الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ النِّكَاحِ
حَقِيقَةٌ فِي العَقدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَالأَشهَرُ مُشتَرَكٌ، وَالمْعْقُودُ عَلَيهِ مَنْفَعَةُ الاسْتِمْتَاعِ، وَسُنَّ لِذِي شَهْوَةٍ لَا يَخَافُ الزِّنَا، وَاشْتِغَالهُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، قَال أَحْمَدُ: لَيسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ أَمْرِ الإِسْلَامِ فِي شَيءٍ، وَتَزوَّجَ الإمَامُ أَحْمَدُ (1) وَهوَ لَا يَجِدُ القُوتَ.
وَيُبَاحُ لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ، وَقِيلَ: يُكرَهُ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ زِنا وَلوْ ظَنًّا، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَيُقَدَّمُ إذَنْ عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ، وَلَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ بَلْ يَكُونُ فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ، وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ، وَيَجُوزُ بِدَارِ حَرْبٍ لِضَرُورَةٍ لِغَيرِ أَسِيرٍ، وَيَعْزِلُ نَدْبًا خِلَافًا لَهُ، وَبِلَا ضرُورَةٍ وُجُوبًا، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ جَوَازُ نِكَاحِ نَحْو آيِسَةٍ، وَسُن تَخَيُّرُ ذَاتِ دِينٍ وَعَقْلٍ وَقَنَاعَةٍ وَجَمَالٍ، الْوَلُودُ الْحَسِيبَةُ الأَجْنَبِيَّةُ الْبِكْرُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ فِي نِكَاحِ ثَيِّبٍ أَرْجَحُ، لَا بِنْتِ زِنًا وَلَقِيطَةٍ وَحَمْقَاءَ وَدَنِيئَةِ نَسَبٍ، وَلَا يَصْلُحُ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ قَدْ طَال لُبْثُهَا مَعَ رَجُلٍ.
وَمِنْ التَّغفِيلِ تَزوُّجُ شَيخٍ بِصَبِيَّةٍ، وَيَمْنَعُ زوْجَتَهُ مِنْ مُخَالطَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ يُفسِدْنَهَا عَلَيهِ، وَالأوْلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ بِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَنْ لَا يُدْخِلَ بَيتَهُ مُرَاهِقٌ (2)، وَلَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا
(1) قوله: "الإمام أحمد" سقطت من (ب، ج).
(2)
في (ج): "البيت مراهقا".
حَتَّى يُحْمَدَ جَمَالُهَا، وَلَيسَ لِوَالِدَيهِ إلْزَامُهُ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ فَلَا يَكُونُ عَاقًّا كَأَكْلِ مَا لَا يُرِيدُ قَالهُ الشَّيخُ، وَلَا يَزيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ نَدْبًا إنْ عَفَّتْهُ، قَال ابْنُ الْجوزِيِّ: وَيُستَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزوِّجَ ابْنَتَهُ أَن يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ لَا دَمِيمًا، وَعَلَى مَن اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أوْ مَخْطُوبةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوئَ وَغَيرِهَا، وَلَا يَكُونُ غِيبَةً مَعَ قَصدِ النَّصِيحَةَ.
* * *
فَصْلٌ
يُبَاحُ (1) وَلَا يُسَنُّ خِلَافًا لَهُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ، نَظَرُ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَوَجهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ، وَيُكَرِّرُهُ وَيَتَأَمَّلُ المَحَاسِنَ بِلَا إذْنٍ، إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ مِنْ غَيرِ خَلْوَةٍ، فَإِنْ شَقَّ أَوْ كَرِهَهُ، بَعَثَ امْرَأَةً تَصفُهَا لَهُ، وَلِرَجُلٍ نَظَرُ ذَلِكَ وَرَأسٍ وَسَاقٍ مِن أَمَةٍ، وَلَوْ غَيرَ مُسْتَامةٍ خِلَافًا لِلْمُنتَهَى، وَذَاتِ مَحْرَمٍ، وَهِيَ مَنْ تَحْرُمُ أَبَدًا بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلا، وَلَا يَنْظُرَ نَحْو أُمِّ مَزْنِيِّ بِهَا.
وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ: وَلو نَكَحَهَا بَعدُ (2).
