الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة، واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب
ــ
[البناية]
[جزاء الصيد ومقداره]
م: (والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة) ش: قيد بالممتنع احترازاً عن الدجاج، والبط الأهلي، وقيد بالمتوحش في أصل الخلقة ليدخل الحمام المسرول، ويخرج البعير المتوحش؛ فإنه لا يدخل في حكم الصيد، ولا يثبت له؛ لأنه عارض إلا في حق الزكاة للضرورة، وأما البط الذي يطير في الهواء جنس آخر، وهو من جملة الطيور، كذا في " الإيضاح ": وقال مالك رحمه الله لا جزاء في المستأنس كالحمام المسرول، والطيب لخروجه من الامتناع.
م: (واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب) ش: روى البخاري، ومسلم عن مالك، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة» وليس في هذه الرواية من الذئب ولا الحية.
وفي رواية لمسلم ذكر الخمسة، وأما الذئب، ففي رواية الدارقطني في " سننه ": عن حجاج ابن أرطاة، عن وبرة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن عمر يقول: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب، والفأرة، والحدأة، والغراب» والحجاج لا يحتج به.
قوله: واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس فيه حقيقة الاستثناء لأنه لا يتصور، وإنما معناه بين رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم دخول الخمس الفواسق في الآية الكريمة المذكورة، وما جاز قتل هذه الخمسة بالحديث خرجت عن حكم حرمة قتل الصيد، استعار لفظ الاستثناء لوجود معناه، وإن لم توجد صورته، والخمس منصوب بلفظ استثنى، والفواسق بالنصب أيضاً صفة، وهو جمع فاسقة، وسميت فواسق بطريق الاستعارة لخبثهن.
وقيل: لخروجهن عن الحرمة، والفسق الخروج من الاستقامة، ومنه قيل للعاصي فاسق لخروجه عما أمر به، وقيل: سميت فواسق لإرادة تحريم أكلها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] بعدما ذكر ما حرم من الميتة والدم، وقيل: لخروجهن عن السلامة منهن إلى الأذى، وقيل: لخروجهن عن الانتفاع بهن، ثم تنصيص الخمس بالذكر لا ينافي ما عداه مما هو في معناهن، ألا ترى إلى ما روى الحسن عن مسلم عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:«أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، وسماه فويسقاً» .
وعم أم شريك رضي الله عنها «أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتل الأوزاغ» رواه البخاري، ومسلم، وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقتل المحرم السبع العادي، والكلب العقور، والفأرة، والعقرب نوالحدأة، والغراب» رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن ورواه أبو داود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وأيضاً فهذا فيه ستة، والمذكور في الصحاح خمسة، والذي ذكره المصنف ستة، الأول: الكلب العقور، ذكر أبو عمر أن ابن عيينة قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به، وعن أبي هريرة رحمه الله: الكلب العقور الأسود، وعن مالك رحمه الله: هو كل ما عقر الناس، وعدا عليهم مثل الأسد، والنمر، والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع، والثعلب، وشبههما فلم يقتله المحرم، وإن قتله فداه.
وزعم النووي رحمه الله أن العلماء اتفقوا على جواز قتل الكلب العقور للمحرم، والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به فقيل: هو الكلب المعروف، حكاه عياض عن أبي حنيفة، والأوزاعي، والحسن بن جني، وألحقوا به الذئب، وحمل زفر الكلب على الذئب وحده، وفي " المبسوط ": المراد من الكلب العقور الذئب، وقيل: الكلب والذئب واحد، لأن الكلب المعروف أهلي، وليس بصيد، ولا يدخل الأسد وإن صح انه عليه الصلاة والسلام سماه كلباً لتضمنه إبطال العذر.
قلت: هذا قول ابن ندمي الحصر والصحيح ما ذكرنا أن التنصيص على عدد لا ينافي ما زاد عليه، وقد ذكرت في " شرح الكنز " عن أبي حنيفة رحمه الله الكلب العقور وغيره، والمستأنس، والمتوحش منه سواء.
وقال أبو المعالي: جمع الكلب أكلب، وكلاب، وكليب، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا قليلاً نحو عبد وعبيد وجمع الأكلب أكالب، وفي " المحكم ": ويقال في جمع كلاب: كلابات، وأكالب، كالحامل جماعة الكلاب، والكلبة الأنثى، وجمعها كلبات جمع مكسر، وفي " المحيط "، و " البدائع ": الكلب العقور شأنه الوثوب على الناس، وغيرهم ابتداء، وهذا المعنى موجود في الأسد، والنمر، والفهد، بل أشد، فكان ورود النص في الكلب العقور قد ورد فيما ذكرناه، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام:«السبع العادي» في حديث الترمذي الذي ذكرناه.
الثاني من الستة: الذئب، وقد ذكرنا فيه من الكلام، ولكن الظاهر أنه هو الذئب غير الكلب، وهو الذئب المعهود.
الثالث: الحداء بكسر الحاء، وبعد الدال ألف ممدودة بعدها همزة مفتوحة، وجمعها حدد مثل عنب وحداي، كذا في " الدستور "، وقال الجوهري رحمه الله: حدأة، وفي " المطالع ": الحدأة لا يقال فيها إلا بكسر الحاء، وقد جاء الحداء يعني بالفتح، وهو جمع حدأة، وجاء الحديا على وزن الثريا، ويجوز قتل الحدأة سواء كان للمحرم أو للحلال؛ لأنها تبتدئ بالأذى، وتخطف اللحم من أيدي الناس، وروي عن مالك رحمه الله في الحدأة والغراب أنه لا
فإنها مبتدئات بالأذى. والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله. قال: وإذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله
ــ
[البناية]
يقتلهما المحرم، إلا أن يبتدئا بالأذى، والمشهور من مذهبه خلافه.
الرابع: الغراب، وقد ذكره المصنف على ما يجيء، وقال غيره: الغراب الأبقع الذي في ظهره، وبطنه البياض، والغراب الأورع، والدرعي الأسود والأعصم الأبيض الرجلين، وروي المنع عن ذلك.
وقال مجاهد رحمه الله: يرمي التراب، ولا يقتله، وقال به قوم، واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري رحمه الله «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم، قال: " الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله.» الحديث رواه ابن ماجه، وقال أبو عمر رضي الله عنه ليس هذا مما يحتج به على حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي مر ذكره.
الخامس: الحية.
السادس: العقرب، وذكر أبو عمر عن حماد بن أبي سليمان، والحكم أن المحرم لا يقتل الحية والعقرب، رواه عنهما شعبة قال: وحجتهما أنهما من هوام الأرض، وقال القاضي: لم يختلف في قتل الحية والعقرب، وقال أبو عمر: لا خلاف عن مالك رحمه الله، وجمهور العلماء في قتل الحية، والعقرب في الحل، والحرم، وكذلك الأفاعي، ولا شيء في قتل الرتيلا، وأم الأربعة والأربعين.
م: (فإنها مبتدئات بالأذى) ش: أي فإن الستة التي استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها مبتدئات بالأذى، يعني أن يؤذين ابتداء من غير تعرض أحد إليهن، والمؤذي يقتل م:(والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله) ش: يعني دون الغراب غراب الزرع والقعقع. وفي " السروجي ": «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الحية في الحل والحرم» أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم صلى الله عليه وسلم، فأدخلت إبليس الحية بين أيديها، ولو كانت يروه لم يتركها رضوان خازن الجنة أن تدخله، والفأرة أبدت جوهرها بأن عمدت إلى حبال سفينة نوح صلى الله عليه وسلم فقطعتها، والغراب أبدى جوهره حيث بعثه نوح نبي الله صلى الله عليه وسلم ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره، وأقبل على جيفة. والوزعة نفخت إلى نار إبراهيم صلى الله عليه وسلم من بين سائر الدواب فعلنت.
