب فرضية شهر رمضان]

- ‌فصلفي رؤية الهلال

- ‌[صوم يوم الشك وحكم من رأى هلال رمضان وحده]

- ‌[الحكم لو كان بالسماء علة وشهد برؤية الهلال واحد]

- ‌[تعريف الصوم ووقته]

- ‌[الطهارة عن الحيض والنفاس من شروط الصوم]

- ‌باب ما يوجب القضاء والكفارة

- ‌[الحكم لو أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسياً]

- ‌[احتلام الصائم]

- ‌[ما لا يفطر الصائم]

- ‌[دهن الشعر أو الشارب في الصيام]

- ‌[اكتحال الصائم]

- ‌[التقبيل والمباشرة للصائم]

- ‌[ابتلاع الصائم الشيء اليسير]

- ‌[حكم القيء بالنسبة للصائم]

- ‌[جماع الصائم عامدا]

- ‌[كفارة المفطر عمدا بجماع أو غيره]

- ‌[صفة كفارة المفطر عمدا في رمضان]

- ‌[الحقنة والقطرة للصائم]

- ‌[ذوق الطعام ومضغ العلك للصائم]

- ‌[الاكتحال والسواك للصائم]

- ‌[السواك للصائم]

- ‌[فصل أحكام المريض والمسافر في الصيام] [

- ‌المفاضلة بين صوم المريض والمسافر وفطرهما]

- ‌[موت المسافر والمريض المفطران في رمضان]

- ‌[حكم الشيخ الفاني في رمضان]

- ‌[حكم من مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به]

- ‌[الحكم فيمن دخل في صوم التطوع أو صلاة التطوع ثم أفسده]

- ‌[الحكم لو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في نهار رمضان]

- ‌[أحكام المغمى عليه والمجنون في رمضان]

- ‌[الحكم لو أفاق المجنون في بعض رمضان]

- ‌[حكم اشتراط النية في صوم رمضان]

- ‌[حكم أصبح غير ناو للصوم فأكل]

- ‌[حكم من شك في طلوع الفجر أو غروب الشمس فأكل]

- ‌[فصل فيما يوجبه على نفسه من الصيام] [

- ‌حكم نذر صيام يوم النحر]

- ‌باب الاعتكاف

- ‌[حكم الاعتكاف] [

- ‌أركان الاعتكاف وشروطه]

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌[مكان الاعتكاف بالنسبة للمرأة]

- ‌[خروج المعتكف من المسجد بدون عذر]

- ‌[ما يجوز للمعتكف]

- ‌[ما يحرم على المعتكف]

- ‌[حكم من أوجب على نفسه اعتكاف يومين أو أيام]

- ‌كتاب الحج

- ‌[حكم الحج]

- ‌[شروط وجوب الحج] [

- ‌البلوغ والحرية من شروط وجوب الحج] [

- ‌حج العبد والصبي]

- ‌[حكم حج الأعمى والمقعد]

- ‌[الاستطاعة من شروط وجوب الحج]

- ‌[ما تتحقق به الاستطاعة في الحج]

- ‌[اشتراط الزوج أو المحرم للمرأة في الحج]

- ‌[حكم بلوغ الصبي وعتق العبد بعد شروعهما في الحج]

- ‌[فصل المواقيت المكانية للحج] [

- ‌دخول الآفاقي مكة بدون إحرام]

- ‌باب الإحرام

- ‌[تعريف الإحرام وسننه]

- ‌[حكم التلبية للمحرم ولفظها]

- ‌[رفع الصوت بالتلبية]

- ‌[محظورات الإحرام]

- ‌[ما يباح للمحرم]

- ‌[آداب دخول مكة]

- ‌[طواف القدوم]

- ‌[حكم طواف القدوم]

- ‌[السعي بين الصفا والمروة]

- ‌[حكم السعي بين الصفا والمروة وكيفيته]

- ‌[خطب الإمام في الحج] [

- ‌النفر إلى منى والمبيت بها ليلة التاسع]

- ‌[الدفع من منى إلى عرفة]

- ‌[الجمع بين الصلاتين بعرفة وخطبة الإمام بها]

- ‌[حدود عرفة]

- ‌[آداب وسنن الوقوف بعرفة]

- ‌[الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس]

- ‌[المبيت بالمزدلفة]

- ‌[جمع المغرب والعشاء بمزدلفة]

- ‌[صلاة الفجر بغلس في المزدلفة والوقوف بها]

