المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإيلاد وفي نسخة: (عتق أم الولد) (لأمة له تكون ملكا … - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌باب الإيلاد وفي نسخة: (عتق أم الولد) (لأمة له تكون ملكا …

‌باب الإيلاد

وفي نسخة: (عتق أم الولد)

(لأمة له تكون ملكا

أو بعضها يوجب عتق تلكا)

(بمؤته، ونسلها بها التحق

من غيره من بعد الإيلاد عتق)

(من رأس مال قبل دين، واكتفي

بوضع ما فيه تصور خفي)

(جاز الكرا، وخدمة، جماع

لا هبة، والرهن، وابتياع)

(ومولد بالاختيار جارية

لغيره منكوحة أو زانية)

(فالنسل قن مالك، والفرع حر

من وطؤه بشبهة أو حيث غر)

(أو بشراء فاسد، فإن ملك

ذي بعد لم تعتق عليه إن هلك)

(لكن عليه قيمة الحر ثبت

بحمد ربى "زبد الفقه" انتهت)

فيها ثلاث مسائل:

[ما يترتب على إيلاد الرجل أمته]

الأولى: إذا أولد الرجل أمة يملكها، أو يملك بعضها بوطء مباح، أو حرام بسبب نسب، أو رضاع أو مصاهرة، أو حيض أو إحرام، أو نكاح أو نحوها، أو باستدخال ذكره أو منيه المحترم .. انعقد الولد حراً، وعتقت بموته، الأصل في ذلك: أخبار؛ منها: قوله عليه الصلاة والسلام في مارية أم ولده: "أعتقها ولدها" أي: أثبت لها حق الحرية، رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الحاكم وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما أمة ولدت من سيدها .. فهي حرة عن دبر منه" رواه ابن ماجه وغيره، وصحح الحاكم إسناده، وخبر: "أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع منها سيدها ما دام حياً، فإذا مات ..

ص: 1014

فهي حرة" رواه الدارقطني والبيهقي، وصححا وقفه على عمر رضى الله تعالى عنه، وصحح ابن القطان رفعه وحسنه وقال: رواته كلهم ثقات.

واستشهد البيهقي بقول عائشة رضى الله تعالى عنها: (لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمة) وكانت مارية من جملة المخلف عنه، فدل على أنها عتقت بموته.

وسبب عتق أم الولد انعقاده حراً؛ للإجماع، ولخبر "الصحيحين": أن من أشراط الساعة: "أن تلد الأمة ربتها"، وفي رواية:"ربها" أي: سيدها، وولد المشتركة ينعقد حراً، ويسري الاستيلاد إلى حصة شريكه منها إن أيسر بقيمتها، وعتقت بموته، وإلا

عتق نصيبه، وكأمته أمة فرعه التي لم يستولدها، وأمة مكاتبه، ومحل ما ذكره: إذا لم يزاحم حق الغير، وإلا

فلا ينفذ الإيلاد؛ كإيلاد المعسر المرهونة.

ونسلها؛ أي: أولاد أم الولد بعد إيلادها من غير السيد من زوج، أو زنا، حكمهم كحكمها: يلتحقون بها في حكم الحرية، فيعتقون بموت السيد وإن ماتت في حياته؛ لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، وكذا في سبيها.

وخرج بقوله: (من بعد الإيلاد): أولادها قبل الإيلاد من زوج أو زنا، فإنهم لا يعتقون بموت السيد، وله بيعهم؛ لحدوثهم قبل ثبوت حق الحرية للأم، وشمل (موته): ما لو قتلته أو ولده.

وعتق المستولدة وأولادها من رأس مال السيد مقدماً على دينه؛ لأن إيلادها بمنزلة استهلاكها.

وكما يثبت الإيلاد بانفصال الولد حياً أو ميتاً .. يثبت حكمه، ويكتفى بوضع المضغة التي ظهر فيها تصور خفي من خلقة الآدميين ولو لأهل الخبرة؛ لما روى البيهقي عن عمر رضى الله تعالى عنه: أنه قال في أم الولد: (أعتقها ولدها وإن كان سقطاً).

ص: 1015

وخرج بقوله: (تصور خفي): ما لو قالوا: إنه أصل آدمي، ولو بقي .. لتصور، فلا يثبت به الإيلاد، ولا تجب به غرة؛ لأنه لا يسمى ولداً.

[كراء المستولدة ووطؤها]

الثانية: جاز للسيد كراء المستولدة واستخدامها، وكذا وطؤها إذا لم يمنع منه مانع، وله أرش جناية عليها وعلى أولادها التابعين لها، وقيمتهم إن قتلوا؛ لبقاء ملكه لهم، وله تزويجها بغير إذنها، ولا يجوز له هبتها ولا رهنها ولا بيعها؛ أي: أو نحوه مما يؤول إلى نقل ملكها إلى غيره؛ لما مر، ولأن الهبة والبيع نقل الملك إلى الغير، والرهن تسلط عليه، وكما تحرم هذه الأمور .. تبطل.

نعم؛ يصح بيعها من نفسها؛ لأنه عقد عتاقة في الحقيقة.

[حكم من أولد جارية غيره]

الثالثة: من أولد باختياره غير مكره جارية غيره بنكاح لا غرور فيه، أو زناً .. فولده رقيق لمالكها بالإجماع، وولده حر من وطئه أمة غيره بشبهة؛ كأن ظنها أمته، أو زوجته الحرة، أو بنكاح غر بحريتها فيه، أو بشراء فاسد ظن صحته؛ عملاً بظنه.

وقوله: (بالاختيار) بيان لكون الوطء زنا، لا لكون ولد المكره ينعقد حراً، ولو ظن بالشبهة أنها زوجته الأمة .. فالولد رقيق، فإن ملك المولد أمة الغير بعد أن أولدها .. لم تعتق بموته، أما في الحال الأول والثالث .. فلانتفاء علوقها بحر، وأما في الثاني .. فلانتفاء ملكه لها حين علوقها بالحر، وعلى المولد قيمة ولده الحر يوم انفصاله لسيد أمه؛ لتفويته رقه بظنه.

والألف في قول الناظم: (تلكا) للإطلاق، وقوله:(الإيلاد) بنقل حركة الهمزة إلى اللام قبلها.

ثم إن الناظم حمد الله تعالى على انتهاء "زبد الفقه"، وقد مر معنى الحمد لغة وعرفاً، ولما كانت هذه المنظومة مسماة بـ"الصفوة" التي اشتق منها علم التصوف .. ناسب ألا تخلو عن قطعة منه؛ ليوافق الاسم المسمى، وكان الختم به أولى؛ لتكون خاتمة الفقيه تطهير قلبه، وتصفية سريرته؛ ليلقى الله الكريم بقلب سليم، ولهذا ختمها الناظم به فقال:

ص: 1016

خاتمة

[في علم التصوف]

وفي بعض النسخ: (في علم التصوف المصفي للقلوب) وهو كما قال الغزالي: تجريد القلب لله سبحانه وتعالى، واحتقار ما سواه، قال: وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح.

(من نفسه شريفة أبيه

يربأ عن أموره الدنيه)

(ولم يزل يجتح للمعالي

يسهر في طلابها الليالي)

(ومن يكون عارفاً بربه

تصور ابتعاده من قربه)

(فخاف وارتجى وكان صاغيا

لما يكون آمراً وناهيا)

(فكل ما أمره يرتكب

وما نهى عن فعله يجتنب)

(فصار محبوباً لخالق البشر

له به سمع وبطش وبصر)

(وكان لله ولياً، إن طلب

أعطاه، ثم زاده مما أحب)

[تعاطى معالي الأمور واجتناب دنيها]

أي: من نفسه شريفة أبية؛ أي: تأبى إلا العلو الأخروي .. يربأ بالهمز؛ أي: يرتفع عن أموره الدنية من الأخلاق المذمومة؛ كالكبر والغضب، والحقد والحسد، وسوء الخلق وقلة الاحتمال، ولم يزل يجنح بفتح النون وضمها؛ أي: يميل للمعالي من أموره من الأخلاق المحمودة؛ كالتواضع والصبر، وسلامة الباطن والزهد، وحسن الخلق وكثرة الاحتمال، ويسهر الليالي في طلبها؛ كما يقال: ومن طلب العلا سهر الليالي.

