الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيما يوجبه على نفسه وإذا قال: لله علي صوم يوم النحر أفطر، وقضى، فهذا النذر صحيح عندنا خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - هما يقولان: إنه نذر بما هو معصية؛ لورود النهي عن صوم هذه الأيام
ــ
[البناية]
[فصل فيما يوجبه على نفسه من الصيام] [
حكم نذر صيام يوم النحر]
م: (فصل فيما يوجبه على نفسه) ش: أي هذا فصل في بيان حكم ما يوجبه الشخص على نفسه، ولما فرغ من بيان ما يوجبه الله تعالى شرع في بيان ما يوجبه العباد على أنفسهم، إذ إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وفي " النهاية " و " الأصل " ما ذكره شيخي أن النذر لا يصح إلا بثلاث شرائط في الأصل إلا إذا قام الدليل على خلافه، أحدها: أن يكون الواجب من جنس ما أوجبه الله تعالى. والثاني: أن يكون مقصوداً لا وسيلة، والثالث: أن لا يكون واجبا عليه في الحال أو بيان الحال، فلذلك لا يصح النذر بعيادة المريض لانعدام الشرط الأول، ولا بالضوء وسجدة التلاوة لانعدام الشرط الثاني، ولا بصلاة الظهر وغيرها من المفروضات لانعدام الشرط الثالث.
فإن قلت: يشكل على هذا النذر بالحج ماشياً. والاعتكاف وإعتاق الرقبة حيث تجب هذه الأشياء بالنذر، مع أن الحج بصفة المشي غير واجب شرعاً، وكذلك نفس الاعتكاف من غير مباشرة بسبب يوجب الاعتكاف غير واجب وكذلك الإعتاق.
قلت: هذه الصور من المستثنى الذي قام الدليل على وجوبه، بخلاف القياس.
م: (وإذا قال: لله علي صوم يوم النحر أفطر) ش: لأن الصوم فيه منهي عنه م: (وقضى) ش: لأن مشروعية الصوم لا تفصل بين صوم وصوم، فالصوم في ذاته عبادة، لأن فيه إظهار الخضوع لله عز وجل وتعظيمه، ولكن تعلق بصوم هذا اليوم نهي يجب امتثاله م:(فهذا النذر صحيح عندنا) ش: لكونه نذراً بما هو مشروع فيجب القضاء صيانة له م: (خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: ومالك وأحمد وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في رواية ابن المبارك عنه، وقال مالك لو نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم يوم العيد، قال ابن عبد الملك يقضيه وبه قال الشافعي رضي الله عنه مرة.
م: (هما) ش: أي زفر والشافعي رضي الله عنهما م: (يقولان إنه نذر) ش: أي هذا نذر م: (بما هو معصية لورود النهي عن صوم هذه الأيام) ش: وهو يوم العيدين وأيام التشريق، وأشار بهذا إلى حديث عمر رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم «عن عبيد قال: شهدت العيد مع عمر رضي الله عنه فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين، وأما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم» .
ولنا: أنه نذر بصوم مشروع، والنهي لغيره؛ وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره، لكنه يفطر احترازا عن المعصية المجاورة، ثم يقضي إسقاطا للواجب، وإن صام فيه يخرج عن العهدة؛ لأنه أداه كما التزمه. وإن نوى يمينا فعليه كفارة يمين، يعني إذا أفطر. وهذه المسألة على وجوه ستة: إن لم ينو شيئا. أو نوى النذر لا غير. أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا يكون نذرا؛ لأنه نذر بصيغته، كيف وقد قرره بعزيمته. وإن نوى اليمين، ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا؛ لأن اليمين محتمل كلامه
ــ
[البناية]
م: (ولنا: أنه نذر بصوم مشروع) ش: بالنظر إلى نفس الصوم، ولكن اقترن به النهي م:(والنهي لغيره) ش: أي لمعنى في غيره م: (وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى) ش: لأن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام م: (فيصح نذره) ش: لأن النهي لغيره لا يمنع صحة من حيث ذاته م: (لكنه يفطر احترازا عن المعصية المجاورة) ش: وهي النهي المذكور م: (ثم يقضي إسقاطا للواجب) ش: أي لأجل إسقاط الواجب وهو النذر.
