الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا. لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا» ، وهذه المسألة على وجوه: أحدها: أن ينوي صوم رمضان، وهو مكروه لما روينا، ولأنه تشبه بأهل الكتاب، لأنهم زادوا في مدة صومهم.
ــ
[البناية]
عوانة. عن سماك عن عكرمة رضي الله عنه «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان» ولا يعتبر قول المنجمين بالإجماع، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من أتى كاهناً أو منجماً وصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد» .
[صوم يوم الشك وحكم من رأى هلال رمضان وحده]
م: (ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعاً) ش: قال السغناقي رحمه الله يوم الشك هو الأخير من شعبان الذي يحتمل أنه من أول رمضان أو آخر شعبان. وفي " المبسوط " الشك إنما يقع من جهتين إما بأن غم هلال شعبان فوقع الشك أنه اليوم الثلاثون منه أو الحادي والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في يوم الثلاثين من شعبان أم من رمضان.
وفي الفوائد الظهيرية يوم الشك هو اليوم الذي يتم به الثلاثون في المستهل، ولم يهل الهلال ليلاً لاستتار السماء بالغمام. وفي المجتبى إذا لم ير علامة ليلة الثلاثين والسماء متغيثة يقع الشك، أما لو كانت السماء مضحية فلم ير الهلال فليس يوم الشك، ولا يجوز الصوم ابتداء لا فرضاً ولا نفلاً.
وقال أحمد رحمه الله يوم الشك بأن تباعد الناس في طلب الهلال أو شهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين. وفي تتمة الشافعية صورة الشك أن يشهد برؤية الهلال من لا تقبل شهادته كالعبد والمرأة والصبي وأهل الذمة أو يقع في لسان القوم أن الهلال قد رؤي.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» ش: هذا غريب جداً، والشراح كلهم نقوله على أنه حديث ولم يبين أحد منهم ما حاله م:(وهذه المسألة على وجوه) ش: أي مسألة صوم يوم الشك على وجوه وهي خمسة على ما نذكره م: (أحدها) ش: أي أحد الوجوه الخمسة م: (أن ينوي صوم رمضان وهو مكروه لما روينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم وهو «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» .
م: (ولأنه تشبه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في مدة صومهم) ش: وذلك لأجل مجيء صومهم في أيام الحر أخروه، وزادوا فيه، فإذا نوى في صومه يوم الشك إنه من رمضان يكره، وفيه خلاف أبي هريرة وعمر ومعاوية وعائشة وأسماء رضي الله عنهم، فإن عندهم يجب صوم هذا اليوم مطلقاً ذكره ابن المنذر في الأشراف.
ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه لأنه شهد الشهر وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعا، وإن أفطر لم يقضه لأنه في معنى المظنون. والثاني: أن ينوي عن واجب آخر وهو مكروه أيضا لما روينا، إلا أن هذا دون الأول في الكراهة. ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل يكون تطوعا لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب وقيل يجزئه عن الذي نواه وهو الأصح، لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان
ــ
[البناية]
وقال أحمد وطائفة قليلة يجب صومه في الغيم يوم الصحو، وقال قوم إن الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية أحمد رحمه الله في رواية.
وذكر الطحاوي ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطراً متلوماً غير آكل ولا عازم على الصوم حتى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى، وإلا أفطر، وكذلك ذكره النووي رحمه الله وفي " خزانة الأكمل " وعليه الفتوى.
م: (ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه) ش: أي إن ظهر يوم الشك الذي صام فيه إنه من رمضان يجزئه عن رمضان، وبه قال الثوري، والأوزاعي م:(لأنه شهد الشهر) ش: أي شهر رمضان م: (وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان) ش: أي صومه م: (تطوعاً وإن أفطر) ش: أي في ذلك اليوم.
م: (لم يقضه؛ لأنه في معنى المظنون) ش: ولم يقل؛ لأنه مظنون، لأن حقيقة الظنون أن يثبت به الظن بعد رجوعه بيقين، والحال أنه [قد] أداه فشرع فيه على ظن، أنه لم يؤده، ثم علم أنه أداه، وأما ها هنا فلم يثبت، وجوبه بيقين، فلم يكن مظنوناً حقيقة.
