الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإحرام
قال: وإذا أراد الإحرام اغتسل، أو توضأ، والغسل أفضل لما روي أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل لإحرامه إلا أنه للتنظيف، حتى تؤمر به الحائض
ــ
[البناية]
[باب الإحرام]
[تعريف الإحرام وسننه]
م: (باب الإحرام) ش: أي: هذا باب في بيان صفة الإحرام، ولما فرغ من ذكر المواقيت شرع في بيان أن الإحرام كيف يفعل عندها، والإحرام مصدر من أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تهتك، كما تقول: أشتى إذا دخل في الشتاء، وفي عرف الفقهاء: أن يحرم المباحات على نفسه لأداء هذه العبادة، فإن من العبادات ما لها تحريم وتحليل كالصلاة والحج، ومنها ما ليس لها ذلك كالصوم والزكاة، وفيه من الأمور ما لا يهتدي إليه العقل كلبس غير المخيط، وترك التطيب، وترك النظافة، ورمي الحصيات المعدودة، وهي كلها تشبه بالأموات، وكأن الإشارة إلى أنه مات في سبيل الله.
م: (قال: وإذا أراد الإحرام) ش: الواو فيه للاستفتاح كما سمعته من مشايخي الكبار، أي إذا أراد من قصد الحج م: (اغتسل، أو توضأ، والغسل أفضل لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه» ش: هذا الحديث رواه الترمذي، عن عبد الله بن يعقوب المدني، عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه لإهلاله واغتسل، قال: حديث حسن غريب، وأخرجه الطبراني في " معجمه "، والدارقطني في سننه "، ولفظهما: اغتسل لإحرامه، وقد ذكر الأترازي هنا أحاديث في غسل من أراد الإحرام، ولكن كلها أحاديث القول، وليس منه حديث يطابق متن الكتاب، والذي رويناه عن الترمذي هو المطابق.
م: (إلا أنه للتنظيف) ش: أي إلا أن هذا الاغتسال لزيادة تنظيف البدن، وأشار إلى أنه غير واجب خلافاً لداود الظاهري، فإنه واجب عنده، ونقل عن بعض أهل المدينة أن الدم يجب بتركه، وعن الحسن البصري: إذا تركه ناسياً يغتسل إذا تذكره، والجمهور على أن هذا الغسل مستحب للإحرام م:(حتى تؤمر به الحائض) ش: والأمر أمر استحباب.
وإن لم يقع فرضا عنها فيقوم الوضوء مقامه كما في الجمعة والعيدين، لكن الغسل أفضل؛ لأن معنى النظافة فيه أتم، ولأنه عليه الصلاة والسلام اختاره.
قال: ولبس ثوبين جديدين، أو غسيلين إزارا ورداء
ــ
[البناية]
م: (وإن لم يقع فرضا عنها) ش: أي عن الحائض؛ لأن اغتسالها قبل الطهر لا يخرجها عن الحدث، وإنما هو لقطع الرائحة، ولتنظيف [البدن] وحرمة الإحرام والميقات، وكذا النفساء م:(فيقوم الوضوء مقامه) ش: أي في حق إقامة السنة لا في حق الأفضلية م: (كما في الجمعة والعيدين، لكن الغسل أفضل؛ لأن معنى النظافة فيه أتم) ش: لأنه يشمل البدن، فتعم النظافة ولا يعتبر التيمم عند العجز عن الماء [كالجمعة والعيدين، وبه قال مالك، وأحمد، وقال الشافعي رضي الله عنه: ليس التيمم عند العجز عن الماء]، وفي " جوامع الفقه ": السنة أن يغتسل قبل إحرامه، فإن أحدث بعده ثم توضأ لم ينل فضل الغسل للإحرام كالجمعة.
م: (ولأنه عليه الصلاة والسلام اختاره) ش: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار الغسل، كما مر في حديث الترمذي، وروى الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة اغتسل حين يريد أن يحرم» .
م: (قال: ولبس ثوبين جديدين، أو غسيلين) ش: أي ولبس ثوبين غسيلين، وقال الشيخ أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": إنما ذكر جديدين أو غسيلين؛ لأنه روي عن بعض السلف كراهة لبس الجديد عند الإحرام.
