المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الضمان هو لغة: الالتزام، وشرعاً: يقال لالتزام حق ثابت في - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌باب الضمان هو لغة: الالتزام، وشرعاً: يقال لالتزام حق ثابت في

‌باب الضمان

هو لغة: الالتزام، وشرعاً: يقال لالتزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضار من هو عليه، أو عين مضمونة، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك.

ويسمى الملتزم لذلك ضامناً وضميناً وحميلاً وزعيماً وكفيلاً وصبيراً وقبيلاً.

والأصل في قبل الإجماع: قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} [يوسف: 72] وكان حمل البعير معروفاً عندهم، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره، وقد ورد فيه ذلك؛ كخبر "الزعيم غارم" رواه أبو داوود والترمذي وحسنه وصحيحه ابن حبان، وخبر الحاكم بإسناد صحيح:(أنه صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير)، وخير "الصحيحين" (أنه صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقال:"هل ترك شيئاً؟ "، قالوا: لا، قال:"هل عليه دين؟ "، قالوا: ثلاثة دنانير، قال:"صلوا على صاحبكم"، فقال أبو قتادة: صلى عليه يا رسول الله وعلى دينه، فصلى عليه).

وللضمان خمسة أركان: ضامن، ومضمون له، ومضمون عنه، ومضمون به، وصيغة.

(يضمن ذو تبرع، وإنما

يضمن ديناً ثابتاً قد لزما)

(يعلم كالإبراء، والمضمون له

طالب ضامناً ومن تأصله)

(ويرجع الضامن بالإذن بما

أدى إذا أشهد حين سلما)

(وألدرك المضمون للرداءة

يشمل، والعيب نقص الصنجة)

(يصح درك بعد قبض للثمن

وبالرضا صحت كفالة البدن)

ص: 614

(في كل من حضوره استحقا

وكل جزء دونه لا يبقى)

(وموضع المكفول إن يعلم مهل

قد ذهاب وإياب أكتمل)

(وإن يمت أو اختفى لا يغرم

وبطلت بشرط مال يلزم)

فيها عشر مسائل:

[شروط الضمان]

الأولى شرطه الضامن: أن يكون أهلاً للتبرع؛ أي: ومختاراً، فلا يصح من المكره ولو رقيقاً بإكراه سيده، ولا من غير المكلف إلا السكران، ولا من المحجور عليه بسفه ولو بإذن وليه، ولا من الرقيق ولو مكاتباً ومستولدة، ومبعضاً في غير نوبته بغير إذن سيده؛ لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فأشبه النكاح، وفارق صحة خلع الأمة بغير إذنه؛ بأنه لا حاجة إلى الضمان، والأمة قد تحتاج إلى الخلع؛ لسوء العشرة.

فإن ضمن الرقيق بإذن سيده .. صح ولو عن السيد لا له؛ لأنه يؤديه من كسبه وهو لسيده. ويؤخذ من التعلليل: صحة ضمان المكاتب لسيده وهو الظاهر، ويحتمل خلافه؛ لاحتمال أن يعجز نفسه.

ولو ضمن المأذون له في التجارة وعليه ديون .. فأوجه، ثالثها: يتعلق بما فضل عنها، وصححه في "زوائد الروضة".

قال الشيخان: ولو حجر عليه باستدعاء الغرماء .. لم يتعلق بما في يده قطعا، ويصح ضمان المحجور عليه بفلس، ويطالب بما ضمنه بعد فك حجره.

ولا يصح ضمان من عليه دين مستغرق في مرض الموت، فلو ضمن في مرضه، ثم أقر بدين مستغرق .. قدم الدين ولا يؤثر تأخير الإقرار به.

وشمل كلامه: صحة الضمات عن الخي ولو رقيقاً أو معسراً، وعن الميت وعن الضامن، وظاهر كلامه: أن الضمان تبرع مطلقاً، وبه صرح الإمام والغزالي.

ص: 615

قال الرافعي: وإنما يظهر كون الضمان تبرعاً حيث لا جوع، وإلا .. فهو إقراض لا محض تبرع؛ بدليل النص على أنه إذا ضمن في مرض موته بإذن المديون .. حسب رأس المال؛ لأن للورثة الرجوع على الأصيل، وإن ضمن بغير إذنه .. فمن الثلث، واعترضه في "الروضة" بأن قوله:(إنه ليس تبرعاً) فاسد، فإنه لو سلم أنه كالقرض .. كان القرض تبرعاً، ومحل حسبان ضمان المريض بالإذن من رأس المال إذا وجد موجعاً؛ كما نبه عليه الشيخان آخر الباب.

