المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزكاة هي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعاً: اسم لما - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌كتاب الزكاة هي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعاً: اسم لما

‌كتاب الزكاة

هي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعاً: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص.

والأصل في وجوبها قبل الإجماع: آيات؛ كقوله تعالى: {وآتوا الزكاة} ، وقوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} ، وأخبار؛ كخبر:"بنى الإسلام على خمس".

وهي نوعان: زكاة بدن؛ وهي الفطرة، وزكاة مال؛ وهي ضربان: زكاة تتعلق بالقيمة؛ وهي زكاة التجارة، وزكاة تتعلق بالعين في ثمانية أصناف من أجناس الأموال وهي: زكاة الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والزرع، والنخل، والكرم؛ ولذلك وجبت لثمانية أصناف من طبقات الناس.

(وإنما الفرض على من أسلما

حر معين، وملك تمما)

(في إبل وبقر وأغنام

بشرط حول ونصاب واستيام)

(وذهب وفضة غير حلى

جاز ولو أوجر للمستعمل)

(وعرض متجر وربح حصلا

بشرط حول ونصاب كملا)

(وجنس قوت باختيار طبع

من عنب ورطب وزرع)

(وشرطه: النصاب إذ يشتد

حب، وزهو في الثمار يبدو)

[شروط وجوب الزكاة]

أي: إنما فرض الزكاة في الأموال الآتية على من أسلم وإن ارتد بعد وجوبها، أو كان غير مكلف؛ لقوله في خبر الصدقة الآتي:(فرضها على المسلمين)، فلا تجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة بها في الدنيا، لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة كما تقرر في الأصول، ويسقط عنه بالإسلام ما مضى ترغيباً فيه.

ص: 425

أما المرتد قبل وجوبها: فإن عاد إلي الإسلام .. لزمته؛ لتبين بقاء ملكه، وإن هلك مرتداً .. فلا، ويجزئه الإخراج في حال الردة في هذه وفي التي قبلها؛ نظراً إلي جهة المال، وفيه احتمال لصاحب "التقريب" نظراً إلي أن الزكاة قربة تفتقر إلى النية.

حر كله أو بعضه؛ لأن ملكه تام على ما ملكه ببعضه الحر، ولهذا يكفر كالحر الموسر على ما سيأتي، ويزكي فطرة حريته، فلا تجب على الرقيق ولو مكاتباً؛ إذ ملك المكاتب ضعيف، وغيره لا ملك له، فإن عجز المكاتب .. صار ما بيده لسيده، وابتدأ حوله من حينئذ، وإن عتق

ابتدأ حوله من حين عتقه.

معين حتى في ريع ما وقف عليه، فلا تجب على غيره كالفقراء الموقوف عليهم ضيعة مثلاً فلا زكاة عليهم في ريعها؛ كما لا زكاة في بيت المال من قئ وغيره ومال المساجد والربط، وكالحمل فلا زكاة في المال الموقوف له؛ لأنه غير معين وغير موثوق بوجوده وحياته.

وقوله: (وملك تمما) أي: والحال أن ملك من ذكر- لما يأتي- تام، فتجب في الضال والمغصوب والمسروق والمجحود والمرهون والغائب وما اشتراه قبل قبضه أو حبس دونه، ولكن لا يجب إخراجها إلا عند تمكنه منه، وفي كل دين لازم من نقد، وعرض تجارة لا ماشية ونحوها، فإن كان حالا على ملئ باذل أو جاحد عليه بنية .. لزمه إخراجها في الحال، وإلا .. فعند القدرة على قبضه؛ كالضال ونحوه، ولا يمنع الدين وجوبها وإن استغرق النصاب.

وخرج بـ (تام الملك) غيره؛ كنجوم الكتابة، وجعل الجعالة، ومال المحجور عليه بفلس إذا عين الحاكم لكل من غرمائه منه شيئاً وسلطه على أخذه فلم يتفق الأخذ حتى حال عليه الحول .. فلا زكاة فيها؛ لأن الملك فيها غير تام.

[زكاة النعم وشروطها]

وقوله: (في إبل وبقر وأغنام) أي: وهي النعم متعلق بقوله: (الفرض) وإنما اختصت بها من الحيوان؛ لأنها تتخذ للنماء غالباً لكثرة منافعها، وللإجماع، فلا تجب في غيرها كالخيل والرقيق والمتولد من غنم وظباء؛ لخبر "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة".