م: (والثاني) ش: أي من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي) ش: يعني في يوم الشك م: (عن واجب آخر وهو مكروه أيضاً لما روينا) ش: يعني من قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه إنه من رمضان إلا تطوعاً م: (إلا أن هذا دون الأول في الكراهة) ش: أي إلا أن هذا الوجه دون الأول في الكراهة لأن الأول يستلزم التشبه بأهل الكتاب دون هذا.
م: (ثم إن ظهر أنه) ش: أي أن هذا اليوم م: (من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان، فقد قيل يكون [تطوعاً] ) ش: يعني صوم هذا اليوم تطوعاً م: (لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب) ش: أي الواجب الكامل فلا يتأدى بالناقص فيقع تطوعاً م: (وقيل يجزئه عن الذي نواه) ش: من الواجب م: (وهو الأصح) ش: أي هذا القول هو الأصح، وكان المقتضى أن يقول وهو الصحيح كما قال في " المحيط " وهو الصحيح.
م: (لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان) ش: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتقدموا على رمضان بصوم
بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم،
بخلاف يوم العيد لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة يلازم كل صوم، والكراهة هنا لصورة النهي. والثالث: أن ينوي التطوع وهو غير مكروه لما روينا، وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله: يكره على سبيل الابتداء، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم «لا
ــ
[البناية]
يوم ولا بصوم يومين» ، رواه الأئمة الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
م: (بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم) ش: [قوله - لا يقوم بكل صوم -] خبر لقوله لأن المنهي عنه، وقوله - وهو التقدم على رمضان بصوم رمضان - عليه معترضة، وقوله - لا يقوم بكل صوم - لا يوجد بكل صوم بل يوجد بصوم رمضان، هذا والمراد من القيام الوجود تقديره ما ذكرناه في " الجامع البرهاني " غير الصوم ليس بمنهي عنه، لأن الوقت وقت الصوم والإنسان لا ينهى عن الصوم في وقته، فالنهي أحد الشيئين، أما أداء صوم رمضان أو الزيادة على ما شرع، وهذا لا يوجد بكل صوم، وإنما يوجد بصوم رمضان.
وكان ينبغي أن لا يكره واجب آخر، لأنا أثبتنا نوع الكراهة لأنه مثل رمضان في الفرضية، أو لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا يصام اليوم.. الحديث. فلا يؤثر في نفس الصوم بالنقصان، فيصلح لإسقاط [ما وجب عليه كالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنه لا يؤثر كراهيتها في إسقاط القضاء] .
م: (بخلاف يوم العيد) ش: أي بخلاف صوم يوم العيد، فإن الصوم فيه مكروه بأي صوم كان، وهو معنى قوله م:(لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة) ش: إلى دعوة الله تعالى م: (يلازم كل صوم) ش: أي يحصل بكل صوم من صوم التطوع أو القضاء أو الكفارة م: (والكراهة هنا لصورة النهي) ش: هذا جواب عما يقال، فعلى هذا كان الواجب أن يكون صوم واجب آخر مكروهاً فأجاب بقوله والكراهة هنا صورة النهي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «لا يصام اليوم الذي يشك فيه» .. الحديث م:(والثالث) ش: أي الوجه الثالث من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي التطوع) ش: أي يصوم في يوم الشك م: (وهو غير مكروه لما روينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم إلا تطوعاً، وبه قال مالك رحمه الله م:(وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله: يكره على سبيل الابتداء) ش: يعني بأن لا يكون له عادة صوم يوم الخميس مثلاً، ما [إذا] اتفق يوم الخميس كونه يوم الشك، فيكره صومه حينئذ، وأما إذا وافق عادة له فلا يكره. واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم» . وهذا نص على الجواز، وأجاب المصنف عن هذا بقوله م:(والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» الحديث) ش: يعني أتم الحديث وتمامه ما ذكرناه الآن.
تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» ، الحديث التقدم بصوم رمضان لأنه يؤديه قبل أوانه،
ثم إن وافق صوما كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعدا.
ــ
[البناية]
وقوله - والمراد - مبتدأ، وقوله المقدم بصوم رمضان - خبره م:( [التقدم بصوم رمضان] لأنه يؤديه قبل أوانه) ش: أي قبل وقته، لأن فيه تقديم الحكم على السبب وهو باطل، والدليل على ذلك، أن ما قبل الشهر وقت التطوع لا لصوم الشهر فلا يتصور التقدم بالتطوع.