لأَنَّ التَّحْرِيمَ بِسَبَبِ مَحْرَمٍ، وَكَذَا مُحَرَّمَةٌ بِلِعَانٍ وَنَحْوَ بِنْتِ موطُوءَةٍ، لِشُبْهَةٍ وَلِعَبدٍ لَا مُبَعَّضٍ وَمُشْتَرَكٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ نَظَرُ ذَلِكَ مِنْ مَوْلَاتِهِ، وَكَذَا غَيرِ أُولِي الإِرْبَةِ، كَعِنِّينِ وَكَبِيرٍ وَمَرِيضٍ، وَيُنْظَرُ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ وَقَبِيحَةٍ لِلْوَجْهِ خَاصَّةً، وَلِشَاهِدٍ وَمُعَامِلٌ نَظَرُهُ مَعَ كَفَّيهَا لِحَاجَةٍ وَلِطَبِيبٍ، وَمَنْ يَلِي خِدْمَة مَرِيضٍ وَلوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاستِنجَاءٍ نَظَرُ وَمسُّ مَا دَعَتْ إلَيهِ (3) حَاجَةٌ، وَكَذَا لوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَسْتُرُ غَيرَ موضِعِ الْحَاجَةِ، وَلْيَكُنْ مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ، وَلامْرَأَةٍ مَعَ امرَأَةٍ وَلو كَافِرَةٌ مَعَ مُسْلِمَةٍ، وَرَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ، وَسَيِّدٌ مَعَ
(1) سقطت الواو من (ب).
(2)
الاتجاه ساقط من (ب، ج).
(3)
في (ب): "مع كفيها ومس ما دعت إليه".
أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَمُزوَّجَةٍ (1) وَمَجُوسِيَّةٍ، نَظَرُ مَا بَينَ سُرَّةٍ وَرُكْبةٍ، وَلامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ، وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ وذُو شَهْوَةٍ مَعَهَا، وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمُحَرَّمٍ وَخُنثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرٍ إلَيهِ كَامْرَأَةٍ وَنَظَرُهُ لِرَجُلٍ كَنَظرِ امْرَأَةٍ إلَيهِ، وَلإمْرَأَةٍ كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيهَا، وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَينِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الآخَرِ وَلَمْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا، كَوَلَدٍ دُونَ سَبْعٍ، وَكُرِهَ نَظَرُ فَرْجٍ (2) حَال طَمْثٍ، وَتَقْبِيلُهُ بَعْدَ جِمَاعٍ لَا قَبْلَهُ، وَكَذَا سَيِّد مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ إلا بَعْضًا كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ.
وَحَرُمَ فِي غَيرِ مَا مَرَّ قَصْدُ نَظَرِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حَتَّى شَعْرٍ مُتَّصِلٍ لَا بَائِنٍ، قَال أَحْمَدُ: ظُفْرُهَا عورَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت فَلَا يَبِنْ شيءٌ وَلَا خُفَّهَا فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدِهَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ (3) النَّظَرُ لِوَجْهِ وَكَفِّ أَجنَبيَّةٍ لِغَيرِ حَاجَةٍ مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ، وَفِي الإِنْصَافِ هَذَا الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسُ غَيرَهُ خُصُوصًا الْجِيرَانُ، وَنَظَرُ خَصيٍّ وَمَحْبُوبٍ وَمَمْسُوحٍ كَفَحْلٍ، وَاسْتَعظَمَ أَحْمَدُ إدْخَالُ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ، وَحَرُمَ نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ أو مَعَ خوفِ ثَوَرَانِهَا لأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَال الشيخُ: وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ لِشَهْوَةٍ كَفَرَ إجْمَاعًا.
وَحَرُمَ نَظَرٌ لِدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَخَلْوَةٌ بِهَا، كَقِرْدٍ تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ، وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ قَالهُ فِي الإنْصَافِ، وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ تَكْرَارُ النَّظَرِ لِلأَمْرَدِ مُحَرَّمٌ، وَقَال الشَّيخُ مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الأَمْرَدِ أوْ دَاوَمَهُ، وَقَال:
(1) في (ج): "المزوجة".
(2)
من قوله: "نظر جميع .... فرج" سقطت من (ج).
(3)
في (ج): "يحرم".
إني لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ فَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ، وَقَال: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٌ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ، وَلوْ لِمَصلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْديبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ مَلْعُونٌ وَدَيُّوثٌ، وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ مُعَاشَرَةٍ بَينَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعلِيمِهِمْ انْتَهَى.
وَقَال أَحْمَدُ لِرَجُلٍ مَعَهُ غُلَامٌ جَمِيلٌ هُوَ ابنُ أُخْتِهِ: الَّذِي أَرَى لَكَ أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَكَ فِي طَرِيقٍ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُجَالسَةَ الغُلَامِ الحَسَنِ الْوَجْهِ وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ بَلْ أَوْلَى وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ، وَشَدَّدَ أَيضًا حَتَّى لِمَحْرَمٍ، وَجوَّزَهُ لِوَالِدٍ وَأَخْذُ يَدِ عَجُوزٍ وَشَوْهَاءَ وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا، بَلْ الْجَبْهَةِ وَالرَّأسِ وَكُرِهَ نومُ رَجُلَينِ أَوْ امْرَأَتَينِ أو مُرَاهِقَينِ مُتَجَرِّدَينِ تَحْتَ ثوبٍ أوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ.