قلت: المفهوم هنا أنه إذا لم يجد جديدين يكونا عتيقين غسيلين م: (إزارا ورداء) ش: كلاهما منصوبان على التمييز؛ لأن في قوله: - لبس ثوبين - أعم من أن يكون الملبوس مخيطاً أو غير مخيط. وقوله: إزاراً أو رداء، بأن المراد من اللبس أن يكون غير مخيط؛ لأن المحرم ممنوع من لبسه، ويرجع المعنى إلى تقدير يلبس ثوباً كالإزار في وسطه، وثوباً آخر يتردى به، والإزار من السترة والرداء كالميت يستتر بالكفن، ولهذا ليس له لبس المخيط؛ لأن لبس المخيط من الزينة.
وهيئة الارتداء أنه يدخله تحت يمينه ويلقيه على كتفه الأيسر، ويبقى كتفه الأيمن مكشوفاً، ولا يزره ولا يحلله بحلال ولا يمسكه ولا يشد إزاره بحبل على نفسه، ولا يعقد الرداء على عاتقه، ولو فعل ذلك يكون مسيئاً ولا شيء عليه. وقال الدارقطني: وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه أيضاً، وعند مالك: عليه الفدية، ولا بأس بالطيلسان إذا لم يزره، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما، وقال ابن أبي ليلى: لا بأس به، وإن زره.
لأنه عليه الصلاة والسلام اتزر، وارتدى عند إحرامه؛ ولأنه ممنوع عن لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة، ودفع الحر، والبرد، وذلك فيما عيناه، والجديد أفضل؛ لأنه أقرب إلى الطهارة.
قال: ومس طيبا إن كان له.
ــ
[البناية]
وفي " البدائع ": وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه ليس بمخيط، وعن الحكم بن عتبة أنه كان لا يرى بأسا أن يتوسخ المحرم بثوبه ويعقده على قفاه، ذكره ابن منصور عنه، وهو قول ابن المسيب أباحه إمام الحرمين والغزالي والمتولي كالإزار وغيره، وعن أبي نصر العراقي أنكر أنه يكره ولا شيء عليه، وبه قال أبو ثور، وابن المنذر، وقال النووي: هو شاذ مردود، ولا معتبر به؛ لأن الأئمة على خلافه، ورأى عليه الصلاة والسلام محرماً قد عقد ثوبه، فقال: انزع الحبل ويلك، لكن لم يأمره بالفدية، وقال: إن يتزر في رواية إزاره وقال في " المبسوط "، و " البدائع ": ولا بأس أن يتحرم بعمامته يشتمل بها، ولا يعقدها.
م: (لأنه عليه الصلاة والسلام اتزر، وارتدى عند إحرامه) ش: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتزر بالهمزة افتعل من الاتزار، لأن أصله ائتزر بهمزتين، وقال في " المغرب ": اتزر بالتشديد يعني لبس الإزار، وألقى على كتفه الرداء، والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " عن كريب، «عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه
…
» الحديث بطوله.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المحرم م: (ممنوع عن لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة، ودفع الحر، والبرد، وذلك) ش: أي ستر العورة ودفع الحر والبرد م: (فيما عيناه) ش: أراد به الإزار والرداء م: (والجديد أفضل؛ لأنه أقرب إلى الطهارة) ش: وفي الكفن الجديد والخلق سواء ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» وأخرجه الترمذي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا البياض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم» وقال: حديث صحيح.
وفي " المبسوط ": يلبس الحر، والبرد إذا لم يكن مصبوغاً بالزعفران والعصفر والورس ولا مخيطاً، وفي " خزانة الأكمل ": يلبس الحر، والبرد العروي، والمروي، وفي " البدائع ": والصوف، والبرد الملون كالعدني، وإن اقتصر على ثوب واحد جاز لحصول ستر العورة به.
م: (قال: ومس طيبا إن كان له) ش: أي إن وجده، وعبارته تشعر بأنه لا يطلب من غيره إن لم يكن عنده شيء من ذلك، واستحباب الطيب عند الإحرام مذهب جمهور أهل العلم من
وعن محمد رحمه الله: أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام، وهو قول مالك، والشافعي - رحمهما الله -، لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام، ووجه المشهور حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم؛ ولأن الممنوع عنه عند التطيب بعد الإحرام، والباقي كالتابع له لاتصاله به بخلاف الثوب؛ لأنه
ــ
[البناية]
السلف والخلف الفقهاء، وأهل العلم، وأهل الحديث، منهم سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وابن الزبير، والبراء بن عازب، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، ومحمد بن الحنفية، وعروة، والقاسم، وإبراهيم، وابن جريج والشعبي، وأبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف رحمه الله، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، وأصحابه، والخطابي، وكرهه عطاء، والزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وزفر، فيما تبقى عينه بعد الإحرام كالغالية، والمسك.
