الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاعتكاف
قال: الاعتكاف مستحب والصحيح أنه سنة مؤكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان
ــ
[البناية]
[باب الاعتكاف]
[حكم الاعتكاف] [
أركان الاعتكاف وشروطه]
م: (باب الاعتكاف) ش: أي هذا باب في بيان كذا أخره عن الصوم، لأنه شرطه والشرط مقدم طبعاً فيقدم وضعاً، والاعتكاف افتعال من عكف، وهو متعد، فمصدره العكف ولازم فمصدره العكوف والمتعدي بمعنى الحبس والمنع، ومنه قَوْله تَعَالَى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25][الفتح: آية 25] ومنه الاعتكاف في المسجد؛ لأنه حبس النفس ومنه اللازم الإقبال على الشيء بطريق المواظبة ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138][الأعراف: آية 138] ، وهو من ضرب ومن باب طلب، يعني يجوز في مضارعه كسر عين الفعل، وضمها.
وفي الشرع: الاعتكاف هو اللبث في المسجد مع النية، وفي " النهاية " تفسيره شريعة هو اللبث والقرار في المسجد مع نية الاعتكاف، فكان الشرعي مبنياً على التقدير اللغوي مع زيادة اشتراط المسجد وصفته أنه سنة، وركنه هو تفسيره شريعة، وشرطه الصوم ومسجد الجماعة، ومنه الاعتكاف في حق الرجال، وإن كان يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد الجماعة والأفضل لها مسجد بيتها.
وسببه إن كان واجباً فالنذر، وإن كان تطوعاً فالنشاط الداعي إلى طلب الثواب. وحكمه إن كان واجباً ما هو حكم سائر الواجبات وإن كان نفلاً ما هو حكم سائر النوافل، ونقيضه الخروج من المسجد إلا لحاجة لازمة طبعاً أو شرعاً.
ومحظوراته الجماع، ودواعيه، وآدابه أن لا يتكلم إلا بخير، وأن يلازم الاعتكاف عشرين رمضان وأن يختار أفضل المساجد كالمسجد الحرام، والمسجد الجامع.
م: (الاعتكاف مستحب) ش: وفي " المبسوط " قربة مشروعة، وعن بعض المالكية هو جائز.
وقال أبو بكر رحمه الله في " عارضة الأحوذي ": قول أصحابنا جائز جهل منهم يعني المالكية م: (والصحيح أنه سنة مؤكدة) ش: وكذا ذكره في " المحيط "، و " البدائع "، و " التحفة " وقوله: والصحيح احتراز، عن قول القدوري أنه مستحب.
م: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان) ش: هذا أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر
والمواظبة دليل السنة قال: وهو اللبث في المسجد مع الصوم، ونية الاعتكاف، أما اللبث فركنه؛ لأنه ينبئ عنه، فكان وجوده به، والصوم من شرطه عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله
والنية شرط في سائر العبادات.
ــ
[البناية]
الأواخر من رمضان، حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» . إلا ابن ماجه، فإنه أخرجه عن أبي بن كعب قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف الشعر الأواخر من رمضان فسافر عاماً، فلما كان في العام القابل اعتكف عشرين يوماً» .
وأخرجه أبو داود والنسائي أيضاً، ولفظهما ولم يعتكف عاماً م:(والمواظبة دليل السنة) ش: قيل: المواظبة دليل الوجوب.
وأجيب: بأن المواظبة دليل السنة المؤكدة، وهي في قوة الوجوب، والأحسن أن يقال بأنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر على من تركه، ولو كان واجباً لأنكر، وكأن المواظبة بلا ترك معارضة بترك الإنكار، وذكر في " المبسوط "، و " البدائع " أن الزهري قال: عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، [....] الاعتكاف حتى قبض عليه الصلاة والسلام، قيل في جوابه إن أكثر الصحابة رضي الله عنهم لم يعتكفوا.
قال مالك رحمه الله: لم يبلغني أن أبا بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وابن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن رضي الله عنهما وأراهم تركوه لشدته، لأن ليله ونهاره سواء.
وقال في " المجموعة ": تركوه لأنه مكروه في حقهم إذ هو كالوصال المنهي عنه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وهو اللبث في المسجد مع الصوم، ونية الاعتكاف، أمما اللبث فركنه؛ لأنه ينبئ عنه) ش: أي لأن الاعتكاف يخبر عن اللبث م: (فكان وجوده به) ش: أي فكان وجود الاعتكاف باللبث م: (والصوم من شرطه عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله) ش: أي الصوم الواجب من شرطه، وهو مذهب علي، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد والقاسم بن محمد ونافع وابن المسيب والأوزاعي والزهري رضي الله عنهم، وبه قال مالك، والثوري، والحسن بن حي والشافعي في " القديم ".
وقال الشافعي وأحمد: ليس بشرط، وبه قال داود وأبو ثور، لا في الواجب ولا في النفل، وهو قول عبد الله بن مسعود وطاووس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم.
