الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سجود السهو
(قبيل تسليم تسن سجدتاه
…
لسهو ما يبطل عمده الصلاة)
(وترك بعض عمدا أو لذهل
…
لا سنة بل نقل ركن قولي)
[سجدتا السهو وموضعهما]
أى: يسن سجدتا السهو قبيل التسليم من الصلاة ولو نافلة، لخبر أبي سعيد الخدري:(إذا شك أحدكم فلم يدر أصلي ثلاثا أم أربعا .. فليلق الشك وليبن على اليقين، وليسجد سجدتين قبل السلام، فإن كانت صلاته تامة .. كانت الركعة والسجدتان نافلة له، وإن كانت ناقصة .. كانت الركعة تامة للصلاة، والسجدتان ترغمان أنف الشيطان) رواه أبو داوود بإسناد صحيح ومسلم بمعناه، ثبت به سنية السجود، وأنه سجدتان، وأنه قبل السلام، أى: بحيث لا يتخلل بينهما شئ من الصلاة، كما أفاده تصغير المصنف لـ (قبل) وإنما لم يجب السجود كجبر الحج، لأنه لم يشرع لترك واجب، بخلاف جبر الحج.
ويدل لكونه قبل السلام أيضا أخبار، كخبر (الصحيحين) عن عبد الله بن بحينه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي بهم الظهر فقام من الوليين ولم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه .. كبر وهو جالس فيجد سجدتين قبل إن يسلم ثم سلم)، وقال الزهري: إنه آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه سجود وقع سببه في الصلاة فكان فيها كسجود التلاوة، ولأنه لمصلحة الصلاة فكان قبل السلام، كما لو نسي سجدة منها، ولا فرق في كونه قبل السلام بين كونه لنقص أو زيادة أو لهما.
وأما خبر (الصحيحين): (أنه صلى الله عليه وسلم صلي الظهر خمسا وسجد للسهو بعد السلام) .. فأجاب عنه أئمتنا بأنه تدارك للمتروك قبل السلام سهوا، لما في خبر أبي سعيد الأمر بالسجود قبل السلام من التعرض للزيادة.
وسجدتا السهو كسجدتي الصلاة في واجباتهما ومندوباتهما، وحكي بعضهم أنه يقول فيهما:(سبحان من لا ينام ولا سهو) وهو لائق بالحال.
فإن تركهما وسلم: فإن كان عامدا .. لم يعد إليهما، وكذا إن كان ساهيا وطال الفصل، فإن تذكر عن قرب .. فله العود ثم يسلم، لخبر (ألصحيحين) عن ابن مسعود:(أنه صلى الله عليه وسلم صلي الظهر خمسا، فلما انتقل .. قيل له ذلك، فسجد سجدتين ثم سلم، وإذا سجد .. بان أن السلام لم يكن محللا، كتذكرة ترك ركن بعد السلام، حتى لو أحدث أو تكلم عمدا قبل السلام .. بطلت صلاته، ولو نوى الإقامة .. لزمه الإتمام، ولو خرج وقت الجمعة .. أكملها ظهرا، لكن يحرم العود إليه إن ضاق الوقت، لإخراجه بعض الصلاة عن وقتها، ذكره البغوي في (فتاويه) في المجمع والقاصر.
وبما تقرر علم أنا نتبين بعوده إلى السجود أنه لم يخرج من الصلاة، لاستحالة الخروج منها ثم العود غليها بلا تحرم، وبه صرح الإمام وغيره.
[ما يسن له سجدتا السهو]
وإنما تسن سجدتا السهو .. لأحد أمرين:
أولهما: لسهو ما يبطل عمده الصلاة دون سهوه، كزيادة ركوع أو سجود، لخبر ابن مسعود السابق، بخلاف ما يبطلها سهوه أيضا ككلام كثير، لأنه ليس في صلاة، وبخلاف سهو ما لا يبطلها عمده كالتفات وخطوتين، لأنه صلى الله عليه وسلم فعل الفعل القليل فيها ورخص فيه كما مر، ولم يسجد ولا أمر به.
