الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ القَضَاءِ وَالفُتْيَا
وَهِيَ تَبْيِينُ الحُكم الشَّرعِي بِلا إِلزَامٍ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَحْفَظَ الأَدَبَ مَعَ المُفْتِي وَيُجِلَّهُ وَيُعَظِّمَهُ، وَلَا يَفْعَلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ العَوَّامِ بِهِ كَإِيمَاءٍ فِي وَجهِهِ، أَو مَا مَذْهَبُ إمَامِكَ فِي كَذَا أَوْ مَا تَحفَظُهُ أَو إنْ كَانَ جَوَابُكَ مُوَافِقًا فَاكتُبْ وَإلَّا فَلَا، وَلَا يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ لَكِنْ إنْ عَلِمَ الْمُفْتِي غَرَضَ السائِلِ فِي شَيءٍ (1) لَم يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ بِغَيرِهِ وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِالهَوَى وبِقَولٍ أو وَجهٍ مِن غَيرِ نَظَرٍ فِي التَّرجِيحِ إجمَاعًا؛ وَيَجِبُ أَنْ يَعمَلَ بِمُوجِبِ اعتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيهِ وَكَانَ السَّلَفُ يَهَابُونَ الْفُتْيَا ويشَدِّدُونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَهَا وَأَنكَرَ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ عَلَى مَنْ يَهجُمُ عَلَى الجَوَابِ وَقَال: لَا يَنْبَغِي أَن يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُستفتَى فِيهِ، وَقَال: إذَا هَابَ الرَّجُل شَيئًا لَا يَنْبَغِي أن يُحمَلَ عَلَى مَا (2) يَقُولُ وَقَال: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أن يُنَصِّبَ نَفسَهُ لِلفُتيَا حَتى يَكُونَ فِيهِ خَمسُ خِصَالٍ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ لَم يَكُن لَهُ نِيَّة لَم يَكُنْ عَلَيهِ وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ، وأَنْ يَكُونَ لَهُ حِلمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَأَن يَكُونَ قَويًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعرِفَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ وَإِلَّا بَغَضَهُ النَّاسُ؛ فَإِنَّهُ إذَا احتَاجَ أَخَذَ مِمَّا فِي أَيدِيهِم وَأنْ يَعْرِفَ الناسَ وَخِدَاعَهُم (3)، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحسِنَ
(1) في (ج): "غيره".
(2)
في (ج): "أن".
(3)
في (ب): "وأخداعهم".
الظَّن بِهِمْ، بَل يَكُونُ حَذِرًا فَطِنًا مِمَّا يُصَوِّرُونَهُ فِي سُؤَالاتِهِمْ وَسئِلَ أَحمَدُ أَيَكفِي الرَّجُلَ مِائَةُ أَلفِ حَدِيثٍ حَتَّى يُفْتِيَ، قَال: لَا. حَتَّى قِيلَ خَمْسُمِائَةِ أَلفِ حَدِيثٍ قَال أَرْجُو. وَاعتُرِضَ عَلَى ابنِ شَاقِلَا بِهَذَا فَقَال: إنْ كُنْتُ لَا أَحفَظُهُ، فَإِني أُفْتِي بِقَولِ مَنْ يَحْفَظُ أَكثَرَ مِنْهُ وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا وَقَال الشيخُ النَّاظِرُ الْمُجَرَّدُ يَكُونُ (1) حَاكِيًا لَا مُفْتِيًا وَقَال بَعْضُهُمْ مُخَالفَةُ المُفْتِي نَصَّ إمَامِهِ الذِي قَلَّدَهُ كَمُخَالفَةِ المُفْتِي نَصَّ الشَّارعِ وَحَرُمَ أَنْ يُفْتِيَ فِي حَالٍ لَا يُحْكَمُ فِيهَا كَغَضَبٍ وَنَحْوهِ فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ صحَّ.
* * *
(1) قوله: "يكون" سقطت من (ج).
