الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الإقرار وحكم بثبوت النسب بمقتضى هذه الشهادة، فإن نسب المقَر له يثبت ويصبح أخا للمقِر أو عما له حقيقة، ويرث بسبب القرابة وتصبح درجته مع العصبات النسبية.
وإذا أقر إنسان في حال حياته بأخوة مثلا ولم يصادقه من حُمل النسب عليه ولا ورثته بعد وفاته، ولا قامت بينة مقبولة تؤيده، فإن نسب المقَر له من أبي المقِر لا يثبت، ثم لو مات المقِر من غير أن يرجع عن إقراره كان المقَر له وارثا من ورثته، وهذا هو الذي نعنيه في هذا البحث، وهو الذي يرث بعد مرتبة مولى الموالاة؛ وحينئذ إذا لم يكن للمقر المذكور واحد من الورثة الذين بينا درجاتهم، فإن المقَر له بالأخوة يرثه فيأخذ جميع التركة إن لم يكن معه أحد الزوجين، ويأخذ الباقي بعد فرض أحدهما إن كان، "انظر مبسوط السرخسي جزء29 صحيفة18".
الدرجة التاسعة:
الموصى له بما زاد عن ثلث التركة: وهذا الموضع يحتاج إلى شيء من التفصيل يتبين لك منه الموضع الذي لا تجوز فيه الزيادة في الوصية على ثلث التركة، والموضع الذي تجوز فيه الزيادة على ثلث التركة، والموضع الذي تنفذ فيه الزيادة إن جازت.
الموصي بشيء من ماله إما أن يكون له وارث خاص، وإما ألا يكون له وارث خاص. وإذا كان له وارث خاص فإما أن يكون هذا الوارث الخاص هو أحد الزوجين فقط، وإما أن يكون غير أحد الزوجين معه أو بدونه، فهذه أحوال ثلاثة وعلى كل حال من هذه الأحوال الثلاثة إما أن يكون الموصى له أجنبيا من الموصي، وإما أن يكون وارثا، وإذا كان الموصى له وارثا فإما أن يكون أحد الزوجين
وإما أن يكون أحدهما1. ومن جهة أخرى، إن كان الموصى له وارثا فإما أن يكون ثمة وارث غيره، وإما ألا يكون هناك وارث غيره.
فإن لم يكن للموصي وارث خاص أصلا، لا بقرابة -ولو لم تثبت إلا بإقراره- ولا بولاء، فقد أجمع علماء المذاهب الأربعة على أنه يجوز له حينئذ أن يوصي لمن شاء بثلث ماله، واختلفوا في جواز وصيته بما زاد على الثلث، فذهب الحنفية إلى أنه يملك أو يوصي لمن شاء بجميع ماله وتنفذ وصيته. وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه إذا أوصى حينئذ بما يزيد على الثلث نفذت الوصية في الثلث وحده وبطلت في القدر الزائد عليه، ووجه ذلك عندهم أن مال من لا وارث له بقرابة أو ولاء ميراث للمسلمين، وليس هناك مجيز للوصية بما زاد على الثلث من بينهم، فتبطل الوصية به.
وإذا كان للموصي وارث خاص وكان هذا الوارث الخاص أحد الزوجين، ولم يكن هناك وارث غيره، فقد أجمع علماء المذاهب الأربعة على أن للموصي أن يوصي لأجنبي عنه بثلث ماله، واختلفوا في جواز وصيته للأجنبي حينئذ بما يزيد على الثلث، فقال الحنفية والحنابلة: له ذلك، غير أنه إن أوصى للأجنبي بكل ماله وأجاز أحد الزوجين الذي لا وارث سواه نفذت الوصية، وإن لم يجز أحد الزوجين بطلت الوصية في مقدار نصيب أحد الزوجين من ثلثي التركة؛ وذلك لأن الوصية للأجنبي بمقدار ثلث التركة تنفذ من غير حاجة إلى رضى الوارث، ونصيب الوارث في التركة يكون بعد تنفيذ الوصية، وعلى هذا يأخذ الموصى له ثلث التركة أولا ثم يأخذ أحد الزوجين فرضه، فإن كان هو الزوج أخذ نصف الثلثين وهو ثلث التركة. وإن كان هو
1 هكذا وردت في الأصل، ولعل الصواب: غيرهما.
الزوجة أخذت ربع الثلثين وهو سدس التركة، ثم يأخذ الموصى له الباقي.
وهذا المثال ونحوه هو الذي تتحقق فيه هذه الدرجة من ترتيب المستحقين في التركة التي هي موضوع حديثنا الآن. والظاهر من مذهب الشافعية والمالكية أنهم يرون أن الوصية تبطل حينئذ في القدر الزائد على الثلث، ووجه ذلك أنهم يرون أن ما وراء نصيب أحد الزوجين ميراث للمسلمين، وليس هناك مجيز للوصية في القدر الزائد على الثلث من بينهم، فتبطل الوصية به، واختلفوا كذلك في جواز الوصية لأحد الزوجين حينئذ. فقال الحنفية والحنابلة: تجوز الوصية لأحد الزوجين ما دام أنه لا وارث سواه، وقال الشافعية والمالكية: لا يجوز ذلك وتلغو الوصية لو أنه فعل، ووجهه ظاهر مما قدمنا مع عموم قوله عليه الصلاة والسلام:"لا وصية لوارث"1.
وإن كان للموصي وارث خاص وكان هذا الوارث غير أحد الزوجين ولم يكن ثمة وارث سواه، فقد أجمع الأئمة الأربعة على أنه يجوز للموصي أن يوصي للأجنبي بثلث ماله، وأن وصيته له بالثلث تنفذ، شاء الوارث أو أبى.
فإن أوصى بما زاد على الثلث فمذهب الحنفية أن الوصية بالقدر الزائد على الثلث تصح، ولكنها تتوقف على إجازة الوارث، فإن أجازها نفذت، وإن لم يجزها لم تنفذ. وقال المالكية: تبطل الوصية في القدر الزائد على الثلث، حتى لو أجازها الورثة كانت هبة منهم للموصى له فتحتاج إلى إيجاب من الورثة وقبول من الموصى له، ولا يتم تملك الموصى له لهذا القدر الزائد على الثلث إلا بالقبض، فلهم الرجوع قبله في الهبة. وللشافعية في هذه المسألة قولان:
1 فيض القدير في شرح الجامع الصغير صفحة440 جزء6.