وشمل كلامه: ما أفتى به القفال من أنه لو قعد للتشهد الأول يظن أنه الثاني فقال ناسيا: (السلام) أى: ناويا به الخروج من الصلاة، فقبل إن يقول:(عليكم) تنبه فقام .. فإنه يسجد للسهو، فإن لم ينو به الخروج من الصلاة .. لم يسجد، وهو مجمل ما أفتي به البغوي، وعلله بأنه لم يوجد منه خطاب.
و(السلام): اسم من أسماء الله تعالى، فلا يبطل عمده الصلاة.
ويستثني من منطوق كلامه: انحراف المتنفل في السفر عن مقصده إلى غير القبلة ناسيا مع
عوده على الفور .. فلا يسجد له على ما في (الروضة) و (المجموع) و (التحقيق) مع أن عمده مبطل، لكن صحح في (الشرح الصغير) السجود، قال الإسنوي وغيره: إنه القياس، ولهذا: اقتصرت عليه في الكلام على الاستقبال.
ومن مفهومه: ما سيأتي في كلامه من نقل الركن القولي، وما لو قنت قبل الركوع بنية القنوت، وما لو فرقهم في الخوف أربع فرق وصلي بكل فرقه ركعة، أو فرقتين وصلي بفرقة ركعة وبآخري ثلاثا.
ثانيهما: لترك بعض من أبعاض الصلاة المتقدمة عمدا أو لذهل بضم المعجمة، أي: لذهول، وهو السهو، أما التشهد الأول .. فلأنه صلى الله عليه وسلم (تركه ناسيا وسجد قبل أن يسلم) رواه الشيخان، وقيس بالنسيان العمد بجامع الخلل، بل خلل العمد أكثر فكان للجبر أحوج.
والمراد بالتشهد الأول: اللفظ الواجب في الأخير، أما ما هو سنة فيه .. فلا سجود له، وقياس ما يأتي في القنوت: إلحاق ترك بعضه بترك كله.
وشمل كلامه: الفرض والنفل، فلو صلي نفلا أربعا بتشهد .. سجد للسهو، لترك التشهد الأول إن كان على عزم الإتيان به فنسيه، وإلا .. فلا كما أفتى به البغوي، وقيل: لا يسجد مطلقا، وجري عليه صاحب (الذخائر)، ونقله ابن الرفعة عن الإمام.
وأما قعود التشهد الأول .. فلأن السجود إذا شرع لترك التشهد الأول .. شرع لترك قعوده، لأن المقصود له، وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه .. فلأنها ذكر يجب الإتيان به في الجلوس الأخير، فيسجد لتركه في الأول، وأما الصلاة على آله في جلوس التشهد الأخير
…
فكالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يتيقن ترك إمامه لها بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، أو بعد أن سلم وقصر الفصل.
وأما القنوت وقيامه في اعتدال الثانية من الصبح والركعة الأخيرة من وتر نصف رمضان الثاني .. فقياسا لها على ما مر، وترك بعض القنوت كترك كله، قاله الغزالي وغيره، واعترض بأنه إنما يأتي على القول بتين كلماته، والأصح: خلافه، وبه صرح القاضي
مجلي، وأجيب: بأنه إذا شرع في قنوت
…
تعين ما لم يعدل إلى بدله.
وشمل كلامهم: سنية السجود لترك إمامه الحنفي له، وهو كذلك على الأصح من أن العبرة بعقيدة المأموم.
وصورة السجود لترك قعود التشهد فقط وقيام القنوت فقط: ألا يحسن التشهد أو القنوت، فإنه يسن له أن يقعد أو يقوم بقدره، فإذا لم يفعل .. سجد للسهو.
وخرج بما ذكر: قنوت النازلة فلا يسجد له، لعدم تأكد أمره، لأنه سنة في الصلاة لا منها، أى: لا بعضها، والكلام فيما هو بعض منها، ولو شك في ترك بعض .. سجد، أو ارتكاب منهي .. فلا.
وقوله: (لا سنة) أى: لا تسن سجدتا السهو لترك سنة من سسن الصلاة غير أبعاضها عمدا أو سهوا، لأن سجود السهو زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف، ولم يرد إلا في بعض الأبعاض، وقسنا باقيها عليه، لتأكدها، وبقي ما عداها على الأصل، فلو فعله ظانا جوازه
…
بطلت صلاته إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية، قاله البغوي في (فتاويه)، لأنه قد يعرف مشروعية سجود السهو ولا يعرف مقتضيه.
