الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلام لما دخل مكة دخل المسجد الحرام» ولأن المقصود زيارة البيت وهو فيه، ولا يضره ليلا دخلها أو نهارا؛ لأنه دخول بلدة فلا يختص بأحدهما. وإذا عاين البيت كبر وهلل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا لقي البيت باسم الله، والله أكبر. ومحمد رحمه الله لم يعين في الأصل لمشاهد الحج من الدعوات؛ لأن التوقيت يذهب بالرقة، وإن تبرك بالمنقول منها فحسن.
قال: ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله، وكبر وهلل؛ لما روي «أن النبي عليه
ــ
[البناية]
م: (ولأن المقصود زيارة البيت وهو فيه) ش: أي البيت في المسجد م: (ولا يضره ليلاً دخلها أو نهاراً) ش: أي ولا يضر الحاج دخل مكة في الليل أو في النهار م: (لأنه دخول بلدة فلا يختص بأحدهما) ش: أي بأحد الليل والنهار، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " قال بعض الناس دخولها بالنهار أفضل، لما روي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكرهون دخولها ليلاً. قلنا كانوا يكرهون ذلك مخافة السرقة.
م: (وإذا عاين البيت كبر وهلل) ش: أي قال الله أكبر، أي أجل من هذه الكعبة المعظمة وهلل، أي قال لا إله إلا الله، ومعناه التبري عن توهم عبادة البيت، وقد قيل إن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت فلا يغفل م:(وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا لقي البيت: بسم الله والله أكبر) ش: هذا غريب، والذي رواه البيهقي عنه أنه كان يقول ذلك عند استلام الحجر الأسود.
م: (ومحمد رحمه الله لم يعين في الأصل) ش: أي في " المبسوط " م: (لمشاهد الحج شيئاً) ش: بفتح الميم. أي لأماكن الحج، وهو جمع مشهد م:(من الدعوات، لأن التوقيت يذهب بالرقة) ش: لأنه يصير بمنزلة من يكون على محفوظة م: (وإن تبرك بالمنقول منها) ش: أي من الدعوات م: (فحسن) ش: منها أن يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام، ذكره هشيم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أن عمر رضي الله عنه كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك. وروى الشافعي رحمه الله أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن «النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر البيت رفع بصره وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيما وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً» .
قلت: هذا مفضل، وعن عطاء رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي البيت قال: أعوذ برب البيت من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر» . قلت: هذا أيضاً مفضل.
[طواف القدوم]
[حكم طواف القدوم]
م: (قال: ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فابتدأ
الصلاة والسلام دخل المسجد فابتدأ بالحجر فاستقبله وكبر، وهلل؛» قال: ويرفع يديه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن " وذكر من جملتها استلام الحجر» . قال: واستلمه وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما؛ لما روي «أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل الحجر الأسود، ووضع شفتيه عليه
ــ
[البناية]
بالحجر فاستقبله وكبر وهلل) ش: الحجر الأسود في الركن الذي يلي باب البيت من جانب الشر، ويسمى الركن الأسود والركن العراقي عند من يسمي الذي يليه في طواف الركن الشامي والذي بعده الركن العراقي، وارتفاعه من الأرض ثلاثة أذرع إلا سبع أصابع، ويقف بحياله ويستقبله بوجهه، وقوله - كبر - أي قال الله أكبر وهلل، أي قال لا إله إلا الله.
م: (قال: ويرفع يديه) ش: كما يرفع عند افتتاح الصلاة، كذا في المجتبى. وفي التحفة يرفعهما كما في الصلاة ثم يرسلهما ثم يسلم. وفي " البدائع " و " الينابيع " و " الأسبيجابي " يرفع يديه، كما في الصلاة لكن حذو منكبية وهو الصحيح، وفي " الكرماني " حذو أذنيه م:(لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر من جملتها استلام الحجر) ش: قد مر الكلام فيه مستقصى في صفة الصلاة، وليس فيه استلام الحجر.
