المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌15 - باب في الإشعار

- ‌16 - باب تبديل الهدي

- ‌17 - باب من بعث بهديه وأقام

- ‌18 - باب في ركوب البُدْن

- ‌19 - باب في الهدي إذا عَطِبَ قبل أن يبلغ

- ‌20 - باب كيف تنْحَرُ البُدْنُ

- ‌21 - باب في وقت الإحرام

- ‌22 - باب الاشتراط في الحج

- ‌23 - باب في إفراد الحج

- ‌24 - باب في الإقران

- ‌25 - باب الرجل يُهِلُّ بالحج، ثم يجعلُها عمرة

- ‌26 - باب الرجل يحج عن غيره

- ‌27 - باب كيف التلبية

- ‌28 - باب متى يقطع التلبية

- ‌29 - باب متى يقطع المعتمر التلبية

- ‌30 - باب المُحْرِمِ يؤدِّب غلامه

- ‌31 - باب الرجل يُحْرِمُ في ثيابه

- ‌32 - باب ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ

- ‌33 - باب المحرم يحمل السلاح

- ‌34 - باب في المحرمة، تغطي وجهها

- ‌35 - باب في المحرم يُظَلَّلُ

- ‌36 - باب المحرم يحتجم

- ‌37 - باب يكتحل المحرم

- ‌38 - باب المحرم يغتسل

- ‌39 - باب المحرم يتزوج

- ‌40 - باب ما يَقْتُلُ المحْرِمُ من الدواب

- ‌41 - باب لحم الصيد للمحرم

- ‌42 - باب في الجراد للمحرم

- ‌43 - باب في الفِديَةِ

- ‌44 - باب الإحصار

- ‌45 - باب دخول مكة

- ‌46 - باب في رفع اليدين إذا رأى البيت

- ‌47 - باب في تقبيل الحَجَرِ

- ‌48 - باب استلام الأركان

- ‌49 - باب الطواف الواجب

- ‌50 - باب الاضطباع في الطواف

- ‌51 - باب في الرَّمَلِ

- ‌52 - باب الدعاء في الطواف

- ‌53 - باب الطواف بعد العصر

- ‌54 - باب طواف القارن

- ‌55 - باب الملتزم

- ‌56 - باب أمر الصفا والمروة

- ‌57 - بابُ صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌58 - باب الوقوف بعرفة

- ‌59 - باب الخروج إلى منى

- ‌60 - باب الخروج إلى عرفة

- ‌61 - باب الرَّوَاح إلى عرفة

- ‌62 - باب الخطبة على المنبر بعرفة

- ‌63 - باب موضع الوقوف بعرفة

- ‌64 - بابُ الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ

- ‌65 - باب الصلاة بِجَمْعٍ

- ‌66 - باب التعجيل مِنْ جَمْعٍ

- ‌67 - باب يوم الحج الأكبر

- ‌68 - باب الأشهر الحرم

- ‌69 - باب مَنْ لم يُدْرِكْ عَرَفَةَ

- ‌70 - باب النزول بمنى

- ‌71 - باب أيَّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنىً

- ‌72 - باب من قال: خطب يوم النحر

- ‌73 - باب أيَّ وقتٍ يخطبُ يومَ النَّحْرِ

- ‌74 - باب ما يَذْكُرُ الإمامُ في خطبته بمنى

- ‌75 - باب يبيتُ بمكةَ لياليَ منىً

- ‌76 - باب الصلاة بمنى

- ‌77 - باب القصر لأهل مكة

- ‌78 - باب في رمي الجمار

- ‌79 - باب الحلق والتقصير

- ‌80 - باب العمرة

- ‌81 - بابُ المُهِلَّةِ بالعمرة تَحِيضُ، فيدركها الحجُّ، فتَنْقُض عمرتها، وتُهِلُّ بالحج؛ هل تَقْضِي عمرتها

- ‌82 - باب المُقَامِ في العُمْرةِ

- ‌83 - باب الإفاضة في الحج

- ‌84 - باب الوداع

- ‌85 - باب الحائض تخرج بعد الإفاضة

- ‌86 - باب طواف الوداع

- ‌87 - باب التحصيب

- ‌88 - باب فيمن قَدَّمَ شيئًا قبل شيء في حَجِّهِ

- ‌89 - باب في مكة

- ‌90 - باب تحريم حَرَمِ مكة

- ‌91 - باب في نَبِيذِ السِّقَايَةِ

- ‌92 - باب الإقامة بمكة

- ‌93 - باب الصلاة في الكعبة

- ‌94 - باب الصلاة في الحِجْرِ

- ‌95 - باب في دخول الكعبة

- ‌96 - باب في مال الكعبة

- ‌97 - باب

- ‌98 - باب في إتيان المدينة

- ‌99 - باب في تحريم المدينة

- ‌100 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كتاب النكاح

- ‌1 - باب التحريض على النكاح

- ‌2 - باب ما يُؤْمَرُ به من تزوج ذات الدين

- ‌3 - باب في تزويج الأبكار

- ‌4 - باب النهي عن تزويج مَنْ لم يلد من النساء

- ‌5 - باب في قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية)