- ‌[المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر]

- ‌[رمي الجمرات]

- ‌[عدد الجمرات وصفاتها]

- ‌[كيفية رمي الجمرات ومقداره]

- ‌[ذبح الهدي والحلق والتقصير للحاج]

- ‌[التحلل الأصغر والأكبر للحاج]

- ‌ طواف الزيارة

- ‌[فصل في بيان مسائل شتى من أفعال الحج]

- ‌باب القران

- ‌[تعريف القران]

- ‌[المفاضلة بين القران والتمتع والإفراد]

- ‌صفة القران

- ‌[طواف وسعي القارن]

- ‌ دم القران

- ‌[صيام القارن]

- ‌باب التمتع

- ‌[تعريف التمتع]

- ‌[المفاضلة بين التمتع والإفراد]

- ‌[معنى التمتع وصفته]

- ‌[سوق الهدي وإشعاره وتقليده]

- ‌[ما يلزم المتمتع من الدم والصيام]

- ‌ليس لأهل مكة تمتع، ولا قران

- ‌[الحكم لو لم يسق المتمتع الهدي حتى عاد لبلده]

- ‌[الحكم لو قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أقام بمكة أو البصرة]

- ‌[الحكم لو حاضت المرأة عند الإحرام]

- ‌[من اتخذ مكة دارا هل يلزمه طواف الصدر]

- ‌[باب الجنايات في الحج]

- ‌[استعمال المحرم الطيب أو الخضاب]

- ‌[تغطية الرأس ولبس المخيط للمحرم]

- ‌[حلق المحرم شعر رأسه أو لحيته ونحوها]

- ‌[فصل في النظر والمباشرة للمحرم]

- ‌[بطلان الحج بالجماع قبل الوقوف بعرفة]

- ‌[كفارة من أفسد حجه بالجماع]

- ‌[حكم من جامع بعد الوقوف بعرفة]

- ‌[حكم من جامع في العمرة قبل تمامها]

- ‌[حكم من جامع ناسيا في الحج]

- ‌[فصل فيمن طاف طواف القدوم محدثا]

- ‌[فصل صيد البر محرم على المحرم] [

- ‌المقصود بصيد البر والبحر وحكم قتل الفواسق]

- ‌[جزاء الصيد ومقداره]

- ‌[قتل المحرم للبعوض والنمل]

- ‌[قطع حشيش الحرم وشجره]

- ‌[باب مجاوزة الميقات بغير إحرام]

- ‌[الحكم لو جاوز الكوفي ذات عرق بلا إحرام]

- ‌ دخل مكة بغير إحرام، ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت، وأحرم بحجة

- ‌[دخول البستاني مكة بغير إحرام]

- ‌[جاوز الوقت فأحرم بعمرة وأفدسدها]

- ‌ خرج المكي يريد الحج، فأحرم ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة

- ‌المتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم، فأحرم ووقف بعرفة

- ‌باب إضافة الإحرام إلى الإحرام

- ‌ أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى

- ‌ فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى

- ‌ أهل بحج ثم أحرم بعمرة

- ‌رفض العمرة

- ‌[باب الإحصار]

- ‌[ما يتحقق به الإحصار]

- ‌ أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي

- ‌[ما يفعل المحصر لو كان قارنا]

- ‌[مكان ووقت ذبح دم الإحصار]

- ‌[ما يلزم المحصر بالعمرة]

- ‌[مكان ذبح الهدي للمحصر]

- ‌[حكم من وقف بعرفة ثم أحصر]

- ‌[أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف]

- ‌باب الفوات

- ‌[حكم من أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة]

- ‌باب الحج عن الغير

- ‌[شروط جواز الحج عن الغير]

- ‌[الإنابة في حج النفل]

- ‌[أمره رجلان بأن يحج لكل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما]

- ‌[دم الإحصار يلزم الأصيل أم النائب في الحج]

- ‌[دم الجماع يلزم الأصيل أم النائب في الحج]

- ‌[الوصية بالحج]

- ‌[الحاج عن الغير إذا نوى الإقامة بمكة لحاجة نفسه]

- ‌باب الهدي

- ‌[أنواع الهدي]

- ‌ الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران

- ‌[الصدقة من هدي التطوع والمتعة والقران]

- ‌ ذبح دم التطوع قبل يوم النحر

- ‌[مكان ووقت ذبح الهدي]