فصلٌ
وَيَصِحُّ فَتْوَى عَبْدٍ وَامرَأَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّيٍّ وَأَخْرَسَ وَمَعَ جَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَعَلَى عَدُوٍّ ولا تَصِحُّ مِنْ فَاسِقٍ وَلَو مَستُورًا وَيُفْتِي مُجْتَهِدٌ فَاسِق نَفْسَهُ وَيُقَلِّدُ الْعَدْلَ وَلَو مَيِّتًا، وَهُوَ كَالإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الأَعْصَارِ ويُقَلِّدُ عَاميٌّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا لَا إنْ جَهِلَ عَدَالتَهُ وَيَجُوزُ تَقلِيدُ مَفْضُولٍ مِنْ المُجتَهِدِينَ وَيَحرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ وتَقلِيدُ مَعرُوف بِهِ قَال الشَّيخُ لَا يَجُوزُ (1) استِفتَاءُ إلَّا مَنْ يُفْتِي بِعِلمٍ وَعَدلٍ وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ سُؤَالُ أَهلِ الفِقهِ وَالخَيرِ، فَإِنْ جَهِلَ عَدَالتَهُ حَرُمَ تَقْلِيدُهُ وَيَلْزَمُ الْمُفتِيَ تَكْرِيرُ النظَرِ عِتدَ تَكْرَارِ الوَاقِعَةِ وَإِنْ حَدَثَ مَا لَا قَوْلَ فِيهِ تَكَلَّمَ فِيهِ حَاكِمٌ وَمُجتَهِدٌ وَمُفْتٍ، وَيُشَاورَ مَنْ يَثِقُ بِعِلْمِهِ إلا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إفْشَاءُ سِرِّ السائِلِ أَو تَعْرِيضُهُ لِلأَذَى أَوْ مَفْسَدَةٌ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ وَفِي آدَابِ المُفْتِي لَيسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي شَيءٍ مِنْ مَسَائِلِ الكَلَامِ مُفَصَّلًا، بَل يَمْنَعُ السائِلَ وَسَائِرَ العَامَّةِ مِنْ الخَوضِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا يَلزَمُ الْمُفْتِيَ جَوَابُ مَا لم يَقع وَيُندَبُ وَلَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ وَلَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ وَسُئِلَ أحْمَدُ عَنْ يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَقَال لِلسائِلِ: أَحْكَمتَ الْعِلمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا، وَسُئِلَ عَنْ مسأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ فَقَال: سَلْ عَمَّا اُبتُلِيتَ بِهِ. وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا فِي بَلَدِهِ وَغَيرِهِ؛ فَحُكمُهُ حُكمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ وَقِيلَ مَتَى خَلَتْ الْبَلَدُ مِنْ مُفْتٍ حَرُمَ السَّكَنُ بِهَا وَلِمُقتٍ رَدُّ الفُتيَا إنْ كَانَ بِالبَلَدِ (2) قَائِم مَقَامَهُ وَإِلَّا
(1) في (ج): "وفي محلها".
(2)
في (ج): في "البلد".
لَمْ يَجُزْ وَتَعَيَّنَ عَلَيهِ (1) الْجَوَابُ كَقَولِ حَاكِمٍ لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيهِ امْضِ إلَى غَيرِي مِنْ الْحُكَّامِ وَيَحْرُمُ إطلَاقُ الفُتْيَا فِي اسمٍ مُشتَرَكٍ إجْمَاعا وَالْمُرَادُ حَيثُ لَا ظَاهِرَ فَمَنْ سُئِلَ أَيُؤكَلُ بِرَمَضَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الأَوَّلِ أَو الثَّانِي، أَوْ هَلْ يَستَحِقُّ أُجرَةً مَنْ قَصَّرَ ثَوْبًا وَجَحَدَهُ، فَيَقُولُ إنْ قَصَّرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ فَلَهُ وَبَعْدَهُ لَا لأَنهُ قَصَّرَهُ لِنَفْسِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَبِي حَنِيفَةَ لأَبِي يُوسُفَ (2) وَلَيسَ عَلَيهِ أَن يَذْكُرَ الْمَانِعَ فِي الْمِيرَاثِ مِنْ الْكُفْرِ وَغَيرِهِ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيةِ الْعُقُودِ مِنْ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْجُنُونَ (3) وَالإِكْرَاهَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الحَالِ، وَإذَا سُئِلَ عَنْ شَرْطِ وَاقِفٍ لَمْ يُفْتِ بِإِلْزَامِ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ الشَّرْطُ مَعْمُول بِهِ فِي الشَّرْعِ أَوْ لَا، كَشَرْطِ صَلَاةٍ فِي تُرْبَةٍ دُفِنَ بِهَا وَاقِفٌ، وَشَعْلُ قِنْدِيلٍ بِهَا وَشَرْطُ سُكَّانٍ نَحْوِ زَاويَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَشِيعَةٍ وَمُشْتَغِلِينَ بِرَقْصٍ.
