الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المانع الثاني: القتل
والقتل الموجب للحرمان هو أن يكون بغير حق، ويتعلق به وجوب القصاص أو الكفارة "لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بألا ميراث للقاتل". ولأنه قصد استعجال ميراثه بقتل محظور، فعُوقب بحرمان ما أراده وقصده ليكون زجرا له على ما قصد، ولأن التوريث بالقتل يؤدي إلى الفساد، فإنه لو جُعل للقاتل الحق في أن يرث لسارع الناس إلى الخلاص من مورثيهم بقتلهم، ولأدى ذلك إلى الفساد، والله لا يحب المفسدين.
وإنما يعتبر مانعا من الميراث، إذا تحققت الشروط الآتية:
1-
أن يكون القتل عمدا.
2-
أن يكون مصحوبا بالتعدي والظلم أي: يقع بلا حق ولا عذر.
3-
أن يكون القاتل عاقلا بالغا.
أما القتل الموجب للكفارة فثلاثة أقسام:
الأول: شبه عمد، وهو أن يتعمد قتل مورثه بما لا يقتل غالبا، كالضرب بالسوط.
الثاني: أن يقتل مورثه خطأ، كما لو رمى صيدا فأصاب مورثه.
الثالث: ما يجري مجرى الخطأ، كما لو وطئ بدابته وهو راكبها مورثه، أو انقلب في النوم على مورثه، أو سقط عليه من السطح، أو سقط حجر من يده عليه فقتله.
فالعمد والخطأ عندنا في الحرمان سيان؛ لأن القاتل قصد استعجال
الميراث حقيقة كما في القتل العمد، أو توهما كما في شبه العمد، والقتل الخطأ. ومن استعجل ما أخره الشرع يجازى برده، ومن القواعد الفقهية:"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه".
والتوهم في هذا الباب كالمحقق يوجب حرمان الميراث؛ لأن تهمة القصد قائمة، ويجوز أن يكون قاصدا وأظهر الخطأ من نفسه، والقصد أمر خفي فيقام السبب وهو مباشرة القتل مقام قصده، والسبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفي سقط اعتبار الخفاء. والأحكام إنما تبنى على الظاهر المعروف، فحكم بالظاهر فيما يتعذر الاطلاع على حقيقته. فكل قتل يوجب القصاص أو الكفارة يكون فاعله محروما من الميراث؛ عقوبة له وردا لقصده.
ويرد على هذا التعريف أن الأب إذا قتل ابنه عمدا لا يجب القصاص، ولا الكفارة مع أن الأب يحرم من الميراث لما تقرر أن الابن إذا قتل أباه عمدا أو خطأ لا يرثه؛ لوجوب القصاص في العمد والكفارة في الخطأ. وأما الأب فإنه إذا قتل ابنه عمدا أو خطأ يحرم من الميراث مع أنه لا يجب في العمد قصاص ولا كفارة؛ لأن القصاص قد سقط بحرمة الأبوة، فإن الأب سبب وجود الابن، ومثله ما لو ضرب امرأة فألقت جنينا ميتا فإنه تجب على القاتل الغرَّة ويحرم من الميراث مع أنه لا يجب على القاتل قصاص، ولا كفارة.
وأحسن تعريف جامع للقتل المانع من الإرث ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه، وهو:"مباشرة القتل بغير حق في حق من يتحقق منه التقصير شرعا" فهو تعريف جامع مانع. فإن القتل إذا كان بغير مباشرة أو كان بحق، أو واقعا من قبل من لا يتحقق منه التقصير شرعا، فإنه لا يوجب حرمان الميراث.
أما القتل بغير مباشرة وبغير حق فله أمثلة، منها: أن يحفر
إنسان بئرا في غير ملكه وبغير إذن صاحب الملك، فيتردى فيها إنسان فيموت بسبب ذلك، ومنها: أن يضع إنسان حجرا في طريق عام فيعثر به إنسان، فتكون عثرته هذه سببا في موته. وهذا النوع من القتل لا يجب به عند الحنفية على القاتل قصاص ولا كفارة، وإنما تجب به الدية على عاقلة المتسبب.
أما القتل بغير مباشرة بحق فله أمثلة، منها: أن يكون إنسان إماما للمسلمين، فيثبت على مورثه استحقاقه للقتل قصاصا فيأمر بقتله لاستيفاء الحق منه، ومنها: أن يكون قاضيا، فيثبت أمامه بالبينة أو الإقرار أن مورثه مستوجب للقتل فيحكم بقتله.
وأما القتل مباشرة بحق فله أمثله أيضا؛ منها: أن يكون إنسان جلادا فيحكم القاضي أو يأمر الإمام بقتل مورثه، فيقوم بقتله بحكم عمله، ومنها: أن يقتل إنسان مورثه دفاعا عن نفسه، ومنها: أن يخرج مورثه مع جماعة من الخارجين عن طاعة الإمام ويخرج هو في جيش الإمام لمحاربتهم، فيرمي سهما أو نحوه فيصيب مورثه، ويشترك هذان الفرعان في أنه لا حرمة على القاتل في كل منهما، وفي أنه لا يجب بسبب واحد منهما قصاص ولا دية ولا كفارة. ومن القتل بحق ما إذا قتل امرأته أو ذات رحم من محارمه إذا رآها تزني أو تحقق وقوع الزنا منها، فإن هذا القتل لا يوجب حرمان الميراث لوقوعه بحق، ولا يجب فيه القصاص كما جاء في ابن عابدين جزء "5" صحيفة "489" ونصه:
إذا قتل الزوج امرأته أو ذات رحم من محارمه المؤنثة لأجل الزنا، يرث منها عندنا خلافا للشافعي "ا. هـ" يعني مع تحقق الزنا. أما بمجرد التهمة فلا، كما يقع من فلاحي القرى ببلادنا فادر ذلك رملي.
ومثال ما إذا كان القتل واقعا من قبل من لا يتحقق منه التقصير، إذا قتل الصبي أو المجنون مورثه مباشرة فإنه لا يثبت حكم حرمان