وذكر في " شرح الآثار " مسنداً إلى إبراهيم النخعي رضي الله عنه قال: ترفع الأيدي في سبعة مواضع في افتتاح الصلاة وفي التكبير للقنوت في الوتر، وفي العيدين وعند استلام الحجر على الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند المقامين وعند الجمرتين. وفي " المجتبى " في كتاب الخصال ترفع الأيدي في سبعة مواطن أربعة منها افتتاح الصلاة والقنوت وتكبيرات العيدين واستفتاح الطواف والخمس الباقيات عند الصفا والمروة وعند الجمرتين والموقفين.
م: (قال: واستلمه) ش: أي الحجر واستلامه تناوله باليدين أو القبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام، وهي الحجر والاستلام طلبه، وعند الفقهاء الاستلام أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه. وقال الأزهري: استلام الحجر من السلام وهو التحية، ولذلك أهل اليمن يسمون الركن الأسود المجتبى، ومعناه أن الناس يجتبونه افتعال من السلام. وقال في " المغني " هو افتعال من السلام بكسر السين، وهي الحجارة، تقول استلمت الحجر إذا لمسته بفم أو يد. وقال ابن الأعرابي: هو مهموز، تركت همزته مأخوذ من المسالمة وهي الموافقة.
م: (وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه) ش: هذا الحديث رواه بهذا اللفظ ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن عون عن نافع
وقال لعمر رضي الله عنه: " إنك رجل أيد تؤذي الضعيف، فلا تزاحم الناس على الحجر، ولكن إن وجدت فرضة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل، وكبر.» .
ــ
[البناية]
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: " يا عمر ها هنا تسكب العبرات» ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ولم يتعقبه الذهبي في " مختصره "، ولكنه في " ميزانه " علله بمحمد بن عون، ونقل عن البخاري أنه قال: هو منكر الحديث.
وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": هو قليل الرواية فلا يحتج به إلا إذا وافق الثقات وقال في " الإمام ": ومحمد بن عون، هذا هو الخراساني، قال ابن سفيان: هو ليس بشيء، وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث.
قلت: الحديث رواه الأئمة الخمسة، وليس فيه ذكر الشفتين أخرجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.» وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه سئل عن استلام الحجر، فقال رأيته صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله» وتقبيل الحجر مجمع عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر» رواه الدارقطني. وعن ابن عباس أنه قبل الركن وسجد عليه ثلاث مرات وعن الشافعي «وقبله عمر وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا» أخرجه البيهقي، وكره مالك وحده السجود على الحجر، وقال: إنه بدعة. وقال: جمهور أهل العلم على استحبابه ويجمع بين التقبيل والاستلام والسجود إن أمكن وإلا يقبل ويستلم أو استلم إن تعذر التقبيل عليه أو يمس الحجر شيئا من محجن أو عصى على ما يأتي الآن.
م: (وقال لعمر رضي الله عنه) ش: أي قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: م: (إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر، ولكن إن وجدت فرضة) ش: ويروى فرجة. أي انفراجاً، أي انكشافاً م:(فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر) ش: هذا الحديث رواه أحمد والشافعي وإسحاق بن راهوية وأبو يعلى الموصلي كلهم عن سفيان عن أبي يعقوب العبدي واسمه وقدان، قال: سمعت إمارة الحجاج يحدث «عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إنك رجل قوي لا تزاحم الناس على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهلل.»
ولأن الاستلام سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب. قال: وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده كالعرجون، وغيره ثم قبل ذلك فعل لما روي «أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته، واستلم الأركان بمحجنه» وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله، وكبر وهلل، وحمد الله، وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب
ــ
[البناية]
قال الدارقطني: ذكروا أن هذا الشيخ هو عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث قوله - أيد - بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة وبالدال المهملة، أي قوي وهو صفة مشبهة من الأيد، وهو القوة.