وحاصله: أنه يتعاطى معالي الأمور في الظاهر والباطن، ويتجنب رديئها، والدنيا التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة .. ما سقى

ص: 1017

منها كافراً شربة ماء"، وقال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم أو متعلم"، ولو لم يكن في محبة الدنيا من المفسدة إلا الاشتغال بها عن الله تعالى.

وقد قال بعضهم لولده: يا بنى؛ لا تغبطن أهل الدنيا عن دنياهم، فوالله؛ ما نالوها رخيصة، ووالله؛ ما نالوها حتى فقدوا الله تعالى.

وما ذكره الناظم هو عالي الهمة، وسيأتي دنيها، وهذا مأخوذ من حديث:"إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها" أي: دنيها رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، فالمعالي والسفساف: كلمتان جامعتان لأسباب السعادة والشقاوة.

[آثار معرفة الله سبحانه وتعالى]

ومن يكون عارفاً بربه بما يعرف به من صفاته .. تصور ابتعاده لعبده بإضلاله، وإرادة الشر به من قربه له بهدايته وتوفيقه .. فخاف عقابه، ورجا ثوابه، وكان عبداً صاغياً لما يكون آمراً به وناهياً عنه، فكل ما أمره به .. يرتكبه، وكل ما نهي عن فعله .. يجتنبه، فصار محبوباً لخالق البشر، والمخلوقات بأسرها.

له بربه سمع وبطش وبصر، فترتب على محبة الله تعالى له صيانة جوارحه وحواسه، فلا يسمع إلا الله، ولا يبصر إلا له، ولا يبطش إلا لأجله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله .. فقد استكمل الإيمان"، وكما كانت حاله صلى الله عليه وسلم: أنه ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله.

وكان لله ولياً، إن طلب منه .. أعطاه، وإن استعاذ به .. أعاذه، ثم زاده مما أحب.

قال بعضهم: العارف عند أهل التصوف: من عرف الحق تعالى بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى في جميع معاملاته، ثم تنقى عن أخلاقه المذمومة وآفاته، ثم طال بالباب

ص: 1018

وقوفه، ودام بالقلب عكوفه، فحظي من الله تعالى بجميع آماله، وصدق الله تعالى في جميع أحواله، وانقطعت عنه هواجس نفسه، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره.

وقال ابن عبد السلام في "قواعده" في إصلاح القلوب؛ التي تصلح الأجساد بصلاحها، وتفسد بفسادها: تطهيرها من كل ما يباعد عن الله، وتحليها بكل ما يقرب إلى الله ويزلف لديه، من الأحوال والأقوال والأعمال، وحسن المآل، ولزوم الإقبال عليه، والإصغاء إليه، والمثول بين يديه كل وقت من الأوقات وحال من الأحوال، على حسب الإمكان من غير أداء إلي السآمة والملال.

قال: ومعرفة ذلك هي الملقبة بعلم الحقيقة، وليست الحقيقة خارجة عن الشريعة، بل الشريعة طافحة بإصلاح القلوب بالمعارف والأحوال والعزوم والنيات، وغير ذلك. انتهى.

قال بعضهم: علامة محبة الله تعالى: بغض المرء نفسه؛ لأنها مانعة له من المحبوب، فإذا وافقته نفسه في المحبة .. أحبها، لا لأنها نفسه، بل لأنها تحب محبوبه.

وما ذكره الناظم .. مأخوذ من حديث البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: "من آذى لي ولياً .. فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته .. كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني .. أعطيته، وإن استعاذ بي .. لأعيذنه"، زاد ابن أبي الدنيا:"وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به".

والمراد: أن الله تعالى يتولى محبوبه في جميع أحواله، فحركاته وسكناته به تعالى؛ كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له التي أسكنها الله في قلوبهما .. يتوليان جميع أحواله، فلا يأكل إلا بيد أحدهما، ولا يمشى إلا برجله

إلى غير ذلك، ففنيت صفاته، وقامت صفات الأبوين مقامها؛ لشدة اعتنائهما بحفظه.

وفي الحديث: "اللهم؛ كلاءة ككلاءة الوليد"، فكذلك حال الولي مع الرب سبحانه وتعالى، واتخاذ الله ولياً يحتمل أن يكون فعيلاً بمعنى فاعل؛ أي: ولي أمر الله تعالى، أو

ص: 1019

قال بعضهم: إذا أراد الله أن يوالي عبده .. فتح عليه باب ذكره، فإذا استلذ الذكر .. فتح عليه باب القرب، ثم رفعه إلى مجالس الأنس، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب، وأدخله دار القرب، وكشف له الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة .. خرج من حبسه ودعاوى نفسه، ويحصل حينئذ في مقام العلم بالله فلا يتعلم بالخلق، بل بتعليم الله تعالى وتجليه لقلبه، فيسمع ما لا يسمع، ويفهم ما لا يفهم.

(وقاصر الهمة لا يبالي

يجهل فوق الجهل كالجهال)

[قاصر الهمة جاهل لا يبالي بمعالي الأمور]

أي: وقاصر الهمة دنيها؛ بأن جنح إلى سفساف الأمور، وعدل عن معاليها، فلا يرفع نفسه بالمجاهدة؛ لأنه أسرته الشهوة وميل النفس إلى الراحة، فصار لا يبالي هل قربه الله أو أبعده؟ ! فلا يتعلم أمره ولا نهيه، ولا يعمل بمقتضى واحد منهما لو علمه، ولا يبالي بما اكتسبه من المال هل هو من حلال أو حرام؟ ! ولا ما عمله من الأعمال هل يوافق الشرع أو لا؟ ! ولا يبالي في أفعاله هل تسخط الرب أو ترضيه؟ ! وقد أعرض عن أخراه وانهمك في دنياه.

وقد قال العلماء: الخسيس: من باع دينه بدنياه، وأخس الأخساء: من باع دينه بدنيا غيره، وهو متكل بجهله وغروره على عفو الله تعالى وكرمه بلا خوف ولا عمل، فيجهل فوق جهل الجاهلين.

فالجهل أول داء النفس، ثم حب الأشياء، ثم قلة المبالاة، ثم الجرأة، ثم قلة الحياء، ثم المنى بفوز الآخرة، وهذا حال من ركبته النفس الأمارة بالسوء، وأول منزل من منازل السالك ذبح نفسه بسكين الرياضة.

[ما يترتب على معرفة عالي الهمة ودنيها]

(فدونك الصلاح أو فسادا

أو سخطاً أو تقريباً أو إبعادا)

أي: فدونك أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عالي الهمة ودنيها، وعلمت أن الله تعالى

ص: 1020

مطلع على أقوالك وأعمالك وما في قلبك، ومجازيك على جميع أعمالك من ثواب أو عقاب، فخذ لنفسك أيهما ترضاه: صلاحاً منك موجباً للفوز بالنعيم المقيم، أو فساداً تستحق به العذاب الأليم في نار الجحيم، أو رضاً أو سخطاً، أو تقريباً من الله والجنة أو إبعاداً عنهما، أو سعادة من الله تعالى أو شقاوة، أو نعيماً منه وجحيماً.

فأفاد الناظم بـ (دونك): الإغراء بالنسبة إلى الصلاح وما يناسبه، والتحذير بالنسبة إلى الفساد وما يناسبه، ونظيره:{اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} .

وقوله الناظم: (أو تقريباً أو إبعاداً) بحذف الهمزة فيهما للوزن.