ص: 426

والأصل عدم الوجوب في المتولد المذكور بشرط حول؛ أي: مضيه في ملكه؛ لخبر أبي داوود وغيره: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، لكن ما نتج من نصاب .. يزكى بحوله؛ بأن وجد فيه في ملك شخص ملكه بسبب ملك أصله؛ كمئة شاة نتج منها إحدى وعشرون فتجب شاتان، وكأربعين شاة ولدت أربعين ثم ماتت وتم حولها على النتاج.

وقيل: يشترط بقاء شيء من الأمهات ولو واحدة، والأصل في ذلك: ما روى مالك رحمه الله تعالى في "الموطأ" عن عمر رضى الله عنه: أنه قال لساعيه: (اعتد عليهم بالسخلة) وهو اسم يقع على الذكر والأنثى، ويوافقه أن المعنى في اشتراط الحول أن يحصل النماء، والنتاج نماء عظيم فيتبع الأصول في الحول وإن ماتت فيه.

ولو زال ملكه في الحول ثم عاد، أو بادل بمثله .. استأنف الحول؛ لانقطاع الحول بما فعله وإن قصد به الفرار من الزكاة، والفرار منها مكروه، وقيل: حرام.

ونصاب كما سيأتي، واستيام لها من مالكه أو ممن يخلفه شرعاً كوكيل وولي على ما يأتي بيانه، والأصل في ذلك: ما يأتي في خبر البخاري: "وفي صدقة الغنم في سائمتها .. " إلي آخره، دل مفهومه على نفي الزكاة في معلوفة الغنم، وقيس عليها معلوفة الإبل والبقر، وفي خبر أبي داوود وغيره:"في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون"، قال الحاكم: صحيح الإسناد، واختصت بالسائمة؛ لتوفر مؤنتها بالرعي في كلأ مباح.

قال في "الروضة": لو أسيمت في كلأ مملوك .. فهل هي سائمة، أو معلوفة؟ وجهان في "البيان" انتهى، ورجع منهما السبكي: أنها سائمة إن لم يكن له قيمة، أو كانت قيمته يسيرة لا يعد مثلها كلفة في مقابلة نمائها، وإلا .. فمعلومة، ورجح منها الشيخ جلال الدين البلقيني: أنها معلوفة؛ لوجود المؤنة.

وقال القاضي أبو الطيب: لو أسامها في أرضه الخراجية .. وجبت الزكاة.

وقال القفال: لو كان له غنم فاشترى كلأ ورعاها فيه .. فسائمة، فلو جزه وأطعمها إياه في

ص: 427

المرعى أو البلد .. فمعلوفة، ولو رعاها ورقاً تناثر .. فسائمة، فلو جمعه وقدمه لها .. فمعلوفة.

ونقل في "المهمات" كلام القفال واستحسنه وقال: ينبغي الأخذ به. انتهى، ويمكن حمله على كلام السبكي.

فإن علفت معظم الحول ليلاً ونهاراً .. فلا زكاة فيها، وإلا .. فالأصح: إن علفت قدراً تعيش بدونه بلا ضرر بين ولم يقصد به قطع السوم .. وجبت زكاتها، وإلا .. فلا تجب، ولو أسامها الغاصب أو المشترى شراء فاسداً، أو سامت بنفسها، أو اعتلفت السائمة، أو كانت عوامل في حرث أو نضح ونحوه .. فلا زكاة في الأصح.

[زكاة الذهب والفضة]

وقوله: (وذهب وفضة) أي: مضروباً كان أو غير مضروب؛ كالتبر والقراضة والسبائك، فلا تجب في غيرهما من سائر الجواهر كاللؤلؤ والياقوت؛ لعدم ورودها فيها، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها: إلا إذا كان يوم القيامة .. صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره، كلما بردت .. أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" رواه مسلم.

وقوله: (غير حلى جاز) أي: أبيح استعماله فلا زكاة فيه؛ لحاجة الانتفاع بعينه، ولأنه معد لاستعمال مباح فأشبه العوامل من الإبل والبقر، ولأن زكاة النقدين تناط بالاستغناء عن الانتفاع بهما، لا بجوهرهما؛ إذ لا غرض في ذاتهما، وصح عن ابن عمر: أنه كان يحلى بناته وجواريه بالذهب، ولا يخرج زكاته، وصح نحوه عن عائشة وغيرها، وما ورد مما ظاهره بخلاف ذلك .. فأجابوا عنه بأن الحلي كان محرماً أول الإسلام، أو بأن فيه إسرافاً.