- ‌[الأفضل في ذبح البدن والبقر والغنم في الهدي]

- ‌[كيفية ذبح الهدي]

- ‌[ركوب الهدي]

- ‌[الحكم لو ساق هديا فعطب أو هلك]

- ‌[تقليد دم الإحصار والجنايات]

- ‌[مسائل منثورة في الحج]

- ‌ رمى في اليوم الثاني الجمرة الوسطى والثالثة

- ‌ جعل على نفسه أن يحج ماشيا

- ‌أفعال الحج تنتهي بطواف الزيارة

- ‌[باع جارية محرمة فهل للمشتري أن يجامعها]

الفصل: ‌ أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي

وإذا‌

‌ أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي

جاز له التحلل. وقال الشافعي رحمه الله: لا يكون الإحصار إلا بالعدو؛ ولأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر؛ لتحصيل

ــ

[البناية]

التاسع والخمسون: في الحصر إن كان العدو يرجى زواله، وعلم أنه قد بقي من الوقت ما لا يملكه إدراكه، فإنه يتحلل عند الجماعة، وبه قال ابن القاسم، وعبد الملك، وقال أشهب: لا يحل حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة.

الستون: المكي إذا تلبس بالحج ثم أحصر بمكة فإنه يطوف، ويسعى، ويحل، وكذا الغريب بمكة إذا أحرم بالحج، وبه قال الشافعي، وقال مالك رحمه الله: إذا بقي محصورًا حتى فرغ الناس من الحج خرج إلى الحل، ويحرم بعمرة ويفعل ما يفعله المعتمر، ويحل، وعليه الحج من قابل، والهدي مع الحج، وكذا الغريب إذا أحصر بها، حكاه عنه ابن المنذر في " الأشراف "، وقال الزهري: لا بد للمحصر المكي أن يقف وإن نفس نفسًا.

الحادي والستون: قال القرطبي في " شرح الموطأ ": من أحصر بمرض، أو كسر، أو عرج فقد حل في موضعه، ولا هدي، وعليه القضاء، وخالف فيه جماعة.

الثاني والستون: على المحصر هدي واحد، وقال مالك: لا شيء عليه، وقال مالك والزهري رضي الله عنهما: عليه هديان، الأول: يتحلل به في حلاق الشعر، وإزالة التفث في الحال، ويبقى محرمًا في حق النساء حتى يصل إلى البيت، ويطوف، ويسعى، ويحل، وعليه الحج قابلًا، وهدي ثان.

[أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي]

م: (وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي جاز له التحلل) ش: قوله المحرم يتناول المحرم بالحج، والمحرم بالعمرة، قوله. م:(من المضي) ش: أي من الوصول إلى البيت، والتحلل: الخروج من الإحرام، ثم العدو: يشمل المسلمين والكافرين.

فإن كانوا المسلمين واحتاج المحرمون على القتال فلا يلزمهم القتال، ولهم التحلل، وإن كانوا كفارًا يجب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف بشرط وجدان المسلمين أهبة للقتال، وقال الآخرون: لا يجب القتال، وإن كان العدو كفارًا وكان في مقاتلة كل مسلم أقل من مشرك.

م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يكون الإحصار إلا بالعدو) ش: معناه: ليس للمحرم التحلل بعذر المرض، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، بل يصير حتى يصح، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها، وإن كان محرمًا بحج فإنه يتحلل بعد العمرة، هذا إذا لم يشترط، أما إذا اشترط التحلل عند المرض وقت الإحرام بأن قال: إذا مرضت يعقبني تحلل، فقد نص في القديم على صحة هذا، وبه قال أحمد، ومحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي رواية جماعة من أهل الحديث لحديث بنت الزبير، ضباعة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «تريدي الحج؟ " فقالت:

ص: 443

النجاة، وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض. ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة،

ــ

[البناية]

إن شاء الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: " حجي، واشترطي أن تحلي حيث حبست» .

وقال النووي: الصحيح بنت الزبير بن عبد المطلب هاشمية، وضباعة الأسلمية كما ذكره الغزالي غلط. قلنا: الاشتراط لا يمنع أن يجب بدونه كاشتراط التأخر، أما التحلل إلى حين بلوغ الهدي محله، وقال الزهري وهو الراوي للحديث: لم يقل أحد بالشرط إذ لو تحلل بالشرط من غير هدي لما شرع الهدي؛ لأن كل من أحرم كان يشترط، وقال إمام الحرمين: تأويل الحديث أي حبسني الموت، أي حين أدركني الموت انقطع إحرامي، قال النووي: هذا التأويل باطل.