م: (ولأن الاستلام سنة، والتحرز عن أذى المسلم واجب) ش: أي ولأن استلام الحجر سنة، حاصل المعنى لا يأتي بالسنة على وجه يخل بالواجب.
م: (قال: وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده كالعرجون) ش: أي وإن أمكن الطائف إمساس الحجر بشيء كان في يده كالعرجون، بضم العين المهملة، وهو العذق الذي يرجع ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابساً. وقال الزجاج: هو فعلون من الانعراج أي الانعطاف، والعذق [
…
] عنقود النخل م: (وغيره) ش: مثل المحجن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون، وهو عود معوج الرأس كالصولجان.
م: (ثم قبل ذلك) ش: إلى الشيء الذي في يده نحو العرجون م: (فعل) ش: جواب الشرط م: (لما روي أنه صلى الله عليه وسلم) ش: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم م: (طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه) ش: هذا الحديث رواه البخاري في " الصحيح " عن ابن عباس قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن» وروى مسلم وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه» .. الحديث، وقد مر تفسير المحجن آنفاً، قوله: - يستلم الأركان - أراد بالأركان الحجر الأسود والركن اليماني، وإنما جمعه باعتبار تكرر الأشواط.
م: (وإن لم يستطع شيئاً من ذلك) ش: أي من الاستلام للحجر أو إمساس العرجون وغيره م: (استقبله) ش: هذا الاستقبال مستحب غير واجب، لما روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الحجر الأسود وله عينان يبصران ولسان ينطق به فيشهد لمن استلمه أو استقبله.» وهيئة الاستقبال أن يستقبل الحجر ويجعل باطن كفيه نحو الحجر لا إلى السماء ويكون ظهرهما إليه. م: (وكبر وهلل وحمد الله) ش: تعالى م: (وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم أخذ عين يمينه مما يلي الباب) ش: الضمير في يمينه يرجع إلى الآخذ الطائف دون
وقد اضطبع رداءه قبل ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط، لما روي «أنه عليه السلام استلم الحجر، ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب فطاف سبعة أشواط» . والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على كتفه الأيسر، وهو سنة، وقد نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ــ
[البناية]
الحجر، وقيد به لأنه لو أخذه عن يساره يكون الطواف منكوساً، فإذا طاف منكوساً يعيد به عندنا ما دام بمكة، فإذا رجع قبل الإعادة فعليه دم كذا في " الذخيرة "، وفي " مبسوط " شيخ الإسلام وقال الشافعي وأحمد ومالك: لا يعتد به وفي " المبسوط " لو افتتح الطواف من غير الحجر فلم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في الأصل، وقد اختلف المتأخرون فيه، فقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز.
م: (وقد اضطبع رداءه) ش: الصواب بردائه، وهذا سهو منه، وهذه جملة وقعت حالاً بكلمة قد. لأن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا لا بد فيها من كلمة - قد - ظاهرة أو مقد، نحو قَوْله تَعَالَى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90][النساء: الآية 90] ، أي قد حصرت صدورهم، واشتقاق الضبع من اضطبع وهو العضد، وهو افتعال منه، قلبت تاؤه طاء لأجل الضاد.
م: (فيطوف بالبيت سبعة أشواط) ش: أي سبع مرات، وهو جمع شوط يقال عدا شوطاً أي طلقاً بفتحتين، وهو الثناء، وهو الغاية م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الحجر ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب ثم طاف سبعة أشواط» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن جعفر عن ابن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه، قال:«لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة بدأ بالحجر الأسود فاستلمه ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» .
م: (والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على كتفه الأيسر) ش: أي يبدي كتفه الأيمن ويغطي الأيسر م: (وهو سنة) ش: أي الاضطباع سنة، وعن مالك رحمه الله لا أعرف الاضطباع وما رأيت أحداً فعله، وعن أحمد يستحب الاضطباع، ولو ترك الاضطباع والرمل لا شيء عليه عند الجمهور، وعليه الإجماع، وعن الحسن البصري والنووي وابن الماجشون عليه دم ولا يضطبع عند السعي عند الجمهور، وعن الشافعي رضي الله عنه يضطبع قياساً على الطواف.