فإن قلت: صوم رمضان هو ما يقع فيه فكيف يتصور التقدم فيه أجيب بأن معناه أن ينوي الفرض قبل الشهر، وهذا كما يقال مثلاً قدم صلاة الظهر على وقته، فإن معناها نواها قبل دخول وقتها.
وقال مخرج أحاديث الهداية بعد ذكر الحديث المذكور وآخر الحديث به تأويل صاحب الكتاب يعني الهداية، فإنه أسند للشافعي رحمه الله.
م: (ثم إن وافق صوماً كان يصومه) ش: على سبيل العادة، بأن كان اعتاد يوم الخميس مثلاً فوافق يوم الشك يوم الخميس م:(فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر) ش: أي شهر شعبان م: (فصاعداً) ش: أي أكثر من ثلاثة أيام، وانتصابه على الحال.
وقال الشافعي رحمه الله: يكره التطوع إذا انتصف شعبان، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه أبو داود والترمذي والنسائي. قلت: يعارضه حديث عمران بن حصين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال لا، قال فإذا أفطرت فصم» ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، قال المنذري الصحيح أن سرار الشهر آخره، سمي بذلك لاستتار القمر فيه، وقال أحمد رحمه الله حديث أبي هريرة الذي ذكره الشافعي رحمه الله ليس بمحفوظ.
قال: وسألنا عبد الرحمن بن مهدي فلم يحدثني به قال وكان يتوفاه فأنكره من حديث العلاء، وفي رواية حرب عن أحمد هذا حديث منكر، وقال الحافظ أبو جعفر هذا على وجه الإشفاق على صوم رمضان لا لكراهته في صومه حتى لو علمنا أنه يحصل له ضعف في صومه منعناه.
قلت: وكيف وقد عارضه أحاديث عديدة صحاح، منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله وعنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه إلا قليلاً» رواه مسلم.
ومنها ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم
وإن أفرده فقد قيل الفطر أفضل احترازا عن ظاهر النهي، وقد قيل الصوم أفضل اقتداء بعلي وعائشة رضي الله عنهما فإنهما كانا يصومانه.
والمختار أن يصوم المفتي بنفسه احتياطا، ويفتي العامة بالتلوم
ــ
[البناية]
يكن يصوم من السنة شهراً كاملاً إلا شعبان ورمضان» .
ومنها ما رواه الطحاوي رحمه الله عن أسامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو شهر يغفل الناس عن صيامه، فدل على أن الصوم فيه أفضل من الصوم في غيره» .
م: (وإن أفرده) ش: يعني لم يوافق صوماً صومه م: (فقد قيل الفطر أفضل) ش: وهو قول محمد بن سلمة م: (احترازاً عن ظاهر النهي) ش: وهو قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه الحديث.
م: (وقيل: الصوم أفضل) ش: وهو قول نصير بن يحيى م: (اقتداء بعائشة وعلي رضي الله عنهما فإنهما كانا يصومانه) ش: قال تاج الشريعة رحمه الله: أي يصومان يوم الشك من شعبان، وكانا يقولان لأن الصوم يوماً من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوماً من رمضان، وكذا ذكره الأكمل، وغيره. وقال مخرج الأحاديث هذا غريب، يعني لم يثبت على هذا الوجه، وفي التحقيق لابن الجوزي رضي الله عنه مذهب علي وعائشة رضي الله عنهما أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم ونحوه، قال: وهو أصح الروايتين عن أحمد رضي الله عنه قال وعلى هذه الرواية لا يسمى يوم الشك بل هو من رمضان حكماً. وقال السروجي: وقد صح عن أكثر الصحابة رضي الله عنهما وأكثر التابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك أنه من رمضان، منهم عمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس رضي الله عنهم، وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة، [والنخعي والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد] وأبو ثور وأبو إسحاق وجاء ما يدل على الجواز عن جماعة من الصحابة، وعن أبي مريم يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لأن أعجل في صوم رمضان يوما أحب إلي أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني، ومثله عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن معاوية، لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان ويروى مثله عن عائشة رضي الله عنها وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
م: (والمختار أن يصوم المفتي بنفسه) ش: يعني خاصة دون أن يأمر غيره بالصوم وفي " جامع الكردري " والمختار أن يفتي الخواص بالصوم والعوام بالتلوم، والفرق بين الخاصة والعامة وهو كل من يعلم نية يوم الشك هو من الخواص وإلا فهو من العوام م:(احتياطاً) ش: أي لأجل الاحتياط عن وقوع الفطر في رمضان م: (ويفتي العامة بالتلوم) ش: أي بالانتظار.