- ‌6 - باب في الرجل يُعْتِقُ أمتَهُ، ثم يتزوَّجها

- ‌7 - باب يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ

- ‌8 - باب في لبن الفحل

- ‌9 - باب في رضاعة الكبير

- ‌10 - باب فيمن حَرَّم به

- ‌11 - باب هَلْ يُحَرِّم ما دون خمسِ رَضَعَات

- ‌12 - باب في الرَّضْخ عند الفصال

- ‌13 - باب ما يُكْرَهُ أن يُجْمَعَ بينهن من النساء

- ‌14 - باب في نكاح المتعة

- ‌15 - باب في الشِّغَارِ

- ‌16 - باب في التحليل

- ‌17 - باب نكاح العبد بغير إذن سَيِّدِهِ

- ‌18 - باب في كراهية أن يَخْطُبَ الرجل على خِطْبَةِ أخيه

- ‌19 - باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

- ‌20 - باب في الوَلِيِّ

- ‌21 - باب في العَضْلِ

- ‌22 - باب إذا أنكح الولِيَّان

- ‌23 - باب قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌24 - باب في الاستئمار

- ‌25 - باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها

- ‌26 - باب في الثيب

- ‌27 - باب في الأكْفَاءِ

- ‌28 - باب في تزويج من لم يولد

- ‌29 - باب الصَّدَاقِ

- ‌30 - باب قِلَّةِ المَهْرِ

- ‌31 - باب في التزويج على العمل يعْمَلُ

- ‌32 - باب فيمن تزوَّج ولم يُسَمِّ صَداقًا حتى مات

- ‌33 - باب في خُطبة النكاح

- ‌34 - باب في تزويج الصغار

- ‌35 - باب في المقام عند البِكْرِ

- ‌36 - باب في الرجل يَدْخُلُ بامرأته قبل أن يَنْقُدَها شيئًا

- ‌37 - باب ما يقال للمتزوج

- ‌38 - باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى

- ‌39 - باب في القَسْمِ بين النساء

- ‌40 - باب في الرجل يشترط لها دارها

- ‌41 - باب في حَقِّ الزوج على المرأة

- ‌42 - باب في حق المرأة على زوجها

- ‌43 - باب في ضرب النساء

- ‌44 - باب ما يُؤْمَرُ به مِنْ غَضِّ البصر

- ‌45 - باب في وَطْءِ السَّبَايَا

- ‌46 - باب في جامع النكاح

- ‌47 - باب في إتيان الحائض ومباشرتها

- ‌48 - باب في كَفَّارة من أتى حائضًا

- ‌49 - باب ما جاء في العَزْلِ

- ‌50 - باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله

- ‌7 - كتاب الطلاق

- ‌1 - باب فيمن خَبَّبَ امرأة على زوجها

- ‌2 - باب في المرأةِ تسألُ زوجَها طلاقَ امرأةٍ له

- ‌3 - باب في كراهية الطلاق

- ‌4 - باب في طلاقِ السُّنَّةِ

- ‌5 - باب الرجل يراجع ولا يُشهد

- ‌6 - باب في سنة طلاق العبد

- ‌7 - باب في الطلاق قبل النكاح

- ‌8 - باب في الطلاق على غلط

- ‌9 - باب في الطلاق على الهَزْلِ

- ‌10 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

- ‌11 - باب فيما عُنِيَ به الطلاقُ والنيات

- ‌12 - باب في الخِيَارِ

- ‌13 - باب في (أمْرُكِ بِيَدِكِ)

- ‌14 - باب في البتة

- ‌15 - باب في الوسوسة بالطلاق

- ‌16 - باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي

- ‌17 - باب في الظهار

- ‌18 - باب في الخُلْعِ

الفصل: ‌24 - باب في الإقران

كما تقدم، وذلك في معنى النهي عن القرآن المذكور كما هو ظاهر.

أَمَّا وهو لم يثبت؛ فلا داعي لتأويله.

وأما ما قبله من الحديث فصحيح؛ لأنه جاء من طرق أخرى، كما بينته في الموضع المشار إليه من "الضعيفة". وقد أخرج المصنف بعضها في أول "كتاب اللباس- باب جلود النمور"، وفي آخر "الترجُّل -باب في الذهب للنساء" وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليها هناك.

‌24 - باب في الإقران

1575 -

عن أنس بن مالك: أنهم سمعوه يقول:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعًا يقول:

"لبيك عمرة وحجًّا، لبيك عمرة وحجًّا".

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وابن الجارود وابن حبان والحاكم).

إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا هشيم: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل عن أنس بن مالك.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

والحديث أخرجه أحمد (3/ 99)

بهذا الإسناد والمتن.

وأخرجه مسلم (4/ 59)، والنسائي (2/ 15) من طرق أخرى عن هشيم

به.

ص: 49

وأخرجه ابن ماجة (2/ 227) من طريقين آخرين عن يحيى بن أبي إسحاق وحميد

به نحوه.