* * *
(1) قوله: "عليه" سقطت من (ج).
(2)
في (ج): "وأبي يوسف".
(3)
في (ب): "فلا يجب الجنون".
فصلُ
وَلِلْمُفْتِي تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَينَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَا مَرَّ فِي الجَامِعِ وَيَتَخَيَّرُ (1) وَإِنْ لَمْ يُخَيِّرْهُ، وَلُزُومُ الْتَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الانْتِقَالِ إلَى غَيرِهِ الأَشْهَرُ عَدَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْعَامي أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ كَمَا لَا يَلْزَمْ (2) فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الأُمَّةِ وَفِي الْمُغْنِي النسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالأَئِمَةِ الأَرْبَعَةِ لَيسَت بِمَذْمُومَةٍ، فَإِن اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ، وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ. قَال بَعضُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِن الإِجْمَاعَ لَيسَ عِبَارَةً عَنْ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ قَال فِي الْفُرُوعِ وَلَيسَ فِي كَلَامِ الشيخِ مَا فَهِمَهُ هَذَا الْحَنَفِيُّ. انْتَهَى وَفِي الإِفْصَاحِ الإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ المَذَاهِبِ الأَرْبَعةِ وَأَنَّ الحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَيَتَّجِهُ: حَيثُ لَا (3) تَحْتَمِلُ الْمَسْأَلَةُ قَيدًا كَمُقَلِّدِ دَاوُدَ فِي حِلٍّ شَحْمِ الخِنزِيرِ، وَابْنِ حَزْمِ فِي اللُّبْثِ بِمَسْجِدٍ لِلْجُنُبِ وَابْنِ تَيمِيةَ وَغَيرِهِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ الثلَاثَ دَفْعَةً لَا يَقَعُ غَيرَ وَاحِدَةٍ، وَفِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّقَيُّدَ امْتَنَعَ التَّقْلِيدُ كَمُقَلِّدِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي حِلِّ المُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ العَقْدِ مَعَ الْحِيلَةِ وَمُقَلِّدِ نَافِعٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ حَالةَ الْحَيضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ (4).
(1) في (ب): "مر في الخلع ويتخير".
(2)
في (ب): "لم يلزم".
(3)
في (ب): "لا يخرج عنهم ويتجه: وفيه نظر حيث لا".
(4)
من قوله: "حيث لا تحتمل
…
ذلك حينئذ" سقطت من (ج).
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ الحِيَلِ المُحَرَّمَةِ وَالمَكرُوهَةِ، وَلَا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَسَقَ، وَحَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ وَإِنْ حَسُنَ قَصدُهُ فِي حِيلَةٍ جَائِزَةٍ، وَلَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ، لِيَتَخَلَّصَ الْمُسْتَفْتِي بِهَا مِنْ حَرَجٍ جَازَ كَمَا أَرْشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بلَالًا إلَى بَيعِ التَّمرِ بِدَرَاهِمَ، ثُم يَشتَرِي بِالدَّرَاهِمِ تَمرًا آخَرَ؛ فَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا وَلَيسَ لِمَنْ انْتَسَبَ لمَذْهَبِ إمَامٍ أَن يَتَخَيَّرَ فِي مَسأَلَةٍ ذَاتِ قَولَينِ بَل عَلَيهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيهُمَا أَرجَحُ، فَيَعْمَلُ بِهِ، وَقَال الْقَاضِي فِيمَا إذَا اعْتَدَل عِندَهُ قَوْلَانِ مِنْ غَيرِ تَرْجِيحٍ، يُفْتِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَمَنْ قَويَ عِندَهُ مَذهَبُ غَيرِ إمَامِهِ أَفْتَى بِهِ وَأَعْلَمَ السائِلَ، قَال أَحمَدُ: إذَا جَاءَتْ الْمسأَلَةُ لَيسَ فِيهَا أَثَرٌ فَأَفْتِ فِيهَا بِقَولِ الشافِعِي. وَمَنْ لَم يَجِدْ إلا مُفْتِيًا لَزِمَ أَخْذُهُ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ وَكَذَا مُلتَزِمُ قَوْلِ مُفْتٍ وَثَمَّ غَيرُهُ فَلَو أَفْتَى المُقَلِّدَ مُفْتٍ وَعَمِلَ بِهِ المُقَلِّدُ؛ لَزِمَهُ قَطعًا، وَلَيسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنهُ إلَى غَيرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ ابْنُ الحَاجِبِ والهِندِي وَغَيرُهُمَا.
