الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ومن كان مريضا في رمضان، فخاف إن صام ازداد مرضه أفطر
ــ
[البناية]
[فصل أحكام المريض والمسافر في الصيام] [
المفاضلة بين صوم المريض والمسافر وفطرهما]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولا يعرف إلا إذا قدرنا هكذا، لأن الإعراب لا يكون إلا في الجزء المركب، ولما فرغ من مسائل الصوم شرع في هذا الفصل الموجود في بيان وجوه الأعذار المبيحة للفطر في الصوم.
م: (ومن كان مريضا في رمضان) ش: أي في شهر رمضان، والمرض معنى يزول به ويحلو له في بدن الحي اعتذار الطباع الأربع.
فإن قلت: م: (أهذه الواو في قوله - ومن كان مريضاً.
قلت سمعت من الأساتذة الكبار أن هذه الواو التي تذكر في أول الكلام الذي لم يذكر شيء قبله تسمى واو الاستفتاح، ولم يذكر النحاة هذا م:(فخاف إن صام ازداد مرضه أفطر) ش: هذا يشير إلى أن مجرد المرض لا يبيح الإفطار، وقال فخر الإسلام إن المرض لا يوجب إباحة الإفطار بنفسه، بل لعلة المشقة بإجماع عامة العلماء.
وقال أو يوجب الإباحة بنفسه لظاهر الآية. وحكي عن ابن سيرين هكذا، قلنا الآية محمولة على مرض يوجب المشقة بالصوم، بدليل قَوْله تَعَالَى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185][البقرة: 185] أما السفر فإنه يوجب الإباحة لأنه لا يخلو عن مشقة بخلاف المرض، فإنه نوعان: ما يوجب المشقة، وما لا يوجبها فوجب الفصل، فقلنا كل مرض يضره الصوم يوجب الإباحة، وما لا فلا، وكان خوف ازدياد المرض مرخصاً للفطر كخوف الهلاك.
وذكر الإمام المحبوبي طريق معرفة ذلك إما باجتهاده أو بقول طبيب حاذق، وقال القاضي: إسلام الطبيب شرط، ثم المرض على أقسام سبعة: فخفيف لا يشق معه الصوم وينعقد، وخفيف لا يشق منه ولا ينعقد، وشاق لا يزيد بالصوم، وشاق يزيد به، وشاق لا يزيد به، ولكن يحدث مع الصوم علة أخرى، وشاق يخشى طوله، وصحيح يخشى المرض به، فالأول والثاني كالصحيح الذي لا يضره الصوم فلا يفطر، والثالث يتخير، والرابع والخامس والسادس يفطر، وإن صاموا أجزأهم على الصحيح الذي يخشى المرض به كالمرض الذي تخشى زيادته، وهذا الفرع الأخير في " المغني " للحنابلة.
وفي " المرغيناني " لا يعتبر خوف المرض، وفي " الذخيرة " المرض الذي يبيح الفطر ما يخاف منه الموت أو زيادة المرض. وفي " المحيط " و " البدائع خوف ازدياد المرض كاف، وإليه وقعت الإشارة في " الجامع الصغير " إن لم يفطر يزداد وجعاً وعناء أو حمى شديدة أفطر، وعن أبي
وقضى وقال الشافعي رحمه الله: لا يفطر. وهو يعتبر خوف الهلاك أو فوات العضو كما يعتبر في التيمم. ونحن نقول: إن زيادة المرض وامتداده قد يفضي إلى الهلاك فيجب الاحتراز عنه
وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل.
ــ
[البناية]
حنيفة رضي الله عنه إذا كان يجوز له الأداء قاعداً يجوز له الإفطار.
م: (وقضى) ش: لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184][البقرة: 184] .
وقال الشافعي رحمه الله: لا يفطر) ش: يعني عند خوف ازدياد المرض م: (وهو) ش: أي الشافعي رحمه الله م: (يعتبر خوف الهلاك أو فوات العضو) ش: أي يخاف فوات عضو من أعضائه م: (كما يعتبر في التيمم) ش: يعني لا يجوز عنده ترك استعمال الماء للمريض إلا إذا خاف على نفسه أو عضو منه، فحينئذ يجوز له التيمم وعندنا يجوز له التيمم بمجرد زيادة المرض.
م: (ونحن نقول: إن زيادة المرض وامتداده قد يفضي إلى الهلاك فيجب الاحتراز عنه) ش: أي عن الإفضاء إلى الهلاك، فلو برئ من المرض لكن الضعف باق هل يفطر فسئل القاضي الإمام فقال لا، والمبيح المرض لا الضعف، فلو خاف أن يعود المرض لو صام، قال الخوف ليس بشيء وذكر الإمام التمرتاشي الأمة إذا ضعفت في الطبخ والخبز والغسل فخافت أفطرت وقضت، وفي النصاب وكذا الذي ذهب به موكل السلطان للعمارة فاشتد الحر وضعف فأكل لم يكفر، ولو خاف إن صام يضعف فيصلي قاعداً عن محمد رحمه الله يصوم ويصلي قاعداً.