م: (وإن صام فيه) ش: أي في يوم النحر م: (يخرج عن العهدة) ش: أي عهدة النذر م: (لأنه أداه كما التزمه) ش: كما أنه إذا نذر أن يصلي عند طلوع الشمس فله أن يصلي في وقت آخر، فإذا صلى في ذلك الوقت خرج عن عهدته لأنه أداه كما التزمه.
م: (وإن نوى يميناً) ش: يعني إن نوى يميناً في قوله لله علي صوم يوم النحر م: (فعليه كفارة يمين يعني إذا أفطر) ش: الفرق بين النذر واليمين أن في النذر يلزمه القضاء دون الكفارة، وفي اليمين تجب الكفارة دون القضاء م:(وهذه المسألة على وجوه ستة) ش:
الأول: هو قوله م: (إن لم ينو شيئا) ش: يعني قال لله علي صوم يوم النحر ولم ينو لا نذراً ولا يميناً.
م: (أو نوى النذر لا غير) ش: يعني لم ينو اليمين، هذا هو الثاني من الوجوه الستة.
م: (أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا) ش: هذا هو الثالث م: (يكون نذرا) ش: يعني في هذه الوجوه الثلاثة م: (لأنه نذر بصيغته) ش: فتعين النذر في الوجه الأول بلا نية لكونه حقيقة كلام. وفي الوجه الثاني تعين بطريق الأولى، لأنه قد أدى النذر بعزيمة. وفي الثالث أولى وأحرى لكونه مراداً، لأنه قدر النذر بعزيمته، وبقي غيره أن يكون مراداً م:(كيف وقد قرره بعزيمته) ش: أي وكيف لا يكون نذراً والحال أنه قد قرر كلامه بعزيمته أي بنيته.
[م: (وإن نوى اليمين، ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا) ش: هذا هو] م: (لأن اليمين محتمل كلامه) ش: لأن اللام تجيء بمعنى الباء كقوله تعالى: {آمنتم له} [طه: 71] أي به، ألا ترى إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما دخل آدم الجنة، فلله ما غربت الشمس حتى خرج أي
وقد عينه، ونفى غيره. وإن نواهما يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعند أبي يوسف رحمه الله يكون نذرا. ولو نوى اليمين فكذلك عندهما، وعنده يكون يمينا. لأبي يوسف أن النذر فيه حقيقة، واليمين مجاز حتى لا يتوقف الأول على النية، ويتوقف الثاني فلا ينتظمهما، ثم المجاز يتعين بنيته، وعند نيتهما تترجح الحقيقة، ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين؛ لأنهما يقتضيان الوجوب إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره
ــ
[البناية]
فبالله
م: (وقد عينه) ش: أي وقد عين المحتمل بنيته ونفى غيره فصار المحتمل هو المراد م: (ونفى غيره) ش: فلم يلزمه حيث نفاه.
م: (وإن نواهما) ش: هذا هو الوجه الخامس، أي وإن نوى النذر واليمين م:(يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: حتى لو لم يصم يجب القضاء والكفارة، القضاء باعتبار النذر، والكفارة باعتبار اليمين م:(وعند أبي يوسف رحمه الله يكون نذرا) ش: كما يجيء دليله فيه.
م: (ولو نوى اليمين) ش: هو الوجه السادس، أي ولو نوى اليمين فقط في المسألة المذكورة م:(فكذلك) ش: أي فكذلك يكون نذراً ويميناً كما في الوجه الخامس م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -.
م: (وعنده) ش: أي وعند أبي يوسف رحمه الله م: (يكون يمينا. لأبي يوسف رحمه الله أن النذر فيه) ش: أي في قوله " لله علي صوم يوم النحر " يراد به م: (حقيقة) ش: لعدم توقفه على النية م: (واليمين) ش: أي وأراد اليمين م: (مجاز حتى لا يتوقف الأول) ش: أي النذر م: (على النية، ويتوقف الثاني) ش: أي اليمين م: (على النية فلا ينتظمها) ش: أي فلا ينتظم كلامه النذر واليمين معاً، لأنه يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد وهو لا يجوز، وذلك كما في قوله لامرأته أنت علي حرام، إن ونوى به الطلاق كان طلاقاً، وإن نوى به اليمين كان يميناً فلا يجتمعان.