* * *
فَصْلٌ
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَفْتَى خَطًّا أَنْ (1) يَكْتُبَ فِي أَوَّلِ فَتْوَاهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَفِي آخِرهَا: وَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَتَبَهُ فُلَانٌ الْحَنْبَلِيُّ أَوْ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ وَينْبَغِي أَن يُكْتَبَ الْجَوَابُ بِخَطٍّ وَاضِحٍ (2)، وَيُقَارِبُ سُطُورَهُ وَخَطَّهُ لِئَلَّا يُزَوِّرَ أَحَدٌ عَلَيهِ، ثُمَّ يَتَأَمَّلُ الْجَوَابَ بَعْد خَوْفِ غَلَطٍ، وَإِذَا رَأَى خِلَال السَّطُورِ أَوْ فِي آخِرِهَا بَيَاضًا يُلْحَقَ بِهِ مَا يُفْسِدُ الْجَوَابَ؛ فَلْيَحْتَرِزْ مِنْهُ بِالأَمْرِ بكِتَابَةِ غَيرِ الْوَرَقَةِ أَوْ يَشْغَلُهُ بِشَيءٍ وَإِنْ رَأَى لَحْنًا فَاحِشًا فِي الرُّقْعَةِ (3) أَوْ خَطًّا يُحِيلُ الْمَعْنَى أَصْلَحَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ مَوْصُولًا بِآخِرِ سَطْرٍ فِي الْوَرَقَةِ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ جَوَابِ مَنْ تَقَدَّمَهُ جَوَابِي كَذَلِكَ، أَوْ الْجَوَابُ صَحِيحٌ إِذَا عَلِمَ صَوَابَ جَوَابِهِ وَمُوَافَقَتِهِ، وَكَانَ أَهْلًا وَإِلَّا اسْتَقَلَّ بِالْجَوَابِ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ بِإِفْتَاءٍ فِي الوَرَقَةِ كَتَبَ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى وَعَلَيهِ أَنْ يَخْتَصِرَ جَوَابَهُ وَإِنْ جَهِلَ لِسَانَ السَّائِلِ أَجْزَأَتْ تَرْجَمَةُ وَاحِدٍ ثِقَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ (4) بمَا اعْتَادَهُ هُوَ مِنْ فَهْمِ تِلْكَ الأَلْفَاظِ، دُونَ أَنْ يَعْرِفَ عُرْفَ أَهْلِهَا وَالمُتَكَلِّمِينَ بِهَا، بَلْ يَحْمِلُهَا عَلَى مَا اعْتَادُوهُ وَعَرَفُوهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِحَقَائِقِهَا الأَصْلِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ السَّائِلَ فِي الْحَيرَةِ، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَرَائِضِ تُقْسَمُ عَلَى
(1) في (ب): "لمن أفتى خطا يستحب أن".
(2)
في (ب): "الجواب واضح".
(3)
في (ب): "الورقة".
(4)
قوله: "باللفظ" سقطت من (ج).