م: (وقد نقل ذلك) ش: أي الاضطباع م: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: هذا رواه أبو داود في " سننه " من حديث ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً» .
قال: ويجعل طوافه من وراء الحطيم وهو اسم لموضع فيه الميزاب، يسمى به؛ لأنه حطم من البيت، أي كسر وسمي حجرا؛ لأنه حجر منه: أي منع، وهو من البيت لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها:«فإن الحطيم من البيت» فلهذا يجعل الطواف من ورائه، حتى لو دخل الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز،
ــ
[البناية]
م: (قال: ويجعل طوافه من وراء الحطيم) ش: (أي من خارج الحطيم م: (وهو) ش: أي الحطيم م: (اسم لموضع فيه الميزاب؛ يسمى به لأنه حطم من البيت أي: كسر) ش: على صيغة المجهول، وكذلك حطم وهو من الحطم وهو الكسر، وهو على وزن فعيل بمعنى مفعول، أي محطوم؛ لأن البيت رفع وترك وهو محطوما، وقيل: فعيل بمعنى فاعل، أي حاطم، لأن العرب كانت تطرح فيه ما طاقت به من الباب، فبقي حتى تحطم لطول الزمان. قال المصنف: الحطيم اسم موضع فيه الميزاب أي ميزاب الرحمة، وقال صاحب " النهاية ": الحطيم: اسم لموضع بينه وبين البيت فرجة.
م: (وسمي حجرا) ش: أي وسمي الحطيم حجرا بكسر الحاء وسكون الجيم وبالراء م: (لأنه حجر منه) ش: أي من البيت. وقال تاج الشريعة: هو فعيل بمعنى مفعول من حجره إذا منعه؛ لأنه موضع محجور، وسمي الحجر بالحطيم، وعلى العكس توسع. قال ابن دريد في " الجمهرة ": وفيه قبر هاجر وإسماعيل عليهما السلام، م:(وهو من البيت) ش: أي الحطيم من جملة البيت م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: (في حديث عائشة رضي الله عنها: فإن الحطيم من البيت) . ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن البيت هو؟ قال: " نعم "، قالت: فما بالهم لا يدخلوه في البيت، قال: " إن قومك قصرت بهم النفقة " قلت: فما شأن بابه مرتفعا، قال: " فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بكفر، وأخاف أن تنكر قلوبهم لنظر ذلك أدخل الجدار في البيت وألزق بابه بالأرض» . وروى أبو داود والترمذي عن علقمة عن أمه «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر فقال: " صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت» انتهى. محوط مدور على صورة نصف دائرة خارج عن جدار البيت من جهة الشام وليس كله من البيت بل مقدار ستة أزرع منه من البيت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستة أزرع من الحجر من البيت وما زاد ليس من البيت» .