إلى وقت الزوال ثم بالإفطار نفيا للتهمة.
والرابع: أن يضجع في أصل النية
ــ
[البناية]
م: (إلى وقت الزوال) ش: أي إلى وقت زوال الشمس من كبد السماء، أي لم يفت بالإفطار م:(ثم بالإفطار نفياً للتهمة) ش: قال السغناقي رحمه الله ثم [الكاكي] أي تهمة الروافض، وفي الفوائد الظهيرية لا خلاف بين أهل السنة أنه لا يصام يوم الشك بنية رمضان.
وقال الروافض: يجب صومه. وقال الكاكي: أو [نفياً] لتهم الزيادة في رمضان، لأنه لو أفتى للعوام ربما يقع في صلاتهم توهم جواز الزيادة على رمضان؛ لأنهم لا يميزون بين رمضان وغيره، وذكر الإمام الكاشاني: أنه لو أفتى العوام بأداء النفل فيه عسى أن يقع عندهم أنه خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك، أو يقع عندهم لما جاز النفل يجوز الفرض أولى، لأنه أهم، ولا ينبغي لهم أن يصوموا لذلك نفياً للاتهام.
وذكر فخر الإسلام رحمه الله: في هذا حكاية أبي يوسف رحمه الله وهو ما روى أسد بن عمرو أنه قال: أتيت باب الرشيد، فأقبل أبو يوسف القاضي رحمه الله وعليه عمامة سوداء وخف أسود وهو راكب فرس أسود عليها سرج أسود ولبد أسود، وما عليه شيء من البياض إلا لحيته البيضاء وهو يوم الشك، فأفتى الناس بالفطر، فقلت له أو مفطر أنت؟ فقال: ادن إلي قال لي: إني إذن صائم، وإنما يفتى بالفطر بعد التلوم، زماناً لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين» .. " انتهى.
وفي بعض نسخ " الهداية " نفيا للتهمة، يعني تهمة العصيان الذي دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ، انتهى. ولا أدري هذا من المتن الذي ألفه المصنف أو كان حاشية فألحقها بعض النساخ بالمتن ولكن في [كلام مخرج الأحاديث ما يدل على أنه من المتن، حيث ذكر هذا الحديث] من جملة الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب، ثم قال هذا غريب، والمعروف هذا من قول عمار بن ياسر رضي الله عنه.
أخرجه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم عن أبي خالد الأصم عن عمرو بن عيسى الملائي، عن أبي إسحاق عن جبلة بن زفر قال كنا عند عمار في اليوم الذي شك فيه، فأتى بشاة صلية، فتنحى بعض القوم، فقال عمار رضي الله عنه من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
م: (والرابع) ش: أي الوجه الرابع م: (أن يضجع) ش: أي أن متردد من التضجيع بالضاد المعجمة والعين المهملة، يقال ضجع في الأمر [إذا] وهن وقصر، فأصله من الضجوع، وهو الضعف كذا ذكره المطرزي رحمه الله وابن فارس، وفي المغرب [الضجع] في الأمر التردد فيه.
م: (في الأصل النية بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان من رمضان، ولا يصومه إن كان من شعبان،
بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان رمضان، ولا يصومه إن كان شعبان، وفي هذا الوجه لا يصير صائماً لأنه لم يقطع عزيمته، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداً غذاء يفطر وإن لم يجد يصوم. والخامس: أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يصوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لعدم التردد في أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه، لكنه يكون تطوعاً غير مضمون بالقضاء لشروعه فيه مسقطاً لا ملزماً. والسادس: وإن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما مر، وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله.
ــ
[البناية]
وفي هذا الوجه يصير صائماً؛ لأنه لم يقطع عزيمته) ش: أي لم يجزم بنيته م: (فصار) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا نوى، أنه إن وجد غداً) ش: يعني في غد م: (غذاء يفطر، وإن لم يجد يصوم) ش: وكذا إن قال: إن وجدت سحوراً صمت، وإلا لا أصوم، فإنه لا يكون ناوياً.
م: (والخامس) ش: أي الوجه الخامس م: (أن يضجع في نصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين) ش: وهما صوم رمضان وصوم واجب آخر م: (ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه) ش: أي عن رمضان.