وابن الجارود (430)، وابن حبان (991)، والبيهقي أيضًا (5/ 40)، والحاكم (6/ 472) عن حميد وحده.

وهو رواية لأحمد (3/ 111 و 182)، وإسناده ثلاثي صحيح.

وله طرق أخرى عن أنس

مطولًا ومختصرًا: عند مسلم (4/ 52)، والنسائي، وابن الجارود (431)، وابن حبان (989 و 992)، وأحمد (3/ 183 و 207).

وله طريق أخرى عند البخاري، ويأتي بعده.

1576 -

ومن طريق أخرى عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها -يعني: بذي الحليفة- حتى أصبح، ثم ركب، حتى استوت به البيداء؛ حمد الله وسبَّح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهلَّ الناس بهما، فلما قدمنا أمَرَ الناسَ فحَلُّوا، حتى إذا كان يوم التروية؛ أهلَّ بالحج، ونَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَبْعَ بَدَنَاتٍ بيده قِيامًا.

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري بإسناده ومتنه، وابن حبان قدومَ مكة).

إسناده: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل: ثنا وُهَيْب: ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.

والحديث أخرجه البيهقي (5/ 9) من طريق المصنف.

ص: 50

وأخرجه البخاري (3/ 321 - 322)

بإسناده ومتنه؛ وزاد:

وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة كبشين أملحين.

وهذه الزيادة رواها المصنف أيضًا من هذا الوجه في أول "الأضاحي"، وستأتي إن شاء الله هناك برقم (2490).

ثم أخرجه البخاري (3/ 436): حدثنا سهل بن بَكَّارٍ: حدثنا وهيب

به نحوه؛ وقال:

فلما علا على البيداء؛ لبى بهما جميعًا.

وفي رواية له (3/ 318) من طريق حماد، بن زيد عن أيوب

بلفظ:

وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا.

وقال معمر عن أيوب

بلفظ:

كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال:

إن رجلي لَتَمَسُّ غَرْزَ النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يلبِّي بالحج والعمرة معًا.

رواه أحمد (3/ 164).

وروى ابن حبان (997) قدوم مكة.

1577 -

عن البراء بن عازب قال:

كنت مع علي حين أمَّرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن؛ قال: فأصبت معه أواقِيَّ، فلما قَدِمَ عليٌّ من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجد فاطمة رضي الله عنها قد لَبِسَتْ ثيابًا صَبِيغًا، وقد نَضَحَتِ البيت بِنَضُوحٍ،

ص: 51

فقالت: ما لك؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحَلُّوا. قال: قلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كيف صنعت؟ ".

قال: قلت: أهللتُ بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. قال:

"فإني قد سقت الهدي وقرنت". قال، فقال لي:

"انحر من البُدْنِ سبعًا وستين -أو ستًّا وستين-، وأمسك لنفسك ثلاثًا وثلاثين -أو أربعًا وثلاثين-، وأمسك لي من كل بدنة منها بَضْعةً".

(قلت: حديث صحيح، وكذلك قال ابن القيم، وصححه أيضًا ابن حجر).

إسناده: حدثنا يحيى بن معين قال: ثنا حجاج: ثنا يونس عن أبي إسحاق عن البراء.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس -وهو ابن أبي إسحاق السبيعي-، وهو ثقة من رجال مسلم، على ضعفٍ يسير فيه، أشار إليه الحافظ بقوله:

"صدوق يهم قليلًا".

وبه أعله المنذري في "مختصره"!

وإعلاله بأبيه أولى عندي؛ لأنه كان مدلسًا ومختلطًا، ولا ندري أسمعه ابنه منه قبل الاختلاط أم بعده؟

ص: 52

لكن الحديث صحيح؛ لأن له شواهد في أحاديث متفرقة، فعامته قد صح في حديث جابر الطويل في الحج، وسيأتي في الكتاب إن شاء الله تعالى (1663).

وقوله: "وقرنت" يشهد له حديث أنس بن مالك

مرفوعًا؛ بلفظ:

"

ولو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لجعلتها عمرة، ولكن سقت الهدي، وقرنت بين الحج والعمرة".

أخرجه أحمد (3/ 148 و 266)، والطحاوي (1/ 378 - 379) من طريقين عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصَّيقَلِ عنه.

لكنْ أبو أسماء هذا مجهول، لم يرو عنه غير أبي إسحاق، وهو السبيعي.

وحديث سراقة

مرفوعًا:

"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".

قال: وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.

أخرجه أحمد (4/ 175)، والطحاوي (1/ 379) من طريق داود بن يزيد الأوْدِيِّ؛ وهو ضعيف كما قال الهيثمي (3/ 235). ووهم ابن القيم في "الزاد"(1/ 250)، فقال:

"إسناده ثقات"!

نعم أخرجه ابن ماجة (2977) بسند صحيح عن سُرَاقَةَ

به؛ دون قوله: وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قَدِمَ، فقرن بين الحج والعمرة. قال الهيثمي:"رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) ".

ص: 53

وكأنه لهذه الشواهد؛ قال ابن القيم في "تهذيب السُّنَنِ":

"حديث صحيح".