م: (قال: وإذا قتل المحرم) ش: وفي غالب النسخ قال: وإذا قتل، أي قال القدوري رحمه الله: إذا قتل المحرم م: (صيدا أو دل عليه) ش: أي على الصيد م: (من قتله) ش: بأن قال في
فعليه الجزاء أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (96 المائدة) نص على إيجاب الجزاء. وأما الدلالة ففيها خلاف الشافعي رحمه الله. هو يقول: الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبه دلالة الحلال حلالا. ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
ــ
[البناية]
مكان، كذا صيد فقتله المدلول عليه م:(فعليه الجزاء) ش: أي فعلى الدال المحرم الجزاء، سواء كان المدلول محرماً، أو حلالاً، وسيجيء تفسير الجزاء إن شاء الله تعالى.
م: (أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (المائدة: 96) ش: أي أما حكم القتل وهو وجوب الجزاء م: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95](المائدة الآية: 96)) ش: استدل على حرمة قتل المحرم الصيد بهاتين الآيتين الكريمتين إحداهما قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقد نهى الله تعالى عن قتل الصيد في حالة الإحرام والواو في قوله: وأنتم للحال أي: وأنتم محرمون، والحرم جمع حرام يعني محرم، وقال النووي، والعراقي: جمع محرم، وليس بصحيح، من جهة الصناعة، ووقع الإجماع على تحريم قتل صيد البر على المحرم، وتحريم اصطياده، وكذا نقل النووي رحمه الله الإجماع عليه، ويدل عليه الآية المذكورة، والآية الثانية قوله عز وجل {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية: 96) ، أي فعلية جزاء يماثل المقتول من النعم الوحشي، ومثل الحيوان قيمة؛ لأن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، فإذا تعذر ذلك حمل على المثل المعنوي، وهو القيمة.
م: (نص على إيجاب الجزاء) ش: أي نص عز وجل على القاتل م: (وأما الدلالة) ش: أي وأما حكم دلالة المحرم غيره على قتل الصيد م: (ففيها خلاف الشافعي رحمه الله) ش: ومالك رضي الله عنه: والقسمة العقلية فيها أربعة أقسام، إما أن يكون الدال والمدلول حلالين أو محرمين، أو الدال حلالاً، والمدلول محرماً، أو بالعكس من ذلك. الأول: ليس مما نحن فيه، والثاني على كل واحد منهما جزاء عندنا، والثالث: على المدلول الجزاء دون الدال، وفي الرابع: عكسه. وقال الشافعي رحمه الله: لا شيء على الدال أصلاً.
م: (هو يقول) ش: أي الشافعي م: (الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبهت دلالة الحلال حلالا) ش: على صيد الحرام، حيث لا يجب على الدال شيء؛ لأنه لا إيصال للدلالة بالمحل، وهذا بخلاف المودع إذا دل سارقاً على الوديعة التي تحت يده يجب عليه ضمانها؛ لأنه التزم حفظها بإثبات يده عليها.
م: (ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه) ش: حديث أبي قتادة هذا تقدم في أول باب الإحرام عند قوله: ولا يقتل صيداً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (المائدة:
وقال عطاء رحمه الله: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء؛ ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن على الصيد، إذ هو آمن بتوحشه وتواريه، فصار كالإتلاف؛ ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه كالمودع، بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته، على أن فيه الجزاء على ما روي عن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة، حتى لو كذبه وصدق غيره لا ضمان على المكذب.
ــ
[البناية]
الآية 95) ، ولا يشير إليه ولا يدل عليه.. الحديث عن أبي قتادة، ومر الكلام فيه هناك م:(وقال عطاء: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ش: قال الكاكي رحمه الله: هو عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مخرج الأحاديث: هذا غريب، وكأنه ابن أبي رباح صرح به في " المبسوط "، وغيره، وذكره ابن قدامة في " المغني " عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وقال الطحاوي رحمه الله: هو مروي عن عدة من الصحابة، ولم يرو عنهم خلافه، فكان إجماعاً.
م: (ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن عن الصيد، إذ هو) ش: كلمة إذ للتعليل والضمير يرجع إلى الصيد م: (آمن) ش: من التعرض إليه م: (بتوحشه) ش: أي بسبب توشحه وأصل الوحشة خلاف الأمن، وقال ابن الأثير: والوحشة الخلوة، ومنه يقال: مكان وحش إذا كان خالياً لا ساكن فيه م: (وتواريه) ش: أي عن أعين الناس، وبالدلالة يزول ذلك م:(فصار كالإتلاف) ش: أي صار إزالة أمنه كإتلافه م: (ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه) ش: أي بسبب ترك ما التزمه بعدم التعرض إليه م: (كالمودع) ش: إذا دل سارقاً على الوديعة م: (بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته) ش: فلا يلزمه شيء.
فإن قلت: كان ينبغي الجزاء على الحلال أيضاً إذا دل؛ لأنه ملتزم أيضاً بترك التعرض لصيد الحرم بالإسلام.
قلت: الإسلام ليس بكاف في إيجاب الضمان؛ بل التزم الأمان بعقد خاص هو المعتبر، ولهذا إذا دل الأجنبي بسرقة الوديعة إنساناً لا يجب على الأجنبي ضمان، وإن كان الإسلام موجوداً.
م: (على أن فيه الجزاء) ش: أي فيما إذا دل الحلال على صيد الحرم الجزاء م: (على ما روي عن أبي يوسف وزفر) ش: ذكره في " مختصر الكرخي " م: (والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة) ش: أي وأن يصدق المدلول الدال ليكون في معنى الإتلاف م: (حتى لو كذبه) ش: أي حتى لو كذب المدلول الدال م: (وصدق غيره) ش: أي غير الدال م: (لا ضمان على المكذب) ش: بفتح الذال، وفيه إشارة إلى أن الضمان على ذلك الغير إن كان
ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا، وسواء في ذلك العامد والناسي؛ لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال. والمبتدئ والعائد سواء
ــ
[البناية]
محرماً، وهاهنا شروط أخر لم يذكرها أن يتصل القتل بهذه الدلالة؛ لأن مجرد الدلالة لا يوجب شيئاً، والثاني: أن يبقى الدال محرماً عند أخذه المدلول؛ لأن فعله إنما [....] جناية إذا بقي محرماً إلى وقت الفعل.
والثالث: أن يأخذه المدلول قبل أن ينقلب فلو صدقه ولم يقتله حتى انقلبت ثم أخذه بعد ذلك، فقتله لم يكن على الدال شيء؛ لأن ذلك بمنزلة جرح الأول.
م: (ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا) ش: أشار إلى قوله: لأنه لا التزام من جهته م: (وسواء في ذلك) ش: أي سواء في الضمان م: (العامد والناسي) ش: سواء كانا قاتلين أو دالين، ولا خلاف للأئمة الأربعة إلا ما روي عن بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه أن في وجوب الضمان على الناسي قولين، وكذلك في المخطئ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا شيء على المخطئ، وبه أخذ داود الأصبهاني وسالم، والقاسم لظاهر قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95](المائدة الآية: 95) ، وروي عن سعيد بن جبير، وأحمد كذلك، وفي الخطأ روايتان.
م: (لأنه) ش: أي لأن الجزاء م: (ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال) ش: فإن في غرامات الأموال يستوي العامد، والناسي، كالكفارة بقتل المسلم؛ لأنه تعالى حرم قتل الصيد تعمداً بقوله:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95](المائدة: الآية 95)، وتقييده في الآية بالعمد ليس لأخذ الجزاء بل للوعيد المذكور في آخر الآية بقوله:{لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وليس قتل العمد يدل على نفي الحكم عما عداه، فجاز أن يثبت حكم النسيان بدليل آخر، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«الضبع صيد، وفيه شاة» من غير فصل بين عمد ونسيان، وعن الزهري - رحمه: نزل الكتاب بالعمد، ووردت السنة بالخطأ، وهو مذهب عمر، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
م: (والمبتدئ) ش: هو الجاني أول مرة م: (والعائد) ش: هو الجاني ثانياً، إلا أن يكون المراد به العود بالقتل م:(سواء) ش: أي مستويات في وجوب الضمان، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا جزاء على العائد، وبه قال داود وشريح، ولكن يقال: اذهب فينتقم الله منك، فظاهر قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95](المائدة: الآية 95) .
