الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ أَدَبُ القَاضِي
(1)
وَهُوَ أَخلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي التَّخَلُّقُ بِهَا وَالْخُلُقُ صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ، يُسَنُّ كَوْنُهُ قَويًّا بِلَا عُنْفٍ لَيِّنًا بِلَا ضَعْفٍ حَلِيمًا مُتَأَنِّيًا مُتَفَطِّنًا عَفِيفًا وَرِعًا نَزِهًا بَعِيدًا مِنَ الطَّمَعِ صَدُوقَ اللَّهْجَةِ بَصيرٌ بِأَحْكَام الحُكَّامِ قَبْلَهُ يَخَافُ اللهَ ويراقِبَهُ لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ، وَلَا يُخْدَعُ لِغُرَّةٍ (2) صَحِيحَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ ولَايَتِهِ لَا يَهْزِلُ، ذَا رَأيِ وَمَشُورَةِ لِكَلَامِهِ لِينٌ إذَا قَرُبَ، وَهَيبَةٌ إذَا أَوْعَدَ، وَوَفَاءٌ إذَا وَعَدَ لَا جَبَّارًا وَلَا عَسُوفًا وَسُنَّ سُؤَالُهُ إنْ وُلِّيَ فِي غَيرِ بَلَدِهِ عَنْ عُلَمَائِهِ وَعُدُولِهِ وَإعْلَامُهُمْ بِيَوْمِ دُخُولِهِ (3) لِيَتَلَقَّوْهُ مِنْ غَيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيهِ وَدُخُولُهُ يَوْمَ اثْنَينِ أَوْ خَمِيسٍ أَوْ سَبْتٍ ضحْوَةً لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ وَكَذَا أَصْحَابُهُ وَلَا يَتَطَيَّرُ وإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ فَيَأْتِي الْجَامِعَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ (4) وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلًا وَيَأْمُرُ بِعَهْدِهِ فَيَقْرَأ عَلَى النَّاسِ وَبِمَنْ يُنَادِيهِمْ بِيَوْمِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ وَيُقِلُّ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةِ ثُمَّ يَمْضِي إلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ وَيُنْفِذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَيَأْمُرُ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضرِ عَدْلَينِ ثُمَّ يَخْرُجُ يَوْمَ الْوَعْدِ بِأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيرَ غَضْبَانَ وَلَا جَوْعَانَ وَلَا حَاقِنٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْفَهْمِ فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ وَلَوْ صَبِيًّا ثُمَّ عَلَى مَنْ بِمَجْلِسِهِ
(1) في (ب): "باب أدب القضاء".
(2)
في (ج): "من غرة".
(3)
قوله: "بيوم" سقطت من (ب).
(4)
في (ج): "فيه ركعتين".
ويصَلِّي إنْ كَانَ بِمَسْجِدٍ تَحِيتَهُ وَإِلَّا خُيِّرَ وَالأَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَو نَحْوهِ لَا عَلَى تُرَابٍ وَحُصُرِ مَسْجِدٍ؛ لأَنَّهُ يُذْهِبُ هَيبَتَهُ مِنْ أَعْيُنِ الْخُصومِ وَيَدْعُو بِالتَّوْفِيقِ وَالعِصْمَةِ مُسْتَعِينًا مُتَوَكِّلًا سِرًّا وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ لَا يَتَأَذَّى فِيهِ بِشَيءٍ فَسِيحًا كَجَامِع، وَلَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَيَصُونُهُ عَمَّا يُكرَهُ أَوُ دَارٍ وَاسِعَةٍ وَسَطَ الْبَلَدِ إن أَمْكَنَ وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا نَدْبًا بِلَا عُذرٍ إلا فِي غَيرِ مَجْلِسِ حُكْم إنْ شَاءَ، وَلَيسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الاسْتِرَاحَةِ وَيَعْرِضُ الْقِصَصَ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ سَابِقٍ كَسَبْقِهِ لِمُبَاحٍ.
وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا نَحْو مُسْتَحَمٍّ وَرَحَى وَبَيتِ خَلَاءٍ.
لَا فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ وَيُقْرِعُ إنْ حَضَرُوا دَفْعَة وَتَشَاحُّوا وَعَلَيهِ الْعَدْلُ بَينَ مُتَحَاكِمَينِ فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَدُخُولٍ عَلَيهِ إلَّا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَيَرُدُّ، وَلَا يَنْتَظِرُ سَلَامَ الثَّانِي وَإِلا الْمُسْلِمَ مَعَ الْكَافِرِ فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ عَلَيهِ دُخُولًا وَيَرْفَعُ فِي الْجُلُوسِ وَلَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ لِلْخَصْمَينِ ويحْرُمُ لأَحَدِهِمَا وَأَنْ يُسَارَّهُ أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّتَهُ أَوْ يُضَيِّفَهُ أَوْ يُعَلِّمَهُ كَيفَ يَدَّعِي إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ كَشَرْطِ عَقْدٍ وَسَبَبٍ وَنَحْوهِ فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَزِنَ ويشْفَعَ لِيَضَعَ عَنْ خَصْمِهِ أَوْ يُنْظِرَهُ وَأَنْ يُؤَدِّبَ خَصمًا افْتَاتَ عَلَيهِ بِقَوْلِهِ: حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيرِ الحَقِّ، أَو ارْتَشَيتَ وَنَحْوَهُ وَلَوْ (1) لَمْ يُثبِتْ بِبَيِّنَةٍ وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَأَنْ يَنْتَهِرَهُ إذَا الْتَوَى.
* * *
(1) قوله: "لو" سقطت من (ج).
فَصْلٌ
وَسُنَّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ وَمُشَاوَرَتُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ، قَال أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ يُشَاورُونَ وَيَنْظُرُونَ فَإِنْ إِتَّضَحَ لَهْ الحُكْمُ وَإِلَّا أَخَّرَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيهِ تَقْلِيدُ غَيرِهِ وَلَوْ أَعْلَمَ مِنْهُ قَال أَحْمَدُ: لَا تُقَلِّدْ أَمْرَكَ أَحَدًا غَيرَكَ وَعَلَيكَ بِالأَثَرِ. فَإِنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيهِ إلَّا إنْ خَالفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا وَلَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ وَيَحْرُمُ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ كَثِيرًا أَوْ حَاقِنٌ أَوْ فِي شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ مَلَلٍ أَوْ كَسَلٍ أَوْ نُعَاسٍ أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ فَرَحٍ فَإِنْ خَالفَ وَحَكَمَ فَأَصَابَ الحَقَّ نَفَذَ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَضَاءُ مَعَ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيهِ غَلَطٌ يُقِرُّ عَلَيهِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ رِشْوَةً، وَدَفْعِهَا إِلّا لِدَفْعِ (1) ظُلْمَةٍ وَكَذَا هَدِيَّةٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي غَيرِ عَمَلِهِ إلَّا مِمَّنْ كَانَ (2) يُهَادِيهِ قَبْلَ ولَايَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ، فَيُبَاحُ كَذِي رَحِمِهِ وَكَمُفْتٍ وَرَدُّهَا أَوْلَى فَإِنْ خَالفَ حَيثُ حَرُمَ رُدَّتَا لِمُعْطٍ وَاسْتِعَارَتُهُ كَالْهَدِيَّةِ وَكَذَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ فَأَهْدَى لِوَلَدِهِ وَإِنْ أَهْدَى لِمَنْ يَشفَعُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا لأَنَّهَا كَالأُجْرَةِ وَالشَّفَاعَةُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَقَال أَحْمَدُ فِي مَنْ وَلِي شَيئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ: لَا أُجِيزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيئًا، يُرْوَى هَدايَا الأُمَرَاءُ غَلُولٌ، وَنَصَّ
(1) زاد في (ب): "ولا فعلا في حكم ويحرم قبوله رشوة وبذلها إلا لدفع ظلمة".