(وزن بحكم الشرع كل خاطر

فإن يكن مأموره فبادر)

(ولا تخف وسوسة الشيطان

فإنه أمر من الرحمن)

(وإن تخف وقوعه منك على

منهي وصف مثل إعجاب فلا)

(وإن يك استغفارنا يفتقر

لمثله فإننا نستغفر)

(فاعمل وداو العجب حيث يخطر

مستغفراً، فإنه يكفر)

(وإن يكن مما نهيت عنه

فهو من الشيطان، فاحذرنه)

(فإن تمل إليه كن مستغفراً

من ذنبه، عساه أن يكفرا)

[أقسام خواطر النفس]

أي: وزن أنت بحكم الشرع كل خاطر خطر لك، ولا يخلو حاله بالنسبة إليك من حيث الطلب من أن يكون مأموراً به، أو منهياً عنه، أو مشكوكاً فيه، فإن كان الخاطر مأموراً به؛ إما على طريق الوجوب أو الاستحباب .. فبادر إلى فعله، فإنك إن توقفت برد الأمر .. وهبت ريح التكاسل.

ولا تخف؛ أي: لا تترك المأمور به من صلاة أو غيرها؛ خوفاً من وسوسة الشيطان، فإنك لا تقدر على صلاة بلا وسوسة، فقد اجتهد الأكابر أن يصلوا ركعتين بلا وسوسة من الشيطان وحديث النفس بأمور الدنيا فعجزوا، ولا مطمع فيه لأمثالنا، فإنه أمر من الرحمن رحمك به حيث أخطره ببالك.

ثم الخاطر الذي من الرحمن ينقسم إلى: ملكي، وإلهامي؛ فالملكي: ما يلقيه الملك

ص: 1021

الذي على يمين القلب فيه، والإلهامي: إيقاع شيء في القلب ينشرح له الصدر، والفرق بينهما: أن إلقاء الملك قد تعارضه النفس والشيطان بالوساوس، بخلاف الخواطر الإلهية؛ فإنها لا يردها شيء، بل تنقاد لها النفس والشيطان طوعاً وكرهاً، وإذا كان الخاطر مباحاً؛ كالأكل والنوم وغيرهما .. فجدد له نية صالحة؛ ليصير مأموراً به؛ كأن تنام وقت القيلولة؛ لتنشط للعبادة في الليل؛ كما تقدم في (المقدمة) في قول الناظم:

(لكن إذا نوى بأكله القوى

لطاعة الله له ما قد نوى)

[خوف العجب ليس مانعاً من العمل]

وإن تخف وقوعه؛ أي: المأمور به على وصف منهي عنه؛ مثل: إعجاب أو رياء .. فلا بأس عليك في وقوعه عليه من غير قصد له، فلا يكون ذلك مانعاً لك من المبادرة إليه، أقم الأمر واحترز عن المنهي.

وخرج بقوله: (وقوعه): إيقاعه؛ بأن أوقعته عليه قاصداً له، فإن ذلك محبط للعمل، موجب للإثم، فاستغفر الله تعالى، وتب إليه منه كما سيأتي.

وقد قال الفضيل: العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

وإن يك استغفارنا يفتقر لاستغفار مثله؛ لنقصه بغفلة قلوبنا معه، بخلاف استغفار الخلص ورابعة العدوية منهم، وقد قالت:(استغفارنا يحتاج إلى استغفار) هضماً لنفسها .. لا يوجب ترك الاستغفار منا المأمور به؛ بأن يكون الصمت خيراً منه، بل نستغفر وإن احتاج إلى استغفار؛ لأن اللسان إذا ألف ذكراً

أوشك أن يألفه القلب فيوافقه فيه.

قال الغزالي في "الإحياء" في (باب التوبة): لا تظن أن رابعة تذم حركة اللسان بالاستغفار من حيث إنه ذكر الله تعالى، بل تذم غفلة القلب، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه لا من حركة لسانه، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضاً .. احتاج إلى استغفاريين، قال: وهذا معنى قول القائل الصادق: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)

ص: 1022

[دواء العجب]

ثم استشهد الناظم لما قرره بقول السهروردي- بضم السين- صاحب "عوارف المعارف"، وقد سأله بعض أئمة خرسان فقال: القلب مع الأعمال يداخله العجب، ومع ترك الأعمال يخلد إلى البطالة، فأجابه بقول: لا تترك الأعمال، وداو العجب حيث لك؛ بأن تعلم أن ظهوره من النفس، فاستغفر الله منه إذا وقع قصداً؛ فإن ذلك كفارنه، ولا تدع العمل رأساً؛ فإنه من مكائد الشيطان.

قال الإمام في "المطلب": من مكائد الشيطان ترك العمل؛ خوفاً من أن يقول الناس: إنه مرائي، وهذا باطل، فإن تطهر العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر، فلو وقتنا العبادة على الكمال .. لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات، وذلك بموجب البطالة، وهي أقصى غرض الشيطان.

وقال النووي: ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم .. لاستد عليه أكثر أبوب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين.

ولقد أحسن من قال: سيروا إلى الله عرجاً ومكاسير، ولا تنتظروا الصحة، فإن انتظار الصحة بطالة.

وحكي عن الشافعي رضى الله تعالى عنه أنه قال: إذا خفت على عملك العجب .. فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحدة من هذه الخصال .. صغر في عينك عملك.

وإن يك الخاطر مما نهاك الله تعالى عنه .. فاحذر من فعله، فإنه من وسوسة الشيطان، أو من دسيسة النفس الأمارة بالسوء.

والفرق بينهما: أن خاطر النفس لا ترجع عنه، وخاطر الشيطان قد ينقله إلى غيره إن صمم الإنسان على عدم فعله؛ لأن قصده الإغواء لا خصوص قضية معينة، فإن تمل النفس إلى فعله،

ص: 1023

أو فعلته .. فكن تائباً إلى الله تعالى خائفاً منه مستغفراً، ولا تيأس من رحمة الله تعالى؛ قال تعالى:{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} .

وحذف الفاء الداخلة على الجواب، وهو قوله:(كن) للضرورة عند الجمهور، وأجازه المبرد في الاختيار، وقال بعضهم: لا يجوز إلا في ضرورة أو ندور، ويقاس بهذا نظائره السابقة واللاحقة.

والألف في قوله: (يكفرا) للإطلاق.

[مراتب ما يقع في النفس من المعصية]

(فيغفر الحديث للنفس وما

هم إذا لم تعمل أو تكلما)

ما يقع في النفس من المعصية له مراتب:

الأولى: الهاجس؛ وهو ما يلقى فيها، ولا يؤاخذ به إجماعاً؛ لأنه ليس من فعل العبد، وإنما هو وارد لا يستطاع دفعه.

الثانية: الخاطر، وهو جريانه فيها، وهو مرفوع أيضاً.

الثالثة: حديث النفس، وهو ترددها بين [فعل] الخاطر المذكور وتركه، وهو مرفوع أيضاً؛ لخبر "الصحيحين":"إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به".

الرابعة: الهم، وهو قصد الفعل، وهو مرفوع أيضاً؛ لقوله تعالى:{إذ همت طائفتان} الآية، ولو كانت مؤاخذة .. لم يكن الله وليهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من هم بسيئة ولم يعملها .. لم تكتب" أي: عليه، رواه مسلم، وفي رواية له:"كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة"، زاد في أخرى:"إنما تركها من جراي" أي: من أجلي، وهو بفتح الجيم وتشديد الراء.

وقضية ذلك: أنه إذا تكلم كالغيبة، أو عمل كشرب المسكر .. انضم إلى المؤاخذة بذلك

ص: 1024

مؤاخذة حديث النفس والهم به، وفي هذه المرتبة تفترق الحسنة والسيئة؛ فإن الحسنة له تكتب، والسيئة لا تكتب عليه، بخلاف الثلاث الأول؛ فإنها لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، واقتصر الناظم على هذين المرتبتين؛ لوضوح الأمر في الأوليين.

الخامسة: العزم، وهو قوة القصد والجزم به وهو مؤاخذ به؛ لقوله تعالى:{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ، ولخبر "الصحيحين":"إذا التقى المسلمان بسيفيهما .. فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله؛ هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصاً على قتل أخيه".