قلنا: إن ضمان إيجابه لا يختلف بالابتداء والعود بل جناية العائد أشد، والمراد من الآية: ومن عاد بعد العلم بالحرمة كما في آية الربا {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 275](البقرة: الآية 275)، أي: ومن عاد إلى المباشرة بعد العلم بالحرمة، كذا في " مبسوط الأسبيجابي،
لأن الموجب لا يختلف. والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه، أو في أقرب المواضع منه إذا كان في برية، فيقومه ذوا عدل، ثم هو مخير في الفداء إن شاء ابتاع بها هديا، وذبحه إن بلغت هديا، وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير، وإن شاء صام
ــ
[البناية]
والكاكي ".
م: (لأن الموجب لا يختلف) ش: أي لأن الموجب للضمان وهو الإتلاف لا يختلف بالابتداء والعود، فيجب الجزاء في الحالين كالصيد المملوك م:(والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: هذا شروع في تفسير الجزاء، وهو عند أبي حنيفة، وأبي يوسف م:(أن يقوم الصيد) ش: أي يقوم من حيث نفس الصيد لا من حيث الصفة، حتى لو قتل البازي المعلم فعليه قيمة غير معلم؛ لأن كونه معلماً عارض لا مدخل فيه في الصيدية م:(في المكان الذي قتل فيه) ش: أي قتل فيه إن كانت للصيد قيمة في ذلك المكان، وإلا فيقوم في أقرب الأماكن الذي له قيمة فيه، وهو معنى قوله: م: (أو في أقرب المواضع منه) ش: أي من المواضع الذي قتل فيه م: (إذا كان في برية) ش: أي إذا كان القتل في برية، ثم قتل الصيد على ضربين محرم ومباح، فالمحرم قتله بغير سبب يبيحه ففيه الجزاء بالنص، والمباح أنواع، أحدها في حالة الاضطرار، فيباح بلا خلاف، ويضمن قيمته وجد غيره أو لم يجده، كما إذا كان بمال الغير في المخمصة.
وقال الأوزاعي: لا ضمان في حالة الضرورة، والثاني: إذا صار عليه ولم يمكنه دفعه فلا شيء عليه. وقال زفر رحمه الله عليه الجزاء كالجمل الصائل، ونقل أبو بكر من الحنابلة وجوب الجزاء عن أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وأخطأ في نقل الثالث إذا خلص صيداً من سبع أو شبكة، فتلف بذلك، فلا شيء عليه، وبه قال عطاء. وهو رواية عن أحمد، وعنه أنه يضمن، وهو قول قتادة.
الرابع: لو حفر بئر الماء، أو تنور الطبخ، فوقع في ذلك صيد، فلا جزاء عليه، ولو كان للاصطياد إلا إذا حفر للذئب، أو للاصطياد الذي شرع بإباحة قتله، فوقع فيه غيره، فمات فلا جزاء عليه لعدم التعدي، وكذا رو أرسلر كلبه على [.....] فأخذ غيره لا يضمن ذكر ذلك الأسبيجابي.
م: (فيقومه ذوا عدل) ش: أي يقوم الصيد رجلان عدلان ممن لهم معرفة في قيمة الصيد م: (ثم هو مخير) ش: أي ثم القاتل مخير م: (في الفداء) ش: وفي بعض النسخ في الفدية م: (إن شاء ابتاع بها هديا وذبحه) ش: أي اشترى بها، أي بالقيمة هدياً وذبحه م:(إن بلغت هديا) ش: أي قيمته قيمة ما يهدى به م: (وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: فإن فعل هذا فهو بالخيار م: (وإن شاء صام) ش: مكانه يوماً كاملاً، وإن شاء
على ما نذكر، وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجب في الصيد النظير فيما له نظير، ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة،
وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة؛ لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة رضي الله عنهم أوجبوا
ــ
[البناية]
تصدق به؛ لأن صوم نصف النهار لا يجوز م: (على ما نذكر) ش: فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
م: (وقال محمد والشافعي رضي الله عنهما: يجب في الصيد النظير فيما له نظير) ش: أي يجب في قتل الصيد مثله فيما له مثل من حيث القيمة، وبه قال مالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم، ثم فسر النظير بقوله: م: (ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق) ش: وهو الأنثى من أولاد المعز، وفي " خزانة الأكمل " عناق، أو جدي، وهو الذكر من أولاد المعز، وهو دون الجذع م:(وفي اليربوع جفرة) ش: وقال الرافعي رحمه الله: يجب أن يكون المراد هاهنا بالجفرة ما دون العناق؛ لأن الأرنب خير من اليربوع، فكيف يستوي في موجبها؟!
قلت: ذكرتم في موجب الطير، والحمام بإيجاب الشاة فيهما، وقال الأترازي رحمه الله: اليربوع اسم حيوان من الحشرات فوق الجرد، والذكر، والأنثى فيه سواء، وقال الجوهري رحمه الله: الياء فيه زائدة؛ لأنه ليس في كلامهم بعلول، وأرض مربعة ذات يرابيع، والجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء الأنثى من أولاد المعز.
م: (وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة) ش: وكذا في بقر الوحش بقرة، وفي الثعلب الجزاء، روي ذلك عن عطاء، وقتادة ومالك، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم في رواية الجزاء هو الشاة، ولا شيء فيه عند الزهري، وعمرو بن دينار، وابن أبي نجيح، وابن المنذر، وروى ابن القاسم عن مالك في الضب قيمته طعاماً، أو صياماً، وفي رواية ابن وهب شاة، وأوجب ابن حبيب في الدب الجزاء، وأوجب الرافعي الجزاء في أم حبين بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة وروى الشافعي والبيهقي بإسناد عن عثمان بحلاب من المغنم بضم الحاء المهملة وتشديد اللام، وهو الحمل أي الحرون، وفي إسناده مطرف بن مازن وهو ضعيف جداً، وقال يحيى بن معين: هو كذاب.
واختلف الشافعية في حل أكل أم حبين، وقال النووي: الأصح حل أكلها، ووجوب الجزاء فيها، وأم حبين دابة على صورة الحرباء، وعن عطاء في القنفذ شاة رواه عنه سعيد بن منصور، وهو شذوذ؛ لأن القنفذ لا يشبه الشاة لا في الصورة ولا في المعنى، ولا في القيمة.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 95)، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة) ش: لأن من النعم بيان المثل م: (لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة رضي الله عنهم أوجبوا النظير من حيث الخلقة والمنظر في النعامة والظبي وحمار الوحش والأرنب على ما
النظير من حيث الخلقة، والمنظر في النعامة، والظبي، وحمار الوحش، والأرنب على ما بينا.
وقال صلى الله عليه وسلم «الضبع صيد وفيه شاة» ، وما ليس له نظير عند محمد رحمه الله تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما، وإذا وجبت القيمة كان قوله كقولهما، والشافعي رحمه الله يوجب في الحمامة شاة
ــ
[البناية]
بيناه) ش: أراد به ما ذكره من قوله: ففي الظبي شاة
…
إلى آخره، والمراد من الصحابة جماعة منهم على ما رواه الشافعي، ومن جهة ما رواه البيهقي في " سننه " عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر، وعثمان، وعلياً، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية رضي الله عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل، انتهى.