م: (ولأن التحلل بالهدي مشروع في حق المحصر لتحصيل النجاة) ش: من الصيد. م: (وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196][البقرة: الآية 196] ، والآية في الإحصار بالعدو، بدليل قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) ، والأمان من العدو لا المرض، وإنما يكون من المرض الشفاء؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام كان محصرًا بالعدو، وفيما لم يرد به النص يتمسك بالأصل، وهو لزوم الإحرام إلى مراد الأفعال، إلا أن يشترط ذلك عند الإحرام لما مر من الحديث، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا حصر إلا من العدو دون المرض، واستدل عليه بهذه الآية ذكر ذلك عنه ابن زيد في " القواعد ".

م: (ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة) ش: منهم ابن السكيت، وهو من كبار أهل اللغة، قال في كتاب " الإصلاح ": يقال: قد أحصره المرض إذا منعه من السفر، أو من حاجة يريدها وقد حصره العدو يحصره حصرًا إذا منعوا عليه فعلم أن الإحصار بالمرض والحصر بالسكون بالعدو، ومنهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في كتاب " الجمهرة ": أحصر الرجل إذا منع من النقرة لمرض أو عائق في التنزيل، فإن أحصر

ثم الإحصار وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر، أو عدو، يقال: أحصر الرجل إحصارًا فهو محصر، وإن حبس في سجن أو دار فهو محصور، وقال أبو جعفر النحاس: جميع أهل اللغة على أن الإحصار إنما هو من المرض ومن العدو، ولا يقال إلا حصر.

وقال الأخفش والكسائي، والفراء، وأبو عبيدة: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته، وأحصرني بولي. وقالوا: وما كان من ذهب نفقة، أو مرض [....] أحصر، وما كان من عدو، وأحصروا قبل منه حصر. وقال ثعلب في الفصيح: أحصر بالمرض، وحصر بالعدو، وقال النووي: قال أهل اللغة: أحصره، وحصر بالعدو، وقيل: أحصر وحصر بمعنى واحد قاله أبو عمرو الكسائي، وحكى ابن فارس أن ناسًا يقولون: حصره المرض، وأحصره العدو.

ص: 444

فإنهم قالوا: الإحصار بالمرض، والحصر بالعدو

ــ

[البناية]

م: (فإنهم) ش: أي فإن أهل اللغة. م: (قالوا: الإحصار) ش: يعني من باب الأفعال. م: (بالمرض، والحصر) ش: بسكون الصاد. م: (بالعدو) ش: كما ذكرناه مستقصى قبل في كلام المصنف بحث من وجهين: الأول: كان من حق الكلام أن يقال بإجماع أهل التفسير؛ لأن أهل اللغة لا تعلق لهم بورود الآية، وسبب نزولها. الثاني: إنما نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان الإحصار بالعدو.

وأجيب عن الأول: أن معناه بدلالة إجماع أهل اللغة أجمعوا على معنى ذلك المعنى أن تكون الآية واردة في الإحصار بالمرض.

وعن الثاني: بما قيل: النصوص الواردة مطلقة يعمل بها على إطلاقها من غير حمل على الأسباق الواردة، وهي الاجتهاد، ونقول أيضًا: إن العلة المبيحة للتحلل من الإحرام من الإحصار قدر مشترك، وهو المنع، وهو موجود في العدو والمرض فيعم بعموم العلة، ويوضحه ما رواه الترمذي: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا الصواف، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال: حدثني الحجاج بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى " فذكرت ذلك لأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم فقالا: صدق» .

وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود، وابن ماجه من طريق عبد الرزاق.

قلت: الحجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري المازني الذي له صحبة ورواية، وكان آخر من قاتل مع علي رضي الله عنه، وليس له عند الترمذي، ولا في بقية السنن إلا هذا الحديث الواحد.

فإن قلت: قال القرافي في " الذخيرة ": وهو حديث ضعيف.