م: (والنية شرط في سائر العبادات) ش: يعني في كل العبادات لقوله عليه الصلاة والسلام -
هو يقول: إن الصوم عبادة، وهو أصل بنفسه، فلا يكون شرطا لغيره. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام:«لا اعتكاف إلا بالصوم» . والقياس في مقابلة النص المنقول غير مقبول.
ــ
[البناية]
«الأعمال بالنيات» م: (هو) ش: أي الشافعي رضي الله عنه م: (يقول: إن الصوم عبادة، وهو أصل بنفسه، فلا يكون شرطا لغيره) ش: وبه قال أحمد في رواية، وهو مذهب ابن مسعود، كما قلنا، فالقياس مع الشافعي رضي الله عنه، لأن كونه شرطاً يقتضي أن يكون تبعاً، وبين الأصل والتبع منافاة، ولكنا تركنا القياس استحساناً بالحديث الذي أشار إليه بقوله: م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم م: «لا اعتكاف إلا بالصوم» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا اعتكاف إلا بالصوم» ، وفيه سويد بن عبد العزيز.
قال الدارقطني: تفرد به وقال البيهقي: وسويد ضعيف لا يقبل ما تفرد به، وقد روي عن عطاء، عن عائشة موقوفاً.
قلت: روى أبو داود في " سننه " عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا ما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع..
وقال المنذري في " مختصره ": وعبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين وغيره، ورواه البيهقي في " شعب الإيمان "، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب به، وفيه قالت: السنة في المعتكف أن يصوم، وقال: أخرجاه في " الصحيح " وروى قوله: - والسنة في المعتكف
…
إلخ، فقد قيل: إنه من قول عروة.
وروى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر «أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعتكف وصم» ".
م: (والقياس في مقابلة النص المنقول غير مقبول) ش: هذا ظاهر، ولكن فيه بحث من وجهين.
ثم الصوم شرط لصحة الواجب منه رواية واحدة، ولصحة التطوع فيما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لظاهر ما روينا، وعلى هذه الرواية لا يكون أقل من يوم، وفي رواية الأصل وهو قول محمد رحمه الله: أقله ساعة، فيكون من غير صوم لأن مبنى النفل على المساهلة،
ــ
[البناية]
أحدهما: أن الله تعالى شرع الاعتكاف مطلقاً بقوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187][البقرة: آية 187] ، فاشتراط الصوم زيادة عليه بخبر الواحد وهو نسخ لا يجوز.
والثاني: الاعتكاف يتحقق في الليالي، والصوم فيها غير مشروع، وفي ذلك تحقق المشروط دون الشرط وهو باطل، فدل أنه ليس بشرط.
والجواب عن الأول: بأن الإمساك عن الجماع ثبت شرطاً لصحة الاعتكاف بهذا النص القطعي، وهو أحد ركني الصوم فألحق به، والركن الآخر وهو الإمساك عن شهوة البطن بالدلالة لاستوائهما في الحظر والإباحة، كما ألحق الجماع بالأكل والشرب ناسياً في حق بقاء الصوم بالدلالة لهذا المعنى، ثم لما ثبت وجوب الإمساك على المعتكف عن الشهوتين لله تعالى كان صوماً.
والثاني: بأن الشرط إنما يثبت بحسب الإمكان فإن المرأة عليها صوم الشهر متتابعاً ثم ينقطع التتابع بعذر الحيض، والصوم في الليالي غير ممكن.
م: (ثم الصوم شرط) ش: يعني عندنا م: (لصحة الواجب منه) ش: أي من الاعتكاف، والواجب أن يقول: لله علي أن أعتكف يوماً أو شهراً أو يعلقه بشرط فيقول إن شفى الله مريضي، والاعتكاف النفل أن يشرع فيه من غير إجابة بالنذر م:(رواية واحدة) ش: أي ليس فيه اختلاف الروايات، فمعناه في جميع الروايات م:(ولصحة التطوع) ش: أي الصوم شرط أيضاً لصحة الاعتكاف التطوع م: (فيما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لظاهر ما روينا، وهو قوله: الاعتكاف بصوم لأنه يشمل الواجب والنفل وعلى هذه الرواية لا يكون) ش: وعلى هذه الرواية أي رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يكون أي الاعتكاف م: (أقل من يوم) ش: لأن الصوم مقدر باليوم.
م: (وفي رواية الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وهو قول محمد رحمه الله: أقله ساعة) لأن الاعتكاف لبث في مكان فلا يقدر بوقت كالوقوف بعرفة، فإذا لم يقدر بوقت يكون معتكفاً بقدر ما دام، وله ثواب المعتكفين ما دام في المسجد بنية الاعتكاف.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قدر أقل الاعتكاف انتقل بأكثر اليوم إقامة للأكثر مقام الكل م: (فيكون من غير صوم) ش: يعني إذا كان أقله ساعة فلا يكون فيه صوم م: (لأن مبنى النفي على المساهلة، ألا ترى أنه يقعد في صلاة النفل مع القدرة على القيام) ش: لأن باب النفل أوسع.