وصححه الحافظ في "الفتح"(3/ 335).

وعزاه ابن القيم في "الزاد"(1/ 262) للمتفق عليه! فوهم.

والحديث أخرجه البيهقي (5/ 15) من طريق المصنف.

وأخرجه النسائي (2/ 14 و 17) من طريقين آخرين عن يحيى بن معين

به؛ دون ما بعد قوله: "وقرنت".

وأعله البيهقي بأن قوله هذا: "وقرنت" لم يرد في حديث جابر الطويل حين وصف قدوم علي وإهلاله، وهو أصح سندًا وأحسن سياقة، ومعه حديث أنس.

قال المنذري:

"يريد: أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر إهلاله، وليس فيه: "قرنت"، وهو في "الصحيحين"

".

وأقول: لعل في تلك الشواهد المتقدمة ما يقوي هذه الزيادة، ويخلصها من النكارة التي يشير إليها كلام البيهقي المذكور. والله أعلم.

(تنبيه): قال العراقي في "طرح التثريب"(5/ 20)، والحافظ في "الفتح" (3/ 334):

"ولأبي داود والنسائي من حديث البراء

مرفوعًا: "إني سقت الهدي وقرنت". وللنسائي من حديث علي مثله"!

قلت: حديث البراء وحديث علي واحد، وهو هذا! غاية ما في الأمر أن البراء رواه عنه؛ لقوله فيه:

ص: 54

قال (يعني: عليًّا): فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ....

ومثله عند النسائي في الموضعين.

وكذلك أورده الهيثمي (3/ 237) من رواية الطبراني في "الأوسط"، وقال:"ورجاله رجال (الصحيح) ".

1578 -

عن أبي وائل قال: قال الصُّبَيُّ بن مَعْبَدٍ:

كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا، فأسلمت، فأتيت رجلًا من عشيرتي -يقال له: هُذيْمُ بن ثَرْمَلَةَ-، فقلت: يا هَنَاهْ! إني حريصٌ على الجهاد، وإني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عَليَّ، فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي. فأهللتُ بهما معًا. فلما أتيت (العُذَيْبَ) لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صُوحان وأنا أُهِلُّ بهما جميعًا، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفْقَهَ من بعيره! قال: فكأنما أُلقِيَ عليَّ جَبَلٌ! حتى أتيت عمر بن الخطاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين! إني كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا، وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ، فأتيت رجلًا من قومي، فقال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معًا؟ ! فقال عمر رضي الله عنه: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نبيك.

(قلت: إسناده صحيح. ورواه ابن حبان في "صحيحه". وصححه الدارقطني).

إسناده: حدثنا محمد بن قدَامَةَ بن أعْيَنَ وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل.

ص: 55

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.

والحديث أخرجه النسائي (2/ 13): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير

به.

ثم أخرجه هو، والطحاوي (1/ 374) من طرق أخرى عن منصور

به.

ثم أخرجاه، وكذا ابن ماجة (2/ 227)، وابن حبان (985)، والبيهقي (5/ 16)، وأحمد (1/ 14 و 25 و 34 و 37) من طرق أخرى عن أبي وائل شقيق ابن سلمة

به.

وقال الدارقطني في "العلل"(2/ 166) -بعد أن ذكر الاختلاف على أبي وائل في إسناده-:

"وهو حديث صحيح. وأحسنها إسنادًا: حديث منصور والأعمش عن أبي وائل عن الصُّبَيِّ بن مَعْبَدٍ عن عمر".

1579 -

عن عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أتاني الليلةَ آتٍ من عند ربي عز وجل -قال: وهو بالعقيق-؛ وقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقال: عمرة في حجة".

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان. وقد أخرجه البخاري بلفظ: "وقل: عمرة في حجة"، وعلقه المصنف من طرق؛ وهو الأوْلَى).

إسناده: حدثنا النفيلي: حدثنا مسكين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب.

ص: 56

قال أبو داود: "رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي: "وقل: عمرة في حجة"

".

قال أبو داود: "كذا رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث؛ وقال: "وقل: عمرة في حجة"

".

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.

والحديث أخرجه البخاري (5/ 16) عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي

به؛ إلا أنه قال: "وقل" بدل: "وقال".

وكذا أخرجه (3/ 306) من طريق الوليد وبِشْرِ بن بَكْرٍ التنيسِي قالا: ثنا الأوزاعي

به.

وأخرجه البيهقي (5/ 14) عنهما؛ إلا أنه قال: "وقال: عمرة في حجة" مثل رواية الكتاب الموصولة عن مسكين -وهو ابن بُكَيْرٍ الحَرَّاني-. ثم قال البيهقي:

"رواه البخاري في "الصحيح". وكذلك قاله شعيب بن إسحاق ومسكين بن بكير عن الأوزاعي"!

قلت: الذي في البخاري بلفظ: "وقل: عمرة في حجة" كما تقدم.

ويؤيده أن ابن ماجة أخرجه (2/ 229) من طريق محمد بن مصعب والوليد ابن مسلم قالا: ثنا الأوزاعي

به.