م: (لعدم التردد في أصل النية) ش: لأن التردد كان في وصفها، ومن المشايخ من قال إذا ظهر أنه من رمضان لا يكون صائماً عن رمضان، روي ذلك عن محمد رحمه الله م:(وإن ظهر [أنه] من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر، لأن الجهة لم تثبت) ش: أي جهة واجب آخر لم تثبت م: (للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه) ش: لعدم التعيين [دونه]، ولا بد منه م:(لكنه) ش: أي لكون صومه م: (يكون تطوعا) ش: موصوفاً بكونه م: (غير مضمون بالقضاء) ش: يعني إذا أفسده لم يلزمه القضاء م: (لشروعه فيه) ش: أي في هذا الصوم حال كونه م: (مسقطاً) ش: أحد الوجهين م: (لا ملزماً) ش: أي لا لشروعه حال كونه ملزماً، لأنه نوى عن رمضان أو عن واجب آخر على ظن أنه يسقط عن ذمته.
م: (والسادس) ش: أي الوجه السادس م: (إن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع) ش: أي ونوى عن التطوع م: (إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه) ش: أي عن رمضان م: (لما مر) ش: أي من قوله لعدم التردد في أصل النية م: (وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله لأنه) ش: أي لأن النفل.
لأنه يتأدى بأصل النية، ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه. ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله عليه الصلاة والسلام:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وقد رأى ظاهرا. وإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة. وقال الشافعي رحمه الله: عليه الكفارة إن أفطر بالوقاع لأنه أفطر في رمضان حقيقة تيقنه به
ــ
[البناية]
م: (يتأدى بأصل النية) ش: لأن أصل النية كاف للجواز م: (ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه) ش: لأن القضاء إنما يجب إذا جزم نفسه وهنا لم يجزم به وذكر المصنف رحمه الله هنا ستة وجوه وبقي وجه آخر وهو أن ينوي الفطر فيه ثم تبين قبل الزوال أنه من رمضان، فنوى الصوم فإنه يجزئه.
وفي شرح " المهذب للنووي " رحمه الله: إذا قال: أصوم غداً من رمضان إن كان منه، وإلا فأنا مفطر أو متطوع لم يجزئه عن رمضان إذا بان أنه منه. وقال المزني: يجزئه عن رمضان.
م: (ومن رأى هلال رمضان وحده) ش: أي حال كونه وحده م: (صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله عليه الصلاة والسلام: «صوموا لرؤيته» ش: [و] هذا قطعة من حديث أخرجه البخاري رحمه الله ومسلم عن أبي هريرة وقد مر م: (وقد رأى ظاهراً) ش: لأنه يفيد العلم في حقه، وقال الحسن البصري وابن سيرين وعطاء وعثمان البتي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور لا يصوم إلا مع الإمام، ولم يذكر هل الإمام تقبل شهادته أم لا؟
قال في " التحفة ": يجب على الإمام رد شهادته لتهمة الفسق إن كان بالسماء علة، والتفرد إن لم يكن بها علة، وإن كان عدلاً. وفي " البدائع " إذا رأى الهلال وحده ورد الإمام شهادته. قال المحققون من مشايخنا لا رواية في وجوب الصوم عليه، وإنما الرواية أنه يصوم، وهو محمول على الندب احتياطاً، وفي " التحفة ": يجب عليه.
وفي " المبسوط ": عليه صومه وعن أبي حنيفة رضي الله عنه يقبل الإمام شهادته لأنه اجتمع في شهادته ما يوجب القبول وهو العدالة والإسلام وما يوجب الرد وهو مخالفة الظاهر فيترجح ما يوجب القبول احتياطاً لأنه إذا صام يوماً من شعبان كان خيراً من أن يفطر من رمضان
وفي " المبسوط ": إنما يرد الإمام شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر، وأما إذا كانت مغيمة أو جاء من خارج المصر من مكان مرتفع تقبل شهادته م:(فإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة) ش: [سواء كان إفطاره بالأكل والشرب والجماع.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: عليه الكفارة) إن أفطر بالوقاع) ش: أي الجماع، وبه قال مالك وأحمد رضي الله عنهما م:(لأنه أفطر في رمضان حقيقة لتيقنه [به] ) ش: أي برمضان إذ لا طريق لليقين أقوى من الرؤية وشك غيره لا يعتبر.