وقال الشافعي: إنما القول في النعامة بدنة بالقياس لا بهذا الأثر فإن هذا الأثر غير ثابت عند أهل العلم بالحديث، قال البيهقي: وسبب عدم ثبوته أن فيه ضعفاً وانقطاعاً، وذلك لأن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين، قال ابن معين وغيره: فلم يدرك عمر، ولا عثمان، ولا علياً ، ولا زيد بن ثابت، وكان في زمن معاوية صبياً ، ولم يثبت له سماع من ابن عباس رضي الله عنه مع احتمال أن ابن عباس توفي سنة ثمان وتسعين، وعطاء الخراساني مع انقطاع حديثه هذا متكلم فيه، وروى مالك في " الموطأ " أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
م: (وقال صلى الله عليه وسلم «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الأربعة أصحاب السنن من «حديث جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع أصيد هو، قال: " نعم، ويجعل فيه كبش» ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح م: (وما ليس له نظير) ش: أي من حيث الخلقة م: (عند محمد رحمه الله تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما) ش: مثل الحمام، والقمري، والفاختة.
م: (وإذا وجبت القيمة كان قوله) ش: أي قول محمد رحمه الله م: (كقولهما) ش: أي كقول أبي يوسف، وأبي حنيفة في تغريم الصيد، والشراء، بقيمة الهدي، وإن بلغت هدياً ، أو اشترى بها طعاماً للمتصدق كما مر عن قريب، وحاصل الخلاف في موضعين، أحدهما أن الخيار إلى القاتل عندهما، وعند محمد رحمه الله معهما في هذا، والله أعلم.
م: (والشافعي رحمه الله يوجب في الحمامة) ش: وليس للحكم إلا تعيين القيمة عند محمد رحمه الله الخيار للحكمين، والثاني: تجب القيمة فيما له نظير، أو لم يكن له نظير
ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، ولا يمكن الحمل عليه فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع كما في حقوق العباد، أو لكونه مرادا بالإجماع
ــ
[البناية]
عندهما، وعند محمد رحمه الله معهما في هذا، والله أعلم. الشافعي رضي الله عنه يوجب في الحمامة شاة م:(ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب) ش: من العب وهو شرب الماء بلا مص، وهو جرعه جرعاً شديداً، كما تجرع الدواب، ويقال: العب أن يشرب الماء مرة من غير أن يقطع الجرع من باب طلب، وقال أبو عمر رضي الله عنه: والحمام يشرب هكذا، بخلاف سائر الطيور، فإنها تشرب شيئاً فشيئاً.
م: (ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف) ش: من هدر البعير والحمام إذا صوت من باب ضرب يضرب، والشاة ليست نظيرة للحمامة، لا في الصورة، ولا في المعنى، ولا في القيمة فإن الحمامة تساوي نصف درهم، والشاة تساوي عشرين درهماً ، بل وثلاثين وأكثر، والشاة من ذوات الظلف تمشي على أربع، والحمامة من الطيور ولها جناحان، وتمشي على رجلين، ولا اعتبار للعب إذا لم يرد اعتبار أبي يوسف رحمه الله م:(أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى) ش: أراد أن الله عز وجل أطلق المثل في قوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] والمطلق ينصرف إلى الكامل، وهو المثل من حيث الصورة، ومن حيث المعنى م:(ولا يمكن الحمل عليه) ش: أي على مثل صورة، ومعنى الخروج ما ليس له مثل صوري من تأويل النص، وفي ذلك إهمال عن حكم الشرع.
م: (فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع) ش: أي لكون المثل معهوداً في الشرع، كما إذا أتلف إنسان ثوب غيره مثلاً تجب عليه قيمته، أما اعتبار الصورة فلا معنى فليس بمعهود في الشرع، ولو كان من الواجب من حيث الخلقة لم يحتج فيه إلى حكم عدلين لحصول العلم بالحس والمشاهدة.
م: (كما في حقوق العباد) ش: فإن الحكم فيها بالمثل المعنوي، قال الله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية 194) ، وثمة لما تعذر الحمل على المثل صورة ومعنى حمل على المثل معنى، فكذلك هاهنا م:(أو لكونه) ش: أي أو لكون المثل المعنوي م: (مرادا بالإجماع) ش: فيما لا مثل له صورة كالعصفور، فلا يكون غيره مراداً، وإلا لزم عموم المشترك المعنوي، ولا عموم له في موضع الإثبات، ولما فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكلاهما غير جائز.
فإن قلت: المثل ليس بمشترك بين المثل صورة، وبين المثل معنى، ولا هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، حتى يلزم ما ذكرتم، بل هو مطلق يتناول الصورة والمعنى، كما أنه يتناول المؤمنة
أو لما فيه من التعميم، وفي ضده التخصيص، والمراد بالنص - والله أعلم - فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي،
واسم النعم يطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة والأصمعي - رحمهما الله عنه - والمراد بما روي
ــ
[البناية]
والكافرة، فيدخل تحت المثل المطلق والمعنوي، كما في قَوْله تَعَالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] دخل ما له مثل صورة ومعنى، كما في المثليات، وما ليس له مثل لا معنى كالقيمات.
قلت: أجيب بأن المطلق ما يتعرض للذات دون الصفات، لا بالنفي، ولا بالإثبات، فهو الدال على الماهية فقط، وذلك يتحقق تحته كل فرد من أفراده المحتملة، فلو كان دالاً على ذلك لوجبت النعامة على النعامة، وليس كذلك بل حقيقة فيه في المطلق، ومجاز في غيره، والمجاز هنا مراد بالإجماع، فلا يكون غيره مراداً، ومثل ذلك قوله في الآية الأخرى.
أما على قول من يقول: يوجب الغصب القيمة، ورد مخلص فظاهر؛ لأن الموجب الأصلي أولى بالإرادة ورد العين ثبتت بقوله صلى الله عليه وسلم:«على اليد ما أخذت حتى ترده» ، وأما على قول من يقول بموجب الغصب رد العين وأداء القيمة يخلص فكذلك القيمة ثابتة بالكتاب ورد العين بالسنة وهذا الكلام مبحث من كلام السغناقي، وغيره.
م: (أو لما فيه من التعميم) ش: دليل آخر، أي لما في دليل المثل معنى من التعميم؛ لأنه يتناول ما له نظير، وما ليس كذلك م:(وفي ضده التخصيص) ش: وفي اعتبار المثل صورة التخصيص لتناوله ما له نظير فقط، والعمل بالتعميم أولى؛ لأن النص حينئذ أعم فائدة م:(والمراد بالنص - والله أعلم -) ش: هذا جواب عن قوله: لأن القيمة لا تكون نعماً، تقديره، والمراد بالآية م:(فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي) ش: ولما اعترض المعترض بقوله: كيف يقول من النعم الوحشي، والنعم يراد به الأهلي، ولا يجب بقتل الأهلي، فأجاب دفعاً لسؤاله بقوله:
م: (واسم النعم ينطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة) ش: واسمه معمر بن المثنى التميمي من تيم قريش مولاهم، وفي بعض النسخ: أبو عبيد بدون التاء في آخره، واسمه القاسم بن سلام البغدادي صاحب كتاب " الحديث "، والأول أصح م:(والأصمعي) ش: واسمه عبد الملك بن قريب، وهما الإمامان في اللغة ثقتان في نقلهما، فقال: النعم كما يطلق على الأهلي يطلق على الوحشي أيضاً.
فإن قلت: ما تصنع بقوله: هدياً، وهو حال من جزاء، فإن كان الجزاء القيمة كيف يمكن أن يكون هدياً بالغ الكعبة، بأن معناه إذا قوم فبلغت قيمته هدياً بالغ الكعبة.