وقول الناظم: (أو تكلما) بنقل حركة همزته إلى الساكن قبلها، وألفه للإطلاق.

[مجاهدة النفس إذا همت بالمعصية]

(فجاهد النفس بألا تفعلا

فإن فعلت تب وأقلع عجلاً)

أي: فجاهد النفس الأمارة بالسوء وجوباً إذا همت بمعصية الله تعالى؛ لحبها بالطبع ما نهيت عنه لتطيعك في الاجتناب؛ كما تجاهد من يقصد اغتيالك، بل أعظم؛ لأنها تقصد لك الهلاك الأبدي باستدراجها لك من معصية إلى أخرى حتى توقعك فيما يؤديك إلى ذلك، فإنها حينئذ أكبر أعدائك، وفي الحديث:"أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك".

وقال بعضهم: معالجة المعصية إذا خطرت حتى لا تقع .. أهون من معالجة التوبة حتى تقبل؛ لأن ذلك بكف النفس، والتوبة بالندم والأسف والبكاء، ثم لا يدرى أقبلت توبته أم لا؟ فإن فعلت الخاطر المذكور لغلبة الإمارة عليك .. فتب على الفور وجوباً، وأقلع عن المعصية عاجلاً؛ ليرتفع عنك إثم فعله بالتوبة التي وعد الله تعالى بقبولها فضلاً منه، ومما تتحقق به الإقلاع كما سيأتي.

وقبول التوبة من الكفر قطعي، وفي قبول التوبة من المعصية قولان: قال النووي: الأصح: أنه ظني، وقال بعضهم: الصحيح: أنه قطعي، والواقع في المعصية إن كان لاهياً

ص: 1025

عن النهى والوعيد .. فهو من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وإن استحضر النهي والوعيد وأقدم عليها تجرؤاً .. فهو هالك، أو تسويفاً .. فمغرور؛ لتركه ما وجب عليه وتعلقه بما قد لا يقدر عليه وهو التوبة.

والنفوس ثلاثة:

الأمارة: وهي أشرهن.

الثانية: اللوامة: التي يقع منها الشر، لكنها تساء به وتلوم عليه وتسر بالحسنة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"من سرته حسنته وساءته سيئته .. فهو مؤمن".

الثالثة: المطمئنة: التي اطمأنت إلى الطاعة، ولم تواقع معصية.

والألف في قول الناظم: (تفعلا) للإطلاق.

(وحيث لا تقلع لاستلذاذ

أو كسل يدعوك باستحواذ)

(فاذكر هجوم هاذم اللذات

وفجأة الزوال والفوات)

(وإعرض التوبة، وهي الندم

على ارتكاب ما عليك يحرم)

(تحقيقها إقلاعه في الحال

وعزم ترك العود في استقبال)

(وإن تعلقت بحق آدمي

لابد من تبرئة للذمم)

(وواجب إعلامه إن جهلا

فإن يغب فابعث إليه عجلا)

(فإن يمت فهو لوارث يري

إن لم يكن فأعطها للفقرا)

(مع نية الغرم له إذا حضر

ومعسر ينوي الأدا إذا قدر)

(فإن يمت من قبلها ترجى له

مغفرة الله بأن تناله)

[ذكر الموت باعث على الإقلاع عن فعل المعصية]

أي: وحيث لا تقلع عن فعل الخاطر المذكور؛ لاستلذاذ به وبقاء حلاوته في قلبك يدعوك إليه، أو كسل عن الخروج منه يدعوك إلى ترك العمل مع استحواذ الشيطان عليك، فالباء في قوله:(باستحواذ) بمعنى مع، أو سببية .. فتذكر هجوم هاذم اللذات، وفجأة الزوال، والفوات للتوبة وغيرها من الطاعات؛ فإن تذكر ذلك باعث شديد على الإقلاع عما يستلذ به، أو

ص: 1026

ما يكسل عن الخروج منه؛ لأنه مكدر للعيش، ومقصر للأمل، وباعث على العمل؛ قال صلى الله عليه وسلم:"أكثروا ذكر هاذم اللذات" رواه الترمذي، زاد ابن حبان:"فإنه ما ذكره أحد في ضيق .. إلا وسعه، ولا ذكره في سعة .. إلا ضيقها عليه".

(وهاذم) بالذال المعجمة؛ أي: قاطع، واللذات المقطوعة بالموت ثلاثة:

أدونها: الحسية؛ وهي قضاء شهوتي البطن والفرج ومقدماته.

وأوسطها: اللذات الخيالية الحاصلة من الاستعلاء والرياسة؛ وهي أشدها التصاقاً بالعقلاء، ولذلك قيل: آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة.

وأعلاها: اللذات العقلية الحاصلة بسبب معرفة الأشياء والوقوف على حقائقها؛ وهي اللذة على الحقيقة.

وإن كان عدم الإقلاع للقنوط واليأس من رحمة الله تعالى وعفوه عما فعلت لشدته، أو لاستحضار عظمة الله ونقمته .. فخف مقت ربك؛ أي: شدة عقاب مالكك الذي له أن يفعل في عبده ما يشاء، حيث أضفت إلى الذنب اليأس من العفو عنه، وقد قال:{إنه لا يأيس من روح الله} أي: رحمته {إلا القوم الكافرون} .

واذكر سعة رحمته التي لا يحيط بها إلا هو؛ أي: استحضرها .. لترجع عن قنوطك، وكيف تقنط وقد قال تعالى:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} أي: غير الشرك؛ لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده؛ لو لم تذنبوا .. لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:"لله أفرح بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض فلاة عليها طعامه وشرابه .. " الحديث المشهور.

[بيان التوبة وشروطها]

واعرض التوبة، وهي الندم على ارتكاب ما عليك يحرم من حيث إنه محرم، فالندم على شرب الخمر؛ لإضراره بالبدن ليس التوبة التي هي الندم المذكور، على قلبك ومحاسنها

ص: 1027

وفضائلها؛ لقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له"، واذكر مقدماتها الثلاث:

إحداها: فبح الذنوب.

والثانية: ذكر عقوبة الله تعالى، وأليم سخطه الذي لا طاقة لك به.

الثالثة: ذكر ضعفك، وكونك لا تحمل حر الشمس، ولطمة شرطي، وقرصة نملة، كيف تقدر على حر نار جهنم التي أوقد عليها ثلاثة آلاف سنة؟ !

فإذا عرضا هذه الأشياء على قلبك .. حملتك على التوبة، وذكر القشيري بإسناده إلى الحنيد قال: دخلت على السري يوماً فرأيته متغيراً، فقلت: مالك؟ فقال: دخل علي شاب فسألني عن التوبة؟ فقلت له: ألا تنسى ذنبك، فعارضني وقال: بل التوبة أن تنسى ذنبك، فقلت: الأمر عندي ما قال الشاب، فقال: لم؟ فقلت: لأني إذا كنت في حال الجفاء، ونقلني إلى حال الوفاء .. فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء.

وفسر الناظم التوبة بالندم؛ لأنه روحها الذي تحيا به، وركنها الأعظم، وروى ابن ماجه بإسناد لين:"الندم توبة" ومعناه: أن الندم لتعظيم الله وخوف عقابه مما يبعث على التوبة، فلما كان من أجزائها أو أسبابها .. سماه بها مجازاً.

وقد كانت التوبة في بني إسرائيل بقتل النفس؛ كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} ، وتوبة هذه الأمة: إفناء نفوسهم عن مرادها مع بقاء رسوم الهياكل، ومثل هذا الإفناء كمثل من أراد كسر لوزة في قارورة، فحقيقة التوبة إقلاعه عن المعصية في الحال؛ حياء من الله تعالى وخوفاً من عقابه؛ إذ يستحيل أن يحصل الندم الحقيقي على شيء مع بقائه عليه، وملازمته له في الحال، وعزمه على ألا يعود إليه في الاستقبال؛ كما لا يعود اللبن إلى الضرع بعد أن خرج منه، وهذه هي التوبة النصوح.