[سجود السهو لنقل الركن القولي]
وقوله: (بل نقل ركن قولي) أي: بل تسن سجدتا السهو بنقل ركن قولي لا يبطل عمد نقله الصلاة عن محله، كقراءة (الفاتحة) أو التشهد أو بعضهما في غير محلهما من ركن طويل أو قصير لم يطل بذلك، ولا فرق في ذلك بين كونه عمدا أو سهوا، لتركه التحفظ المأمور به في الصلاة مؤكدا كتأكد التشهد الأول، أما ما يبطلها تعمد نقله كالسلام .. فداخل في قوله:(ما يبطل عمده الصلاة).
وخرج بـ (نقل الركن): نقل غيره، كتسبيح الركوع والسجود.
نعم، يسن السجود لنقل القنوت كما مر، وقراءة غير (الفاتحة) كما في (المجموع) وغيره.
وقوله: (أو لذهل) بدرج الهمزة للوزن.
[ترك ركن من أركان الصلاة سهوا]
(وكل ركن قد تركت ساهيا
…
ما بعده لغو إلى أن تأتيا)
(بمثله، فهو ينوب عنه
…
ولو بقصد النفل تفعلنه)
أى: وكل ركن من أركان الصلاة قد تركته ساهيا فتذكرته في الصلاة قبل فعلك مثله من ركعة أخري فما بعد المتروك .. لغو، لوقوعه في غير محله، وتأتي بمجرد التذكر بما تركته، وإن لم تتذكر حتى فعلت مثله مما شملته نية الصلاة .. فهو ينوب عن المتروك لوقوعه في محله، ولو فعلته بقصد النفل، كأن جلست في التشهد الأخير وأنت تظنه الأول، ثم تذكرت عقبه .. فإنه يجزئ عن الفرض، هذا إذا عرف عين الركن وموضعه، فإن لم يعرف أخذ باليقين وأتي بالباقي على الترتيب وسجد للسهو.
وإن كان المتروك النية أو تكبيرة الإحرام، أو جوز أن يكون أحدهما .. استأنف الصلاة، والشك في ترك الركن قبل السلام كتيقن تركه، فلو تيقن ترك سجدة من الركعة الأخيرة
…
سجدها وأعاد تشهده، أو من غيرها أو شك فيهما .. لزمه ركعة، ولو علم في قيام ثانية ترك سجدة: فإن كان جلس بعد سجدته ولو للاستراحة .. سجد، وإلا .. فليجلس مطمئنا، ثم يسجد.
ولو علم في آخر رباعية ترك سجدتين أو ثلاث، جهل موضعها .. لزمه ركعتان، أو أربع .. لزمه سجدة ثم ركعتان، أو خمس أو ست .. لزمه ثلاث، أو سبع .. لزمه سجده ثم ثلاث، أو ثمان .. لزمه سجدتان ثم ثلاث، وتذكر المتروك بعد السلام إذا لم يطل الفصل عرفا ولم يطأ نجاسة .. كهو قبله، وشمل تعبيرهم بـ (ترك السجدات): الترك الحسي والشرعي. وألف (تأتيا) للإطلاق.
[نسيان التشهد الأول]
(ومن نسي التشهد المقدما
…
وعاد بعد الانتصاب حرما)
وجاهل التحريم أو ناس فلا
…
يبطل عوده، وإلا أبطلا))
(لكن على المأموم حتما يرجع
…
إلى الجلوس للإمام يتبع)
(وعائد قبل انتصاب يندب
…
سجوده إذ للقيام يقرب)
أى: ومن نسي التشهد الأول مع جلوسه أو دونه فذكره بعد انتصابه قائما
…
لم يعد له، لخبر أبي داوود وحسنه الترمذي عن زياد بن علاقة قال: صلي بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فقلنا: سبحان الله، فقال: سبحان الله، فلما أتم صلاته .. سجد سجدتي السهو، فلما انصرف .. قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت)، ولتلبسه بفرض فلا يقطعه لسنة، فإن عاد، أي: عامدا علما بالتحريم .. حرم عوده، لزيادة قعوده، وجاهل التحريم أو ناس له .. فلا يبطل عوده الصلاة. أما الناسي .. فلرفع القلم عنه، وأما الجاهل .. فلأنه مما يخفي على العوام، وإلا بأن كان عالما بالتحريم عامدا .. أبطل عودة الصلاة، لما مر، وعلى الجاهل أن يقوم عند تعلمه، والناسي عند تذكره، هذا إن كان المصلي منفردا أو إماما أو مأموما وقد انتصب هو وإمامه وإن عاد إمامه، والأولي أن ينوى مفارقته حينئذ، ولو انتظره قائما .. جاز، لاحتمال كونه معذورا.