وَيَتَّجِهُ: هَذَا مَعَ أَمنِ فِتْنَةٍ وَنَظَرِ عَوْرَةٍ وَلَمْسٍ، وَإِلَّا حَرُمَ.
وَإذَا بَلَغَ الإِخْوَةُ عَشرَ سِنِينَ فَرَّقَ بَينَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَصَوْتُ الأَجنَبِيَّةِ لَيسَ بِعَوْرَةٍ، وَيَحْرُمُ التلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ وَحَرُمَ خَلْوَةُ غَيرِ مَحْرَمٍ عَلَى الْجَمِيعِ مُطْلَقًا كَرَجُلٍ مَعَ عَدَدٍ مِنْ نِسَاءٍ وَعَكسُهُ وَلَوْ بِرَتْقَاءَ وَتَزَيُّنُ امْرَأَةٍ لِمَحْرَمٍ، كَأَبٍ وَأَخٍ، غَيرِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ.
* * *
فَصْلٌ
يَحْرُمُ تَصرِيحٌ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيرَ النَّكَاحِ بِخِطْبَةٍ مُعْتَدَّةٍ، إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ وَتَعْرِيضٌ بِخِطْبَةٍ رَجْعِيَّةٍ، وَيَجُوزُ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَبَائِنٍ (1) وَلو بغَيرِ ثَلَاثٍ، وَفَسْخٌ لِعُنَّةٍ وَعَيبٍ، وَهِيَ فِي جَوَابٍ كَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ (2)، وَالتَّعْرِيضُ نَحْوَ إنِّي فِي مِثلِكِ لَرَاغِبٌ، وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَأَعْلِمِينِي وَتُجِيبُهُ بِنَحْو: مَا يُرْغَبُ عَنْكَ، وإنْ قُضِيَ شَيءٌ كَانَ.
وتَحْرُمُ خِطبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ لَا كَافِرٍ، كَمَا لَا يَنْصَحَهُ نَصًّا إنْ أُجِيبَ وَلو تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ، وَإلَّا أَوْ تَرَكَ أو استُؤْذِنَ فَأَذِنَ أَوْ سَكَتَ جَازَ، وَالتَّعْويلُ فِي رَدٍّ وَإِجَابَةٍ عَلَى وَلِيٍّ مُجْبِرٍ، وَإِلَّا فَعَلَيهَا، وَلَا يُكْرَهُ لِوَلِيٍّ وَامْرَأَةٍ رُجُوعٌ عَنْ إجَابَةٍ لِغَرَضٍ، وإلَّا كُرِهَ، وَاخْتِيَارُهَا مُقَدَّمٌ عَلَى اخْتِيَارِ وَلِيٍّ، وَمَنْ خَطَبَ امْرَأَةً فَخَطَبَتْهُ أُخْرَى أَوْ خَطَبَتْهُ (3) أَوْ وَلِيُّهَا ابْتِدَاءً، فَأَجَابَ، فَخَطَبَهَا آخَرُ، يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ قَالهُ الشَّيخُ، وَفِي تَحْرِيمِ خِطْبَةِ مَنْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا بِتَزْويجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ احْتِمَالانِ، وَيَصِحُّ عَقْدٌ مَعَ خِطْبَةٍ حَرُمَتْ.
وَيُسَنُّ عَقْدٌ مَسَاءَ يوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ يَخْطُبَ قَبْلَهُ بِخُطْبَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ، وَلَم يُخْطَبْ فِيهِ بِهَا قَامَ وَتَرَكَهُمْ،
(1) قوله: "وبائن" سقطت من (ج).
(2)
في (ج): "فيما لا يحل ويحرم".
(3)
قوله: "أو خطبته" سقطت في (ج).
وَهِيَ: "إِن الحَمدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهْ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلا اللهَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَنْدُهُ وَرَسُولُهُ"، وَيَقْرَأُ ثَلاثَ آيَاتٍ:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (1)، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا (1)} (2) ، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (3)
…
الآَيَةَ وَبَعْدُ (4): فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالنِّكَاحِ، وَنَهَى عَنْ السِّفَاحِ، فَقَال تَعَالى مُخْبِرًا وَآمِرًا:{وَأنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (5) الآيَةَ (6)، وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ للهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ"، وَيُقَالُ لِمُتَزوِّجٍ نَدْبًا:"بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيكُمَا، وَجَمَعَ بَينَكُمَا فِي خَيرٍ وَعَافِيَةٍ"(7)، فَإِذَا زُفَّتْ إلَيهِ قَال نَدْبًا:"اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلَتَهَا عَلَيهِ"(8).