فإن قلت: إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعود إلى الذنب، ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك .. فاعلم أن هذا كما قال الغزالي: من غرور الشيطان، من أين لك

ص: 1028

هذا العلم؟ فعسى أن تموت تائباً قبل معاودة الذنب، وأما خوف العود .. فعليك العزم والصدق في ذلك، فبذلك تتخلص من ألم الذنب، وتكون بين إحدى الحسنيين، والله ولي التوفيق والهداية.

وإن تعلقت بحق آدمي وهي أشكل وأصعب من غيرها .. فلا بد فيها من براءة الذمة عنه، سواء أكانت في مال أن نفس، أم عرض أم حرمة أم دين، فما كان من المال .. فيجب أن ترده إلى مالكه، أو من يقوم مقامه من ولي أو وصي، أو من يقوم مقامهما.

وما كان في النفس .. فتمكنه من القصاص، أو أولياءه حتى يقتصوا منك أو يجعلك في حل.

وما كان في العرض؛ كأن اغتبته أو بهته أو شتمته .. فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده، وتستحل من صاحبه إن أمكنك إذا لم تخض هيجان فتنة، وإلا .. فالرجوع إلى الله تعالى ليرضيه عنك والاستغفار الكثير لصاحبه.

وما كان في حرمة؛ بأن خنته في أهله أو ولده أو أمته .. فلا وجه للاستحلال والإظهار؛ فإنه يولد فتنة وحقداً في القلوب، بل تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك، ويجعل له خيراً في مقابلته، فإن أمنت الفتنة وهيجانها وهو نادر .. فتستحل منه.

وما كان في الدين؛ بأن كفرته أو بدعته، أو ضللته في دينه .. فهو أصعب، فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلت ذلك له، أو تستحل من صاحبه إن أمكنك، وإلا .. فالابتهال إلى الله تعالى بأن يرضيه عنك، والندم على فعله.

وواجب عليك إعلام المستحق بما وجب له عليك إن جهل استحقاقه؛ بأن تعترف عند ولي الدم مثلاً، وتحكمه في نفسك، فإن شاء .. عفا عنك، وإن شاء .. قتلك، ولا يجوز لك الإخفاء، بخلاف ما لو زنا أو شرب، أو باشر ما يجب فيه حد الله تعالى .. فإنه لا يلزمه أن يفضح نفسه، بل عليه أن يسترها.

فإن يغب المستحق عن البلد .. فاذهب إليه، أو ابعث له ما يستحقه في ذمتك، أو ما يحصل به الإبراء عجلاً بلا تأخير، فإن انقطع خبره .. رفع أمره إلى قاض مرضي.

فإن يمت المستحق .. فهي؛ أي: الظلامة أو تبرئة ذمتك لوارث ترى؛ أي: تعلمه بدفع الحق إليه، أو إبرائه إياك منه.

فإن لم يكن له وارث، أو انقطع خبره .. فادفعه إلى قاض تعرف سيرته وديانته، فإن تعذر

ص: 1029

الحاكم المرضي .. فأعط قدر ما عليك للفقراء صدقة عن المستحق، قال الإسنوي: ولا يختص بالصدقة، بل هو مخير بين أن يدفعه إلى مصالح المسلمين، وبين أن يدفعه إلى قاض بشرطه ليصرفه في المصالح إن وجده، وبين أن يتصدق به عن المستحق مع نية الغرم للمالك إن وجده، أو وارثه وقدر على وفائه.

فإن كان معسراً لا يقدر عليه .. نوى الغرامة إذا قدر عليه، أو على شيء منه، وإن لم يمكن شيء من ذلك .. فليكثر من الحسنات؛ ليؤخذ منها عوضاً عنه يوم القيامة، ويكثر الرجوع إلى الله تعالى بالتضرع والابتهال إليه؛ ليرضي عنه خصمه يوم القيامة ويعوضه عنه، وإن يمت من عليه الظلامة من قبلها؛ أي: استيفائها .. فالمرجو من تكرم الله تعالى أن تناله مغفرته.

قال النووي: ظواهر السنة الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامه، فأما إذا استدان في موضع يباح له الاستدانة فيه، واستمر عجزه عن الوفاء، أو أتلف شيئاً خطأ وعجو عن غرامته .. فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة؛ إذ لا معصية منه، والمرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعوض صاحب الحق؛ كما أشار إليه إمام الحرمين في أول (كتاب النكاح).

والألف في قول الناظم: (جهلا) للإطلاق، وقوله:(الأدا) بالقصر للوزن.

(وإن تصح توبة وانتقضت

بالذنب لا يضر صحة مضت)

(وتجب التوبة من صغيرة

في الحال كالوجوب من كبيرة)

(ولو على ذنب سواه قد أصر

لكن بها يصفو عن القلب الكدر)

فيها ثلاث مسائل:

[نقض التوبة بالذنب لا يقدح في صحتها الماضية]

الأولى: إذا صحت توبة العبد من الذنب بشرطها، ثم نقض التوبة بذنب آخر ولو كبيراً .. لم يقدح في توبته، ولا يضر ذلك في صحتها الماضية؛ هذا معنى قوله:(لا يضر صحة مضت)، وفي بعض النسخ:(توبة مضت)، وذلك؛ لقوله تعالى:{إن الله يحب التوابين} و (التواب) من أبنية المبالغة الدالة على التكرار، فلا يطلق إلا على من تكرر منه التوبة مرات،

ص: 1030

وإطلاقه يقتضي أنه تتكرر منه التوبة، سواء أوقعت منه معصية أخرى مع التوبة أم لا.

وروى مسلم والنسائي عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".

وروى الحاكم عن جابر: (من سعادة المرء أن يطول عمره، ويرزقه الله تعالى الإنابة).

وروى ابن ماجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم .. لتاب الله عليكم".

وروى عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، ولم يقل: التائب من الذنوب كلها.

وروى عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الندم توبة" ولم يشترط الندم عن كل ذنب، وروى أبو داوود عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم مئة مرة"، ولفظ الترمذي:"ولو فعله" أي: فعل الذنب "في اليوم سبعين مرة".

وخالف فيه القاضي أبو بكر فقال بانتقاض توبته الأولى، فيؤاخذ بذلك الذنب الذي تاب منه، والصحيح خلافه؛ كمن ترك صلاة فقضاها، ثم ترك أخرى، فالأولى التي قضاها بشروطها صحت منه، وبرئت ذمته منها، وسقط التكليف بها، فلا يطالب بها ثانياً؛ لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: "إذا أذنب عبدي ذنباً فقال: يا رب؛ إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به .. فغفر له، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب؛ اغفر لي

" فذكر مثله

ص: 1031

مرتين، وفي آخره:"اعمل ما شئت؛ فقد غفرت لك"، قال القرطبي: فيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب؛ لأن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة، والعود إلى الذنب أقبح من ابتدائه؛ لأنه انضم إلى الذنب نقض التوبة، والعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه انضم إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذنب سواه، وهذه فائدة اسمه تعالى (الغفار) و (التواب).

[وجوب التوبة]

الثانية: تجب التوبة؛ لقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون} ، قال بعضهم: وإنما وجبت توبة العبد من المعصية لتقبل نوافل العبادة منه، فإن رب الدين لا يقبل الهدية ممن هو غضبان عليه بإصراره على المعاصي، وكيف يقبل منك تبرعك بالهدية ودينه الذي فرضه عليك لم تقضه؟ !

وكما تجب التوبة من الكبائر .. تجب من الصغائر خلافاً لأبي هاشم، ولم يستحضر إمام الحرمين في "الإرشاد" مخالفته في ذلك، فحكى الإجماع على الأول، وتوقف السبكي في وجوب التوبة منها عيناً وقال: لعل وقوعها مكفرة بالصلاة واجتناب الكبائر يقتضي أن الواجب إما التوبة أو فعل ما يكفرها، وخالفه ولده تاج الدين فقال: الذي أراه: وجوب التوبة عيناً على الفور عن كل ذنب.