وكذلك أخرجه الطحاوي (1/ 374) من طريق أخرى عن الوليد

به.

وتابعهم الإمام أحمد، فقال في "المسند" (1/ 23): حدثنا الوليد بن مسلم

به.

ص: 57

فهذه الطرق عن الأوزاعي تدل على أن رواية مسكين بلفظ: "وقال: عمرة

" شاذة، وأن المحفوظ بلفظ الأمر: "وقل"؛ خلافًا للبيهقي.

وتؤيده متابعة علي بن المبارك للأوزاعي، وقد علقها المصنف كما رأيت، ووصلها البخاري (13/ 265)، والطحاوي أيضًا من طريقين عنه.

وكذلك أخرجه البيهقي (5/ 13) من الطريق التي أخرجها البخاري.

فمن الغريب أن يرجح البيهقي -على رواية علي هذه- روايةَ الأوزاعي التي اختلف عليه فيها، مع أن رواية الأكثر عنه مطابقة لرواية علي هذه، ولم يختلف عليه فيها! ولذلك قال ابن التركماني في "الرد عليه":

"وهذا أولى من رواية من قال: "وقال: عمرة"؛ لأن الملك لا يلبي، وإنما يعلِّم التلبية. ولو صحت تلك الرواية نُوَفِّقُ بينهما ونقول: المراد: "قال: قل"؛ فاختصره الراوي".

(فائدة): زاد أحمد في آخر الحديث:

قال الوليد: يعني: ذا الحليفة.

قلت: ويشهد لما قال؛ حديث ابن عمر رضي الله عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرِيَ وهو في مُعرَّسِه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل له: إنك ببطحاءَ مباركةٍ".

أخرجه البخاري (5/ 16).

ففي الحديث فضيلة الصلاة في ذي الحليفة، وذلك أعم من أن تكون فريضة أو نافلة، وليس فيه دليل لركعتي الإحرام التي يفعلها الحجاج، إذ لم تثبتا عن النبي صلى الله عليه وسلم: فمن صلى فريضة أو نافلة مطلقة؛ فقد أصاب الفضيلة إن شاء الله تعالى.

ص: 58

1580 -

عن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه قال:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إذا كنا بِعُسْفَانَ؛ قال له سُرَاقَةُ بن مالك المُدْلِجِيُّ: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! اقْضِ لنا قضاء قوم كأنما وُلِدُوا اليومَ؟ !

فقال:

"إن الله قد أدخل عليكم في حَجِّكُمْ هذا عُمْرَةً، فإذا قدمتم؛ فمن تَطَوَّفَ بالبيت وبين الصفا والمروة؛ فقد حَلَّ؛ إلا من كان معه هدي".

(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).

إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ: ثنا ابن أبي زائدة: أخبرنا عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز: حدثني الربيع بن سَبْرَةَ.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ وقد أخرج لعمر هذا بإسناده المذكور حديثًا آخر في تحريم المتعة إلى يوم القيامة، وهو تمام هذا الحديث في رواية معمر الآتية عنه.

ورواه المصنف مختصرًا من طريق الزهري عن الربيع بن سبرة، كما سيأتي في "النكاح- باب في نكاح المتعة".

والحديث أخرجه الدارمي (2/ 51): أخبرنا جعفر بن عون: ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز

به.

وأخرجه أحمد (3/ 404 - 405): ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر: أخبرني عبد العزيز بن عمر

به؛ وفيه قصة تحريم المتعة، كما أشرت إليه آنفًا.

ص: 59

1581 -

عن معاوية بن أبي سفيان قال:

قَصَّرْتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ على المَرْوَةِ -أو رأيته يقصر عنه على المروة بِمِشْقَصٍ-.

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وليس عند البخاري قوله: أو رأيته يقصر عنه. وهو الأصح).

إسناده: حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَةَ: ثنا شعيب بن إسحاق عن ابن جريج. وحدثنا أبو بكر بن خلاد: ثنا يحيى -المعنى- عن ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال

قال ابن خلاد: أن معاوية

لم يذكر: أخبره.

قلت: وهذا إسناد صحيح من الوجه الأول، وعلى شرط الشيخين من الوجه الآخر؛ غير أبي بكر بن خلاد -واسمه محمد-، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجاه كما يأتي.

والحديث أخرجه أحمد (4/ 98): ثنا يحيى بن سعيد

به.

وأخرجه مسلم (4/ 58 - 59)، والنسائي (2/ 42 - 43) من طريقين آخرين عن يحيى

به.

ثم أخرجه أحمد (4/ 96)، والبخاري (3/ 443 - 446)، والبيهقي (5/ 102) من طرق أخرى عن ابن جريج

به؛ وليس عند البخاري قوله: أو رأيته

وكذا للبيهقي؛ وزاد: في عمرته.