م: (والمراد مما روي) ش: هذا الجواب عما روى محمد رحمه الله من قوله عليه الصلاة والسلام: «الضبع صيد، وفيه الشاة» لأنه لا مماثلة بين الضبع والشاة من حيث الخلقة، وإنما
التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار إلى القاتل في أن يجعله هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: الخيار إلى الحكمين في ذلك، فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف. لهما أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين. ولمحمد والشافعي
ــ
[البناية]
المماثلة بينهما قد تكون من حيث القيمة، وهذا نظير ما قال علي رضي الله عنه في ولد المعز والغلام بالغلام، والجارية بالجارية، والمراد القيمة، والدليل عليه أنهم أوجبوا في الحمامة شاة، ولا تشابه بينهما في النظر، فدل أنهم أوجبوها بالقيمة م:(التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار) ش: يعني بعد حكم الحاكمين يكون الخيار م: (إلى القاتل في أن يجعله) ش: أي في أن يجعل النسك م: (هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كما في كفارة اليمين، حيث يكون بالخيار إلى الحالف، يختار أحد الأشياء الثلاثة من الإطعام، والكسوة، والتحرير؛ لأن الخيار للوقت بالحالف فكذا هنا.
م: (وعند محمد والشافعي رضي الله عنهما الخيار) ش: أحدثه م: (إلى الحكمين في ذلك) ش: أي في تعيين النوع م: (فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف) ش: يعني من اعتبار القيمة من حيث المعنى م: (لهما) ش: أي لأبي حنفية، وأبي يوسف - رحمهما الله - م:(أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين) ش: حيث يكون الخيار إلى الحالف، وقد ذكرناه الآن.
م: (ولمحمد والشافعي رضي الله عنهما) ش: ذكر المصنف رحمه الله، والشافعي رضي الله عنه مع محمد رحمه الله في كون الخيار إلى الحكمين المذكور في كتب أصحابه أن الخيار إلى القاتل كما في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم يذكر في " المبسوط " ، و " الأسرار " و " شرح التأويلات " قول الشافعي رحمه الله بل اقتصر فيها على قول محمد رحمه الله، قال الكاكي: ولم يلزم من عدم ذكر محمد رحمه الله مع الشافعي رحمه الله في هذه الكتب عدم كونه مع محمد رحمه الله، وذكر في " الحلية " وما حكمت الصحابة رضي الله عنهم فيه بالمثل لا يحتاج فيه إلى اجتهاده، وما لم يحكم فيه فلا بد من حكمين، ثم قيل: يجوز أن يكون القاتل أحدهما، وفيه وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو المذهب، وقال مالك رحمه الله: لا بد من الحكمين في الجميع، وفي " تتمتهم ": لا يتعين على قاتل الصيد إخراج المثل من النعم، ولكنه يخير إن شاء ذبح بالمثل، وإن شاء قومه وصرف قيمته إلى الطعام وتصدق به على كل مسكين مداً ، وإن شاء صام بدل كل مد يوماً، وعن أحمد رحمه الله لا يخرج الطعام، وإنما التقويم بالطعام لمعرفة
قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الآية (95 المائدة) ذكر الهدي منصوبا لأنه تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر الطعام، والصيام بكلمة " أو "، فيكون الخيار إليهما. قلنا: الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي بدليل أنه مرفوع، وكذا قَوْله تَعَالَى:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع، فلم يكن فيها دلالة اختيار الحكمين، وإنما يرجع إليهما في تقويم المتلف ، ثم الاختيار بعد ذلك إلى من عليه، ويقومان في المكان الذي أصابه لاختلاف القيم باختلاف الأماكن
ــ
[البناية]
قدر الصيام م: (قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95)) ش: ووجه ذلك أنه م: (ذكر الهدي منصوبا لأنه) ش: أي لأن قوله هدياً م: (تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] ش: فإن ضمير به مبهم يفسره بقوله: هدياً، فكان نصا على التفسير، قيل: بل التمييز فثبت أن المثل إنما يصير مثلياً باختيارهما وحكمهما م: (أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر) ش: على أن يكون بدلاً عن الضمير محمولاً على محله، كما في قَوْله تَعَالَى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام: 161](الأنعام: الآية 161) ، وفي ذلك تنصيص إلى أن التعيين إلى الحكمين ثم لما ثبت ذلك في الهدي ثبت في الطعام والصيام لعدم القائل بالفعل.
م: (الطعام، والصيام بكلمة " أو ") ش: التي للتنويع والتخيير عطفاً على هدياً بدليل قراءة عن ابن عمر أو كفارة بالنصب م: (فيكون الخيار إليهما) ش: ويقال: إن الشافعي رحمه الله لا يرى الاستدلال بالقراءة الشاذة وقراءة عيسى شاذة م: (قلنا) ش: جواب عن استدلال محمد رحمه الله، والشافعي رحمه الله م:(الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي) ش: أراد أن ما قالا إنما يصح إذا كانت كفارة معطوفة على الهدايا، وليست معطوفة على هدياً، لاختلاف إعرابها؛ لأن قوله: كفارة معطوفة على الجزاء م: (بدليل أنه) ش: أي أن الجزاء م: (مرفوع به) ش: قال الأترازي رحمه الله: قوله: بدليل أنه مرفوع، أي بدليل أن الكفارة مرفوع، وإنما ذكر ضمير الكفارة على تأويل المعطوف، انتهى. وفيه تأمل لا يخفى. م:(وكذا قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع) ش: والعدل ما يعادل الشيء من غير جنسه كالصوم والطعام، وذلك إشارة إلى الطعام، وصياماً تمييز للعدل، كقوله: لي مثله رجلاً، فإذا كان الإعراب كذلك م:(فلم يكن فيهما) ش: أي في الآية م: (دلالة اختيار الحكمين) ش: في الطعام والصيام، وإذا لم يثبت الخيار فيها للحكمين لم يثبت للهدي، لعدم القائل بالفضل م:(وإنما يرجع إليهما) ش: أي إلى الحكمين م: (في تقويم المتلف) ش: يعني الحاجة في الرجوع إليهما في تقويم الذي أتلفه القاتل؛ لأن القيمة أمر يقع فيها الاختلاف. م: (ثم الاختيار بعد ذلك) ش: أي بعد التقويم م: (إلى من عليه) ش: الجزاء لا إلى الحكمين م: (ويقومان) ش: يعني الحكمين المتلف م: (في المكان الذي أصابه) ش: أي المحرم م: (لاختلاف القيم) ش: أي قيم الأشياء م: (باختلاف الأماكن) ش: وقال الشعبي رحمه الله: يقوم بمكة أو بمنى، ومذهب الثلاثة أنه يقوم في موضع الإتلاف؛ لأن الضمان يجب به
فإن كان الموضع برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه مما يباع فيه ويشترى. قالوا: والواحد يكفي، والمثنى أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط كما في حقوق العباد. وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص.
ــ
[البناية]
كما في سائر الأموال، وفي " المبسوط " لشيخ الإسلام، وكذلك الزمان الذي فيه أصابه؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الزمان أيضًا.