ص: 445

والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه مع المرض أعظم. وإذا جاز له التحلل يقال له: ابعث شاة تذبح في الحرم وواعد من تبعثه بيوم بعينه تذبح فيه ثم يتحلل

ــ

[البناية]

قلت: هذا خطأ منه، وقال النووي رحمه الله في " شرح المهذب " روي بأسانيد صحيحة ولو كان فيه ضعف لما حكم بصحته، ونبه على ضعفه مع مخالفة مذهبه، وفي رواية لأبي داود من عرج أو كسر أو مرض، وفي رواية عن أحمد: في حبس بكسر، أو مرض، وقال ابن حزم في " المحلى ": صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أفتى في محرم بعمرة لذع فلم يقدر على النفوذ أن يبعث بهدي ويواعد أصحابه، فإذا بلغ الهدي المحل، وصح عنه أيضًا أنه أفتى في مريض محرم لا يقدر على النفوذ بأنه لا ينحر عنه بدنة ثم ليهل عامًا قابلًا مثل إهلاله الذي أهل به.

والجواب عن استدلال الشافعي بالآية المذكورة: قد علم مما ذكرناه عن ابن عباس مضطربة، وتصديقه للحجاج بن عمرو رحمه الله ودليل على اضطراب قوله، ويحمل قوله على نفي الكمال، مثل لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، والتحلل قبل أوانه هذا استدلال مفعول فيه ثانية الترك، كأنه قال: سلمنا أن آية الإحصار وردت في الحصر بالعدو ولا فرق بين الإحصار والحصر، لكن المرض ملحق به بالدلالة.

م: (لأن التحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه) ش: أي على الإحرام. م: (مع المرض أعظم) ش: لا محالة لكثرة احتياجه إلى المداواة، ويمتد ذلك. م:(وإذا جاز له التحلل) ش: بسبب العدو جاز بسبب المرض بالطريق الأولى؛ لأن الاصطبار على الإحرام مع المرض أشق من الاصطبار عليه بلا مرض، وإذا حد له التحلل. م:(يقال له: ابعث شاة) ش: يعني إذا ثبت له التحلل بالحصر بما ذكرنا من الدليل يقال له: ابعث شاة؛ ابعث: أمر، وشاة: منصوب. م: (تذبح) ش: على صيغة المجهول صفة شاة. م: (في الحرم) ش: في محل النصب على الحال.

م: (وواعد) ش: أمر من المواعدة إنما يحتاج به إلى المواعدة عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأن دم الإحصار عنده غير موقت بزمان، أما عندهما موقت بيوم النحر، فلا يحتاج إلى المواعدة كذا في " المحيط " و" المبسوط ". وأما في العمرة فمستقيم على قولهم جميعًا. م:(من تبعثه) ش: فيقول: واعد، والخطاب فيه للمحصر. (بيوم بعينه) ش: اللام فيه متعلق بقوله: واعد.

م: (تذبح فيه) ش: أي في ذلك اليوم بعينه، وتذبح على صيغة المجهول أيضًا. قال الأترازي: يذبح مجزوم على أنه جواب الأمر.

قلت: يجوز أن يكون مرفوعًا على تقدير: هو يذبح فيه. م: (ثم تحلل) ش: أي بعد الذبح،

ص: 446

وإنما ينبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص على ما مر، فلا يقع قربة دونه، فلا يقع به التحلل، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم. وقال الشافعي رحمه الله: لا يتوقت به؛ لأنه شرع رخصة، والتوقيت يبطل التخفيف.

ــ

[البناية]

وبعد التحليل هو مخير إن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه صار ممنوعًا من الذهاب إلى مكة يخير بين المقام، والانصراف كذا في " المبسوط "، وفي " جامع قاضي خان ": ويبقى محرمًا ما لم يذبح حتى لو فعل مثل الذبح ما يفعله الحلال فقد ارتكب محظور إحرامه.

م: (وإنما يبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص) ش: والإراقة لم تعرف قربة قام مقام الحلق في أوانه، وهو في أوانه نسك، فكذا ما قام مقامه، وأوانه بعد ركن الحج، وهو الوقوف بعرفات، لكنه لما وقع قبل الأداء، والأوان اعتبر جناية، فقيل: إنه دم كفارة. م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: في فصل الصيد: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. م:(فلا يقع قربة دونه) ش: أي فلا يقع دم الإحصار قربة دون الحرم. م: (فلا يقع به التحلل) ش: أي فلا يقع بدونه التحلل يعني إذا ذبح دم الإحصار في غير الحرم لا يحصل التحلل.