(1) سورة آل عمران (102).
(2)
سورة النساء (1).
(3)
سورة الأحزاب (70).
(4)
(5)
سورة النور (32).
(6)
في (ج): {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} .
(7)
وهو في حديث رواه أبو داود (رقم 2132)، والترمذي (رقم 1114)، ابن ماجه (رقم 1980) ، مسند الإمام أحمد (رقم 9191)، الدارمي (رقم 2229)، البيهقي (رقم 14214).
(8)
رواه بأكمله في سنن أبي داود (رقم 2162)، سنن ابن ماجه (رقم 2337).
فَصْلٌ خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ
قَالهُ أَحْمَدُ، فَوَجَبَ عَلَيهِ وتْرٌ وَقِيَامُ لَيلٍ، وَسِوَاكٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأُضْحِيَّةٌ وَرَكعَتَا فَجْرٍ، وَتَخْيِيرُ نِسَائِهِ بَينَ فِرَاقِهِ وَالإِقَامَةِ مَعَهُ، وَإنْكَارُ مُنْكَرٍ رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمُشَاوَرَةٌ فِي الأَمْرِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمُصَابَرَةُ عَدُوٍّ كَثِيرِ لِلْوَعْدِ بِالنَّصْرِ، وَمُنِعَ مِنْ رَمْزٍ بِعَينٍ وَإِشَارَةٍ بِهَا، وَنَزْعِ لَأمَةِ حَرْبٍ لَبِسَهَا قَبْلَ لِقَاءِ عَدُوٍّ، وَإمْسَاكِ (1) مَنْ كَرِهَتْ نِكَاحَهُ، وَمِنْ شِعْرٍ وَخَطٍّ، وَنِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ وَأَمَةٍ، وصَدَقَةٍ وَزَكَاةٍ عَلَى أَقَارِبِهِ، وَأَنْ يُهْدِيَ لِيُعْطَى أَكثَرَ، وأَنَّ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ قَالهُ الْقَاضِي، وَكَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَدِينٍ لَا وَفَاءَ لَهُ بِلَا ضَامِنٍ، ثُمَّ نُسِخَ فَكَانَ يُصَلِّي عَلَيهِ، ويوفِي مِنْ عِنْدِهِ، وَلَا يُوَرِّثُ بَلْ تَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُمْنَعُ مِنْ الإِرْثِ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَرِثُ؛ وَلَا يَعْقِلُ بِالإِجْمَاعِ، وَأُبِيحَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، ثُمَّ مُنِعَ بِقَوْلِهِ تَعَالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (2)، ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْمَنْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالى:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآيَةُ (3) لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ، وَلَهُ التَّزَوُّجُ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ
(1) من قوله: "كثير للوعد
…
عدو و" سقطت من (ج).
(2)
سورة الأحزاب (52).
(3)
سورة الأحزاب (50).
وَمَهْرٍ، وَفِي الإِحْرَامِ، وبِلَفظِ هِبَةٍ، وَيَحِلُّ لَهُ بِتَزْويجِ اللهِ كَزَينَبَ، ويُرْدِفَ الأَجْنَبِيَّةَ خَلْفَهُ وَيُزَوِّجَهَا لِمَنْ شَاءَ بِلَا إذْنِهَا وَإذْنِ وَلِيِّهَا، وَيَتَوَلَّى طَرَفَي الْعَقدِ، وَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً وَرَغِبَ فِيهَا، وَجَبَتْ عَلَيهَا الإِجَابَةُ، وَحَرُمَ عَلَى غَيرِهِ خِطْبَتُهَا، وَوصَالُ صَوْمٍ، وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَالصَّفِيُّ مِنْ الْمَغنَمِ، وَدُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَالْقِتَالُ فِيهَا سَاعَةً وَأَخْذُ الْمَاءِ مِن الْعَطْشَانِ، وأَنْ يَقْتُلَ بِغَيرِ إحْدَى الثَّلَاثِ، وَأُكرِمَ بِأَنْ جُعِلَ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَخَيرَ الخَلْقِ، وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ وقَارعٍ بَابَ الْجَنَّةِ، وَأَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا، وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَصُفُوفُ أُمَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأُمَّتُهُ أَفْضَلُ الأُمَمِ وَتَشْهَدُ عَلَيهِمْ بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ، وَأَصْحَابُهُ خَيرُ الْقُرُونِ، وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ مِنْ اجْتِمَاعٍ عَلَى الضَّلَالةِ، وَإجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ، وَنَسَخَ شَرْعُهُ الشَّرَائِعَ وَلَا يُنْسَخُ.
وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ وَمَحْفُوظٌ عَنْ التَّبْدِيلِ، وَإذَا ادَّعَى أَوْ ادُّعِيَ عَلَيهِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بِلَا يَمِينٍ، وَكَانَ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ وَهُوَ غَضْبَانٌ، وَيَحْكُمُ وَيَشهَدُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قَسْمٍ عَلَيهِ بَينَ الزَّوْجَاتِ كَغَيرِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ قَال: غَيرُ وَاجِبٍ، وَجُعِلَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَيَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَقْيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَنْ يُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَحَرُمَ نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ بَعْدَهُ، وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤمِنِينَ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ، وَتَحْرِيمِ عُقُوقِهِنَّ وَجُعِلَ ثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ ضِعْفَينِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْأَلنَ شَيئًا إلَّا مِنْ وَرَاءِ
حِجَابٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ غَيرُهُنَّ مُشَافَهَةً، وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيهِ دُونَ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيرِهِ، وَالنَّجَسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
وَهُوَ طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَينَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَيءٌ لأَنَّهُ نُورَانِيٌّ، وَالظِّلُّ نَوْعُ ظُلْمَةٍ وَكَانَتْ الأَرْضُ تَجْذِبُ أَتْفَالهُ، وَسَاوَى الأَنْبِيَاءَ فِي مُعْجِزَاتِهِمْ، وَانْفَرَدَ بِالْقُرْآنِ وَالْمَغَانِمِ، وَجُعِلَتْ لَهُ وَلأُمَّتِهِ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا، وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَبُعِثَ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ، وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَنَبَعَ الْمَاءُ مِن بَينِ أَصَابِعِهِ بَرَكَةٌ مِن اللهِ تَعَالى حَلَّت فِيهِ بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ يَفُورُ؛ وَيَخْرُجُ مِنْ أَصَابِعِهِ (1) لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ، قَالهُ فِي الْهَدْيِ.
وَيَجِبُ (2) عَلَى مَنْ دَعَاهُ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَإِجَابَتُهُ، وَتَطَوُّعُهُ قَاعِدًا كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا فِي الأَجْرِ، وَقَال الْقَفَّالُ عَلَى النِّصْفِ كَغَيرِهِ، وَلَا يَحِلُّ لأَحَدٍ رَفْعُ صَوْتِهِ فَوْقَ صَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ (3) أَو بِإِسْمِهِ كَيَا مُحَمَّدُ، بَلْ يَا رَسُولَ اللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، وَيُخَاطَبُ فِي الصَّلَاةِ بالْسَّلَامِ عَلَيكَ أَيَّهَا النَّبِيُّ وَتَبْطُلُ بِخِطَابِ مَخْلُوقٍ غَيرِهِ، وَخَاطَبَ إِبْلِيسَ بِقَولِهِ أَلعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ وَلَمْ تَبْطُلْ، وَالهَدِيَّةُ حَلالٌ لَهُ بِخِلَافِ غَيرِهِ مِنْ
(1) زاد فِي (ب): "من بين أصابعه".
(2)
زاد فِي (ج): "قال فِي الهدي لكن قال فِي المواهب وظاهر كلام القرطبي أنَّه نبع من اللحم الكائن فِي الأصابع وبه صرح النووي فِي شرح مسلم، ويؤيده قول جابر: فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه وفي رواية: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، وهذا هو الصحيح وكلاهما معجزة له، ويجب".
(3)
فِي (ج): "الحجاب".
وُلَاةِ الأُمُورِ فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ هَدِيَّةُ رَعَايَاهُمْ، وَمَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رآهُ حَقًّا؛ لأَنَّ الشَّيطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ.
وَكَانَ لَا يَتَثَاءَبُ، وَعُرِضَ عَلَيهِ الخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَيُبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْكَذِبُ عَلَيهِ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيرِهِ وَمَنْ تَعَمَّدَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ، وَتَنَامُ عَينَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَيَرَى مَنْ خَلْفَهُ كَأَمَامِهِ رُؤيَةً بالعَينِ حَقِيقَةً نَصًّا، وَالدَّفْنُ فِي الْبُنْيَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا، وَاسْتُحِبَّتْ زِيَارَتُهُ لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَخُصَّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ ذُكِرَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ.
* * *