نعم؛ إن فرض عدم التوبة عن الصغيرة، ثم جاءت المكفرات .. كفرت الصغيرتين، وهما تلك الصغيرة وعدم التوبة منها.

[صحة التوبة مع الإصرار على ذنب آخر]

الثالثة: تجب التوبة، وتصح عن كل ذنب مع الإصرار على ذنب آخر، خلافاً للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائباً من أصر على ذنب سواه؛ بناء على أصلهم في القبيح العقلي؛ لأن الكل في القبح على حد سواء، ويرد عليهم قوله تعالى:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم} .

ص: 1032

قال الكلبي: العمل الصالح: التوبة من الذنوب مع الاعتراف بها.

وقال الطبري وغيره: الصالح: الاعتراف [و] التوبة والندم على الذنوب، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه:("عسى" من الله تعالى واجبة).

وإذا صحت التوبة من العبد .. صفا قلبه من كدورات المعصية، لكن التصفية من سائر المعاصي من أوصاف كمال التوبة لا من شروطها.

وعند الصوفية: توبة السالك من المعاصي لا تصير مفتاحاً للمقامات حتى يتوب عن جميع الذنوب؛ لأن كدورة بعض القلب واسوداده بالذنب يمنع من السير إلى الله سبحانه وتعالى، ويبعد عنه، وعلامة قبول التوبة: أن يفتح على التائب باب من الطاعة لم يكن قبل ذلك.

[وجوب الإمساك عن الفعل إذا تشكك فيه أو اشتبه عليه]

(وواجب في الفعل إذ تشكك

أمرت أو نهيت عنه تمسك)

أي: وواجب على المكلف إذا شك في الفعل الذي خطر في سره: أهو مما أمر به، أو مما نهي عنه .. أن يمسك عن فعله؛ حذراً من الوقوع في المنهي عنه إذا كان الأمر أمر إباحة، والنهي نهي تحريم، فإذا اشتبه .. غلب التحريم؛ كما إذا شك في امرأة هل أجنبية داخلة في قوله تعالى:{فانكحوا} ، أو محرم داخلة في قوله تعالى:{حرمت عليكم أمهاتكم} الآية، أو شك في لحم هل هو مما أبيح أكله بقوله تعالى:{كلوا من طيبات ما رزقناكم} ، أو مما نهى عنه بقوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة} فيجب عليه أن يمسك عن نكاح المرأة، وأكل اللحم.

ولا يجوز له أن يجتهد في المرأة واللحم؛ إذ لا علامة تمتاز بها المحرم عن الأجنبية، وكذلك اللحم، لكن لو اشتبهت بأجنبيات غير محصورات .. جاز له النكاح؛ لئلا يؤدي إلى سد باب النكاح، وقد يترجح الإمساك ولا يجب؛ فإنه من باب الشبهة، وتركها ورع لا وجوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه الترمذي وابن ماجه.

ص: 1033

قال بعضهم: ما أهون الورع دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه؛ كما إذا شك هل طلق زوجته، أو علق طلاقها على فعل شيء؟ وشك هل فعله أو لا؟ فالأفضل أن يمسك عن وطئها إلى أن يراجعها إن كان الطلاق رجعياً، أو يجدد نكاحها إن كان بائناً.

واعلم: أن المكلف إذا شك في الخاطر هل هو مأمور به أو منهي عنه .. فينبغي التفصيل بأن يقال: الأمر إما أن يكون للوجوب أو الاستحباب، والنهي إما للتحريم أو للكراهة، وينبني على هذا التفصيل فروع كثيرة، فمن فكر فيما خطر له من الكلام فلم يدر أهو مصلحة أم مفسدة .. فليمسك عن التكلم به حتى تظهر له المصلحة فيه؛ لخبر "الصحيحين":"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليقل خيراً أو ليصمت".

وقال النووي: متى استوى الكلام وتركه .. فالسنة الإمساك عنه؛ فإنه قد ينجر الكلام إلى محرم أو مكروه.

وقال الجويني في المتوضئ يشك أيغسل ثالثة فيكون مأموراً بها، أم رابعة فيكون منهياً عنها: لا يغسل؛ خوف الوقوع في المنهي عنه؛ إذ ترك سنة أهون من ارتكاب بدعة، وقال الجمهور: يغسل؛ لأن التثليث مأمور به، ولم يتحقق قبل هذه الغسلة فيأتي بها، ولهذا: لو شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً .. أتى برابعة وجوباً مع احتمال وقوع المنهي عنه بالزيادة.

وذكر ابن السمعاني في "تاريخه": أن رجلاً رأى الشيخ أبا إسحاق الشيرازي يتوضأ، فغسل وجهه أكثر من ثلاث فأنكر عليه، فقال الشيخ: لو صحت لي الثلاث .. لم أزد.

[وقوع الخير والشر بقدرة الله، وخلقه لأفعال العباد]

(والخير والشر معاً تجديده

بقدرة الله كما يريده)

(وهو الذي أبدع فعل المكتسب

والكسب للعبد مجازاً ينتسب)

أي: والخير والشر معاً تجديده؛ أي: وقوع كل منهما بقدرة الله تعالى كما يريده؛ لخبر مسلم عن أبي هريرة قال: (جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في

ص: 1034

هذا القدر، فنزلت هذه الآية:{إن المجرمين في ضلال وسعرٍ} إلى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} ، ولفظ ابن ماجه في "صحيحه":(يخالفونه في هذا القدر)، ولقوله تعالى:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً} .

والمراد بالقدر: ما قدره الله تعالى وقضاه، وكتبه في اللوح المحفوظ، وسبق به علمه وإرادته، وكل ذلك في الأزل معلوم لله تعالى.

قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، ويجب أن يعتقد أن كل ما وقع في الموجودات واقع بقدرة الله تعالى، ومن جملته الخواطر التي تخطر بالقلب، وذهب من لم يتشرع من الفلاسفة إلى نفي القدر جملة، وذهبت المعتزلة إلى نفيه في الكفر والمعاصي دون الطاعات، واختلفوا في المباحات، وأحسن ما يرد عليهم إثبات العلم لله تعالى، ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: القدرية إذا سلموا العلم .. خصموا، واحتج عليهم مالك بقوله عليه الصلاة والسلام:"الله أعلم بما كانوا عاملين"، والله خالق لأفعال عباده، كما أنه خالق لأعيانهم.

قال البيهقي في (كتاب الاعتقاد): قال تعالى: {ذالكم الله ربكم خلق كل شيء} فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر، وقال تعالى:{أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشبه الخلق عليهم قل الله خلق كل شيء} فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له .. لكان خالق بعض شيء لا كل شيء، وهو مخالف للآية، ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان الله تعالى خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال .. لكانت مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله عز وجل، تعالى الله عن ذلك.

وقال تعالى: {هل من خلق غير الله} ، وقال تعالى:{والله خلقكم وما تعملون}

ص: 1035

أي: خلقكم وخلق الأعمال الصادرة منكم، ففي الآية دليل على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ومكتسبة لهم، حيث أثبت لهم عملاً يعملونه؛ وهو عبادة الأصنام دون الله تعالى، وقد جاء في الحديث:"إن الله تعالى خلق كل صانع وصنعته".

فإن قيل: إذا كان الله تعالى خالق الفعل .. فكيف يعاقب على شيء خلقه؟ ! قلنا: كما يعاقب خلقاً خلقه، فليست عقوبته على ما خلق بأبعد من عقوبته من خلق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} ، وعلى هذا درج السلف والصحابة والتابعون، وصنف فيه البخاري كتاب "خلق الأفعال".

ولما كانت حركة المرتعش المجمع على أنها خلق الله تعالى لا كسب للعبد فيها .. فكذلك حركة غيره، لكن الله تعالى خلق لهذا حركة واختياراً، ولم يخلق للآخر اختياراً وإن خلق له حركة، ولكن الله قدر للعبد قدرة هي استطاعته، تصلح للكسب لا للإبداع، بخلاف قدرة الله تعالى؛ فإنها للإبداع لا للكسب، فالله خالق غير مكتسب، والعبد مكتسب غير خالق، فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له؛ قال تعالى:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} فأثبت له الرمي ونفاه عنه باعتبارين.