(2)
في (ب): "إلا من كان".
أَحْمَدُ أَيضًا فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّة أَنَّهُ لَا يَقبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ وَيُكْرَهُ بَيعُهُ وَشِرَاؤُهُ إلَّا بِوَكِيل لَا يُعْرَفُ بِهِ وَلَيسَ لَهُ (1) وَلَا لِوَالٍ أَنْ يَتَّجِرَ وَتُسَنُّ لَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشَهَادَةُ الْجَنَائِزِ وَتَوْدِيعُ غَازٍ وَحَاجٍّ، مَا لَمْ يَشغَلْهُ وَهُوَ فِي دَعَوَاتِ كَغَيرِهِ وَلَا يُجِيبُ قَوْمًا وَيَدَعُ قَوْمًا بِلَا عُذْرٍ ويوصِي (2) الْوُكَلَاءَ وَالأَعْوَانَ بِبَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ وَقِلَّةِ الطَّمَعِ ويَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ وَيُبَاحُ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ويشتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا وَسُنَّ كَوْنُهُ حَافِظًا عَالِمًا فَقِيهًا أَمِينًا حُرًّا وَرِعًا نَزِهًا لَا يُستَمَالُ بِهَدِيَّةٍ جَيِّدَ الْخَطً لَا يَشْتَبِهُ عَلَيهِ سَبْعَة بِتِسْعَةٍ، صَحِيحَ الضَّبْطِ وَيَجْلِسُ حَيثُ يُشَاهِدُ الْقَاضِي مَا يَكْتُبُهُ ويُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ بَينَ يَدَيهِ لِيُشَافِهَهُ بِمَا يُمْلِي عَلَيهِ وَإِنْ تَوَلَّى الْقَاضِي الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ جَازَ وَيَجْعَلُ الْقَاضِي الْقِمَطْرَ وَهُوَ مَا يَتَجَمَّعُ فِيهِ الْقَضَايَا؛ مَخْتُومًا بَينَ يَدَيهِ وَيُسَنُّ حُكمُهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ يَسْمَعُونَ كَلَامَ الْمُتَحَاكِمَينِ ويحْرُمُ تَعْيِينُهُ قَوْمًا بِالْقَبُولِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يَشْهَدُهُمْ النَّاسُ يَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ وَيَسْتَغْنِي الْحَاكِمُ عَنْ الكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَيسَ لَهُ مَنْعُ الْفُقَهَاءِ مِنْ عَقْدِ عُقُودٍ وَكِتَابَةِ حِجَجٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الشَّرْعِ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ فَقِيهًا كَأَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ وَلِيُّهَا بِحَضرَةِ شَاهِدَينِ؛ فَيَكْتُبُ كَاتِبٌ عَقْدَهَا (3)، أَوْ يَكْتُبُ رَجُلٌ
(1) من قوله: "هدية أنه
…
وليس له" سقطت من (ج).
(2)
زاد في (ب): "ويوصي نفسه ثم الوكلاء".
(3)
قوله: "عقدها" سقطت من (ج).
عَقْدَ بَيعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكَانَ ذَلِكَ حِرْفَةَ الْكَاتِبِ فَإِنْ مَنَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ حَرُمَ وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَلَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لهُمْ وَيُحَكِّمُ بَينَهُمْ بَعْضَ نُوَّابِهِ وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُمْ كَحُكْمِهِ لِغَيرِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَيهِمْ.
* * *
فَصْلٌ
وَيُسَنَّ أَنْ يَبْدَأَ بالْمَحْبُوسِينَ فَيَنْفُذُ ثِقَةً يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ، وَفِيمَ ذَلِكَ ثُمَّ يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ فَإِذَا جَلَسَ لِمَوْعِدِهِ فَمَنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ نَظَرَ بَينَهُمَا فَإِنْ كَانَ حُبِسَ لِتُعَدَّلَ الْبَيِّنَةُ حُبِسَ وَيُقْبَلُ قَوْلُ خَصْمِهِ فِي أنَّهُ بَعْدَ (1) تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَتَعْدِيلِهَا وَإِنْ حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ أَوْ خَمرِ ذِمِّيٍّ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ خُلِّيَ.