م: (ثم المجاز يتعين بنيته) ش: أراد أنه إذا أراد المجاز بتعيين بنيته وتبطل الحقيقة حينئذ لامتناع الجمع بينهما م: (وعند نيتهما) ش: أي وعند نية النذر واليمين معاً م: (تترجح الحقيقة) ش: وهذا النذر فلا يكون المجاز مراداً، فإذا نوى اليمين تعين المجاز بنيته فلا تكون الحقيقة مراده.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه لا تنافي بين الجهتين) ش: أي بين جهة النذر وجهة اليمين م: (لأنهما) ش: أي لأن الجهتين م: (يقتضيان الوجوب) ش: أراد أن كلاً منهما يقتضي الوجوب في ذاته، لكن يختلف من حيث الجهة أشار إليه بقوله: م: (إلا أن النذر يقتضيه) ش: أي يقتضي الوجوب م: (لعينه) ش: ولهذا يجب القضاء بتركه م: (واليمين لغيره) ش: أي يقتضي اليمين الوجوب لغيره وهو صيانة اسم الله عز وجل عن الهتك، ولهذا لا يجب القضاء بل تجب الكفارة، ويجوز أن يكون الشيء واجباً لعينه وواجباً لغيره، كما إذا حلف
فجمعنا بينهما عملا بالدليلين، كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض. ولو قال: لله علي صوم هذه السنة أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام التشريق وقضاها؛ لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام، وكذا إذا لم يعين لكنه شرط التتابع؛ لأن المتابعة لا تعرى عنها لكن يقضيها في هذا الفصل موصولا تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان،
ويتأتى في هذا خلاف زفر، والشافعي - رحمهما الله - للنهي عن الصوم فيها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «ألا لا
ــ
[البناية]
لأصلين ظهر هذا اليوم في الوقت فيجب أداء الظهر لعينه ولغيره، حتى يجب القضاء باعتبار وجوب عينه. والكفارة باعتبار وجوب غيره، ولا يسمى هذا مجازاً، ولكل واحد من هذا دليل شرعي يجب العمل به إذا أمكن، والعمل هنا يمكن لعدم التنافي بينهما.
م: (فجمعنا بينهما) ش: أي بين النذر واليمين م: (عملا بالدليلين) ش: اللذين نشأ أحدهما من النذر والآخر من اليمين، يعني نشأ من جهتهما م:(كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض) ش: حيث جعل هبة في الابتداء للفظ الهبة وبيعاً في الانتهاء لدلالة المعاوضة ولهذا يصح الرجوع قبل القبض اعتبارا ًللتبرع وثبتت الشفعة بعد القبض اعتباراً بالبيع، فلم يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لاختلاف الجهة، فكذا فيما نحن فيه.
م: (ولو قال: لله علي صوم هذه السنة أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام التشريق) ش: وهي ثلاثة أيام بعد عيد النحر م: (وقضاها) ش: أي الأيام الخمسة م: (لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام) ش: أي لأن السنة لا تخلو عن هذه الأيام، وصار نذراً لسنة معينة نذراً لهذه الأيام، والنذر بالأيام المنهية صحيح عندنا، لأن النهي لا يعدم المشروعية ولم يجب قضاء رمضان، لأن صومه لم يجب بهذا النذر.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يفطر الأيام الخمسة وقضاها م: (إذا لم يعين) ش: السنة يعني لم يقل هذه السنة، بل قال لله علي صوم سنة م:(لكنه شرط) ش: أي لكن الناذر شرط م: (التتابع) ش: بأن قال: صوم سنة متتابعة م: (لأن المتابعة لا تعرى عنها) ش: أي عن الأيام الخمسة المذكورة م: (لكن يقضيها) ش: أي لكن يقضي هذه السنة المذكورة م: (في هذا الفصل موصولاً) ش: أي قضاء موصولاً بانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف م: (تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان) ش: أي لأجل تحقيق التتابع، وإن لم يشترط التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام ويقضي خمسة وثلاثين يوماً، خمسة للأيام الخمسة، وثلاثين لرمضان، ومبنى جواز هذه الأيام وعدم جوازه إنما وجب كاملاً لا يتأدى ناقصاً وما وجب ناقصاً جاز أن يتأدى ناقصاً.