م: (فإن كان الموضع) ش: الذي قتل فيه الصيد. م: (برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه) ش: أي إلى الموضع الذي قتل الصيد فيه. م: (مما يباع فيه ويشترى) ش: أي مما يباع في أقرب المواضع ويشترى منه. م: (قالوا) ش: أي المشايخ. م: (والواحد يكفي) ش: لأن قوله: ملزم، ولأنه من باب الخبر لا الشهادة فيقبل قول الواحد العدل. م:(والمثنى) ش: أي الاثنان. م: (أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط) ش: كما قالوا في شهادة النساء، فيما لا يطلع عليه الرجال، فيقبل فيه قول الواحدة، والمثنى أحوط. م:(كما في حقوق العباد)، م:(وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص) ش: أو يعتبر أن يكون الحكم بفتح الكاف اثنين في جزاء الصيد؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] قوله: هنا، وفي بعض النسخ: هاهنا، أي في قيمة الصيد، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد رحمهم الله، قيل: يشترط عند مالك أن يكونا فقيهين، والفقيه ليس بشرط عند الجماعة بالنص، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في " شرح الكافي ": وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم، وكان المثنى أحوط، ولكن يعتبر حكومة بالنص، وقال الأترازي رحمه الله قال في " الكشاف ": وعن قبيصة أنه أصاب ظبيًا وهو محرم فسأل عمر رضي الله عنه فشاور عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثم أمره بذبح شاة، فقال قبيصة: والله ما علم أمير المؤمنين، حتى سأل غيره، فأقبل عليه [
…
] بالدرة، فقال: أبيض القفاء تقتل الصيد وأنت محرم، وقال الله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95](المائدة: الآية 95) ، فأنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف، وكذا قال الأكمل رحمه الله، قال في " الكشاف ": عن قبيصة
إلى آخره.
قلت: روى مالك رضي الله عنه في " موطئه " عن عبد الملك بن يزيد البصري عن محمد بن سيرين أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: إني أصبت ظبيًا، وأنا محرم، فما ترى في ذلك؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه يقال: حتى أحكم أنا، وأنت، قال: فحكما عليه بغير قول الرجل.
وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا فحكم معه، فلما سمعه عمر رضي الله عنه دعاه، فقال له: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك بالضرب، إن الله تعالى يقول في كتابه:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]
والهدي لا يذبح إلا مكة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95](95 المائدة) ، ويجوز الإطعام في غيرها، خلافا للشافعي رحمه الله، هو يعتبره بالهدي والجامع التوسعة على سكان الحرم ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان. والصوم يجوز في غير مكة لأنه قربة في كل مكان، فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام، معناه إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام؛ لأن الإراقة لا تنوب عنه،
ــ
[البناية]
فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف، انتهى، وقال أبو عبيد: يعني قوله: [....] ، وتصغى فيها بالغين المعجمة والصاد المهملة.
م: (والهدي لا يذبح إلا بمكة؛ لقوله عز وجل: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ش: م: (المائدة: الآية 95)) ش: أراد بمكة الحرم؛ لأنه تابع مكة، وبه قال الشافعي، وفي الأصح، وفي قول: لا يختص بالحرم، وقال مالك رحمه الله: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام، وقال في القديم: ما أساسه في الحل يجوز ذبحه في الحل، وبه قال أحمد رحمه الله، وقال مالك رحمه الله: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام بمكان، ولنا قَوْله تَعَالَى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وصفه بكونه بالغ الكعبة، والمراد من الكعبة الحرام؛ لأن عين الكعبة غير مراد بالإجماع؛ لأنها تصان عن إراقة الدماء، فأريد بها ما حولها، وهو الحرم الذي له جزء منها.
م: (ويجوز الإطعام في غيرها) ش: أي في غير مكة. م: (خلافا للشافعي) ش: أي فإن عنده لا يجوز الإطعام على غير فقراء مكة، وبه قال أبو ثور رحمه الله، وهو قول عطاء رحمه الله. م:(هو يعتبره بالهدي) ش: أي الشافعي يعتبر الإطعام بالهدي قياسًا عليه. م: (والجامع) ش: أي بين الإطعام والهدي. م: (التوسعة على سكان الحرم) ش: يعني على فقراء مكة. م: (ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان) ش: فلا يختص بواحدة منها، وقياس الشافعي رحمه الله ضعيف؛ لأن ما ثبت بخلاف القياس، فغيره لا يقاس عليه.
م: (والصوم يجوز في غير مكة؛ لأنه قربة في كل مكان) ش: فيجوز في مكة وغيرها. م: (فإن ذبح بالكوفة) ش: وفي بعض النسخ: فإن ذبحه، أي فإن ذبح الهدي بغير مكة، وقوله: بالكوفة تمثيل لا تقييد لا يجزئه عن الهدي، ولكنه. م:(أجزأه عن الطعام) ش: يعني جاز بدلًا من الطعام، وبين ذلك بقوله. م:(معناه) ش: أي معنى جوازه عن الطعام. م: (إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام) ش: يعني إنما يخرج عن العهدة بالتصدق في هذه إذا أصاب كل مسكين من اللحم ما يبلغ قيمته نصف صاع من البر على قياس كفارة اليمين، أو كسي عشرة مساكين ثوبًا واحدًا أجزأه عن الطعام إذا أصاب كل مسكين منه ما قيمته نصف صاع من البر. م:(لأن الإراقة) ش: أي الإراقة الحاصلة بالمكان غير المحرم. م: (لا تنوب عنه) ش: أي لا تجزئ عن الهدي حتى لو سرف المذبوح أو
وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية؛ لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجزي صغار النعم فيها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أوجبوا عناقا وجفرة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق، وإذا وقع الاختيار على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا؛
ــ
[البناية]
ضاع قبل التصدق لا يخرج عن العهدة؛ لأن الإراقة قربة مخصوصة بمكان وزمان.
م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية) ش: وهو الجذع الكبير من الضأن والثني من غيره. م: (لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه) ش: أي إلى ما يجزئ من الأضحية، وذلك في هدي القربان؛ لأن الهدي الصدقة، فإن هدي الصدقة قد يقع على الثوب، كما في قوله: إن فعلت كذا فثوبي هدي، ولكن لا يقع في هدي الصدقة على الثوب، إلا إذا كان أشار بأن قال: ثوبي أو هذا الثوب، فلو قال: إن فعلت كذا فعلي هدي بلا إشارة يقع على شاة؛ لأن الهدي يقع على الإبل، والبقر، والغنم، والشاة أدناه، كذا في " المبسوط "، و" الأسرار ".
م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله: يجزي صغار النعم فيها) . ش: أي في أضحية الهدي. م: (لأن الصحابة أوجبوا عناقا وجفرة) ش: يعني حكموا في الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة، وكلام صاحب " الهداية "، هذا يدل على أن الخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة رحمه الله وبين محمد رحمه الله وأن أبا يوسف رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله وذكر في " المبسوط "، و" الأسرار "، و" شرح الجامع الصغير " لفخر الإسلام قاضي خان، وغيرهما قول أبي يوسف رحمه الله مثل قول محمد رحمه الله، وأحمد رحمه الله والشافعي لعموم قَوْله تَعَالَى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} [الأنعام: 146] ؛ فإنه تصدق على الصغير والكبير، والعناق فيهدي ويضحي تبعًا لأمه، ولأبي حنيفة رحمه الله، وبه قال مالك رحمه الله إن إراقة الدم ليست بقربة إلا في زمن مخصوص، ومكان مخصوص، وإن لم يوجد شروط كونها قربة لا يكون قربة فلم يكن نسكًا في مقابلة الجناية على الإحرام أو الحرم.
م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق) ش: يعني إذا تصدق به دون إراقة الدم. م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا) ش: قال الكاكي: المراد به بقوله: عندنا أبو حنيفة، وأبو يوسف رضي الله عنهما وهو قول مالك، فإن عند محمد رحمه الله والشافعي رحمه الله المعتبر فيه النظير بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير، وقال الأترازي: المراد بقوله: عندنا احترازًا عن قول الشافعي رحمه الله، لا عن قول محمد رحمه الله ألا ترى إلى ما قال في " شرح مختصر الكرخي " رحمه الله بقوله: قال أصحابنا: إن الإطعام بدل عن
لأنه هو المضمون، فيعتبر قيمته. وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع.
وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في
ــ
[البناية]
الصيد.