وعن نجم الأئمة البخاري من اشتد مرضه كره صومه ولو خاف نقصان العقل أو زيادة الوجع يفطر، ولو أتعب نفسه في عمل حتى أجهده العطش فأفطر كفر، لأنه ليس بمريض ولا مسافر، وقيل بخلافه وبه قال البقالي، وقال مالك في " الموطأ ": من أجهده الصوم أفطر وقضى ولا كفارة عليه، ولو علم الغازي يقيناً أنه يقاتل العدو وخاف الضعف يفطر قبل الحرب.
م: (وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل) ش: وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله على ما ذكر في كتبهم. وقال النووي: هو المذهب ولكن نقلت هذه المسألة من كتب أصحابنا على خلاف ما وقعت في كتبهم فإن الغزالي ذكر أن الصوم أحب من الإفطار في السفر لتبرأ ذمته وهو مذهب أنس وعثمان بن أبي العاص الثقفي، وحذيفة وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عروة بن الزبير وعمرو بن ميمون وأبو بكر بن عبد الرحمن وطاووس والفضيل بن عياض وابن المبارك وأبو ثور، وأبو وائل والأسود بن يزيد والثوري والنخعي ومجاهد، وعن ابن عمر وابن المسيب والشعبي والأوزاعي وإسحاق: الفطر أفضل في حقه، وعند أحمد رحمه الله الصوم في السفر مكروه.
وإن أفطر جاز؛ لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل نفسه، عذرا، بخلاف المرض فإنه قد يخف بالصوم، فشرط كونه مفضيا إلى الحرج، وقال الشافعي رحمه الله:"الفطر أفضل"، لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس من البر الصيام في السفر» ولنا أن رمضان أفضل الوقتين، فكان الأداء فيه أولى، وما رواه محمول على حالة الجهد
ــ
[البناية]
وذكر في " المغني " عن عمر وأبي هريرة لا يصح الصوم في السفر وعن عبد الرحمن بن عوف الصوم في السفر كالفطر فيه سواء ذكره المنذري في " شرح مختصر سنن أبي داود " وقال أبو عمر بن عبد البر: هو قول ابن علية والشافعي في قول وعنه قال الصوم أحب إلي.
م: (وإن أفطر) ش: أي المسافر م: (جاز) ش: للنص الوارد فيه م: (لأن السفر لا يعرى عن المشقة) ش: لأنه مظنة المشقة بكل حال فأدير الحكم فيه على أصل السفر م: (فجعل نفسه) ش: أي نفس السفر م: (عذرا بخلاف المرض فإنه قد يخف بالصوم) ش: كالهيضة ونحوها م: (فشرط كونه) ش: أي المرض م: (مفضيا إلى الحرج) ش: ولهذا لا يجوز الإفطار بمجرد المرض كما ذكرنا.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: "الفطر أفضل) ش: أي من الصوم م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «ليس من البر الصيام في السفر» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجل قد ظلل عليه فقال: " ما هذا؟ " قالوا صائم فقال: " ليس من البر الصوم في السفر» .
وزاد مسلم في لفظ: «وعليكم برخصة الله التي رخص لكم» ، وروي «ليس من امبر امصيام في امسفر» وهي لغة بعض العرب، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " وقد ذكرنا أن هذا القول من الشافعي لم يصح ولا حكي عنه، ولكن مذهب أحمد هكذا نقله عنه ابن الجوزي واستدل له بهذا الحديث.
م: (ولنا أن رمضان أفضل الوقتين) ش: أراد بهما خارج رمضان وفي " مبسوط فخر الإسلام " لا شك أن رمضان أفضل الوقتين، ألا ترى أن عدة من أيام أخر كالخلف من رمضان، والخلف لا يساوي الأصل بحال والنبي صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه الصوم ثم ذكر الرخصة عند شكواهم الجهد كما روينا من حديث أبي هريرة، فدل أن الصوم أفضل وهو معنى قوله: م: (فكان الأداء فيه) ش: أي في رمضان أولى وفي " المبسوط " الصوم عزيمة والفطر رخصة والأخذ بالعزيمة م: (أولى، وما رواه) ش: هذا جواب عن الحديث المذكور وهو ما رواه الشافعي رضي الله عنهم: (محمول على حالة الجهد) ش: بفتح الجيم أي المشقة ونحن نقول به ولهذا يكره الصوم في السفر لمن أجهده بالإجماع.