وقوله: (لكن على المأموم حتما يرجع إلى الجلوس لإمام يتبع) أي: لأن متابعته فرض آكد من التلبس بالفرض، ولهذا: سقط بها القيام والقراءة عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا، فإن لم يعد .. بطلت صلاته، لمخالفته الواجب، فلو لم يعلم حتى قام إمامه .. لم يعد ولم تحسب قراءته، كمسبوق سمع حسا ظنه سلام إمامه فقام وآتي بما فاته، ثم بان أنه لم يسلم .. لا يحسب له ما آتى به قبل سلام إمامه، أما لو انتصب المأموم عامدا .. فعوده لمتابعة إمامه مندوب. وفرق بين حالتيه: بأن العامد انتقل إلى الواجب وهو القيام، فتخير بين العود وعدمه، لأنه تخيير بين واجبين بخلاف الناسي فإن فعله غير معتد به، لأنه لما كان معذورا .. كان قيامه كالعدم فتلزمه المتابعة كما لو لم يقم، ليعظم أجره، والعامد كالمفوت لتلك السنة بتعمده، ولا يلزمه العود إليها.
واستشكل ما تقرر بما قالوه في صلاة الجماعة من أنه إذا تقدم على إمامه بركن
…
لا يجب العود، بل يندب في العمد ويتخير في السهو، وفرق بفحش التقدم هنا.
وقوله: (وعائد قبل انتصاب يندب سجود إن للقيام يقرب) أي: إن كان للقيام يقرب، يعني: أن المصلي إذا نسي التشهد الأول وذكره قبل انتصابه .. عاد له، لأنه لم يتلبس بفرض، فإن عاد وهو إلى القيام أقرب منه إلى القعود .. سجد للسهو، لأنه لو فعل ذلك عامدا
…
بطلت صلاته، أما إذا كان إلى القعود أقرب، أو كانت نسبته غليهما على السواء .. فلا يسجد، لقلة
ما فعله حينئذ، حتى لو فعله عامدا
…
لم تبطل صلاته، وهذا التفصيل طريقة القفال وجماعة منهم: البغوي، ورجحاه في (الشرحين) و (الروضة)، وجزما به في (المحرر) و (المنهاج)، لكن صدر كلام (الروضة) يقتضي: أن الراجح عند الأصحاب أنه لا يسجد مطلقا، ولأجل ذلك جعل في (التحقيق) هذا التفصيل وجها ضعيفا، وجعل الأظهر: أنه لا يسجد، وقال في (المجموع): إنه الأصح عند جمهور الأصحاب، وصححه في (تصحيح التنبيه)، قال الإسنوي: وبه الفتوى.
ولو تخلف المأموم عن إمامه للتشهد .. بطلت صلاته، لفحش مخالفته، وفارق ما لو قام وحده كما مر، بأنه في تلك اشتغل بفرض وفى هذه بسنة، وما لو ترك إمامه القنوت .. فله أن يتخلف ليقنت إذا لحقه في السجدة الأولي، بأن في تلك لم يحدث في تخلفه قياما، وهنا أحدث فيه جلوسا.
ولو صلي قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين: فإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد وأن وقت الثالثة قد حضر .. لم يعد إلى قراءة التشهد، وإن علم أنه لم يتشهد ولكن سبق لسانه إلى القراءة .. فله أن يعود إلى التشهد، لأن تعمد القراءة كتعميد القيام، وسبق اللسان إليها غير معتد به.
وترك القنوت يقاس بما ذكرناه في التشهد، فإن نسيه وعاد إليه قبل وضع جبهته على مصلاه .. جاز، أو بعده .. فلا، ويسجد للسهو إن بلغ حد الراكع، وإلا .. فلا.