[شروط المضمون به]

الثانية: يشترط به أمور:

أحدها: كونه ديناً ثابتاً في الذمة، سواء أكان مالاً أم عملاً، فلا ضمان ما ليس بثابت وإن جرى سبب وجوبه؛ كنفقة الزوجة عن الغد، ونفقة القريب، وإبل الدبة على العاقلة قبل تمام السنة؛ لأنه توثقة يتقدم ثبوت الحق كالشهادة، ويكفي ثبوته باعتراف الضامن وإن لم يثبت على المضمون عنه؛ فقد قال الشيخان: لو قال شخص: (لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه)، فأنكر عمرو .. فلزيد مطالبة الضامن في الأصح، قالا: ويصح ضمان الزكاة عمن هي هي عليه على الصحيح، وقيل: لا؛ إنها حق الله تعالى؛ ككفالة بدن الشاهد لأداء الشهادة، فعلى الصحيح: يعتبر الإذن عند الأداء على الأصح؛ لأي: لافتقار: الزكاة إلى النية.

قال في "المهمات": وصورته: في الضامن عن الحي، أما الميت .. فيجوز أداء الزكوات والكفارات عنه على الأصح المنصوص وإن انتفى الإذن؛ كما ذكره في "الروضة" كـ"أصلها" في الوصية، ولا فرق فيما ذكره هناك بين أن يسبقه ضمان أم لا، قال: ثم إن كانت الزكاة في الذمة .. فواضح، أو في العين .. فيظهر صحتها أيضاً؛ كما أطلقوه كالعين المغصوبة. انتهى.

ثانيها: كونه لازماً؛ أي: أو أصله اللزوم، فيصح ضمان الثمن في زمن الخيار في

ص: 616

الأصح، لا جعل قبل فراغ العمل، ولا نجوم الكتابة؛ إذ للمكاتب إسقاطها، ولا فرق في اللازم بين المستقر؛ كثمن المبيع بعد قبضه، وغير المستقر؛ كثمنه قبل قبضه.

ثالثهما: كونه معلماً للضامن جنساً وقدراً وصفة، فلا يصح ضمان المجهول ولا غير المعين؛ كأحد الدينين.

ويصح ضمان إبل الدية في الأصح؛ لأنها معلومة السن والعدد، ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد.

ولو ضمن واحد إلى عشرة .. لزمه تسعة في الأصح، ويصح ضمان الحال مؤجلاً وعكسه، ويثبت الأجل دون الحلول.

ويشترط فيه أيضاً: كونه قابلاً لأن يتبرع به الإنسان على غيره، فلا يصح ضمان القود، وحد القذف، والأخذ بالشفعة، ومعرفة الضامن المضمون له؛ لتفاوت الناس في الإيغاء والاستيفاء تشتديداً وتسهيلاً، وتكفي معرفة عينه وإن لم يعرف نسبه، وأفتى ابن الصلاح وابن الرفعة وغيرهما بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته، وابن السلام وغيره بخلافه، ولا يشترط رضا المضمون له؛ لأن الضمان محض التزام، ولا رضا المضمون عنه، ولا معرفته؛ لجواز أداء دين الغير بغير إذنه ومعرفته، فالتزامه في الذمة أجوز.

[شروط الإبراء]

الثالثة: يشترط في الإبراء: كون المبرأ منه معلوماً في غير إبل الدية، فلا يصح من المجهول؛ يناء على أنه تمليك للمدين ما في ذمته لا إسقاط؛ كالإعتاق، فيشترط علمهما به، وقضية كلام الشيخين: ترجيحه، والذي صححه في "الشرح الصغير" و"الروضة" في (الوكالة) ونص عليه الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يشترط علم المدين وهو المعتمد؛ كما لا يشترط قبوله على الأصح؛ لأن الإبراء وإن كان تمليكاً المقصود منه الإسقاط على أنه في (الرجعة) من "الروضة" قال: المختار: أن كون الإبراء تمليكاً، أو إسقاطاً من المسائل التي لا يطلق فيها ترجيح، بل يختلف الراجح بحسب المسائل لقوة الدليل وضعفه.

ص: 617

نعم؛ إن كان الإبراء في مقابلة طلاق .. اعتبر علم الزوج أيضاً؛ لأنه يؤول إلى معاوضة.

ويصح الإبراء من إبل الدية مع الجهل بصفتها؛ لأنه اغتفر في إثباتها في الذمة، فيغتفر الإبراء منها تبعاً له.