م: (فلهذا يجعل الطواف من ورائه) ش: أي فلكون الحطيم من البيت يجعل الطواف من ورائه أي من خارجه م: (حتى لو دخل) ش: أي الطائف م: (الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز) ش: أي بين الحطيم وبين البيت لا يجوز، وكان الاحتياط في الطواف أن يكون من وراءه أي يكون
إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة؛ لأن فرضية التوجه ثبتت بنص الكتاب، فلا تتأدى بما ثبت بخبر الواحد احتياطا، والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه،
قال: ويرمل في الثلاثة الأول من الأشواط، والرمل: أن يهز في مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين، وذلك مع الاضطباع
ــ
[البناية]
الحطيم من البيت م: (إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة) ش: هذا استثناء من قوله: - وهو من البيت - جواب سؤال مقدر بأن يقال: لو كان الحطيم من البيت لجازت الصلاة إذا توجه المصلي إليه، أجاب بأن الصلاة لا تجزئه إذا توجه إليه دون البيت. م:(لأن فرضية التوجه إلى البيت ثبتت بنص الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144][البقرة: الآية 144]، م:(فلا يتأدى بما ثبت) ش: بالنص القطعي فلا يتأدى بما ثبت م: (بخبر الواحد احتياطاً) ش: لأن فيه شبهة م: (والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه) ش: أي وراء الحطيم ليستغرق أطراف البيت.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ويرمل في الثلاثة الأولى من الأشواط، والرمل) ش: بفتح الميم، والرملان كذا الهرولة، أشار إليها بقوله م:(أن يهز) ش: أي أن يحول م: (في مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين وذلك مع الاضطباع) ش: أي مع كونه مضطبعاً في هذه الحالة وقوله: في مشيته بكسر الميم على وزن فعلة بكسر الفاء، لأن الفعلة للحالة والفعلة بالفتح للمرة، وقال بعضهم: لا رمل اليوم على أهل الآفاق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا رمل في الطواف، وإنما فعله صلى الله عليه وسلم إظهار الجلادة للمشركين على ما روي في عمرة القضاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة للعمرة عام الحديبية صده المشركون عن البيت، فصالحهم على أن ينصرف ثم يأتي في العام الثاني ويدخل مكة بغير سلاح فيعتمر ويخرج، فلما قدم في العام الثاني أخلوا له البيت ثلاثة أيام وصعدوا الجبل، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فسمع بعض المشركين يقول لبعض أصنامهم حمى يثرب، أي المدينة، فاضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ورمل، وقال لأصحابه:«رحم الله امرءاً أظهر من نفسه جلداً» فإذا كان الرمل لإظهار الجلد يومئذ، وقد زال ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل.
قلنا: إنه سنة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «أنه صلى الله عليه وسلم طاف يوم النحر في حجة الوداع فرمل في الثلاثة الأولى ولم يبق المشركون يومئذ بمكة» . وروي أن عمر رضي الله عنه لما أراد الرمل في طوافه فقال: يا غلام أمر كتفي وليس هنا أحد يراه، ولكني مع الحكم مستغن عن بقاء السبب كما في رمي الجمار سببه طرد الشيطان عن إبراهيم عليه السلام ثم بقي ذلك الحكم وإن زال السبب، وقيل: الحكمة في الرمل اليوم إراءة القوة والجلادة في الطاعة فإنه حسن في الطاعة يتحمل فيها المشاق، وقيل: إنما يرى الشيطان بأن السفر ما أضناه حتى ينقطع طمعه في وسوستنا
وكان سببه إظهار الجلد للمشركين حيث قالوا: أضناهم حمى يثرب ثم بقي الحكم بعد زوال السبب في زمن النبي لله وبعده. قال: ويمشي في الباقي على هنية على ذلك اتفق رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرمل من الحجر إلى الحجر هو المنقول من رمل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن زحمه الناس في الرمل قام
ــ
[البناية]
في المناسك. وقال سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد: لا يرمل فيهما بين الركن اليماني والحجر وإنما يرمل من الجانب الآخر، ويرده ما رواه الطحاوي رضي الله عنه مسنداً إلى أبي الطفيل قال:«رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر» .
م: (وكان سببه) ش: أي سبب الرمل م: (إظهار الجلد للمشركين) ش: أي مشركي مكة م: (حيث قالوا: أضناهم) ش: أي أثقلهم وأوهنهم م: (حمى يثرب) ش: أي المدينة م: (ثم بقي الحكم) ش: أي حكم الرمل م: (بعد زوال السبب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده) ش: أي وبعد النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه.
