الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الهِبَة
هي شاملة للصدقة والهدية، وهي تمليك بلا عوض: فإن ملك محتاجاً أو لثواب الآخرة ..
فصدقة، وإن نقله إلى مكان الموهوب له إكراماً له .. فهدية، فكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس، وغيرهما اقتصر فيه على اسم الهبة، وانصرف الاسم عند الإطلاق إليه، ومن ذلك ما سيأتي في كلامه من اشتراط الصيغة فيها.
والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: (فَإِن طِبنَ لَكُم عَن شَيءٍ مِنهُ نَفسًا فَكُلُوُه هَنِيئًا مَرِيئَا)، وأخبار؛ كخبر "الصحيحين":"لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" أي: ظلفها، وفي البخاري:"لو دعيت إلى كراع .. لأجبت، ولو أهدي إليَّ كراع .. لقبلت"
(تصح فيما بيعه قد صحا
…
واستثن نحو حبتين قمحا)
(بصيغة، وقوله: (أعمرتكا
…
ما عشت) أو (عمرك) أو (أرقبتكا))
(وإنما يملكه المتهب
…
بقبضه والإذن ممن يهب)
(ولا رجوع بعده إلا الأصول
…
ترجع إذ ملك الفروع لا يزول)
] ضابط ما تصح فيه الهبة وما يستثنى منه [
تصح الهبة فيما قد صح بيعه من باب أولى، فإن بابها أوسع، ويستثنى منه صور، منها: الموصوف في الذمة يصح بيعه ولا تصح هبته.
وما لا يصح بيعه؛ كمجهول ومغضوب وآبق وضال، لغير قادر على انتزاعها .. لا تصح هبته؛ بجامع أنهما تمليك في الحياة، واستثن نحو حبتين من الحنطة من المحقرات؛ فإنها لا يصح بيعها وتصح هبتها.
ويستثنى أيضاً صور، منها: لا يصح بيع جلد الأضحية ولحمها، وما تحجره المتحجر، ونوبة إحدى الضرتين للأخرى، وما أخذه المتبسط من طعام الغنيمة وتصح هبة كلٍّ منها،
ولا بيع الكلب ونحوه، وجلد الميتة قبل الدباغ، والدهن النجس، ويصح هبة كلٍّ منها على معنى نقل الاختصاص واليد.
] صيغة الهبة [
تصح الهبة فيما صح بيعه بصيغة وهي الإيجاب من الواهب؛ كـ (وهبتك كذا) ، أو (ملكتكه) ، أو (أعطيتكه) ، والقبول من المتهب باللفظ متصلاً؛ كـ (اتهبت) ، و (تملكت) ، أو (قبلت) ، أو (رضيت) ، أو الاستيجاب والإيجاب، أو الاستقبال والقبول، وبقول:(أعمرتك هذه الدار ما عشت) ، أو (عمرك)، أو (جعلتها لك عمرك) وإن زاد:(فإذا مت .. عادت إلي) ، أو (أرقبتك هذه الدار)، أو (جعلتها لك رقبى) أي: إن مت قبلي .. عادت إليَّ، وإن مت قبلك .. استقرت لك، وسميت رقبى؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وفي"الصحيحين" حديث "العمرى ميراث لأهلها"
ولا تشترط الصيغة في الهدية ولا في الصدقة.
] ملك الموهوب بالقبض [
وإنما يملك الموهوبَ بمعناه الأعم المتهبُ بقبضه، وإذن واهبه فيه إن لم يقبضه بنفسه لا بالعقد، وإلا .. لما قال أبو بكر لعائشة-رضي الله تعالى عنهما- في ما نحلها في صحته عشرين وسقاً:(وددت أنك حزته أو قبضته، وإنما هو اليوم مال الوارث) رواه مالك، وروي نحوه عن جمع من الصحابة، ولأنه عقد إرفاق كالقرض.
ولو كان الموهوب في يد المتهب .. اعتبر في قبضه مضي زمن يتأتى فيه من وقت الإذن قبضه، وكيفية القبض في العقار والمنقول؛ كما مر في (البيع).
ولو مات أحدهما قبل القبض .. قام وارثه مقامه، فيتخير وارث الواهب في الإقباض، ووارث المتهب في القبض إن أقبضه الواهب أو وارثه؛ فلا ينفسخ العقد بالموت؛ لأنه يؤول إلى اللزوم كالبيع، بخلاف نحو الشركة والوكالة.
[الرجوع في الهبة]
ولا يصح رجوع أحد في هبته بعد قبضها، وإن وهبه لأعلى منه إلا للأصول، سواء أكان أباً أم أماً، أم جداً أم جدة من جهة الأب أو الأم، اتفقا ديناً أو اختلفا، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده» "رواه الترمذي والحاكم وصححاه، والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه، وإلا
…
ألحق به بقية الأصول، بجامع أن لكل ولادةً كما في النفقة، وحصول العتق وسقوط القود.
وأما خبر: «من وهب هبة .. فهو أحق بها، ما لم يثب منها» .. فيحمل على الأصول.
وللرجوع شروط: منها: عدم زوال ملك الفرع المتهب عن الموهوب، فلو زال وعاد .. لم يكن للأصل الرجوع فيه؛ لأن ملكه الآن غير مستفاد منه.
وألَاّ يتعلق به حق يمنع البيع؛ كالكتابة.
وأن يكون الرجوع منجزاً.
وأن يكون باللفظ لا بالفعل؛ كـ (رجعت فيما وهبت) ، أو (ارتجعت) ، أو (نقضت الهبة) ، أو (أبطلتها).
والألف في قوله: (صحا) ، و (أعمرتكا) ، (أرقبتكا) للإطلاق.
* * *