والألف في قوله: (المقدما) و (حرما) و (أبطلا) للإطلاق، وقوله:(نسئ) بسكون الياء وصبه بنية الوقف.
(ومقتد لسهوه لن يسجدا
…
لكن لسهو من به قد اقتدي)
فيه مسألتان:
[سهو المأموم حال القدوة يتحمله الإمام]
الأولي: أن سهو المأموم حال قدوته لا يسجد له، لأن غمامه يتحمله عنه كما يتحمل عنه القنوت والجهر والسورة وغيرها، ولأن معاوية شمت العاطس خلف النبي صلى الله عليه وسلم كما مر ولم يسجد ولا أمر بالسجود، ولخبر:(الإمام ضمن) رواه أبو داوود، وصححه ابن حبان.
فلو ظن سلام غمامه فسلم فبان خلافه .. سلم معه ولا سجود، لأن سهوه في حال قدرته، ولو ذكر في تشهده ترك ركن غير النية والتكبير .. قام بعد سلام إمامه وأتي بركعة ولا يسجد، لما مر.
وشمل كلامه: ما لو سها حال تخلفه عن إمامه بعذر كزحام .. فإنه لا يسجد لسهوه، لبقاء حكم القدوة.
وخرج بقوله: (مقتد) سهوه بعد سلام إمامه، كأن سلم المسبوق بسلام إمامه ساهيا أو قبل اقتدائه به، فإنه يسجد له، لعدم اقتدائه به حال سهوه، وإنما لم يتحمله الإمام في الأخيرة كما أنه يلحقه سهو إمامه الواقع قبل اقتدائه، لأنه قد عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى صلاة المأموم دون عكسه.
ولو شك المسبوق في أدارك الركوع مع إمامه .. لم يحسب له، قال الغزالي: ويسجد للسهو كما لو شك أصلي ثلاثا أم أربعا، قال في (الروضة): وهو ظاهر، ولا يقال: يتحمله الإمام، لأنه بعد سلام الإمام شاك في عدد ركعاته.
[سهو الإمام يلحق المأموم]
الثانية: أن المأموم يلحقه سهو إمامه، كما يحمل الإمام سهوه، وفيهما خبر:(ليس علي من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام .. فعليه وعلي من خلفه السهو) رواه الدارقطني والبيهقي وضعفه، فإن سجد إمامه .. لزم متابعته، فإن تركها عامدا عالما بالتحريم
…
بطلت
واستثني في (الروضة) كـ (أصلها) ما إذا تبين له حدث الإمام .. فلا يلحقه سهوه، وما إذا تيقن غلط الإمام في ظنه وجود مقتض للسجود .. فلا يتابعه فيه، فلو لم يتيقن .. تابعه، بخلاف ما لو قام إلى خامسة .. لا يتابعه حملا على تركه ركنا، لأنه وإن تحقق تركه ركنا .. لم تجز متابعته، إتمامه الصلاة يقينا، بل لو كان على المأموم ركعة .. لم يتبعه فيها، ذكره في (الروضة).
وشمل كلام المصنف: ما لو سها قبل اقتدائه به .. فإنه يسجد معه، للمتابعة، ثم يسجد أيضا في آخر صلاته، لأنه محل سجود السهو، وما لو اقتدي به بعد انفراده مسبوق آخر وبهذا ثالث
…
فكل يسجد للمتابعة، ثم في آخر صلاته، وما لو ترك الإمام السجود لسهوه، أو واحده من سجدتيه
…
فيسجد المأموم في الأول ويكمل في الثاني، لتطرق الخلل لصلاته، بخلاف تركه التشهد الأول وسجدة التلاوة لا يأتي المأموم بهما، لأنهما يفعلان خلال الصلاة، فلو انفرد بهما .. لخالف الإمام، وما لو تركه الإمام لرأيه، كحنفي لا يري السجود لترك القنوت .. فيسجد المأموم اعتبارا بعقيدته، وحينئذ فلا فرق بين أن يوافقه المأموم في تركه وأن يأتي به. وألف (يسجدا) للإطلاق.
