الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرما؛ لأنه ليس في معنى الجماع، وهو المفسد، ولهذا لا يفسد به الصوم.
قال: ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي، يقال: ما رأيتك منذ أيام، والمراد بلياليها، وكانت متتابعة، وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع، لأن الأوقات كلها قابلة له بخلاف الصوم؛ لأن مبناه على التفرق، لأن الليالي غير قابلة للصوم فيجب على التفرق حتى ينص على التتابع، وإن نوى الأيام خاصة، صحت نيته لأنه نوى الحقيقة.
ــ
[البناية]
والثاني: أن يفسد بها الاعتكاف وإن لم ينزل، وبه قال مالك رضي الله عنه.
والثالث: مثل قولنا، وبه قال المزني وأصحاب أحمد.
م: (ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرما؛ لأنه ليس في معنى الجماع، وهو المفسد) ش: أي الجماع هو المفسد م: (ولهذا لا يفسد به الصوم) ش: أي ولأجل أن التقبيل أو اللمس من غير إنزال لا يفسد به الصوم، لأنه ليس في معنى الجماع.
[حكم من أوجب على نفسه اعتكاف يومين أو أيام]
م: (ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام) ش: نحو أن يقول: لله علي أن أعتكف ثلاثة أيام م: (لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي، يقال: ما رأيتك منذ أيام، والمراد بلياليها) ش: لأن ذكر أحد العددين على طريق الجمع ينتظم ما بإزائه من العدد، ألا ترى إلى قصة زكريا عليه السلام، حيث قال:{أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41][آل عمران: آية 41]، وقال:{أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10][مريم: آية 10] ، والقصة كانت واحدة.
م: (وكانت) ش: أي الأيام م: (متتابعة، وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع) ش: لوجوده في اليوم والليلة م: (لأن الأوقات كلها قابلة له) ش: أي للاعتكاف قوله: - كلها - بالنصب لأنه توكيد الأوقات، وخبر أن قوله - قابلة - وبقولنا قال: مالك وأحمد، ولأحمد في نذر الصوم المطلق روايتان في وجوب التتابع. وقال زفر والشافعي: هو بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق كالنذر بالصوم.
م: (بخلاف الصوم؛ لأن مبناه على التفرق، لأن الليالي غير قابلة للصوم فيجب على التفرق حتى ينص على التتابع) ش: نحو أن يقول: لله علي أن أصوم شهراً متتابعاً يلزمه التتابع، وإذا قال لله عليه أن أصوم شهراً يكون له الخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق، لأن التفريق فيه أصل لوجوده في النهار خاصة.
م: (وإن نوى الأيام خاصة صحت نيته؛ لأنه نوى الحقيقة) ش: أي حقيقة كلامه إذ اليوم اسم لبياض النهار.
ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع، وفي المتوسطة ضرورة الاتصال.
ــ
[البناية]
فإن قيل: الحقيقة منصرف اللفظ بدون قرينة ونية، فما وجه قوله: لأنه نوى الحقيقة؟
أجيب: كأنه اختار ما ذهب إليه بعضهم أن اليوم مشترك بين بياض النهار، ومطلق الوقت واحد، ومعنى المشترك يحتاج إلى ذلك لتعيين الدلالة لا لنفس الدلالة، وعلى تقدير أن يكون مختاره ما عليه الأكثرون، وهو أنه مجاز في مطلق الوقت، فجوابه أن ذكر الأيام على سبيل الجمع صارف له عن الحقيقة فيحتاج إلى النية دفعاً للصارف عن الحقيقة لا للدلالة.
م: (ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما) ش: هذا ظاهر الرواية؛ لأن الليلتين تتناولان يومهما عرفاً، يقال: أرك منذ ليلتين، فيدخل الغروب في اليوم الثاني، ولو نذر اعتكاف [ليلة لا يصح لأنه لا يتناول يومها، والليلة ليست بمحل للصوم، وإذا نذر اعتكاف] يوم صح.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع) ش: كون المثنى غير الجمع ظاهر، ولما كان كذلك كان لفظ المثنى ولفظ المفرد سواء، ولو قال: علي أن أعتكف يوماً لم تدخل ليلته بالاتفاق، فكذا في التثنية.
م: (وفي المتوسطة) ش: أي في الليلة المتوسطة وهي الليلة الوسطى م: (ضرورة الاتصال) ش: يعني اتصال البعض الآخر بالبعض، وهذه الضرورة لم توجد في الليلة الأولى قيل: إن أبا يوسف ترك أصله لأن المثنى له حكم الجمع عنده كما في مسألة الطريق ومحاذاة النساء، وجوابه يحتمل أن يكون روايتان في أن المثنى له حكم الجمع أم لا.
وقال الأكمل: فإن قيل: لما كان المثنى غير الجمع وجب أن لا يكتفى في الجمعة بالاثنين سوى الإمام، وقد اكتفي بالاثنين كما تقدم في باب الجمعة.
أجيب: بأن الأصل ما ذكرت ها هنا بأن العمل فيه بأوضاع الوحدان والجمع، إلا أني وجدت في الجمعة معنى لم يوجد في غيرها، وهو أنه إنما سميت جمعة لمعنى الاجتماع، وفي الجماعة والتثنية ذلك، فإن كانت التثنية في تحقيق معنى الاجتماع كالجمع، فاكتفيت بها، انتهى.
قلت: كلامه بهذه العبارة يوهم أنه هو القائل بما قاله حيث أسنده إلى نفسه وليس كذلك، فإن القائل لهذا هو أبو يوسف رحمه الله حيث قال في " النهاية ": وأما أبو يوسف فيقول كان من حق حكم التثنية أن يغاير حكم الجمع في كل موضع، لأن فيه عملاً بالأوضاع وهو وحدان وتثنية وجمع، إلا أني قد وجدت في الجمعة، فذكره إلى آخر ما ذكره الأكمل.
وجه الظاهر: أن في المثنى معنى الجمع، فيلحق به احتياطا لأمر العبادة، والله أعلم.
ــ
[البناية]
وقال صاحب " النهاية ": قوله: قال أبو يوسف رحمه الله: لا تدخل الليلة الأولى كان من حقه أن يقال: عن أبي يوسف رحمه الله كما هو المذكور بلفظ عن في نسخ شروح " المبسوط " و " الجامع الكبير ".
م: (وجه الظاهر) ش: أشار به إلى أن ما ذكره أبو يوسف خلاف الظاهر م: (أن في المثنى معنى الجمع، فيلحق به) ش: أي بالجمع (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (لأمر العبادة) ش: أي لأجل أمر العبادة، وفيه إشارة إلى أن أبا حنيفة ومحمدا لم يلحقا المثنى بالجمع في الجمعة لعدم الاحتياط في ذلك؛ لأن الاحتياط في الخروج عن عهدة ما عليه يتعين، وذلك في الإلحاق غير معين لأن الجماعة شرط على حدة بالاتفاق، وفي كون التثنية بمعنى الجمع تردد لتجاذب المفرد والجمع، إذ هي بينهما في اشتراط الجمع لا تردد في الخروج، فكان شرطاً، وأما في الاعتكاف ففي إلحاقه بالجمع خروج عنهما بيقين، لأن إيجاب ليلتين مع يومين أحوط من إيجاب يومين بليلة فافهم.