فإذا نسب الفعل إلى القدرة القديمة .. سمب خلقاً، والقادر: خالقاً، وإذا نسب إلى القدرة الحادثة .. سمي كسباً، والقادر: كاسباً، ولابد من القول بالكسب تصحيحاً للتكليف بالثواب والعقاب؛ لامتناع الجمع بين اعتقاد الجبر المحض والتكليف.

وحاصله: أن الأفعال تنسب للخلق شرعاً؛ لإقامة الحجة عليهم، ولا فاعل في الحقيقة إلا الله تعالى إذ هو الذي أبدع فعل المكتسب، ولكن الكسب ينسب إلى العبد مجازاً، وقد نسب تعالى الكسب إليهم بقوله تعالى:{جزاء بما كانوا يكسبون} ، وبقوله:{فبما كسبت أيديكم} ، فمراعاة الظاهر شريعة، ومراعاة الباطن حقيقة، وفي هذا جمع بينهما، ولهذا حكي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال:(القدر سر الله تعالى في الأرض لا جبر ولا تفويض).

وكون فعل العبد مكتسباً للعبد مخلوقاً لله مخلوقاً لله تعالى توسط بين قول المعتزلة: إن العبد خالق لفعله، وبين قول الجبرية: إنه لا فعل للعبد أصلاً؛ وهو آلة محضة؛ كالسكين في يد

ص: 1036

القاطع، وقد تقدم شيء مما يتعلق بأفعال العباد عند قول الناظم في (المقدمة):(منفرد بالخلق).

ومن أجل أن قدرة العبد للكسب لا للإبداع فلا توجد إلا مع الفعل .. كان الصحيح أنها لا تصلح للتعليق بالضدين؛ لاستحالة اجتماعهما، فاستطاعة الإيمان توفيق، واستطاعة الكفر خذلان، ولا تصلح إحداهما لما تصلح له الأخرى، وإنما تصلح للتعليق بأحدهما الذي يقصده.

وقيل: تصلح للتعليق بأحدهما على سبيل البدل؛ أي: تتعلق بهذا بدلاً عن تعلقها بالآخر وبالعكس، ومعناه: إن اقترنت بالإيمان .. صلحت له دون الكفر، وإن اقترنت بالكفر .. صلحت له دون الإيمان، أما على القول بأن العبد خالق لفعله .. فقدرته كقدرة الله تعالى في وجودها قبل الفعل، وصلاحيتها للتعليق بالضدين.

والصحيح أيضاً: أن عجز العبد صفة وجودية قائمة بالعاجز تقابل القدرة تقابل الضدين.

وقالت الفلاسفة: هو عدم القدرة عما من شأنه أن يكون قادراً، والتقابل بينهما تقابل العدم والملكة؛ كما أن الأمر كذلك على القول بأن العبد خالق لفعله، فعلى الأول: في الزمن معنى لا يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم التمكن من الفعل، وعلى الثاني لا، بل الفرق: أن الزمن ليس بقادر، والممنوع قادر؛ إذ من شأنه القدرة بطريق جري العادة.

(واختلفوا؛ فرجع التوكل

وآخرون: الاكتساب أفضل)

(والثالث المختار: أن يفصلا

وباختلاف الناس أن ينزلا)

(من طاعة الله تعالى آثرا

لا ساخطاً إن رزقه تعسرا)

(ولم يكن مستشرفاً للرزق

من أحد بل من إله الخلق)

(فإن ذا في حقه التوكل

أولى، وإلا الاكتساب أفضل)

(وطالب التجريد وهو في السبب

خفي شهوة دعت فليجتنب)

(وذو تجردٍ لأسباب سأل

فهو الذي عن ذروة العز نزل)

(والحق: أن تمكث حيث أنزلك

حتى يكون الله عنه نقلك)

ص: 1037

(قصد العدو طرح جانب الله

في صورة الأسباب منك أبداه)

(أو لتماهن مع التكاسل

أظهره في صورة التوكل)

(من وفق الله تعالى: يلهم

ألبحث عن هذين ثم يعلم)

(ألا يكون غير ما يشاء

فعلمنا- إن لم يرد- هباء)

[الخلاف في أفضلية التوكل والاكتساب]

اختلف في التوكل والاكتساب أيهما أفضل على أقوال، وحقيقة التوكل: الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب؛ اعتماداً للقلوب على الله تعالى، عملاً بقوله تعالى:{فاتخذه وكيلاً} ، {وعلى الله فتوكلوا} .

قال السري: التوكل: الانخلاع من الحول والقوة؛ أي: بألا ترى لأحد حولاً؛ أي: حيلة، ولا قوة إلا بالله، وهو قريب من قولهم: إلقاء النفس في العبودية وإخراجها عن صفة الربوبية فيبقى حاله كالطفل مع أبيه وأمه؛ فإنه لا يعرف غيرهما، وهو معنى قولهم: أن يكون بين يدي الله تعالى في حركاته وسكناته كالميت بين يدي الغاسل، وهذه الحالة أعلى من حالة الطفل؛ لأن الطفل يصيح بالأم ويتعلق بها لتحمله.

وهذا المقام في التوكل يثمر ترك السؤال؛ اعتماداً على علمه به وعنايته، وهو مقام الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال لجبريل:(حسبي من سؤالي علمه بحالي).

فرجح قوم التوكل على الاكتساب؛ لأنه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أهل الصفة؛ قال تعالى {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} ، وفي الحديث الصحيح في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب:"وعلى ربهم يتوكلون"؛ ولأنه ينشأ عن مجاهدة النفس، والأجر على قدر النصب، والمراد به: ذو الرتبة العليا في التوكل.

ورجح آخرون: أن الاكتساب أفضل لا لجمع المال، واعتقاد أنه يجلب الرزق ويجر النفع؛ بل لأنه من النوافل التي أمر الله بها في قوله:{وابتغوا من فضل الله} ، وطلب التعاون بالمسلمين والرفق بهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط .. أطيب مما

ص: 1038

كسبت يده" رواه البخاري، وفيه أيضاً مرفوعاً: "إن داوود عليه الصلاة والسلام كان لا يأكل إلا من عمل يده"، ولأنه فعل الأكابر من الصحابة وغيرهم من السلف.

والقول الثالث وهو المختار: التفصيل؛ وهو أنه يختلف باختلاف أحوال الناس، فمن آثر طاعة الله على طاعة غيره طلباً لرضاه، ولم يتسخط إذا عسر عليه رزقه، ولم يكن مستشرفاً، أو لم يستشرف نفسه إلى أحد من الناس، بل إلى الله تعالى، لا ينزل حاجته إلا به، ولا يرفعها إلا إليه؛ اعتماداً على قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} أي: من يثق بالله .. كفاه ما أهمه {إن الله بلغ أمره} توكل على الله أم لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل عليه {يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً} فالتوكل في حقه أفضل، وفي الحديث:"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله .. لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتعود بطاناً".

وإلا بأن تسخط عند تعسر الرزق، أو اضطراب قلبه، أو تشوف إلى ما في أيدي الناس .. فالكسب له أرجح، وفي هذا جمع بين اختلاف الأدلة، وهو نظير عدم كراهة التصدق بجميع المال لمن يصبر على الإضافة، وكراهته لمن لم يصبر، قال البيهقي في "شعب الإيمان": وعليه أكثر أهل المعرفة.

[طلب التجريد مع الإقامة في الأسباب وعكسه]

وقال بعضهم: التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته، فمن ضعف عن حاله .. فليسلك سنته.