م: (وإليه) ش: أي وإلى كون دم الإحصار قربة. م: (الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) بالكسر عبارة عن المكان كالمسجد والمجلس، نهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي محله، موضع حله؛ فسر المحل بقوله:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وليس المراد عين البيت؛ لأنه لا يراق فيه الدماء فكان المراد به الحرم. م: (فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم) ش: أي ينعقد إلى الحرم مأخوذ من الإهداء والهدية، ولهذا لو جعل ثوبه هديًا لزمه تبليغه إلى الحرم، كذا في " الأسرار ". وقال مالك رحمه الله: للمحصر التحلل بلا هدي إلا أن يكون معه هدي ساقه، وهو خلاف القرآن، والحديث.

م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يتوقت بالحرم) ش: ويجوز أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه. م: (لأنه) ش: أي لأن الهدي. م: (شرع رخصة) ش: أي لأجل الرخصة. م: (فالتوقيت) ش: بالحرم. م: (يبطل التخفيف) ش: وبه قال أحمد رحمه الله في رواية. وقال الشافعي رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر مع أصحابه في الحديبية نحروا بها وهي خارج الحرم. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) ، المراد بالمحل الحرم كما ذكرنا، وأما ما يستدل به فقد اختلفت الروايات في نحره عليه الصلاة والسلام حين أحصر. «روي أنه أرسلها على يد ناجية الأسلمي لينحرها في الحرم حتى قال ناجية: ما لنا أصنع بما تبعث

ص: 447

قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته، وتجوز الشاة؛ لأن المنصوص عليه الهدي والشاة أدناه، وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا، وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك قد يتعذر، بل له أن يبعث بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك وتذبح عنه. وقوله: ثم تحلل إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير، وهو قول أبي

ــ

[البناية]

فقال: " انحرها، واصبغ نعلها بدمها، واضرب صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس، ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئًا.» وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية، وهو قَوْله تَعَالَى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25](الفتح: الآية 25) .

وأما الرواية الثانية فإن صحت فنقول: الحديبية من الحرم؛ لأن نصفها من الحل، ونصفها من الحرم، وكان يضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، ومصلاه في الحرم، وإنما تبعث الهدايا إلى جانب الحرم، ونحرت فيه، ولا يكون للخصم حجة.

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يجد في ذلك الوقت من يبعث الهدايا مع يده إلى الحرم، كذا في " المبسوط "، وقال الواقدي: الحديبية: هي طوف الحرم على سبعة أميال، وقال أبو القاسم بن عبيد الله بن خردويه في كتابه " حدود الحرم ": من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن على سبعة أميال، ومن طريق الطائف على أحد عشر ميلًا، ومن طريق جدة على أحد عشر ميلًا، ومن طريق العراق على تسعة أميال.

م: (قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته) ش: أي الذي يراعى هنا أصل التخفيف لا نهاية التخفيف، ولهذا لم يستحق التخفيف من لم يجد الهدي، بل يبقى محرمًا حتى يطوف ويسعى كما يفعل فائت الحج. م:(وتجوز الشاة) ش: يعني في الهدي، وذكر في " المحيط ": إذا كان معسرًا لا يجد قيمة الشاة أقام حرامًا حتى يطوف ويسعى كما يفعله فائت الحج. م: (لأن المنصوص عليه الهدي) ش: أي في قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196](البقرة: الآية 196) . م: (والشاة أدناه) ش: أي أدنى الهدي؛ لأن الهدي من الإبل، والبقر، والغنم. م:(وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا) ش: أي يجزئه سبع البقرة أو سبع البدنة كما في الأضحية، وعن أبي يوسف رحمه الله: أن عطاء قال: للمحصر إذا لم يجد الهدي، قوم الهدي طعامًا يتصدق به على المساكين، فإن لم يكن عنده طعام صام لكل نصف صاع يومًا، وقال أبو يوسف: قول عطاء أحب إلي.

م: (وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك) ش: أي بعث الشاة بعينها. م: (قد يتعذر، بل له أن يبعث) ش: شاة. م: (بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك) ش: أي في الحرم. م: (وتذبح عنه. وقوله) ش: أي قول القدوري رحمه الله. م: (ثم تحلل؛ إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير) ش: وذلك لأنه لم يشترط الحلق للتحلل. م: (وهو) ش: أي عدم اشتراط الحلق للمحصر. م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف رحمه الله: عليه ذلك) ش: أي على المحصر

ص: 448