فَرَائِضِ اللهِ أَوْ فِيهَا (1) قَوْلَانِ، بَلْ يُبَيِّنُ بَيَانًا مُزِيلًا لِلإِشْكَالِ وَمَنْ كَتَبَ عَلَى فُتْيَا أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، وَلَا أَنْ يُوَسِّعَ السُّطُورَ بِلَا إذْنٍ أَوْ حَاجَةٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّهِ لَا بِإِملَائِهِ وإذَا كَانَ فِي رُقْعَةِ الاسْتِفتَاءِ مَسَائِلَ؛ فَالأَحْسَنُ تَرْتِيبُ الْجَوَابِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَسَائِلِ وَلَيسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ عَلَى مَا يَعلَمُهُ مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ بَلْ يَذْكُرُ جَوَابَ مَا فِي الرُّقْعَةِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْجَوَابَ عَلَى خِلَافِ مَا فِيهَا؛ فَلْيَقُلْ وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ (2) فَجَوَابُهُ كَذَا وَلَهُ العُدُولُ عَنْ جَوَابِ السُّؤَالِ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلسَّائِلِ وأَنْ يُجِيبَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ وأَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى مَا يَجِبُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَإذا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَغْرَبًا وَطَّأَ قَبْلَهُ مَا هُوَ كَالْمُقَدِّمَةِ وَليَحذَرْ (3) المُفْتِي أَنْ يَمِيلَ فِي فُتيَاهُ مَعَ المُسْتَفْتِي أَوْ مَعَ خَصْمِهِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي جَوَابِهِ مَا هُوَ لَهُ وَيَسكُتَ عَمَّا هُوَ عَلَيهِ وَنَحْوُهُ وَلَهُ العَمَلُ بِخَطِّ الْمُفْتِي، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْفَتوَى مِنْ لَفْظِهِ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ.
* * *
(1) في (ج): "وفيها".
(2)
في (ب): "الأمر كذا".
(3)
في (ب): "ويحذر".
فَصْلٌ
وَالْقَضَاءُ هُوَ تَبَيُّنُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالإِلْزَامُ بِهِ وَفَصْلُ الْحُكُومَاتِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالإِمَامَةِ وَولَايَتُهُ رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَويَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهِ وَفِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ فَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ وَعَلَى الإمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ بِكُلِّ إِقْلِيمٍ قَاضيًا ويَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا وَيَأْمُرُهُ بِالتَّقْوَى وَتَحَرِّي الْعَدْلِ وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ أَفْضَلُ مَنْ يَجِدُ (1) لَهُمْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ إذَا طُلِبَ، وَلَمْ يُوجَدْ غَيرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَمَعَ وُجُودِ غَيرِهِ الأَفْضَلُ أَنْ لَا يُجِيبَ وَكُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ إِذَنْ وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ الامْتِنَاعُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيرِهِ؛ حَرُمَ وَتَأَكَّدَ الامْتِنَاعُ (2)، وَيَحْرُمُ بَذْلُ مَالٍ فِيهِ وأَخْذُهُ وَدُخُولُ مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُهُ وَطَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ وَحَرِيصٍ عَلَيهَا وتَعْلِيقُ ولَايَةِ قَضَاءٍ وَإمَارَةٍ بِشَرْطٍ وَشُرِطَ لِصِحَّتِهَا كَوْنُهَا مِنْ إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمُوَلَّى صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ وَتَعْيينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ الْبُلْدَانِ ومُشَافَهَتُهُ بِهَا أَوْ مُكَاتَبَتُهُ مَعَ البُعْدِ (3) وَإِشْهَادُ عَدْلَينِ عَلَيها أَوْ
(1) من قوله: "علما وورعا
…
أفضل من يجد" سقطت من (ج).
(2)
من قوله: "وإن لم
…
الامتناع" سقطت من (ج).
(3)
قوله: "مع البعد" سقطت من (ج).
