الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كفره حتى قسمت التركة وأخذ كل وارث نصيبه منها، واختلفوا فيما لو كان السبب المقتضي للإرث هو الولاء، كما اختلفوا فيما إذا كان السبب المقتضي للإرث هو القرابة أو الزوجية، وقد أسلم الكافر بعد موت مورثه وقبل تقسيم التركة.
فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم إلى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا بأي سبب من أسباب الميراث، لا بالولاء ولا بالزوجية ولا بالقرابة، وأنه لا فرق في ذلك بين أن يسلم الكافر قبل أن تقسم تركة المسلم أو أن يستمر على كفره حتى تقسم، ودليلهم وحجتهم ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" فإنه عام لم يخص سببا دون سبب ولا حالة دون حالة، وهذا ما عليه العمل في المحاكم الشرعية قبل صدور القانون رقم 59.
المسألة الثانية: هل يرث المسلم من الكافر، إذا وجد سبب من أسباب الإرث
؟
إن الأئمة الأربعة متفقون على أن المسلم لا يرث من الكافر شيئا بسبب الزوجية أو القرابة، واختلفوا فيما لو كان السبب المقتضي للإرث هو الولاء، فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يرثه بسبب الولاء كما لا يرثه بغيره، وهو مذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وجمهور الصحابة والتابعين، وقال أحمد بن حنبل: يرث المسلم من الكافر بسبب الولاء، وكان معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعي ومحمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وإسحاق بن راهويه يذهبون إلى أن
المسلم يرث من الكافر بكل سبب من أسباب الميراث؛ بالزوجية وبالقرابة وبالولاء، وحجتهم بالتوريث النص والقياس. أما النص فحديث رواه أبو داود عن معاذ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام يزيد ولا ينقص" قالوا: ومن زيادته أن تحكم بتوريث المسلم من الكافر وبعدم توريث الكافر من المسلم. وأما القياس فقالوا: إنا رأينا الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج الكتابية ولا يبيح للكتابي أن يتزوج المسلمة، ورأيناه يجيز للمسلم أن يغنم مال الكافر، فكما صح التزوج بنسائهم فإنه يصح إرثهم، وكما صح اغتنام أموالهم بسبب الحرب صح إرثهم بسبب من أسباب الإرث. وقد رد الجمهور استدلال من قال بتوريث المسلم من الكافر وأجابوا على استدلالهم بحديث معاذ بأنه حديث لا يصلح للاحتجاج به؛ لأن فيه راويا مجهولا قبل معاذ، ولو سلمنا صلاحيته للاحتجاج به فإنه لا دلالة فيه على ما ذكر المحتجون به؛ لأن معنى زيادة الإسلام ليس مما ذكروه في شيء، إذ المراد به أن الله يفتح عليه البلاد ويكثر سواد من يعتنقه، ومعنى عدم نقصانه فإنه لا يرتد عنه أحد سخطة له، ومن ارتد عنه لا يضره شيئا. وأما القياس الذي ذكروه فأجابوا عنه بأنه غير سديد لسببين؛ أولهما: أنه لا يلزم من صحة التزوج بنسائهم صحة إرثنا منهم، فإن العبد الرقيق يصح له أن يتزوج الحرة ولا يصح ميراثه منها، وثانيهما: أن مبنى الزواج على الرغبة في التوالد وقضاء الشهوة، وهي ممكنة بالتزوج منهم، وأما الإرث فمبناه على الموالاة والمناصرة بين الوارث والمورث، وليس بين المسلمين والكفار موالاة ولا مناصرة.