[الشك قبل السلام في عدد الركعات]
(وشكه قبل السلام في عدد
…
لم يعتمد فيه على قول أحد)
(لكن على يقينه، وهو الأقل
…
وليأت بالباقي ويسجد للخلل)
أي: وشك المصلي قبل سلامه في عدد من ركعاته أو سجداته .. لم يجز له أن يعتمد فيه على قول أحد وإن كان كثيرا وراقبوه، لما يأتي، ولتردده في فعله كالحاكم الناسي لحكمه، وأما مراجعته صلى الله عليه وسلم للصحابة، ثم عودة للصلاة في خبر ذي اليدين .. فمحمول على تذكره بعد مراجعته، لكن يعتمد على يقينه وهو الأقل، وليأت بالباقي، ويسجد ندبا سجود السهو، للخلل وهو أن المأتي به إن كان زائدا .. فذاك، وإلا .. فالتردد في أصالته
يضعف النية ويحوج إلى الجبر، واعترضه الإمام بما لو شك في قضاء الفائتة فأعادها، وأجيب بأن النية فيها لم تتردد في باطل، بخلاف هذا.
والأصل في ذلك: خبر مسلم: (إذ شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم أصلى ثلاثاً أم أربعاً .. فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً .. شفعن له صلاته) أي: ردتها السجدتان إلى الأربع، فلو شك في ركعة أثالثة هى أم رابعة، فزال شكه فيها .. لم يسجد، لأن ما فعله حال الشك أصلي بكل تقدير، فلا تردد في أصالته، أو فيما بعدها .. سجد، لفعله حال الشك زائد بتقدير.
ولو شك في تشهد أهو الأولي أم الأخير: فإن زال شكه بعد تشهده .. سجد، لفعله زائد بتقدير، أو فيه .. فلا.
وخرج بقوله: (قبل السلام) شكه في ترك فرض بعد السلام .. فإنه لا يؤثر وإن قصر الفصل، لأن الظاهر وقوع السلام عن تمام، ولأنه لو أثر .. لعسر الأمر على الناس خصوصا على ذوي الوسواس، ومقتضاه: أن الشك في الشرط لا يؤثر، وهو ما حكاه في (المجموع) بالنسبة إلى الطهر عن الشيخ أبي حامد والمحاملي وغيرهما، لكنه جزم قبل حكايته له في أخر (باب الشك في نجاسة الماء) بأنه يؤثر فارقا بأن الشك في الركن يكثر، بخلافه في الطهر، وبأن الشك في الركن حصل بعد تيقن الانعقاد والأصل الاستمرار على الصحة، بخلافه في الطهر، فإنه شاك في الانعقاد والأصل عدمه، قال: وقد صرح الشيخ أبو حامد والمحاملي وسائر الأصحاب بمعني ما قلته، فقالوا: إذا جدد الوضوء ثم تيقن أنه نسي مسح رأسه من أحد الوضوءين .. لزمه إعادة الصلاة، لجواز كونه ترك المسح من الأول، ولم يقولوا: إنه شك بعد الصلاة. انتهى.
قال في (الخادم): وهو فرق حسن، لكنه المنقول: عدم الإعادة مطلقا، وعلله بالمشقة، وهو الموافق لما نقله هو عن القائلين به عن النص: أنه لو شك بعد طواف نسكه هل طاف متطهرا، أم لا؟ لا تلزمه الإعادة للطواف.
وفي (فتاوى القفال): أن من شك في نجاسة على ثوبه هل كانت في الصلاة؟ فهي صحيحة.
ولا دليل للنووي في مسألة التجديد، لأنه في شك استند إلى يقين ترك فأثر في الصلاة، لتأثيره في الطهر، بخلافه في مسألتنا، ولهذا بقي طهره، ولهذا قال بعضهم: إن كلامهم إنما يأتي على طريقة القاضي والبغوي من أن الشك بعد السلام في ترك فرض .. يؤثر، وظاهره أنه وإن صرح بأن كلامه مخالف لكلام الأصحاب .. يمكن حمله على ما إذا لم يتذكر أنه تطهر قبل شكه، وحمل كلامهم على خلافه، وقد نقل هم عن الشيخ أبي حامد: جواز دخول الصلاة بطهر مشكوك فيه، وظاهر أن صورته: أن يتذكر أنه تطهر قبل شكه، وإلا .. فلا تنعقد ويستثني ما لو شك في النية أو تكبيرة الإحرام 00 فإنه يؤثر.