وَيُتَّجَهُ: مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ.
وَإنْ بَانَ حَبْسُهُ فِي تُهْمَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ كَافْتِيَاتٍ عَلَى قَاضٍ قَبْلَهُ وَنَحْوهِ خَلَّاهُ أَوْ أَبْقَاهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى فَإِطلَاقُهُ وَإِذْنُهُ وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَينٍ وَنَفَقَةٍ لِيَرْجِعَ وَوَضْعِ مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ لِيَزُولَ الضَّمَانُ وَخَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ وَأَمْرُهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ، وَقُرْعَتُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَكَذَا (2) نَوْعُ مَنْ فَعَلَهُ يَسْتَفِيدُهُ بِوَلَايَةِ الحُكمِ بِخِلَافِ بَيعٍ عَلَى يَتِيمٍ هُوَ وَصِيُّهُ كَتَزْويجِ (3) يَتِيمَةٍ وَشِرَاءِ عَينٍ غَائِبَةٍ وَعَقْدِ (4) نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَتَقْدِيرُهُ أُجْرَةَ مِثْلٍ وَنَفَقَةٍ وَحُكْمُهُ بِشَيءٍ حُكمٌ بِلَازِمِهِ.
وَيُتَّجَهُ: فَحُكْمُهُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ حُكْمٌ بِلَازِمِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَقَسْمٍ وَمَهْرٍ.
وَإِقْرَارُهُ غَيرُهُ عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلِفِ فِيهِ وَبِثُبُوتِ شَيءٍ عِنْدَهُ لَيسَ حُكْمًا بِهِ.
(1) في (ج): "في أنه حبسه بعد".
(2)
في (ج): "إن كان وكذا".
(3)
في (ج): "وتزويج".
(4)
في (ب): "يتيمة وبيع مال وعقد".
فَصْلٌ
وَتَنْفِيذُ الْحُكْم يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْم الْمُنَفَّذِ لَا أَنَّهُ حُكْمٌ إذْ الْحُكمُ بِالْمَحْكُومِ بَهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَفِي كَلامِ الأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ لأَنَّ الْحَادِثَةَ يَجُوزُ شَرْعًا تَوَارُدُ أَحْكَامِ مُتَعَدِّدَة عَلَيهَا وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِجَازَةٌ لَهُ وإمْضَاءٌ كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَالْحُكمُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمُلْكِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَب -بِفَتحِ الْجِيِم- حُكْمٌ بِمُوجَب الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بَيِّنَتُهُ أَوْ غَيرِهَا كَبِإِقْرَارٍ (1) فَالدَّعْوَى الْمُشتَمِلَةُ عَلَى ذَلِكَ (2)، الْحُكمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ لَيسَ حُكْمًا بِهَا وَقَال السُّبْكِي الْحُكمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ المُتَصَرِّفِ وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنُ تَصَرُّفِهِ فِي مَحَلِّهِ وَقَال أَيضًا، الْحُكْمُ بِالْواجَبِ (3) هُوَ الأَثَرُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ وَبِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ (4) بِحَيثُ يَتَرَتَّبُ الأَثَرُ (5) وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَالْحُكمُ بِالإِقْرَارِ وَنَحْوهِ كَالْحُكْمِ (6) بِمُوجَبِهِ وَالْحُكمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْتَمِلُ الْفَسَادَ انْتَهَى. قَال الْمُنَقِّحُ: وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَتَلْخِيصُهُ عَلَى مَا أَفَادَهُ العِرَاقِيُّ وَشَيخُهُ البُلْقِينِي
(1) في (ج): "كإقرار".
(2)
زاد في (ب): بعد قوله: "فالدعوى المشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعى به الحكم فيها بالموجب حكم بالصحة وغير المشتملة على ذلك".
(3)
في (ب): "بالموجب".