وإسنادها صحيح، وهي عمرة الجِعْرَانَةِ، كما جزم بذلك ابن القيم في "التهذيب"، ومال إليه الحافظ في "الفتح" (3/ 446). وقال ابن القيم:

ص: 60

"هذا إن كان المحفوظ أنه هو الذي قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان المحفوظ هو الرواية الأخرى -وهو قوله: رأيته يُقَصَّرُ عنه على المروة-؛ فيجوز أن يكون في عمرة القَضِيَّةِ أو الجعرانة حَسْب، ولا يجوز في غيرهما".

وراجع تمامه فيه.

قلت: والحقيقة أن هذا الحديث اضطرب فيه الرواة على معاوية اضطرابًا كثيرًا؛ على ما يأتي:

أولًا: هل هو الذي قَصَّرَ عنه صلى الله عليه وسلم بالمشقص أم غيره؟

ففي رواية الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس عنه: تردده في ذلك، كما هو صريح قوله: أو رأيته يقصر عنه.

رواه المصنف من طريقين عن ابن جريج عنه؛ إحداهما: عن يحيى بن سعيد عنه.

وهي عند مسلم وأحمد، وكذا النسائي؛ بيد أنه لم يذكر عنه هذا التردد.

وقد تابعهما محمد بن بكر ورَوْحٌ عن ابن جريج

به: رواه أحمد.

ورواه البيهقي عن روح؛ لكنه لم يذكر التردد المشار إليه.

وهي رواية أبي عاصم عن ابن جريج: عند البخاري.

وتابع الحسنَ بنَ مسلمٍ: عبد الله بنُ طاوس عن أبيه

به؛ دون التردد المذكور: رواه مسلم وغيره، كما يأتي في الرواية الثانية في الكتاب.

وتابعه هشام بن حُجَيْرٍ عن طاوس

به؛ دون التردد: أخرجه أحمد وابنه عبد الله (4/ 97)، ومسلم (4/ 58)

بلفظ: قال ابن عباس: قال لي معاوية:

ص: 61

أعلمت أني قَصَّرْتُ من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: لا أعلم هذا إلا حُجَّةً عليك.

ورواه النسائي (2/ 16) بلفظ:

قال (ابن عباس): لا.

يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهى للناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم.

وسنده صحيح على شرط مسلم.

وتابعه ليث عن طاوس عن ابن عباس قال:

تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وعثمان حتى مات، رضي الله عنهم، وكان أول من نهى عنها معاوية. قال ابن عباس: فعجبت منه؛ وقد حدثني أنه قَصَّرَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص.

أخرجه أحمد (1/ 292)؛ وليث -وهو ابن أبي سليم- ضعيف؛ لسوء حفظه.

قلت: فتأمل كيف اضطرب الرواة على طاوس في الذي قصر عنه صلى الله عليه وسلم!

لكن يظهر من هذا التخريج أن أكثرهم على أنه معاوية بدون أي تردد.

هذا حال الطريق الأولى.

الطريق الثانية: عن أبي أحمد الزبيري: ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية قال:

قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة.

أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"(4/ 97): ثنا عمرو بن محمد الناقد قال: ثنا أبو أحمد الزبيري.

ص: 62

وخالفه محمد بن عبد الله الأسَدِيُّ عن سفيان فقال:

رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقصر بمشقص.

أخرجه أحمد (4/ 97).

وهذا ظاهر في أن الذي قصر عنه هو غير معاوية.

وهكذا أخرجه ابنه عبد الله (4/ 102): ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار (الأصل: يسار) الواسطي: ثنا مُؤَمَّلٌ وأبو أحمد -أحدهما- عن سفيان

به.

لكن إبراهيم هذا مجهول الحال.

الطريق الثالثة: عن خُصَيْفٍ عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص. فقلت لابن عباس: ما بلغنا هذا إلا عن معاوية؟ فقال: ما كان معاوية على رسول الله متَّهَمًا.

أخرجه أحمد (4/ 95 و 102)؛ لكن خُصَيْفٌ ضعيف.

الطريق الرابعة: عن حماد بن سلمة: أنا قيس عن عطاء عن معاوية قال:

أخذت من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر. قال قيس: والناس ينكرون هذا على معاوية.

أخرجه النسائي (2/ 43)، وأحمد (4/ 92).

ورجاله ثقات؛ لكن أعله الحافظ (3/ 446) بالشذوذ. وأشار إلى ذلك ابن القيم في "الزاد"(1/ 263)؛ فقال:

"وهي معلولة، أو وهم من معاوية".

قلت: ويتبين للناظر أن أكثر هذه الطرق تلتقي مع ما أفاده أكثر رواة الطريق

ص: 63

الأولى أن معاوية هو الذي قصر عنه صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا هو المحفوظ عنه.

ثانيًا: هل كان التقصير المذكور في عمرته صلى الله عليه وسلم أم في حجته؟

اضطرب الرواة في ذلك أيضًا، ففي رواية روح المتقدمة عن ابن جريج قوله: في عمرته.

رواه البيهقي.

وتابعه عليها يحيى بن سعيد: عند النسائي.

ولم يذكرها المصنف وأحمد ومسلم عنه، كما سبق.

وخالفه الحسن بن علي -وهو الحُلْوَاني، أحد شيوخ المصنف- في الرواية الآتية، فزاد في آخر الحديث: لحجته.