م: (قال: ويمشي في الباقي) ش: أي من الأشواط م: (على هنية) ش: بكسر الهاء أي على السكينة، والوقار تعظيماً وتواضعاً لله تعالى م:(على ذلك) ش: أي على ما ذكرناه م: (اتفق رواة نسك) ش: أي حج م: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ش: إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعاً. رواه البخاري ومسلم، ومنهم جابر قال في حديث طويل «حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» رواه مسلم، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروى حديثه أبو داود وابن ماجه عن هشام بن سعد بن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت «عمر رضي الله عنه يقول: يتم الرمل وكشف المناكب، وقد أعز الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك فلا ندع شيئاً كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
م: (والرمل من الحجر إلى الحجر) ش: أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وخالف فيه سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد، وقد ذكرناه الآن وروينا عليهم م:(هو المنقول) ش: أي الرمل من الحجر إلى الحجر هو المنقول م: (من رمل النبي صلى الله عليه وسلم) ش: وروى مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما «رمل النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر» وفي لفظ لمسلم «أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر، ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله» .
م: (فإن زحمه الناس في الرمل قام) ش: يعني وقف إلى أن يجد فرصة للرمل، وإنما قال:
فإذا وجد مسلكا رمل؛ لأنه لا بد له، فيقف قائما حتى يقيمه على وجه السنة، بخلاف الاستلام؛ لأن الاستقبال بدل له. قال: ويستلم الحجر كلما مر إن استطاع؛ لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير يفتتح كل شوط باستلام الحجر. وإن لم يستطع الاستلام استقبل، وكبر، وهلل على ما ذكرنا، ويستلم الركن اليماني وهو حسن في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه سنة، ولا يستلم غيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم هذين الركنين،
ــ
[البناية]
قام ولم يقل وقف، يشير إلى أنه لا يقعد بل يقف قائماً، وفي " المجتبى " حائنا، فإن وجد فرجة رمل، فإن رمل في كله لا شيء عليه م:(فإذا وجد مسلكاً) ش: يعني فرجة م: (رمل به لأنه لا بد له فيقف قائماً حتى يقيمه على وجه السنة) ش: وهو أن لا يطوف بدون الرمل في تلك الثلاث م: (بخلاف الاستلام) ش: أي استلام الحجر إذا تعذر، لأنه لا يقف إذا ازدحم م:(لأن الاستقبال بدل له) ش: أي للاستلام، وإذا تعذر الاستلام يكتفي بالاستقبال.
م: (قال: ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة " ش: لأنه في كل شوط يفتتح الطواف م: (فكما يفتتح المصلي كل ركعة بالتكبير، كذلك يفتتح الطائف كل شوط باستلام الحجر؛ وإن لم يستطع الاستلام استقبل) ش: وجه السبب هو الافتتاح، فافهم. وإن لم يستطع الاستلام للزحام أو لغيره استقبل الحجر م:(وكبر وهلل على ما ذكرنا) ش: عند قوله: واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً.
م: (ويستلم الركن اليماني) ش: وهو خلاف الشامي لأنها بلاد على يمين الكعبة، والنسبة إليه اليماني بالتحقيق على تعويض الألف من إحدى ياء النسبة، والنسبة إليه في الأصل بتشديد الياء م:(وهو) ش: أي استلام الركن اليماني م: (حسن في ظاهر الرواية) ش: قال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": أما الركن اليماني فإن استلمه فحسن، وإن تركه يضره في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
م: (وعن محمد أنه سنة) ش: لما روى أبو داود في " سننه " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه» م: (ولا يستلم غيرهما) ش: أي غير الركن الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني، وذلك لأن الركنين الآخرين ليسا من أركان البيت، لأن بعض الحطيم من البيت، فيكون هذان الركنان إذا من وسط البيت وليسا بركنين على الحقيقة، ولهذا يجعل الطواف من وراء الحطيم، وقال الشافعي رحمه الله: يستلم اليماني بيده ويقبلها ويقبل الركن، وقال: مالك يستلمه بيده، ولا يقبل يديه وبضعها على فيه، وعن أحمد يقبل الركن.
م: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم هذين الركنين ولم يستلم غيرهما) ش: أي غير الركن اليماني
ولا يستلم غيرهما، ويختم الطواف بالاستلام - يعني استلام الحجر -.
