الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب الرجل يُهِلُّ بالحج، ثم يجعلُها عمرة
1586 -
عن سُلَيْمِ بن الأسود:
أن أبا ذرٍّ كان يقول -فيمن حَجَّ، ثم فسخها بعمرة-: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قلت: حديث موقوف صحيح، ولكن لا حجة فيه؛ لأنه رأي منه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم (1568)، وقد سأله سراقة عن هذه العمرة التي أمرهم بفسخها:"بل هي للأبد"، وقوله في الحديث الآخر (1571):"قد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". ونحوه في حديث جابر الطويل الآتي برقم (1663)).
إسناده: حدثنا هَنَّاد -يعني: ابن السَّرِيِّ- عن ابن أبي زائدة: أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن سُلَيْمِ بن الأسود.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أنه لم يخرج لابن إسحاق إلا متابعة؛ لأن في حفظه ضعفًا يسيرًا، فهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولكنه هنا قد عنعن؛ إلا أن للحديث طريقًا أخرى كما سأبين.
والحديث أخرجه البيهقي (5/ 22) من طريق المصنف.
ثم أخرجه (4/ 345 و 5/ 41) من طريقين عن يحيى بن سعيد عن مُرَقِّعٍ الأُسَيِّدِيِّ [وكان مَرْضِيًّا] عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
لم يكن لأحد أن يَفْسَخَ حجه إلى عمرة؛ إلا للركب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصَّةً.
وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مرَقِّعٍ الأُسَيدِيِّ، وهو ثقة كما قال ابن حبان، وقد روى عنه جماعة من الثقات غير يحيى بن سعيد، ولذلك لما حكى الحافظ في "التهذيب" قول ابن حزم فيه:
"مجهول"! قال:
"وهو من إطلاقاته المردودة". وبناء على ذلك قال في "التقريب":
"صدوق".
ومنه تعلم قول ابن القيم في "الزاد"(1/ 288):
"ليس ممن يقوم بروايته حجة"!
وكأنه تبع في ذلك ابن حزم. ولكنه نقل عن الإمام أحمد أنه قال -وقد عُورِضَ بحديثه-:
"ومن المرقع الأسيدي؟ ! ".
وقد تابعه يزيد بن شَريك التَّيْمي قال: قال أبو ذر:
كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصَّةً.
أخرجه مسلم (4/ 46)، والنسائي (2/ 23 - 24)، وابن ماجة (2/ 231)، والبيهقي (5/ 22) من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه.
قلت: فهذا شاهد قوي لحديث المرقع الأسيدي، فلا فائدة من الحط عليه لروايته إياه عن أبي ذر. وقد رواه عنه يزيد هذا، وهو ثقة اتفاقًا! وتابعه سليم بن الأسود وهو مثله في الثقة.
فلا شك في ثبوت هذا القول عن أبي ذر، ولكنه رأي له، مخالف لأحاديث
الفسخ -وما أكثرها-، وقد أشرت في الأعلى إلى بعضها. قال ابن القيم في "تهذيب السنن":
"وهذا الحديث قد تضمن أمرين:
أحدهما: فعل الصحابة لها، وهو بلا ريب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رواية.
والثاني: اختصاصهم بها دون غيرهم، وهذا رأي، فروايته حجة، ورأيه غير حجة. وقد خالفه فيه عبد الله بن عباس وأبو موسى الأشعري.
وقد حمله طائفة على أن الذي اختصوا به هو وجوب الفسخ عليهم حتمًا. وأما غيرهم فيستحب له ذلك، هذا إذا كان مراده متعة الفسخ. وإن كان المراد مطلق المتعة؛ فهو خلاف الإجماع والسنة المتواترة. والله أعلم".
قلت: الحمل المذكور بعيد جدًّا عن بعض ألفاظ الحديث! ففي رواية عبد الوارث بن أبي حنيفة قال: سمعت إبراهيم التيمي يحدث عن أبيه عن أبي ذر قال في متعة الحج:
ليست لكم، ولستم منها في شيء؛ إنما كانت
…
الحديث.
أخرجه النسائي بإسناد صحيح، كما قال ابن القيم.
فهذا منه صريح في أنه ينفي مطلق المشروعية، وكذلك -هو يعني- مطلق المتعة، وليس متعة الفسخ؛ بدليل رواية عبد الرحمن بن أبي الشعثاء قال:
قلت: لإبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي: إني أهِمُّ أن أجمع العمرة والحج؟ ! فقال إبراهيم النخعي: لكنَّ أباك لم يكن يهم بذلك! وقال إبراهيم التيمي عن أبيه: أنه مرَّ بأبي ذر رضي الله عنه بالرَّبَذَة، فذكر له ذلك؟ ! فقال: إنما كانت لنا خاصةً دونكم.