وإذا أراد أن يبرئ من مجهول .. فالطريق أن يذكر عدداً يعلم أنه لا يزيد الدين عليه، فلو كان بعلم أنه لا يزيد على مئة مثلاُ .. فيقول:(أبرأتك من مئة)، ولو قال:(أبرأتك من درهم إلى مئة) .. لم يبرأ من الواحد، ويحتاج إلى إبرائه من درهم ثانياً.

ولو قال: (أبرأتك عن الدعوى) .. لم يبرأ، وله العود إلى الدعوى.

[مطالبة المضمون له الضامن والأصيل]

الرابعة: للمضمون له مطالبة الضامن والأصيل بالدين، وله مطالبة الضامن مع حضور الأصيل ويساره؛ لخبر:"الزعيم غارم"، وإذا طالب المستحق الضامن .. فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه، وإلا .. فلا، والأصح: أنه لا يطالبه قبل أن يطالب؛ لأنه لم يغرم شيئاً، ولا طولب بشيء.

ونقل في "الشامل": أن له أن يقول للمستحق: (إما أن تطالبني وإما أن تبرئني)، وهو أحد وجهين في "التتمة".

قال في "المطلب": ولو كان الأصيل محجوراً عليه لصباً .. فللضامن بإذن وليه إن طولب طلب الولي بتخليصه ما لم يزل الحجر، فإن زال .. توجه الطلب على المحجور عليه، ويقاس بالصبي: المجنون، والمحجو عليه بسفه، سواء أكان الضمان بإذنهما قبل الجنون والحجر، أم بإذن وليهما بعد.

وليس للضامن حبس الأصيل وإن حبس، قال في "المطلب": ولا ملازمته؛ إذ لا يثبت له حق على الأصيل بمجرد الضمان، واستشكل ذلك بأنه لا فائدة للمطالبة حينئذ؛ لأنه لا يبالي بها، وأجيب بأن فائدتها لا تنحصر في ذلك، بل من فوائدها: إحضاره مجلس الحكم، وتفسيقه إذا امتنع؛ بدليل أن للولد مطالبة والده بدينه، وليس له حبسه.

وفهم من التخيير في المطالبة بينهما: أنه لا يصح الضمان بشرط براءة الأصيل، وهو الأصح؛ لمخالفته مقتضى الضمان، ولو أبرأ المستحق الأصيل .. برئ الضامن ولا عكس، ولو مات أحدهما .. حل عليه دون الآخر، وإذا مات الأصيل خلف تركة .. فللضامن بالإذن

ص: 618

مطالبة صاحب الحق بأن يبرئه ولو بإبراء الأصيل، أو يأخذ حقه من تركته؛ لأنها قد تتلف فلا يجد مرجعاً إذا غرم.

[رجوع الضامن على الأصيل]

الخامسة: يرجع الضامن على الأصيل بما أداه إن أذن له في الضمان والأداء، أو في الضمان فقط، أو في الأداء بشرط الرجوع عليه، وإلا .. فلا يرجع.

نعم؛ إن ثبت الضمان بالبينة وهو منكر؛ كأن ادعى على زيد وغائب ألفاً، وأن كلا منهما ضمن ما على الآخر بإذنه فأنكر زيد، فأقام المدعي بينة وغرمه .. لم يرجع زيد على الغائب بالنصف إذا كان مكذباً للبينة؛ لأنه مظلوم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه.

ولو أدى الضامن من سهم الغارمين .. فلا رجوع له في الأصح، ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن .. فلا رجوع له، وإن أذن له في الأداء والرجوع، أو في الأداء فقط .. رجع، وفرق بين هذا ونظيره من مسألة الغسال ونحوها؛ بأن المسامحة في المنافع أكثر من الأعيان، وحيث ثبت الرجوع .. فحكمه حكم القرض، حتى يرجع في المقتوم بمثله صورة.

ولو أدى مكسراً عن صحاح .. لم يرجع إلا بما غرم، ولو صالح .. رجع بالأقل من قيمة ما أداه يوم الأداء ومن الدين.

ولو باعه ثوباً قيمته خمسة بعشرة قدر الدين وتقاصا .. رجع بالعشرة؛ لثبوتها في ذمته، وكذا لو قال:(بعتكه بما ضمنته) على المختار في "الروضة"، ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي إذا أشهد كل منهما على الأداء رجلين، أو رجلاً وامرأتين، أو رجلاً ليحلف معه؛ إذ الشاهد مع اليمين حجة كافية، ولا يضر احتمال الرفع إلى حنفي؛ كما لا تضر غيبته ولا موته، ويعتبر في شاهدي الأداء العدالة.