ويشهد لها رواية ابن حُجَيْرِ عن طاوس المتقدمة، لا سيما التي بلفظ النسائي؛ فإنها ظاهرة في الحج.

وأصرح من ذلك رواية الليث بن أبي سليم، على ضعفها.

ولعل الأرجح من ذلك رواية من قال: في عمرته؛ لاتفاق ثقتين عليها، ولإمكان صحة ذلك من معاوية، بخلاف الرواية الأخرى؛ فإنها غلط.

ولا يبعد أن يكون من معاوية نفسه، وبه جزم ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(1/ 263)، فقال:

"وهذا مما أنكره الناس على معاوية وغلّطوه فيه، أصابه ما أصاب ابن عمر في قوله: إنه اعتمر في رجب؛ فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعددة كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يَحِلَّ من إحرامه إلى يوم النحر، ولذلك أخبر

ص: 64

عن نفسه بقوله: "لولا أن معي الهدي لأحللت"، وقوله:"إني سقت الهدي وقرنت، فلا أحل حتى أنحر". وهذا خبره عن نفسه، فلا يدخله الوهم، بخلاف خبر غيره، لا سيما خَبَرٌ يخالف ما أخبر به عن نفسه، وأخبر عنه به الجَمُّ الغَفِير أنه لم يأخذ من شعره شيئًا، لا بتقصير، ولا حلق، وأنه بقى على إحرامه حتى حلق يوم النحر. ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمرة الجعرانة؛ فإنه كان حينئذ قد أسلم، ثم نسي، فظن أن ذلك كان في العشر، والوهم جائز على مَنْ سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قام الدليل عليه؛ صار واجبًا".

ولذلك ذهب غير واحد من العلماء إلى أن ذلك كان في بعض عمره صلى الله عليه وسلم، منهم الخطابي في "المعالم"، والنووي في "شرح مسلم"، والحافظ في "الفتح"؛ ولذلك تأول المنذري رواية المصنف: لحجته؛ بقوله:

"يعني: لعمرته. وقد أخرجه النسائي وفيه: في عمرة على المروة، وتُسَمَّى العمرة حجًّا؛ لأن معناها القصد".

ومن الغرائب: أن العلامة الأمير الصنعاني أورد حديث معاوية هذا بلفظ البخاري في "الروض الباسم"(ص 116)، وبدل أن ينبَّه على ما فيه من الاضطراب الذي شرحته؛ أخذ يقويه بقوله:

"وله شواهد عن علي وعثمان

و

و

". يعني: في تمتعه صلى الله عليه وسلم!

فكأنه يشير إلى أن حديث معاوية يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، كما في تلك الشواهد!

والواقع: أن حديث معاوية فيه أنه تحلل على المروة؛ فهو يعني: أنه كان متمتعًا تمتعًا حَلَّ فيه! وإليه ذهب القاضي أبو يعلى وغيره؛ وهو خطأ ظاهر، كما سبق بيانه.

ص: 65

1582 -

وفي رواية عن ابن عباس:

أن معاوية قال له: أما علمت أني قَصَّرْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمشْقَصِ أعرابي على المروة -زاد الحسن: لحجته-؟

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكن قوله: لحجته .. شاذ؛ إلا أن يتَأوَّلَ بمعنى: لعمرته؛ فإنه ثابت في بعض الروايات الصحيحة).

إسناده: حدثنا الحسن بن علي ومَخْلَد بن خالد ومحمد بن يحيى -المعنى- قالوا: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ ولم يخرجاه من هذا الوجه، وبزيادة: لحجته.

وهي زيادة شاذة عندي؛ لتفرد الحسن بن علي -وهو الحُلْوَاني- بها دون الشيخين الآخرين، لا سيما وقد توبعا كما يأتي.

والحديث أخرجه النسائي (2/ 43): أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله قال: حدثنا عبد الرزاق

به دون الزيادة.

1583 -

عن ابن عباس قال:

أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهَلَّ أصحابه بحج.

(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه).

إسناده: حدثنا ابن معاذ: أخبرنا أبي: ثنا شعبة عن مسلم القُرِّيِّ سمع ابن عباس يقول

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير مسلم القري -وهو ابن

ص: 66

مِخْرَاقٍ أبو الأسود-؛ فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.

والحديث أخرجه مسلم (4/ 56)

بإسناد المصنف ومتنه.

وكذلك أخرجه البيهقي (5/ 18) من طريق أخرى عن عبيد الله بن معاذ

به.

ثم أخرجه مسلم، وأحمد (1/ 240) من طريق محمد بن جعفر: ثنا شعبة

به.

وخالفهما روح -عند أحمد، والبيهقي (5/ 18) -، والطيالسي -عند البيهقي-، فقالا:

أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج.

ويؤيد هذه الرواية: أن المعروف عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج.