قال: ثم يأتي المقام فيصلي عنده ركعتين، أو حيث تيسر من المسجد، وهي واجبة عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: سنة لانعدام دليل الوجوب. ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين» ؛
ــ
[البناية]
والركن الذي فيه الحجر، وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن ابن عمر بلفظ مسلم «كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني» م:(ويختم الطواف بالاستلام، يعني استلام الحجر) ش: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك في حجة الوداع.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ثم يأتي المقام) ش: يعني بعد فراغه من سبعة الأشواط يأتي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام م: (فيصلي عنده ركعتين، أو حيث تيسر من المسجد) ش: مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجر الذي فيه أثر قدميه والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع قدميه م: (وهي) ش: أي الركعتان المذكورتان م: (واجبة عندنا) ش: وبه قال الشافعي في قوله وبه قال مالك إلا أن عند مالك اتصالهما بالطواف شرط ويجب بتركهما الدم.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: سنة لانعدام الدليل على وجوبها) ش: وفي بعض النسخ لانعدام دليل الوجوب.
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين) ش: هذا الحديث غريب وقيل لا أصل له، واستدل بعضهم لهذا بما رواه البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً ثم صلى خلف المقام ركعتين..» الحديث، وهذا لا يدل على الوجوب، على أن الحافظ الراوي أبا القاسم تمام بن محمد الرازي روى في " فوائده " بإسناده إلى نافع عن ابن عمر قال:«سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل أسبوع ركعتين» واستدل الأترازي على الوجوب بقوله: ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125][البقرة: الآية 125] ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي بكسر الخاء على صيغة الأمر ومطلقه الوجوب، انتهى.
قلت: هذا أجنبي من كلام المصنف لأن الاستدلال على وجوب الركعتين بهذا الحديث فينبغي أن يكون الكلام فيه. فإن قلت: ذكر صاحب " الإيضاح " لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف صلى ركعتين عند المقام وتلا قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125][البقرة: الآية 125] ، رواه الترمذي وغيره وعن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم نسي ركعتي الطواف فقضاهما بذي طوى فدل الأمر والقضاء على الوجوب.
والأمر للوجوب، ثم يعود إلى الحجر فيستلمه، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر، والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر؛ لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام فكذا السعي يفتتح به، بخلاف ما إذا لم يكن بعده سعي،
قال: وهذا الطواف طواف القدوم،
ــ
[البناية]
قلت: قال بعضهم: الأمر في الآية باتخاذ البقعة مصلى وليس فيها الأمر بالصلاة ورد عليه بأن حمل الآية على ذلك لا يصح، لأنه كان لا يصلي قبله، ولأن اتخاذ البقعة ليس إلينا، إنما إلينا فعل الصلاة فلا يجوز حمله عليه.
وقال أصحابنا في حديث جابر في " الصحيح " أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد طوافه، وتلا هذه الآية فنبه صلى الله عليه وسلم أن صلاته كانت امتثالاً لأمر الله تعالى وأمره للوجوب. وقال السدي: وقتادة أمروا أن يصلوا عند المقام، وقال أبو طاهر: الأظهر وجوبها في الطواف الواجب بالدخول في التطوع، قال: ولا خلاف بين أرباب المذاهب أنهما ليسا ركناً، والمذهب أنهما واجبتان يجبران بالدم. قال: وقال به أبو حنيفة رحمه الله.
قلت: لا يجبران عند أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه بالدم، بل يصليهما في أي مكان شاء، ولو بعد رجوعه إلى أهله، وهو قول الشافعي وأحمد رحمه الله. وعند الثوري: يصليهما ما دام في الحرم، وليستا شرطاً لصحة الطواف عند الأئمة الثلاثة مع أصحابهم ولا دم في تركهما عندهم. وللشافعي رحمه الله قولان في وجوبهما، وأصحهما أنهما سنة مؤكدة، وعند أحمد سنة مؤكدة، وهو معنى الوجوب عندنا، وتدخلها النيابة فيهما عند الشافعي رحمه الله، فإن الأخير يصليهما عن المتأخر عنده، وعندنا لا مدخل للنيابة في الصلاة، وهو قول مالك رضي الله عنه، ولو طاف وصلى ركعتين ففي وقوعهما عن الصبي وجهان.