أما الحلي المحرم لعينه كالأواني، أو بالقصد كحلي النساء اتخذه الرجل ليلبسه وبالعكس؛ كما في السيف والمنطقة .. فتجب زكاته إجماعاً؛ لأن الممنوع منه كالمعدوم، وكذا المكروه

ص: 428

كالضبة الصغيرة للزينة، ويخالف ما لو قصد بعرض التجارة استعمالاً محرماً أو مكروهاً؛ لتعلق الزكاة بعين النقد.

وقوله: (ولو أوجر للمستعمل) أي: لمن يحل له استعماله بلا كراهة .. فإنه لا زكاة فيه، سواء اتخذه بلا قصد، أو بقصد إجارته، أو إعارته لمن يحل له استعماله؛ لأنها إنما تجب في مال نام والنقد غير نام، وإنما التحق بالنامي لتهيؤه للإخراج، وبالصياغة بطل تهيؤه، ويخالف نية كنزه؛ لصرفها هيئة الصياغة عن الاستعمال فصار مستغنى عنه كالدراهم المضروبة، ويستثنى من كلامه: حلي مباح مات عنه مالكه ولم يعلم به وارثه حتى مضى عليه عام .. فتجب زكاته، فاله في "البحر"، ثم حكى عن والده احتمال وجه إقامة نية مورثه مقام نيته.

ولو انكسر الحلي المباح ولم يحوج انكساره إلى صوغ، بل إلى إصلاح باللحام وقصد إصلاحه .. فلا زكاة فيه في الأصح وإن تعذر استعماله ودارت عليه أحوال؛ لبقاء صورته وقصد إصلاحه، فإن لم يعلم بانكساره إلا بعد عام فقصد إصلاحه .. فكذلك؛ لأن القصد يبين أنه كان مرصداً له، قاله في "الوسيط".

وذكر العام مثال؛ فما فوقه كذلك، فإن لم ينو إصلاحه بل نوى جعله تبراً أو دراهم أو كنزه، أو لم ينو شيئاً، أو أحوج انكساره إلى صوغ وإن نوى صوغه .. فتجب زكاته وينعقد حوله من حين انكساره؛ لأنه ليس مستعملاً ولا معداً للاستعمال.

[زكاة عروض التجارة]

وقوله: (وعرض متجر) أي: تجارة، وهي تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح.

وقوله: (وربح حصلا) أي: من مال المتجر، والأصل في ذلك: ما روى الحاكم بإسنادين وقال: هما صحيحان على شرط الشيخين عن أبي ذر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته" وهو بفتح الموحدة، وبالزاي يطلق على الثياب المعدة للبيع، وما روى أبو داوود عن سمرة:(أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع).

ص: 429

[شرط وجوب زكاة النقدين وعروض التجارة]

ثم ذكر شرط وجوب الزكاة في الذهب والفضة وعرض المتجر وربحه بقوله: (بشرط حول ونصاب كملا) أي: كغيرهما، ولعموم خبر أبي داوود وغيره المار:(لا زكاة في مال حنى يحول عليه الحول).

ويعتبر النصاب في التجارة آخر الحول فقط كما سيأتي؛ لأنه وقت الوجوب دون ما عداه؛ لأن الاعتبار فيها بالقيمة وتعسر مراعاتها كل وقت؛ لاضطراب الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً، فلو بيع مال التجارة في أثناء الحول بالنقد واشتري به سلعة .. فالأصح: أنه ينقطع الحول، ويبتدئ حولها من حين شرائها.

ولو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب .. فالأصح: أنه يبتدئ حول ويبطل الأول.

ولو كان معه من أول الحول ما يكمل به النصاب .. زكاهما آخره؛ كما قال في "المجموع": لو كان معه مئة درهم فاشتري عرضاً للتجارة بخمسين منها، فبلغت قيمته في آخر الحول مئة وخمسين .. لزمه زكاة الجميع، ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها؛ لأنها الأصل، وإنما يصير العرض للتجارة إذا اقترنت نيتها بكسبه بمعاوضة كشراء، سواء أكان بعرض أم نقد أم دين حال أم مؤجل، ومنه الهبة بثواب، وكذا المهر، وعوض الخلع؛ كأن زوج أمته أو خالع زوجته بعرض نوى به التجارة فيهما، يصير مال تجارة بنيتها في الأصح، لا بالهبة المحضة، والاحتطاب، والاسترداد بعيب؛ كأن باع عرض قنية بما وجد به عيباً فرده واسترد عرضه؛ فالمكسوب بما ذكر ونحوه؛ كالاحتشاش والاصطياد والإرث ورد العرض بعيب .. لا يصير مال تجارة بنيتها؛ لانتفاء المعاوضة عنه.