اسْتِفَاضَتُهَا إذَا كَانَ بَلَدُ الإِمَامِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ لَا عَدَالةُ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَأَلْفَاظُهَا الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ وَفَوَّضْتُ وَرَدَدْتُ وَجَعَلْتُ إلَيكَ الْحُكْمَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ وَاسْتَنَبْتُكَ فِي الْحُكْمِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهَا وَقَبِلَ مُوَلَّى حَاضِرٌ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَائِبٌ بَعْدَهُ أَوْ شَرَعَ الغَائِبُ فِي العَمَلِ، انْعَقَدَتْ وَالْكِنَايَةُ (1) نَحْوُ اعْتَمَدْتُ، أَوْ عَوَّلْتُ عَلَيكَ، وَوَكَّلْتُ، أَوْ أَسْنَدْتُ إلَيكَ لَا تَنْعَقِدُ بِهَا إلا بِقَرَيِنَةٍ نَحْوُ فَاحْكُمْ أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيكَ فِيهِ وَإِنْ قَال مَنْ نَظَرَ فِي الحُكْمِ فِي بَلَدِ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَدْ وَلَّيتُهُ، لَمْ تَنْعَقِدَ لِمَنْ نَظَرَ لِجَهَالتِهِ وَإِنْ قَال وَلَّيتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي إِنْعَقَدَ لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ مَنْ سَبَقَ.
* * *
(1) زاد في (ب): "انعقدت بها والكناية".
فَصْلٌ
وَتُفِيدُ ولَايَةُ حُكمِ عَامَّةٍ النَّظَرَ فِي أَشيَاءَ وَالإِلْزَامَ بِهَا وَهِيَ فَصْلُ الْحُكُومَةِ وَأَخذُ الْحَقِّ وَدَفْعُهُ لِلْمسْتَحِقِّ، وَالنَّظَرَ فِي مَالِ يَتِيمٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ وَغَائِبٍ، وَالْحَجْرُ لِسَفَهٍ وَفَلَسٍ، وَالنَّظَرَ فِي وُقُوفِ عَمَلِهِ لِتَجْرِيَ عَلَى شُرُوطِهَا، وَفِي مَصَالِحِ طُرُقِ عَمَلِهِ وَأَفْنِيَتِهِ وَتَنْفِيذَ الْوَصَايَا، وَتَزْويجَ مَن لَا وَلِيَّ لَهَا وَتَصَفُّحَ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ لِيَسْتَبْدِلَ بِمَنْ ثَبَتَ جُرْحُهُ، وَإِقَامَةِ حَدٍّ.
وَيَتَّجِهُ: ودِعَايَةً لِصَلَاةٍ.
وَإمَامَةُ جُمْعَةٍ وَعِيدٍ مَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ وَجِبَايَةَ خَرَاجٍ وَزَكَاةٍ مَا لَمْ يُخَصَّا بِعَامِلٍ لَا الاحْتِبَاسَ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَلَا إلْزَامٌ بِالشَّرْعِ خِلَافًا لِلتَّبصِرَةِ وَقَال الشَّيخُ مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْولَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، بَلْ يَتَلَقَّى مِنْ الأَلْفَاظِ وَالأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ وَلَهُ طَلَبُ رِزْقٍ مِنْ بَيتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ حَتَّى مَعَ عَدَمِ حَاجَةٍ فَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَيءٌ وَلَيسَ لَهُ (1) مَا يَكفِيهِ وَقَال لِلْخَصْمَينِ لَا أَقْضِي بَينَكُمَا إلَّا بِجُعْلٍ جَازَ لَا مَنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ، وَمَنْ يَأْخُذُ مِنْ بَيتِ الْمَالِ لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً لِفُتْيَاهُ وَلَا لِخَطِّهِ وَإِلَّا أَخَذَ وَعَلَى الإِمَامِ فَرْضُ رِزْقٍ يُغْنِي عَنْ التَّكَسُّبِ، لمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسٍ وَفُتْيَا.
* * *
(1) قوله: "له" سقطت من (ب).