وقال الشافعي: يدل على النظير، وقال في " الإيضاح ": والإطعام بدل عن الصيد بقول الصيد بالطعام، وقال الشافعي رحمه الله: هو بدل عن النظير، تجب شاة، وتقوم الشاة بالطعام، وقال في " شرح الأقطع ": قال أصحابنا: إذا اختار الإطعام أخرج بقيمة المقتول، وقال الشافعي رحمه الله: بقيمة النظير، وهنا المضمون هو الصيد المقتول، فيعتبر بقيمته لا قيمة نظيره، انتهى.
قلت: اعتمد الكاكي رحمه الله هنا على قول الشيخ الإمام حميد الدين رحمه الله في " شرحه " المراد من قوله: عندنا، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -، بناء على أن الجزاء يجب عند محمد رحمه الله باعتبار الصورة، وعندهما باعتبار المعنى.
م: (لأنه) ش: أي لأن الصيد. م: (هو المضمون، فيعتبر قيمته) ش: وعند الشافعي رحمه الله يقوم النظير؛ لأنه حوله إلى الطعام باختياره، فيعتبر قيمة الواجب وهو النظير، وعند الواجب الأصلي قيمة الصيد، فلا يعتبر بتحويله إلى الطعام، وقال مالك رحمه الله: إن لم يخرج المثل إلى المثل قوم الصيد إلى المثل؛ لأنه هو الأصل، وعن أحمد رحمه الله أنه لا يخرج الطعام وإنما التقويم بالطعام بمعرفة قدره فصيام. م:(وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع) ش: أي من بر أو صاع من شعير. م: (لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع) ش: وهو نصف صاع من بر، أو صاع من شعير كما في صدقة الفطر، وكفارة اليمين، والظهار، وبه قال أحمد رحمه الله في رواية، وقال الشافعي رضي الله عنه: يتصدق على كل مسكين مدًا منه، وتقدير الطعام عنده بالمد، وعندنا بالصاع، ومذهبهم مروي عن ابن عباس، ومجاهد رضي الله عنهما، ومذهبنا مروي عن ابن عباس، ومجاهد رضي الله عنهما أيضًا، وإبراهيم، وعطاء، ومقسم، وقتادة.
م: (وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع) ش: أي تقدير صيام يوم بنصف صاع من بر معهود في الشرع. م: (كما في
باب الفدية فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا. ولو جرح صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه اعتبارا للبعض بالكل، كما في حقوق العباد. ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع
ــ
[البناية]
باب الفدية) ش: فإن الشيخ الفاني يفدي عن صوم كل يوم بنصف صاع من بر.
م: (فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع) ش: وهذا عن الشافعي رحمه الله. م: (وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين) ش: يعني إن كان الواجب في الأصل دون طعام مسكين، بأن كانت قيمة المقتول أقل منه بأن كان قتل يربوعًا أو عصفورًا، ولم تبلغ قيمة إلا مدًا من الحنطة. م:(يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الصوم أقل من نصف يوم غير مشروع. م: (ولو جرح) ش: أي المحرم. م: (صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه) ش: يقال بعض الشيء نقصان، ونقصه غيره نقصًا. م:(اعتبارا للبعض بالكل) ش: أي قياسًا لضمان البعض على ضمان الكل، ألا ترى أن من أتلف عضوًا من دابة إنسان يضمن كما إذا أتلف كلها، وفي " المبسوط ": جرح صيدًا، أو نتف شعره، أو ريشه، أو قلع سنه فنبت كما كان، ونبت سنه مكانها، فلا شيء عليه عندهما، وعند أبي يوسف رحمه الله يلزمه صدقة الإثم، وإن غاب الصيد ولم يعلم هل مات أو برئ يضمن النقصان، وعند الأسبيجابي رحمه الله: يلزمه جميع القيمة احتياطًا كمن أخذ صيدًا من الحرم ثم أرسله، ولم يعلم دخوله في الحرم، وفي " الخزانة ": لو قطع المحرم يد الصيد، ثم قطع الآخر رجله فعلى الأول ما نقصه جرحه من قيمته، وبه جرح الأول. وقالت المالكية رحمهم الله: جرح صيدًا أو اندمل لا شيء عليه.
وقال أشهب رحمه الله: يضمن النقص وهو قول الشافعي، وأحمد - رحمهما الله: ولو خلص حمامة من سنور، أو سبع، أو شبكة، أو أخذ الصيد فتخلص خيط من رجله فقطعت فلا شيء عليه عند الجمهور رحمهم الله، وقال قتادة: يضمن، وفي " المبسوط ": نفر الصيد منه بغير صنعه، فانكسر رجله فلا شيء عليه، ولو نفر تنفيره فوقع في بئر أو صدم على شيء فعليه الجزاء، وكذا لو كان راكبًا أو سائقا أو قائدًا فأتلفت الدابة بيدها أو رجلها أو فيها صيدًا فعليه الجزاء، وكذا لو نفذ السهم منه فقتله آخر يجب عليه جزاؤها، ولو تعلق بطنب فسطاط المحرم، أو حفر بئرًا للماء، أو تنورًا للخبز فعقب فيهما فلا شيء عليه.
م: (كما في حقوق العباد) ش: حيث يعتبر ضمان البعض بضمان الكل. م: (ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع) ش: فقد يكون بالطيران، وقد يكون بالعدو وقد يكون
فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه.
ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته، وهذا مروي عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم، ولأنه أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا، فنزل منزلة الصيد احتياطا
ــ
[البناية]
بدخوله في حجره والحيز أصله الحيوز، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار حيزًا، والحيز الجانب، ومنه حيز الدراهم، وهو ما انضم إليها من جوانبها. م:(فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه) ش: كما إذا قطع قوائم فرس لآدمي؛ لأن الصيد هو الممتنع المتوحش بأصل الخلقة، ولم يبق بعد نتف ريشه، وقطع قوائمه، كونه ممتنعًا إذا كان بحيث لا يقدر أحد على التصرف، والشافعي رحمه الله في أصح قوليه معنًا، وعن ابن شريح من أصحابه أنه يجب عليه قدر النقصان؛ لأنه لم يهلكه بالكلية.
م: (ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته) ش: أي قيمة البيض، وبه قال الشافعي رضي الله عنه وأحمد رحمه الله، وقال المزني رحمه الله، وداود رحمه الله: لا يجب فيه شيء لأنه لم يكن صيدًا حقيقة، وقال مالك رحمه الله: تضمينه بعشر قيمة الطير الناقص تشبيهًا بجنين الأمة، كذا في " تتمتهم "، وفي " مبسوط " شيخ الإسلام الأسبيجابي رحمه الله وقال مالك رحمه الله: إن كانت البيضة صحيحة غير مذرة يضمن عشر قيمة ما يخرج منه، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله كما في جنين الميت يلزمه عشر قيمة الأم. وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: عليه درهم. م: (وهذا مروي) ش: أي هذا الذي ذكرنا مروي. م: (عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم) .
ش: أما حديث علي رضي الله عنه فغريب يعني لا أصل له، وأما حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فرواه عبد الرزاق رحمه الله في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري رحمه الله عن عبد الكريم الحروي، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في كل بيضتين درهم، وفي كل بيضة نصف درهم، قال: وحدثنا وكيع، وابن نمير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمر رضي الله عنه قال في بيض النعامة قيمته، وهذا منقطع؛ لأن إبراهيم النخعي رحمه الله، لم يدرك عمر رضي الله عنه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيض النعامة. م: (أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا) ش: قوله: وله أي للبيض على أن يصير صيدًا، فصار كالصيد. م:(فنزل منزلة الصيد احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لئلا يأثم على تقدير كونه صيدًا، والاحتياط في اللغة الحفظ، وفي الاصطلاح: حفظ النفس عن الوقوع في المأثم، وقال مالك رضي الله عنه في " الموطأ ": أرى في بيض النعامة عشر البدنة، وفي " النعمانية ": وجوب القيمة في بيض النعامة قول عمر بن الخطاب، وعبد الله
ما لم يفسد.
فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا، وهذا استحسان، والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه احتياطا، وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما. وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء؛
ــ
[البناية]
ابن مسعود، وابن عباس، والشعبي، والنخعي، والزهري، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، قال أبو عبيدة، وأبو موسى الأشعري: يجب صوم يوم، أو طعام مسكين. وقال الحسن البصري: فيه جنين من الإبل، وقال مالك: فيه عشر البدنة، وقال السروجي: وتجب القيمة في بيض جميع الطيور. م: (ما لم يفسد) ش: أي بيض النعامة، إنما يجب ما لم يكن مذرًا؛ لأن المذرة لا شيء فيها.
م: (فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا) ش: أي قيمة الفرخ، ولو كان حيًا، وبه صرح في " المبسوط "، وقال الشافعي رحمه الله: لا شيء فيه، وقال الشافعي رحمه الله: هذا إذا لم يعلم أن موته بالكسر أم لا، ولو علم أنه كان ميتًا بغير الكسر لا شيء عليه. م:(وهذا استحسان) ش: أي وجوب القيمة استحسان، ووجهه يأتي الآن. م:(والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه) ش: أي يضاف بالموت على الكسر، والباء صلة واصلة بحال الموت على الكسر. م:(احتياطا) ش: فعليه قيمته.
م: (وعلى هذا) ش: أي على القياس، والاستحسان. م:(إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما) ش: أي قيمة الظبية وجنينها، ففي القياس: لا يغرم، وفي الاستحسان: يغرم، وعند الشافعي في الأم: المثل، وفي الجنين: ما ينقض من قيمتها بالوضع، وينبغي أن لا يجب قيمة الجنين كما لو ضرب بطن جارية فأسقطت جنينًا ميتًا، ثم ماتت هي كان عليه قيمة الجارية أو دية الحرة لا ضمان الجنين، فكيف وجبت هنا قيمة الجنين.
أجيب: بأن الجنين في حكم الجزء من وجه، وفي حكم النفس من وجه فالضمان الواجب في حق العباد غير مبني على الاحتياط، فلا يجب في موضع النسك، وأما جزاء الصيد فمبني على الاحتياط فيرجع فيه شبهة النفس في الجنين ووجوب الجزاء.
م: (وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء) ش: ذكر المصنف رحمه الله في أول هذا الفصل حيث قال: فاستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق، وعدها ستًا، وأعادها هاهنا مع زيادة الفأرة، فصارت سبعة، وذكرنا الكلام في المستقصى، قلت: الذئب هناك وهاهنا. وقال الأترازي: أما الذئب فلم يذكر في الروايات
لقوله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وقال صلى الله عليه وسلم: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» وقد ذكر الذئب في بعض الروايات
ــ
[البناية]
الصحيحة في كتب الأحاديث، ولهذا لم يبح قتله ابتداء على رواية الطحاوي، وعلى رواية الكرخي يباح قتله، ثم قال: محصله أن الذئب لا يباح قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخمس ما هن، فذكر الخمس يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمها، وإلا لم يكن لذكر الخمس معنى، انتهى.
قلت: ذكر العدد المعين لا ينافي ما زاد عليه، وكل واحد من المزيد والمزيد عليه، معنى باعتبار حال يقتضي ذلك، وقد ذكرنا هناك من روى الذئب من أهل الحديث، وذكرنا ما قالوا فيه، وقال: ذكر المصنف في أول هذا الفصل الستة على رواية أو الدلالة.
قلت: كان هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: لم يذكر الذئب في الأحاديث التي أخرجها الشيخان وغيرهما، وليس فيها ذكر الذئب، فالمصنف رحمه الله ذكره زيادة عليهما، فأجاب إنما ذكره من حيث رواية جاءت فيه أو من حيث دلالة النص، فإن في الذئب ما في الكلب مع الزيادة.
وجاء في بعض الروايات أن الكلب العقور هو الذئب، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه وغيره. وأما الفأرة ففيما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم؛ الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وفي لفظ لمسلم: «الحية عوض عن العقرب» وفي لفظ لهما: «خمس من الدواب كلهن فواسق» . وفي لفظ لمسلم: «أربع كلهن فواسق يقتلن في الحل، والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور» انتهى، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها لأذى الناس، وإفساد أموالهم.
م: (لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ش: هذا الحديث روي بوجوه في " الصحاح " كما ذكرنا، والأقرب لما ذكر المصنف حديث عائشة رضي الله عنها، وليس فيه الحية وفيه العقرب. م: (وقال عليه الصلاة والسلام: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» ش: هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم، عن إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقتل المحرم: الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحية، والغراب» وهذا كما ترى فيه تقديم وتأخير بين رواية المصنف، وبين رواية البخاري ومسلم.
م: (وقد ذكر الذئب في بعض الروايات) ش: قد ذكرنا في أول الفصل من رواه وما حاله
وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب، أو يقال إن الذئب في معناه، والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف ويخلط؛ لأنه يبتدئ بالأذى، أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى. وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش، منهما سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء. والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى.
ــ
[البناية]
فليراجع هناك، وفي قوله: ذكر يجوز أن يكون على صيغة المعلوم، وأن يكون على صيغة المجهول، والثاني أقرب.
م: (وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب) ش: قد مر الآن أثر روي عن عمر رضي الله عنه أن الكلب العقور الذئب. م: (أو يقال: إن الذئب في معناه) ش: أي في معنى الكلب العقور، وأشار بالقول الأول إلى أن ذكر الذئب يثبت بالرواية وبالقول الكافي إلى أنه بدلالة النص.
م: (والمراد بالغراب) ش: أي المذكور في الحديث. م: (الذي يأكل الجيف) ش: جمع جيفة. م: (ويخلط) ش: أي يخلط الحب بالنجس يعني يأكل الحب تارة، ويأكل النجس أخرى، وقد ذكره المصنف في أول هذا الفصل، والمراد بالغراب: هو الذي يأكل الجيف هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله وأعاده هنا، وزاد فيه لفظ: ويخلط، وقوله م:(لأنه يبتدئ بالأذى) ش: ويراد بهذا ما قاله الأكمل بأن هذا وقع تكرارًا، وكان هذا مستغنى عن ذكره، والمؤذي يقتل.
م: (أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى) ش: أما عدم تسميته غرابًا فمسلم، وأما عدم ابتدائه بالأذى ففيه نظر؛ لأنه دائمًا يقع على دبر الدابة، فينبغي أن لا يجب فيه الجزاء، انتهى. قلت: هذا عجيب منه؛ لأنه قال: أولًا لا يبتدئ بالأذى نظر. وقال الجوهري: العقعق طائر معروف وصوته العقعقة، وقال الكاكي رحمه الله: قيل في صوت العقعق سرور.
م: (وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش منهما) ش: أي من الكلب العقور وغير العقور. م: (سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس) ش: يعني الحقيقة التي تسمى كلبًا الأفراد دون فرد، وجنسه ليس بصيد، ولهذا يجوز قتل جنسه فيستوي فيه الأهلي، والوحشي، والعقور، وغيره، قيل: فيه نظر لأنه نقص لإبطال الوصف المخصوص عليه وهو كونه عقورًا، وأجيب بأنه ليس للقيد بل لإظهار نوع إذائه، فإن ذلك طبع فيه.
م: (وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء) ش: لإطلاق الحديث. م: (والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى) ش: يعني يجب في قتل كل منهما الجزاء لأنهما من الصيود؛ لأنهما يمتنعان وحشيان بأصل الخلقة، ولا يبتدئان بالأذى، بخلاف الفأرة فإنها مستثناة؛ ولأنه ينقب الغرائر ويسرق أموال الناس ويضرم عليهم بيوتهم، ويدخل المضائق،