ولو تأخرت النية عن الكسب بمعاوضة .. فلا أثر لها.

وإذا ثبت حكم التجارة .. فلا يحتاج في كل معاملة إلى نية جديدة.

وإذا ملك عرض التجارة بعين نقد نصاب؛ كأن اشتراه بعين عشرين ديناراً أو مئتي درهم .. فحوله من حين ملك ذلك النقد، بخلاف ما إذا اشتراه بنصاب في الذمة ثم نقده؛ ينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من حين الشراء، وفرق بين المسألتين: بأن النقد لم يتعين صرفه

ص: 430

للشراء في الثانية بخلاف الأولى، أو بدون النصاب، أو بعرض قنية .. فمن الشراء، وإن ملكه بنصاب سائمة .. فكذلك على الأصح.

ويضم الربح إلى الأصل في الحول كما علم مما مر إن لم ينض، فلو اشترى عرضاً بمئتي درهم .. فصارت قيمته في الحول ولو قبل آخره بلحظة ثلاث مئة .. زكاها آخره، لا إن صار الكل ناضاً دراهم أو دنانير من جنس رأس المال الذي هو نصاب، وأمسكه إلى آخر الحول، أو اشترى به عرضاً قبل تمامه؛ فيفرد الربح بحوله في الأظهر.

فإذا اشترى عرضاً بمئتي درهم وباعه بعد ستة أشهر بثلاث مئة، وأمسكها إلى تمام الحول، أو اشترى بها عرضاً وهو يساوى ثلاث مئة في آخر الحول .. فيخرج الزكاة عن مئتين، فإذا مضت ستة أشهر أخرى .. أخرج عن المئة.

ولو كان الناض المبيع به من غير جنس رأس المال .. فهو كبيع عرض بعرض؛ فيضم الربح إلى الأصل.

ولو كان رأس المال دون نصاب؛ كأن اشترى عرضاً بمئة درهم، وباعه بعد ستة أشهر بمئتي درهم وأمسكهما إلى تمام حول الشراء .. زكاهما.

والأصح: أن ولد العرض وثمره .. مال تجارة، وأن حوله حول الأصل.

وواجبها: ربع عشر القيمة؛ كأن ملكه بنقد قوم به وإن كان دون نصاب، أو غير نقد البلد الغالب، أو بعرض قوم بغالب نقد البلد من الدراهم والدنانير، وكذا لو ملكه بنكاح أو خلع، فإن غلب نقدان على التساوي وبلغ بأحدهما دون الآخر نصاباً .. قوم به، فإن بلغ نصاباً بهما .. فهل يقوم بالأنفع للمستحقين، أو يتخير المالك فيقوم بما شاء منهما؟ وجهان، صحح في "المنهاج" كـ"أصله" أولهما، وعزاه الإمام للجمهور، وصحح في "الروضة" و"المجموع" ثانيهما؛ تبعاً لنقل الرافعي له عن العراقيين والروياني، قال في "المهمات": وهو ما عليه الأكثر، وبه الفتوى. انتهي.

وإن ملكه بنقد وعرض .. قوم ما قابل النقد به، والباقي بالغالب من نقد البلد.

ص: 431

[زكاة المعشرات]

وقوله: (وجنس قوت باختيار طبع من عنب ورطب وزرع) أي: وتجب الزكاة في جنس قوت باختيار طبع الآدمي، وهو من الثمار: الرطب والعنب، ومن الحب: الحنطة والشعير والسلت، والأرز، والعدس والحمص والباقلاء، والدخن والذرة واللوبيا، والماش والهرطمان؛ أي: الجلبان ونحوها؛ لورود بعضها في الأخبار الآتية، وألحق به الباقي، فلا تجب في السمسم والتين والجوز واللوز، والرمان والتفاح ونحوها قولاً واحداً، ولا في الزيتون والزعفران والورس، والقرطم والعسل من النحل في الجديد.

واحترزوا بقيد (الاختيار) عما يقتات حال الضرورة؛ كحبي الحنظل والغاسول.