م: (ويتأتى) ش: [ويتأدى] م: (في هذا) ش: أي في قضاء صوم هذه الأيام م: (خلاف زفر، والشافعي - رحمهما الله -) ش: يعني لا تقضى عندهما م: (للنهي عن الصوم فيها، وهو) ش: أي النهي هو م: (قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم م: «ألا لا تصوموا في هذه الأيام
تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب، وبعال» وقد بينا الوجه فيه، والعذر عنه ولو لم يشترط التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام؛ لأن الأصل فيما
ــ
[البناية]
فإنها أيام أكل وشرب وبعال» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه الطبراني في " معجمه " عن عكرمة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرسل أيام منى صائحاً يصيح: ألا لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال» والبعال وقاع النساء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه رواه الدارقطني في " سننه " في الضحايا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة. ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال» . وفي سنده سعيد بن سلام رماه أحمد بالكذب.
وعن عبد الله بن حذافة أخرجه الدارقطني أيضاً بسند الواقدي «قال ابن حذافة بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته أيام منى أنادي أيها الناس إنها أيام أكل وشرب وبعال» . وقال الدارقطني: الواقدي ضعيف.
قلت: لا يلتفت إليه في هذا.
وعن أم خلدة الأنصارية رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده «عن عمر بن خلدة عن أمه قالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا مناديا ينادي أيام منى إنها أيام أكل وشرب وبعال، يعني النكاح» .
وعن زيد بن خالد الجهني رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " بإسناده عنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى أيام التشريق ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح» .
وعن نبيشة الهذلي رواه مسلم في " صحيحه " عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» ، زاد في طريق:" وذكر الله ". وقال المنذري: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة مع كثرة طرقها منها ما هو مقصور على الأكل والشرب، ومنها ما هو فيه وذكر الله، ومنها ما فيه وصلاة، وليس في شيء منها وبعال، وهو لفظ غريب.
م: (وقد بينا الوجه فيه) ش: أي في قوله " لله علي صوم يوم النحر " م: (والعذر عنه) ش: أي وبينا العذر عنه، أي عن وجه النهي، وهو ما ذكره في أول الفصل بقوله " ولنا أنه نذر بصوم مشروع والنهي لغيره " وأراد بالعذر الجواب عنه.
م: (ولو لم يشترط التتابع) ش: أي ولو لم يشترط الناذر التتابع في قوله " لله علي صوم سنة " ولم يذكر متابعة م: (لم يجزه صوم هذه الأيام) ش: يعني الأيام الخمسة المذكورة م: (لأن الأصل فيما
يلتزمه الكمال، والمؤدى ناقض لمكان النهي، بخلاف ما إذا عينها؛ لأنه التزم بوصف النقصان، فيكون الأداء بالوصف الملتزم. قال: وعليه كفارة يمين، إن أراد به يمينا، وقد سبقت وجوهه. ومن أصبح يوم النحر صائما ثم أفطر لا شيء عليه، وعن أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - في " النوادر ": أن عليه القضاء؛ لأن الشروع ملزم كالنذر، وصار كالشروع في الصلاة في الوقت المكروه، والفرق لأبي حنيفة رحمه الله، وهو ظاهر الرواية أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما، حتى يحنث به الحالف على الصوم فيصير مرتكبا للنهي، فيجب إبطاله،
ــ
[البناية]
يلتزمه الكمال) ش: فلا يتأدى بالنقص لأن ما وجب كاملاً لا يتأدى بالناقص م: (والمؤدى) ش: بفتح الدال م: (ناقض لمكان النهي) ش: فيه بالحديث المذكور.