(4)
من قوله: "يوجبه .. اللفظ" سقطت من (ج)، وفي (ج):"يوحيه اللفظ".
(5)
زاد في (ب): "يترتب عليه الأثر".
(6)
زاد في (ب): "ونحوه كالنكول كالحكم".
أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِإِسْتِيفَاءِ شُرُوطِ عَقْدٍ يُرادُ الْحُكْمُ بِهِ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ، وَإِلَّا حُكِمَ بِمُوجِبِهِ بِالْمُوجَبِ أَحَطُّ رُتْبَةً وَقَدْ يَسْتَويَانِ فِي مَسَائِلَ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِمُوجِبِهِ أَوْ بِشُفْعَةِ جَارٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى نَفْسٍ؛ فَلَيسَ لِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ وَكَحُكْمِ شَافِعِيٍّ بِصحَّةِ أَوْ مُوجَبِ إجَارَةِ مُشَاعٍ فَلَيسَ لِلْحَنَفِيِّ نَقْضُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ كَحُكْمٍ بِصحَّةِ (1) تَدْبِيرٍ، فَيُسَوَّغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكمُ بِبَيعِهِ لأَنَّ التَّدْبِيرَ عَنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَلَكِنْ يُبَاعُ فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبَيعِهِ (2) مُوجَبِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُ عَدَمُ بَيعِهِ، وَلَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ؛ سَاغَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكمُ بِالشُّفْعَةِ؛ لأنَّ الْبَيعَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ مُسَلَّطٌ لأَخْذِ الْجَارِ وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِي بِمُوجَبِ الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِهَا لأَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ دَوَامَهُ وَاسْتِمْرَارَهُ. وَالْقَضِيَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ فِيهِ؛ نَفَذَ، وَمَا لَا فَلَا، فَالأَوَّلُ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ بَعْدَ صُدُورِهِ؛ فَحُكْمُهُ بِهِ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُهُ، وَصَارَ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ بِتَزْويجِهَا؛ فَيَحْكُمُ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا، وَبَادَرَ شَافِعِيٌّ، وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ؛ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلأَوَّلِ؛ لأَن حُكْمَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الطَّلَاقَ لأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ حِينَ الْحُكْمِ فَكَيفَ يُحْكَمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ فَمَا هَذَا مِنْهُ إلَّا فَتْوَى وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ، انْتَهَى.
* * *
(1) زاد في (ب): "كحكم حنفي بصحة".
(2)
من قوله: "التدبير عند الشافعي
…
الحكم ببيعه" سقط من (ب، ج) وفيهما: "ببيعه لأن من موجب التدبير".
فَصْلٌ
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمُهُ، وَأَنْكَرَهُ نُودِيَ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَلَّفَهُ وَخَلَّاهُ وَمَعَ غَيبَةِ خَصْمِهِ يَبْعَثُ إلَيهِ وَمَعَ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرِ يُخَلَّى وَالأَوْلَى بِكَفِيلٍ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَيتَامٍ وَمَجَانِينَ وَوُقُوفٍ وَوَصَايَا لَا وَلِيَّ لَهُمْ وَلَا نَاظِرَ فَلَوْ نَفَّذَ الأَوَّلُ وَصِيَّةَ مُوصًى إلَيهِ أَمْضَاهَا.