وذكر أبو محمد بن أبي جمرة أن فقيراً كتب فتيا: ما تقول السادة الفقهاء في الفقير المتوجه إلى الله تعالى؟ هل يجب عليه الكسب؟ فأجاب: من نور الله بصيرته، إن كان توجهه دائماً لا فترة فيه .. فالتسبب عليه حرام، وإن كان له في بعض الأوقات فترة ما .. فالكسب عليه واجب.

قال بعضهم: وفي جعل المصنف الاكتساب في مقابلة التوكل نظر، فإن الاكتساب لا ينافي التوكل، فإن التوكل ركون القلب إلى الله، والاعتماد عليه لا على التسبب، وفي الحديث: أن

ص: 1039

رجلاً قال: يا رسول الله؛ أرسل ناقتي وأتوكل، أو أعقلها وأتوكل؟ فقال:"اعقلها وتوكل" رواه البيهقي وغيره.

وروى معاوية بن قرة: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أتى على قوم فقال: (ما أنتم؟ ) فقالوا: نحن المتوكلون، فقال:(بل أنتم المتكلون، ألا أخبركم بالمتوكلين؟ رجل ألقى حبة في بطن الأرض ثم توكل على ربه) قال البيهقي: يعني المتوكلين على أموال الناس.

وقال الجنيد: ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب، التوكل: سكون القلب إلى موعود الله، قال البيهقي: فعلى هذا ينبغي ألا يكون تجريد هذا السكون عن الكسب شرطاً في التوكل، بل هو مكتسب بظاهر العلم يعتمد بقلبه على الله تعالى؛ كما قال بعضهم: أكتسب ظاهراً وتوكل باطناً، فهو مع كسبه لا يكون معتمداً على كسبه، بل معتمداً في كفاية أمره على الله تعالى.

وطالب التجريد عن الأسباب الشاغلة عن الله تعالى وهو قد أقامه في الأسباب التي هي الحرف والبيعات التي يصون بها وجهه عن الابتذال بالسؤال، وحفظاً لعزة نفسه عن منن المخلوقين ألا يمن عليك أحد اشترى منك، أو أستأجرك على عمل شيء له، وفي القيام بالأسباب رحمة للمتجردين عنها المتوجهين لطاعة ربهم، فلولا قيام أهل الأسباب .. لما صح لصاحب الخلوة خلوته ومجاهدته لعبادة ربه، فإن الله تعالى جعل أهل الأسباب كالخدمة للمقبلين عليه، فطلب التجريد مع إقامته في الأسباب من الشهوة الخفية الداعية إلى طلب الراحة، وإنما كانت من الشهوة؛ لعدم وقوفه مع الله تعالى من إقامته إياه فيما أقامه فيه.

وعلامة إقامته في الأسباب أن تحصل له ثمرته ونتيجته؛ بأن يجد في حال تشاغله بالأسباب سلامة في دينه، وقطعاً لطعمه فيما عند غيره، وحسن نية في صلة رحم بما يتسبب به، وإعانة فقير معدم، أو متجرد مقبل على الله، وغير ذلك من فوائد المال المتعلقة بصلاح الدين.

وذو تجريد؛ أي: من أقامه الله تعالى في التجريد عما يشغل عن الله تعالى، إذا طلب الخروج منه، والدخول في الأسباب والاهتمام بتحصيلها .. فهو انحطاط، ونزول عم ذروة العز العلية إلى الرتبة الدنية، وسوء أدب مع الله تعالى؛ لما فيه من مصادمة الربوبية بالتدبير معه، ولعله لا يقع كثير مما قصده.

ص: 1040

والحق والأصلح لك: أن تمكث حيث اقامك الله فيه وارتضاه لك، وترك التدبير لنفسك والاختيار؛ فإنهما يكدران المعيشة.

وقال أبو الحسن الشاذلي: إن كان ولابد من التدبير .. فدبر ألا تدبر حتى يكون الحق سبحانه وتعالى هو الذي نقلك، وتولى إخراجك مما أنت فيه، ومسألة ترك التدبير أساس طريق الصوفية، والكلام فيها طويل وقد أفرد بالتصنيف.

[التحذير من كيد الشيطان لأهل التجريد والكسب]

وقصد العدو اللعين منك: أن يأتيك فيما أنت فيه فيحقره عندك فيتشوش قلبك، ويتكدر وقتك، وذلك أنه يأتي للمتسببين فيقول لهم، لو تركتم الأسباب وتجردتم .. لأشرقت لكم الأنوار، ولصفت منكم القلوب والأسرار، وكذلك صنع فلان وفلان، ويكون هذا العبد ليس مقصوداً للتجريد ولا طاقة له به، إنما صلاحه في الأسباب فيتركها، فيتزلزل إيمانه ويذهب إيقانه، ويتوجه إلى الطلب من الخلق، وإلى الاهتمام بالرزق، وكذلك يأتي للمتجردين ويقول لهم: إلى متى تتركون الأسباب؟ ! ألم تعلموا أن ذلك يطمع القلوب لما في أيدي الناس، ولا يمكنك الإيثار، ولا القيام بالحقوق، وعرض ما تكون منتظراً ما يفتح به عليك من غيرك، فلو دخلت في الأسباب. .بقي غيرك منتظراً ما يفتح عليه منك، ويكون هذا العبد قد طاب وقته، وانبسط نوره، ووجد الراحة بالانقطاع عن الخلق، ولا يزال به حتى يعود إلى الأسباب فتصيبه كدرتها، وتغشاه ظلمتها، ويعود الدائم في سببه أحسن حالاً منه.

وإنما يقصد الشيطان بذلك أن يمنع العباد من الرضا عن الله تعالى فيما هم فيه، وأن يخرجهم عما اختار الله لهم إلى مختارهم لأنفسهم، وما أدخلك الله تعالى فيه .. تولى إعانتك عليه، وما دخلت فيه بنفسك .. وكلك الله إليه:{وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} فالمدخل الصدق: أن تدخل فيه لا بنفسك، والمخرج الصدق: أن تخرج منه لا بنفسك.

قوله: (أو لتماهن) وهو الاحتقار والصغار والعجز؛ أي: ومن مكائد العدو وتلبيسه أن يحث المقبل على الله تعالى بالطاعة على ترك جانب الله تعالى، وترك الاجتهاد في العبادة؛ موهماً بتلبيسه أن هذا مقام التوكل على الله، وفتح باب الرجاء، وحسن الظن بربه، وإنما هو عجز ومهانة، وميل إلى الكسل، وطلب الراحة.

ومن وفقه الله تعالى .. يلهمه البحث عن هذين الأمرين؛ اللذين يأتي بهما الشيطان في

ص: 1041

صورة غيرهما؛ كيداً منه لعله أن يسلم منهما، ومن تمويهه واغتياله ومكائده، أعاذنا الله تعالى منها وأولادنا وإخواننا وجميع المؤمنين والمؤمنات.

ثم يعلم مع بحثه عنهما أنه لا يكون في ملكه تعالى إلا ما يشاؤه ويريده، فعلمنا بما لا يريده هباء منثور، يفعل بعباده ما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، سواء أكان أصلح لهم أم لم يكن؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

والألف في قول الناظم: (يفصلا) و (ينزلا) و (آثرا) و (تعسرا) للإطلاق، وقوله:(يلهم) ببنائه للفاعل أو المفعول، فـ (البحث) على الأول منصوب، وعلى الثاني مرفوع، وفي بعض النسخ بدل (طرح):(ترك).

(والحمد لله على الكمال

سائل توفيق لحسن الحال)

(ثم الصلاة والسلام أبدا

على النبي الهاشمي أحمدا)

(والآل والصحب ومن لهم قفا

وحسبنا الله تعالى، وكفى)

قد تقدم الكلام على الحمد والصلاة في أول الكتاب، و (الهاشمي): نسبة لبني هاشم.

والألف في (أحمدا) للإطلاق، وقوله:(قفا) بمعنى تبع.

كان الفراغ من تعليقه من نسخة مؤلفة في يوم الاثنين المبارك سادس عشرين في شهر شوال سنة تاريخه سنة أربعة وسبعين وتسع مئة.

والحمد لله وحده

تمت بعون الله تعالى

ص: 1042