م: (والأمر للوجوب) ش: لأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب م: (ثم يعود إلى الحجر) ش: أي بعد فراغه من الصلاة يعود إلى الحجر الأسود م: (فيستلمه لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر» والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام، فكذا السعي يفتتح به) ش: أي باستلام الحجر.
وبه قال الشافعي رحمه الله لأن السعي للطواف، لأنه يتصل بأشواطه والسنة أن يستلم الحجر بين الشوطين، وكذا بين الطواف والسعي م:(بخلاف ما إذا لم يكن بعده) ش: أي بعد الطواف م: (سعي) ش: لأنه قدم فراغه من الركعتين فلا معنى للعود لما بدأ به الطواف.
م: (قال وهذا الطواف) ش: أي الطواف الذي ذكرنا م: (طواف القدوم ويسمى طواف التحية) ش: ويسمى أيضاً طواف اللقاء وطواف إحداث العهد بالبيت م: (وهو) ش: أي طواف القدوم م:
ويسمى طواف التحية، وهو سنة، وليس بواجب. وقال مالك رحمه الله: أنه واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى البيت فليحيه بالطواف» . ولنا أن الله تعالى أمر بالطواف، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار به، وقد تعين طواف الزيارة بالإجماع، وفيما رواه سماه تحية، وهو دليل الاستحباب
ــ
[البناية]
(سنة وليس بواجب) ش: أي طواف القدوم ليس بواجب عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد.
م: (وقال مالك: إنه واجب) ش: وبه قال أبو ثور م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «من أتى البيت فليحيه بالطواف» ش: ومطلق الأمر للوجوب، فإذا كان واجبا يجب الدم بتركه عنده، وفي " الحلية ": وقال مالك: إن تركه تعجلاً فلا شيء عليه، وإن تركه مطيقاً فعليه الدم، وهذا الحديث غريب.
م: (ولنا أن الله تعالى أمر بالطواف) ش: في قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29][الحج: الآية 29]، م:(والأمر المطلق لا يقتضي التكرار به) ش: ولا يراد به إلا الواحد م: (وقد تعين) ش: بالأمر م: (طواف الزيارة بالإجماع) ش: فلما يبقى غيره مراداً ولا يلزم التكرار، فلا يجوز.
وقال الأترازي: هذا الاستدلال ضعيف، لأن لقائل أن يقول سلمنا أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وسلمنا أيضاً أن طواف الزيارة هو المراد بقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] لكن لا نسلم أن طواف السنة واجباً بدليل آخر توجبه الزيارة للأمر، فالدليل الآخر من غير الكتاب الذي يوجبه، لأن غيره لا يعلم به لأنه ينافي ما ثبت بالدليل القطعي فلا يعمل به، وقوله: ولهذا قلنا
…
إلى آخره - وأراد لأنه يؤتى به بعد تمام التحلل، فلو جعلناه واجباً لا يؤدي إلى تكرار الواجب في الإحرام.
وأما الجواب عن بنيه فقد أشار إليه المصنف بقوله م: (وفيما رواه) ش: أي في الحديث الذي رواه مالك رضي الله عنه م: (سماه) ش: أي سمى الطواف م: (تحية، وهو دليل الاستحباب) ش: لأن التحية في اللغة اسم الإكرام مبتدأ به على سبيل التبرع فلا يدل على الوجوب، وإن كان على صيغة الأمر كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«أكرموا الشهود» .
فإن قلت: يشكل هذا بقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86](النساء: الآية 86) ، وجواب السلام واجب، وإن كان بلفظ التحية.
قلت: الجواب المقيد بالأحسن غير واجب فكانت التحية بمعنى الأحسن، فإن لفظ التحية هنا مخرج على طريق المطابقة لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] فلا يدل على عدم الوجوب.