ثبت ذلك عنه من طرق؛ فرواه أبو حسان عنه في آخر حديث الإشعار؛ وقد مضى (1538). ومجاهد في أول الحديث المتقدم (1573). وطاوس في طريق هشام بن حُجَيْرِ عنه: عند النسائي، كما ذكرته تحت الحديث (1582). وكذلك رواه البراء أبو العالية عنه: عند مسلم (4/ 56)، وأحمد (3509) وغيرهم.

ولا منافاة عندي بين الروايتين، فكل منهما أثبتت شيئًا لم تَنْفِهِ الأخرى، فهو صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة وحج. ويؤيده حديثه المتقدم (1571):

"هذه عمرة استمتعنا بها

" وغيره.

1584 -

عن عبد الله بن عمر قال:

تَمَتّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، فأهدى، وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول صلى الله عليه وسلم؛ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتَّعَ الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من

ص: 67

الناس من أهدى وساق الهدي، ومنهم من لم يُهْدِ. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة؛ قال للناس:

"من كان منكم أهدى؛ فإنه لا يَحِلُّ منه شيء حَرُمَ منه حَتى يَقْضِيَ حَجَّهُ، ومن لم يكن منكم أهدى؛ فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليُقَصِّرْ أو لِيَحْلِلْ، ثم لِيُهِلَّ بالحج، وليُهْدِ، فمن لم يجد هديًا؛ فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعةً إذا رجع إلى أهله". وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء، ثم خَبَّ ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع -حين قضى طوافه بالبيت عند المقام- ركعتين، ثم سَلَّمَ فانصرف.

فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يَحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه، حتى قضى حَجَّهُ، ونحر هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت، ثم حَلَّ من كل شيء حرم منه. وفعل مثلَ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أهدى وساق الهدي من الناس.

(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه" بإسناد المصنف، وأخرجه البخاري عن شيخ آخر، لكن قوله: وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج .. شاذ، كما أفاده ابن القيم وابن حجر).

إسناده: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني أبي عن [جَدِّي: حدثني] عُقَيْلٌ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير عبد الملك بن شعيب وأبيه؛ فإنهما على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.

ص: 68

والحديث أخرجه مسلم (4/ 48)

بإسناد المصنف ومتنه.

وأخرجه البيهقي (5/ 17) من طريقين آخرين عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد

به.

وأخرجه البخاري (3/ 424 - 426)، والنسائي (2/ 15)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (2/ 139) من طرق أخرى عن الليث

به.

(فائدة): قال الحافظ في "الفتح"(3/ 336):

"جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة؛ مخالف لما عليه أكثر الأحاديث؛ فهو مرجوح".

وسبقه إلى نحو ذلك العلامة ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 270 - 272)، ولكنه أفاد أن الأحاديث التي أشار إليها الحافظ -وهي التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج، وقد تقدم بعضها في "باب إفراد الحج"- ليست صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالحج وحده، فلا تنافي الأحاديث الصريحة بأنه صلى الله عليه وسلم لَبَّى بالحج والعمرة معًا؛ لحديث أنس وعمر المتقدمين في "باب الإقران"، فارجع إليه إن شئت التفصيل؛ فإنه نفيس.

(تنبيه): سقط من الأصل وغيره من نسخ عدة قوله في السند: (عن جدي: حدثني)! ولذلك جعلته بين معكوفتين، وهي زيادة ضرورية لا يستقيم الإسناد إلا بها؛ فإن شعيبًا ليس له رواية عن عُقَيْلٍ، وقد استدركتها من "مسلم" و"البيهقي".

1585 -

عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت:

يا رسول الله! ما شأن الناس قد حَلُّوا ولم تَحْلِلْ أنت من عمرتك؟ ! فقال:

"إني لَبَّدْتُ رأسي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي؛ فلا أحِلُّ حتى أنْحَرَ".

ص: 69

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).

إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.

والحديث في "الموطأ"(1/ 358).

وعنه: أخرجه البخاري أيضًا (3/ 333 و 441 و 10/ 297)، ومسلم (4/ 50)، والنسائي (2/ 21)، وأحمد (6/ 284) كلهم عن مالك

به.

وكذلك أخرجه البيهقي (5/ 12).

ثم أخرجه هو، والبخاري (3/ 428 و 8/ 85)، ومسلم أيضًا، والنسائي (2/ 10)، وابن ماجة (2/ 245 - 246)، وأحمد (6/ 283 و 285) من طرق أخرى عن نافع

به.

(فائدة): ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى ما قيل في تفسير قولها: ولم تحلل أنت من عمرتك

ثم ردَّ الأقوال كلها إلا الأخير منها؛ وهو أنه ليس فيه إلا الإخبار عن كونه في عمرة، وهذا لا ينفي أن يكون في حجة.

وقال:

"وهذا أقربها إلى الصواب. وأجود منه أن يقال: المراد بالعمرة: المتعة، وقد تقدم أن التمتع يراد به القِران، والعمرة تطلق على التمتع، فيكون المراد:

لم تَحِلَّ من قرانك، وسَمَّتْهُ عمرة كما يسمى تمتعًا. وهذه لغة الصحابة كما تقدم. والله أعلم".

ص: 70