فصل
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِيَ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ العَمَلِ وأَنْ يُوَلَّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِيهِمَا أَوْ خَاصًّا بِمُحِلَّةٍ خَاصَّةٍ، فَيُنَفِّذَ حُكْمَهُ فِي مُقِيمٍ بِهَا وطَارِئٍ إلَيهَا فَقَطْ لَكِنْ لَوْ أَذِنَتْ لَهُ فِي تَزْويجِهَا فَلَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ، وَهِيَ فِي غَيرِ عَمَلِهِ ثُمَّ دَخَلَتْ إِلى عَمَلِهِ فَلَوْ عَلَّقَتْ الإِذْنَ بِدُخُولِهَا (1) عَمَلَهُ، صَحَّ وَلَا يَحْكُمُ وَلَا يُوَلِّي، وَلَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيرِ عَمَلِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ حُكمِهِ وَتَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ كَتَعْدِيلِهَا فَإِنْ تَرَافَعَ إلَيهِ خَصْمَانِ فِي غَيرِ مَحَلِّ ولَايَتِهِ؛ لَمْ يَحْكُمْ بَينَهُمَا بِحُكْمِ ولَايَتِهِ فَإِن حَكَمَاهُ صَحَّ كَغَيرِهِ، أَوْ يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً، أَوْ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ كَأَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا فِي عَشَرَةٍ فَمَا دُون، أَوْ يُجْعَلَ إلَيهِ عُقُودُ الأَنْكِحَةِ خَاصَّةً وَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ غَيرِ مَذْهَبِهِ وَقَاضِيَينِ فَأَكْثَرَ بِبَلَدٍ، وَإِنْ اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا وَلِنَائِبِ الإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ مَعَ الإِطْلَاقِ (2) لَا إنْ نَهَاهُ.
وَيَتَّجِهُ: بَلْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ نَهَاهُ حَيثُ قُلْنَا هُوَ نَائِبُ المُسْلِمِينَ لَا الإمَامُ (3).
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَينِهِ.
وَيَتَّجِهُ: حَمْلُهُ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَإِلَّا فَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ.
(1) في (ج): "بدخوله".
(2)
في (ج): "الإمام".
(3)
الاتجاه ساقط من (ج).
وَلَا أَنْ يُوَلِّيَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ مَنْ فَوَّضَ لَهُ الإِمَامُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ.
وَيَتَّجِهُ: بَلْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا يَأْتِي خِلَافًا لَهُ هُنَا.
وَيُقَدَّمُ قَوْلُ طَالِبٍ وَلَوْ (1) عِنْدَ نَائِبٍ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَكَمُدَّعَينِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ؛ فَأَقْرَبُ الْحَاكِمَينِ ثُمَّ قُرْعَةٌ وَإِنْ زَالتْ ولَايَةُ الإِمَامِ أَوْ عُزِلَ مَنْ وَلَّاهُ مَعَ صَلَاحِيتِهِ لَمْ تَبْطُلْ ولَايَتُهُ، لأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، لَا الإِمَام وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا، فَعَزَلَ نُوَّابَهُ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَظَرِ وَقْفٍ أَوْ عَلَى (2) أَيتَامٍ أَوْ بَيعٍ تَرِكَةِ مَيِّتٍ أَوْ زَالتْ ولَايَتُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ نَحْو فِسْقٍ انْعَزَلُوا عَلَى الصَّحِيحِ لَا إنْ قَال اسْتَخْلِفْ عَنِّي وَكَقَاضٍ وَالٍ وَمُحْتَسِبٍ وَأَمِيرِ جِهَادٍ وَوَكِيلِ بَيتِ مَالٍ.
وَيَتَّجِهُ: وَلَّاهُمْ الإِمَامُ وَإِلَّا فَكَنُوَّابِ قَاضٍ.
وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ عُزِلَ وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ انْعَزَلَ لَا بِعَزْلٍ قَبْلَ عِلْمِهِ وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ مُوَلًّى بِبَلَدٍ، وَوُلِّيَ غَيرُهُ، فَبَانَ حَيًّا لَمْ يَنْعَزِلْ مَنْ أُشِيعَ مَوْتُهُ وَكَذَا كُلٌّ كَمَنْ أَنْهَى شَيئًا فَوُلِّيَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ.
* * *
(1) قوله: "ولو" سقطت من (ج).
(2)
في (ج): "وقف على".