نعم؛ لو أشهد مستورين فبان فسقهما .. كفى في الأصح، ولا يكفي إشهاد من يعلم سفره قريباً.

ولو قال: (أشهدت وماتوا أو غابوا) .. رجع إن صدقه في الأصح، أو (أشهدت فلاناً وفلاناً) فكذباه .. فكما لو لم يشهد.

ولو قالا: (لا ندري وربما نسينا) .. ففيه تردد للإمام نقله الشيخان وسكتا عليه، وفي

ص: 619

"المهمات": أن الإمام بعد حكايته له: رجع عدم الرجوع.

ولو أذن المدين للمؤدي في تركه، فتركه وصدقه على الأداء، أو أدى بحضرته، أو صدقه المتسحق في الأداء .. رجع.

[ضمان الدرك]

السادسة: يصح ضمان الدرك، ويسمى: ضمان العهدة وإن لم يكن بحق ثابت؛ للحاجة إليه، وهو أن يضمن للمشتري الثمن بتقدير خروج المبيع مستحقاً، أو متصفاً بشيء مما سيأتي بعض قبض الثمن، فإن لم يقبض .. لم يصح ضمانه؛ لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان المضمون عنه، ولزمه رده بالتقدير السابق.

ولو عير الناظم بـ (العوض) بدل (الثمن) .. لتناول كلامه ضمان الدرك للبائع؛ بأن يضمن له المبيع إن خرج الثمن المعين مستحقاً، إلا أنه تبع الجمهور في فرض ذلك في المشتري، وفي صحة ضمان الدرك للمكتري وجهان في "الروضة" و"أصلها" في آخر (الإجازة)، صحح السبكي منهما الصحة.

قوله: (والدرك المضمون للرداءة) أي: رداءة الثمن أو المبيع يشمل؛ أي: يشملها ويشمل العيب؛ أي: في الثمن أو المبيع، ويشمل نقص الصنجة التي وزن بها الثمن أو المبيع؛ بأن يقول: ضمنت لك درك، أو عهدة الثمن، أو المبيع من غير ذكر استحقاق، أو فشاد أو رداءة أو عيب، أو نقص صنجة، وهذا وجه مرجوح جرى عليه الناظم؛ كصاحب "الحاوي الصغير".

والأصح في "الشرح الصغير" و"الروضة": عدم شموله للفساد والرداءة، والعيب ونقص الصنجة؛ لأن المتبادر منه الرجوع بسبب الاستحقاق.

قال في "الروضة" كـ"أصلها": ولو قال: (ضمنت لك خلاص المبيع) .. لم يصح؛ لأنه لا يستقل بتخليصه إذا اسنحق، بخلاف:(ضمنت لك خلاصك منه) فإنه كضمان الدرك.

ص: 620

ولو اختلف البائع والمشتري في نقص صنجة الثمن .. صدق البائع بيمينه، فإذا حلف .. طالب المشتري بالنقص، ولا يطالب الضامن؛ لأن الأصل براءة ذمته إلا إذا اعترف أو قامت بينة، ولو اختلف البائع والضامن .. صدق الضامن؛ لأن الأصل براءة ذمته، بخلاف المشتري فإن ذمته كانت مشغولة؛ ذكر ذلك في "الروضة" و"أصلها"، ويشترط في ضمان الدرك علم الضامن بقدر الثمن.

[كفالة البدن]

السابعة: بالرضا من المكفول، أو من وليه إن كان غير مكلف، أو وارثه إن كان ميتاً .. صحت كفالة البدن؛ للحاجة إليها في كل من حضوره إلى الحاكم (استحقا) عند الاستعداء؛ لحق آدمي لازم ولو عقوبة، أو لحق مالي لله تعالى؛ كالمدعى زوجيتها، والميت قبل دفنه ليشهد على عينه من لا يعرف نسبه، بخلاف من لا حق عليه، أو عليه حق آدمي غير لازم؛ كنجوم الكتابة، أو عقوبة لله تعالى.

وكفالة كل جزء دونه لا يبقى؛ كالرأس والروح؛ والقلب والكبد والدماغ، والجزء الشائع كالثالث والربع؛ لأنه لا يمكن تسليم ذلك إلا بتسليم كل البدن، فكان كالكفالة بكله، بخلاف ما يبقى الشخص بدونه؛ كاليد والرجل.