م: (بخلاف ما إذا عينها) ش: متصل بقوله " لم يجزه صوم هذه الأيام " يعني بخلاف ما إذا عين السنة بأن قال لله علي صوم هذه السنة حيث يجوز صوم هذه الأيام فيه م: (لأنه التزم بوصف النقصان فيكون الأداء بالوصف الملتزم) ش: بفتح الزاي، لأن ما وجب ناقصاً يتأدى بناقص.
م: (قال: وعليه) ش: أي على الناذر المذكور م: (كفارة يمين، إن أراد به يمينا) ش: لأن كلامه يحتمله وقد سبق وجهه أي وجه هذا عند قوله " لله علي صوم يوم النحر " وفي بعض النسخ وقد سبق وجهه من قبل، وفي بعضها م:(وقد سبقت وجوهه) ش: وكذا هو في نسخة الأترازي، وفسره بقوله أي وجوه ما إذا قال لله علي صوم هذه السنة عند قوله " لله علي صوم يوم النحر " وأراد بها الوجوه الستة المذكورة.
م: (ومن أصبح يوم النحر صائما ثم أفطر لا شيء عليه) ش: أي لا قضاء عليه، لأن القضاء إنما يبنى على سلامة الموجب عن شائبة الحرمة، والصوم في يوم النحر حرام، فلا يجب شيء.
م: (وعن أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - في " النوادر ": أن عليه القضاء؛ لأن الشروع لزوم كالنذر) ش: يعني قياساً على النذر بصوم هذه الأيام م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كالشروع في الصلاة في الوقت المكروه) ش: مثل وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب حيث يجب القضاء فيها إذا أفسدها.
م: (والفرق لأبي حنيفة رحمه الله) ش: يعني بين النذر بصوم يوم النحر، وبين الشروع في الوقت المكروه في الأوقات المكروهة م:(وهو ظاهر الرواية) ش: أي عن أصحابنا، كذا قال الأترازي: والأولى أن يقال وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف، ومحمد، وهذه جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، أعني قوله: - والفرق - مبتدأ وخبره هو قوله م: (أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما) ش: يعني يصح إطلاق اسم الصائم عليه م: (حتى يحنث به الحالف على الصوم) ش: فيما إذا حلف أنه لا يصوم، فصام يوم النحر م:(فيصير مرتكبا للنهي) ش: يبقى النذر الوارد فيه م: (فيجب إبطاله) ش: لأجل النهي.
فلا تجب صيانته، ووجوب القضاء يبتني عليه ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر، وهو الموجب ولا بنفس الشروع في الصلاة حتى يتم ركعة، ولهذا لا يحنث به الحالف على الصلاة فتجب صيانة المؤدى، ويكون مضمونا بالقضاء،
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضا، والأظهر هو الأول، والله أعلم بالصواب.
ــ
[البناية]
م: (فلا تجب صيانته) ش: لكونه معصية.
م: (ووجوب القضاء يبتني عليه) ش: أي على وجوب صيانة المؤدي م: (ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر، وهو الموجب) ش: أي النذر هو الموجب لأنه إيجاب في الذمة، وهو أمر عقلي وجاز للعقل أن مجرد الأصل عن الوصف فلم يكن مرتكباً للنهي م:(ولا بنفس الشروع) ش: أي ولا يصير أيضاً مرتكباً بنفس الشروع م: (في الصلاة حتى يتم ركعة) ش: لأن الشروع في الصلاة ليس بصلاة، لأن تمامها بالركوع والسجود.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون نفس الشروع لا يسمى صلاة م: (لا يحنث به الحالف على الصلاة) ش: أي لا يحنث الحالف بالشروع إذا حلف على أن لا يصلي ما لم يركع ويسجد، فإذا ركع وسجد صارت ركعة فيحنث بها حينئذ م:(فتجب صيانة المؤدى) ش: يعني لما كان شروع فيها صحيحاً يجب عليه صون المؤدى م: (ويكون مضمونا بالقضاء) ش: هذا هو المشهور عن أصحابنا.