الثَّانِي: فَدَلَّ أنَّ إثْبَاتَ صِفَةً كَعَدَالةِ وَجَرْحِ وَأَهْلِيَّةِ مُوصًى إلَيهِ وَنَحْوهِ حُكْمٌ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ آخَرُ وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلأَطْفَالِ أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا وَنَحْوَهُ بِحَالِهِ أَقَرَّهُ وَمَنْ فَسَقَ عَزَلَهُ وَيَضُمُّ إلَى ضعِيفٍ أَمِينًا وَلَهُ إبْدَالُهُ وَالنَّظَرُ فِي حَالِ قَاضٍ قَبْلَهُ، وَلَا يَجِبُ وَيَحْرُمُ أَن يَنْقُضَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ غَيرَ مَا خَالفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، أَو آحَادًا كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَحُرٍّ بِقِنٍّ وجَعْلُ مَنْ وَجَدَ عَينَ مَالِهِ أُسْوَةَ الغُرَمَاءِ أَوْ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ إجْمَاعًا، فَيَلْزَمُ (1) نَقْضُهُ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمٌ بِتَزْويجِهَا بِنَفْسَهَا وَلَا لِمُخَالفَةِ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ وَلَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ أَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ ويمِينٍ أَوْ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ أَوْ دَاخِلٍ وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةٍ تُقَابِلُهَا وَمَا قُلْنَا يُنْقَضُ فَالنَّاقِضُ لَهُ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ فَيَثْبُتُ السَّبَبُ وَيُنْقِضُهُ إنْ بَانَ مِمنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ مَا لَا يُرَى مَعَهُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَكَذَا كُلُّ مَا صَادَفَ مَا حُكِمَ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ كَبَيعِ عَبْدٍ مَنْذُورٍ عِتْقُهُ وَتُنْقَضُ أَحْكَامُ مَنْ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ وَافَقَتْ الصَّوَابَ خِلَافًا لِجَمْعٍ.
(1) في (ب): "أو بخلاف ما يعتقده إجماعا يبطل، فيلزم".
فَصْلٌ
وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ بِمَا تَتْبَعُهُ الهِمَّةُ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ وَلَوْ لَمْ يُحَرِّرْ الدَّعْوَى وَمَنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ أَوْ حَاكِمٌ حَيثُ يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ، بِخِلَافِ مُعْسِرٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَإِلَّا أَعْلَمَ الْوَالِي بِهِ وَمَتَى حَضرَ فَلَهُ تَأدِيُبُه بِمَا يَرَاهُ مِنْ كَلَامٍ وَكَشْفِ رَأسٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ ومَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الأَكَابِرِ ثُمَّ يُرَاسِلُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ وَإلَّا أَحْضَرَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ لإِحْضَارِ مَنْ تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا مَحْرَمٌ وَغَيرُ الْبَرْزَةِ تُوَكِّلُ كَمَرِيضٍ وَنَحْوهِ وَإِنْ وَجَبَتْ يَمِينٌ أَرْسَلَ مَن يُحَلِّفَهَا وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ بِهِ بَعَثَ إلَى مَنْ يَتَوَسَّطُ بَينَهُمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ حَرَّرَ دَعْوَاهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَلَوْ بَعُدَ بِعَمَلِهِ وَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَهَادَةً؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَمْ يُعَدَّ عَلَيهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ وَمَنْ قَال لِحَاكِمٍ حَكَمْتَ عَلَي بِفَاسِقَينِ عَمْدًا فَأَنْكَرَ لَمْ يَحْلِفْ وَإنْ قَال مَعْزُولٌ عَدْلٌ لا يُتَّهَمُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي ولَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَهُوَ مِمَّنْ يُسَوَّغُ لَهُ الْحُكْمُ لَهُ كَغَيرِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ؛ قُبِلَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ كَحَكَمْتُ بِشَاهِدَينِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَوْ أَنَّ الْعَادَةَ تَسْجِيلُ أَحْكَامِهِ وَضَبْطِهَا بِشُهُودٍ مَا لَمْ يَشتَمِلْ عَلَى إبْطَالِ حُكْم حَاكِمٍ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَخْبَرَ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ؛ لَمْ يُقْبَلْ وإنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ وَلَوْ فِي غَيرِ عَمَلِهِمَا قُبِلَ وَعُمِلَ بِهِ إِذَا بَلَغَ عَمَلُهُ لَا مَعَ حُضُورِ مُخبِرٍ وَهُمَا بِعَمَلِهِمَا بِالثُّبُوتِ وَكَذَا إخْبَارُ أَمِيرِ جِهَادٍ وَأَمِينِ صَدَقَةٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ مُتَبَرِّعَينِ.