ويجب به الدم عند محمد رحمه الله وزفر، وفي " الوبري ": لا شيء عليه إذا فعل ذلك في قولهم جميعا، وفي ظاهر المذهب: لا فرق بين ما تبقى عينه وما لا تبقى، ويستوي فيه الرجل والمرأة، وكذا يتبخر بالعود والعنبر، ويتطيب أصناف الطيب من البان والزريرة والكافور والصندل والزعفران والورس، ذكرهما النووي، والريحان والنسرين والمرزنجوش، وكذا يدهن بالأدهان الطيبة كدهن البان، والورد، والبنفسج.
م: (وعن محمد أنه) ش: أي عن مس الطيب م: (يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام) ش: أي بما تبقى عينه على بدنه بعد أن أحرم م: (وهو قول مالك، والشافعي) ش: وقول زفر أيضاً م: (لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام) ش: وهو ممنوع من ذلك؛ لأن للبقاء حكم الابتداء وعن مالك منع الطيب مطلقاً.
م: (ووجه المشهور) ش: أي عن أصحابنا م: «حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم» ش:، وفي لفظ:«كأني أنظر وبيض الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم» .
م: (ولأن الممنوع عنه) ش: أي من الطيب م: (عند التطيب بعد الإحرام) ش: يعني ابتداء م: (والباقي) ش: في أثره م: (كالتابع له لاتصاله به) ش: ولا حكم للتابع، فيكون بمنزلة المعدوم م:(بخلاف الثوب) ش: يعني بخلاف ما إذا لبس ثوباً قبل الإحرام وبقي على ذلك الإحرام، حيث يمنع عنه لأنه لم يجعل تبعاً م:(لأنه مباين عنه) ش: أي عن بدنه، ومن هذا إذا حلف لا يتطيب فدام على طيب كان بجسده لا يحنث، وإذا حلف لا يلبس هذا الثوب فدام على لبسه حنث.
مباين عنه. قال: وصلى ركعتين لما روى جابر رضي الله عنه «أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه.»
قال: وقال: «اللهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله
ــ
[البناية]
فإن قلت: استدل محمد رحمه الله بما رواه الطحاوي بإسناده إلى صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعليه جبة وهو يصفر لحيته، ورأسه، فقال: يا رسول الله إني أحرمت وأنا كما ترى، فقال: " انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصفرة» ورواه أحمد أيضاً.
واستدل أحمد أيضاً بما رواه مالك في " الموطأ " عن نافع عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد ريح طيب، فقال: ممن ريح هذا الطيب، فقال معاوية: مني يا أمير المؤمنين، فقال: منك لعمري، فقال معاوية: إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: عزمت عليك فلترجع فلتغسله.
قلت: الجواب عن حديث يعلى أن الطيب كان خلوقاً وهو مكروه للرجل لا للإحرام، وعن حديث معاوية أنه أمره بالغسل قطعاً لوهم الحاصل أنه فعله بعد الإحرام، وفي " الذخيرة ": يكره للمحرم شم الريحان، والطيب، والثمار الطيبة، ولا شيء عليه عند مالك، ولا يكره عند الشافعي رضي الله عنه.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (وصلى ركعتين) ش: أي في غير الأوقات المكروهة، وفي بعض النسخ: ويصلي ركعتين بلفظ المضارع، وكذا في متن القدوري، وليس في بعض النسخ لفظ: قال وفي الرواية: يستحب أن يصلي.
وفي " السروجي ": هذه سنة وتجزئه المكتوبة كالتحية م: (لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه) ش: نسبة هذا الحديث إلى جابر لم تصح، والذي في حديث جابر بغير تعيين عدد على ما رواه جابر في حديث طويل أنه صلى في مسجد ذي الحليفة ولم يذكر عدداً، نعم روى أبو داود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجاً فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه
…
الحديث» .
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (وقال) ش: الذي يريد الحج، وقال الأكمل: وقال الذي يريد الحج، وفي " النهاية ": في بعض النسخ لم يذكر، قال الأول: وألحقه بحديثه جابر، أي صلى النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، وقال: أي النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح الأول؛ لأنه هو المثبت في الكتب المقروءة على الأساتذة.
م: (اللهم إني أريد الحج، فيسره لي وتقبله مني؛ لأن أداءها) ش: أي لأن هذه العبادة، وهو