وتصح الكفالة بالعين المضمومة دون غيرها إذا أذن فيها واضع اليد، أو كان الكفيل قادراً على انتزاعها منه؛ كما نقله شارح "التعجيز" عن الأصحاب.

قال في "الروضة" كـ"أصلها": ومن ضمان العين: ما لو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب مالاً، وما لو ضمن عهدة ما بيع بثمن معين، والثمن باق بيد البائع، وإن تلف في يده فضمن رجل قيمته .. فهو كما لو كان الثمن في الذمة وضمن العهدة، ولو رهن ثوباً، ولم يسلمه فضمن رجل تسليمه .. لم يصح؛ لأنه ضمان ما ليس بلازم. انتهى.

ويبرأ الكفيل بتسليم المكفول للمكفول له في مكان عيناه للتسليم، أو في مكان العقد عند الإطلاق بلا حائل كمتغلب، فلو سلمه له في غير ما ذكر .. فللمكفول له الامتناع من تسلمه إن كان له غرض في الامتناع؛ كفوت حاكم أو معين، وإلا .. فالظاهر - كما قاله الشيخان - لزوم

ص: 621

قبوه، فإن أبى .. رفعه إلى الخاكم؛ ليتسلمه عنه، فإن لم يكن حاكم .. أشهد شاهدين أنه سلمه إليه.

ولو أحضره قبل زمانه المعين فامتنع المستحق من قبوله .. نظر: هل له غرض؛ كغيبة بينة، أو تأجيل دينه، أو لا؟ والحكم في ذلك كما في المكان، وبأن يحضر المكفول في مكان التسليم بقوله:(سلمت نفسب عن جهة الكفيل)، ولو سلمه أجنبي عن جهة الكفيل بإذنه، أو قبله المستحق .. برئ، وإلا .. فلا.

[لزوم إحضار المكفول إذا علم مكانه]

الثامنة: موضع المكفول الغائب إن يعلم؛ أي: إن يعلمه الكفيل والطريق آمن، ولم يكن ثم من يمنعه من .. لزمه إحضاره ولو كان فوق مسافة القصر، سواء أكان غائباً حين الكفالة أم غاب بعدها، ولكن يمهل قدر ذهاب إليه وإباب منه.

قال الإسنوي: وينبغي أن يعتبر مع ذلم مدة إقامة مدة المسافرين ثلاثة أيام، غير يومي الدخول والخروج؛ للاستراحة وتجهيز المكفول.

قال: وإذا أعطى الكفيل ما على المكفول ثم قدم .. ففي استرداد ما أعطاه نظر، والمتجه: أن له ذلك. انتهى.

[إذا مات المكفول أو اختفى]

التاسعة: إن يمت المكفول أو اختفى؛ أي: أو هرب فلم يعرف مكانه، أو تلفت العين المضمونة .. لا يغرم الكفيل شيئاً من المال؛ لأنه لم يلتزمه، كما لو ضمن المسلم فيه فانقطع .. لا يطالبه برأس المال، وقيل: يغرم المال؛ لأن الكفالة وثيقة؛ فيستوفى منها المال إذا تعذر تحصيله كالرهن.

[ما يبطل الكفالة]

العاشرة: بطلت الكفالة بشرط مال يلزم الكفيل إذا مات المكفول أو اختفى أو هرب، أو تلفت العين المكفولة؛ لأنه شرط يخالف مقتضاها، ولالتزام المال؛ لأنه صير الضمان معلقاً.

قال الإسنوي: ولك أن تقول: هلا بطل الشرط فقط؛ كما لو أقرضه بشرط رد مكسر عن

ص: 622

صحيح، أو شرط الخيار للمضمون له، أو ضمن المؤجل بشرط الحلول؛ بجامع أنه زاد خيراً؟ انتهى.

وأجيب بأن المشروط في تلك صفة تابعة، وفي هذه أصل يفرد بعقد، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.

ومن أركان الضمان والكفالة: الصيغة؛ وهي لفظ أو نحوه يشعر بالالتزام؛ كـ (ضمنت دينك عليك)، أو (تلقدته)، أو (تكفلت ببدنه)، أو (أنا بالمال، أو بإحضار الشخص ضامن)، أو (كفيل) أو (زعيم) أو (حميل)، ولو قال:(أؤدي المال)، أو (أحضر الشخص) .. فهو وعد، ولا يجوز تعليقهما ولا توقيتهما، ولو نجز الكفالة وشرط تأخير الإحضار مدة معلومة .. جاز.

والألف في قول الناظم: (لزما) و (سلما) و (استحقا) للإطلاق.

* * *

ص: 623