فصل
يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَاضٍ بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا وَلَوْ ظَاهِرًا كَإِمَامَةِ صَلَاةٍ وَوَلِيِّ يَتِيمٍ وَحَاضِنٍ -وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ- سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا مُجْتَهِدًا قَال ابْنُ حَزْمٍ: إجْمَاعًا وَلَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ وَاخْتَارَ جَمْعٌ أَوْ مُقَلِّدًا وَفِي الإِنْصَافِ وَعَلَيهِ العَمَلُ مِنْ مُدَّةٍ طَويلَةٍ وَإِلّا لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ وَعَلَيهِ فَيُرَاعِي أَلْفَاظَ إِمَامِهِ وَمُتَأَخِّرِهَا وَيُقَلِّدَ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ وَيَحْكُمُ بِهِ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ لأَنَّهُ مُقَلِّدٌ وَفِي كَلَامِ الشَّيخِ يُوَلَّى لِعَدَمِ أَنْفَعِ الفَاسِقَينِ وَأَقَلِّهِمَا شَرًّا وَأَعْدَلِ الْمُقَلِّدَينِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ وَلَوْ وَلَّاهُ فِي الْمَوارِيثِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا الْفَرَائِضَ وَالْوَصَايَا وَما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَإِنْ وَلَّاهُ عَقْدَ الأَنْكِحَةِ وَفَسْخَهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ اقْضِ فِيمَا تَعْلَمُ كَأَفْتِ بِمَا تَعْلَمُ، وَيَبْقَى مَا لَا يَعْلَمُ خَارِجًا عَنْ ولَايَتِهِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ لَا تَقْضِ فِيمَا لَهُ عَشْرُ سِنِينَ وَنَحْوُهُ وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَلَهُ الْحُكمُ بِهَا وَلَا يُشتَرَطُ كَوْنُ قَاضٍ كَاتِبًا أَوْ وَرِعًا أَوْ زَاهِدًا أَوْ يَقِظًا أَوْ مُثْبِتًا لِلْقِيَاسِ أَوْ حَسَنَ الخُلُقِ وَالأَوْلَى كَوْنُهُ كَذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُ التَّوْلِيَةَ ابْتَدَأَ يَمْنَعُهَا دَوَامًا فَمَتَى جُنَّ أَوْ فَسَقَ (1)، انْعَزَلَ إلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَإِنَّ ولَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ فَيَحْكُمَ بِهِ بَعْدُ وَيَتَعَيَّنُ عَزْلُهُ مَعَ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ الْقَضَاءَ (2) وَيَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَبْدٌ إمَارَةَ سَرِيَّةٍ وَقَسْمَ صَدَقَةٍ وَإِمَامَةَ صَلَاةٍ (3).
(1) في (ب): "فسق أو جن".
(2)
في (ج): "من القضاء".
(3)
زاد في (ب): "وقسم صدقة وفيء وإمامة صلاة".
وَيَتَّجِهُ: فِي غَيرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ.
وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَالأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْعَامَّ وَالْخَاصَّ، وَالمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ، وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَصَحِيحَ السُّنَّةِ وَسَقِيمَهَا وَمُتَوَاتِرَهَا وَآحَادَهَا وَمُسْنَدَهَا وَالْمُنْقَطِعَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ والْمُجْمَعَ عَلَيهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَالْقِيَاسَ وشُرُوطَهُ وَكَيفَ يَسْتَنْبِطُ وَالْعَرَبِيَّةَ وَهِيَ اللُّغَةُ الْمُتَدَاوَلَةُ بِحِجَازٍ وَشَامٍ وَعِرَاقٍ وَمَا يُوَالِيهِمْ لَا حِفْظُ الْقُرْآنِ فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فَقَطْ، صَلَحَ لِلفُتْيَا وَالْقَضَاءِ زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ وَيَعْرِفُ الاسْتِدْلَال، وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ، وَإِقَامَةَ الدَّلَائِلِ عَلَى مَذْهَبِهِ.
* * *
فصلٌ
وَإِنْ حَكَّمَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بَينَهُمَا شَخْصًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَلَّاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ كَنَائِبِ إمَامٍ وَيَلْزَمُ مَنْ يَكْتُبُ إلَيهِ قَبُولُ حُكْمِهِ وَتَنْفِيذُهُ لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَحَاكِمَينِ الرُّجُوعُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ قَال الشَّيخُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحَكِّمُهُ الْخَصْمَانِ شُرُوطُ الْقَاضِي وَقَال: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُقْدِمُوا الأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ الْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحَ وَالتَّعْزيرِ لِعَبِيدٍ وَإمَاءٍ وَغَيرِ ذَلِكَ.
* * *