م: (وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضاً) ش: يعني إذا دخل في الصلاة عند الزوال ثم أفسدها لا يجب عليه القضاء لأنه ممنوع عن الدخول، وما بعدها مبني عليه م:(والأظهر) ش: أي الأظهر والأشهر من الرواية عن أصحابنا م: (هو الأول) ش: أي المذكور الأول، وهو وجوب القضاء بالشروع في الصلاة في الأوقات الثلاثة إذا أفسدها.
واعلم أن في الوقت لأبي حنيفة رحمه الله وجوهاً أخرى غير الذي ذكر المصنف.
الأول: أن الشروع في الصلاة بالتكبير للافتتاح وهي ليست من الصلاة عندنا فحصل الشروع بها ولا نهي بخلاف الصوم.
الثاني: أن الصلاة وجوبها بالقول كالنذر بخلاف الشروع في الصوم، فإنه بالنية.
الثالث: أن الصلاة لزومها بالقول والنية بإيجاب الصوم بالنية وحدها، فكان الأول أقوى فلا يلزم من ضمان الأقوى ضمان الأضعف.
الرابع: أن الصوم لا يمكنه فعله إلا على وجه المعصية، والصلاة يمكن أداؤها على غير وجه المعصية، بأن يصبر حتى يخرج وقت الكراهة فيؤديها، على وجه الاستحسان، وكذا لا يكون مرتكباً للنهي بنفس النذر، مع أن النذر ممنوع في رواية أبي يوسف وعبد الله بن المبارك عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
أبي حنيفة رحمه الله، ذكرها في " البدائع " وغيره.
وفي " شرح التكملة ": شرع في صوم يوم النحر ثم أفسده لم يقضه. وقال محمد رحمه الله: عليه القضاء، ولم يذكر خلافاً لأبي يوسف رحمه الله.
وفي " العيون " جعل قول محمد مع أبي حنيفة رحمه الله، والخلاف لأبي يوسف رحمه الله.
قلت: يجوز التطوع بالصوم ممن عليه صوم رمضان، وبه قال أهل العلم، وقال أحمد: لا يجوز ممن عليه صوم يوم فرض لقوله عليه الصلاة والسلام: «من صام تطوعاً وعليه شيء من رمضان لم يقضه، فإنه لا يقبل منه حتى يصومه» . وفي سنده ابن لهيعة [
…
] الحال.
وعن أحمد: أنه يجوز مثل قول الجمهور لا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر غير يوم العيد، وهو قول سعيد بن المسيب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي استحبابه، عن عمر رضي الله عنه، ورويت كراهته، عن علي، والحسن والزهري، وهو رواية عن أحمد.
وفي " المبسوط ": تبع جوازه علي رضي الله عنه أراد أن يقول لله علي صوم يوم، فجرى على لسانه شهر لزمه شهر، ولو قال لله علي صوم آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخره يلزمه الخامس عشر والسادس عشر، ولو نذر صوم يوم غد أو نوى كل ما دار الغد لا تصح نيته.
ولو قال: صوم يوم ونوى صوم كل ما دار يوم صحت، ذكره في " جوامع الفقه ": ولو قال صوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة لا غير، إلا إذا نوى أيام الأسبوع. وإن نكر الجمعة لزمه الأسبوع كله.
ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلاً لا يلزمه شيء، لأن اليوم اسم للبياض، وكذا إن قدم بعد الأكل نهاراً أو الحيض، وعن أبي يوسف رضي الله عنه يقضيه، وإن قدم بعد الزوال فلا رواية فيه. وقال السرخسي: الأظهر التسوية بينهما وإن قدم قبل الزوال صامه لبقاء وقت النية.
وفي " الواقعات ": قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكراً لله تعالى، وأراد به اليمين فقدم في يوم رمضان عليه كفارة يمين، ولا قضاء عليه، ولو قال: لله علي أن أصوم الأبد فضعف عن الصوم، لأجل اشتغاله بالمعيشة له أن يفطر، ويطعم.