ومن الأخبار: ما روى أبو داوود والترمذي وابن حبان عن عاب بن أسيد- بفتح الهمزة- قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً)، وما روى الحاكم- وقال: إسناده صحيح- عن أبي موسى الأشعري: أنه صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ حين بعثهما إلى اليمن: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر" وهذا الحصر إضافي؛ لما روى الحاكم- وقال: صحيح الإسناد- عن معاذ: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والسيل والبعل .. العشر، وفيما سقي بالنضح .. نصف العشر" وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب .. فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (القضب) بسكون المعجمة: الرطبة بسكون الطاء.

[شروط وجوب الزكاة في المعشرات]

وقوله: (وشرطه النصاب إذ يشتد حب، وزهو في الثمار يبدو) أي: وشرط وجوب الزكاة في المقتات المذكور: النصاب الآتي، وهو خمسة أوسق وقت اشتداد الحب؛ لأنه

ص: 432

حينئذ طعام وهو قبل ذلك بقل، وزهو الثمار، وهو بدو صلاحها؛ لأنه حينئذ ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم.

والمراد: أن الزكاة تجب باشتداد الحب وبدو صلاح التمر، ولا يشترط تمام الاشتداد كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمر، واشتداد بعض الحب كاشتداد كله، وبدو الصلاح في بعض الثمر كبدوه في الجميع، فلو اشترى أو ورث نخيلاً مثمرة وبدا الصلاح عنده .. كانت الزكاة عليه، لا على من انتقل الملك عنه.

وليس المرد بوجوب الزكاة بما ذكر وجوب الإخراج في الحال، بل المراد: انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب والحب المصفى عند الصيرورة كذلك.

ولو أخرج في الحال الرطب والعنب مما يتتمر ويتزبب جيداً .. لم يجزه، ولو أخذه الساعي .. لم يقع الموقع.

ومؤنة جذاذ التمر وتجفيفه، وحصاد الحب وتصفيته .. من خالص مال المالك لا يحسب شيء منها من مال الزكاة.

والألف في قول المصنف: (أسلما)، و (تمما)، و (حصلا)، و (كملا) للإطلاق، والأحسن جعل ألف (كملا) للتثنية.

[نصاب الإبل]

(في إبل أدنى نصاب الأس

خمس لها شاة، وكل خمس)

(منها لأربع مع العشرين ضان

تم له عام، وعنز عامان)

(في الخمس والعشرين بنت للمخاض

وفي الثلاثين وست: افتراض)

(بنت لبون سنتين استكملت

ست وأربعون: حقة ثبت)

(وجذعة للفرد مع ستين

ست وسبعون: ابنتا لبون)

(في الفرد والتسعين: ضعف ألحقه

والفرد مع عشرين بعد المئة)

(ثلاثة البنات من لبون

بنت اللبون كل أربعين)

(وحقه لكل خمسين أحسب

واعف عن الأوقاص بين النصب)

أي: في الإبل أقل نصاب الأس- بضم الهمزة، وهو أولها: خمس وفيها: شاة، فلا

ص: 433

زكاة فيما دونها، وفي عشر: شاتان، وخمسة عشر: ثلاث، وعشرين: أربع إلى أربع وعشرين.

ويتخير المالك بين إخراج ضأن تم له عامان، أو معز له عامان، ولا يتعين غالب غنم البلد.

والأصح: أنه يجزئ الذكر؛ أي: جذع الضأن أو ثنى المعز؛ لصدق الشاة على الذكر، وإنما وجبت الشاة فيما ذكر؛ وفقاً بالفريقين؛ لأنه لو وجب بعير .. لأضر بأرباب الأموال، أو جزء .. لأضر بالفريقين بالتشقيص.

والأصح: أنه يجزئ بعير الزكاة عن دون خمس وعشرين؛ لأنه يجزئ عنها؛ فعما دونها أولى، والبعير يطلق على الذكر والأنثى، والمراد به: بنت المخاض فما فوقها.

وفي خمس وعشرين: بنت مخاض لها سنة، وفي ست وثلاثين: بنت لبون لها سنتان، وست وأربعين: حقه لها ثلاث سنين، وإحدى وستين: جذعة لها أربع سنين، وست وسبعين: بنتا لبون، وإحدى وتسعين: حقتان، ومئة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون، ثم في الأكثر من ذلك: في كل أربعين بنت لبون، وكل خمسين: حقة.

وكسر المصنف نون (ستين) ونون (أربعين) وهو لغة وإن كان الأفصح فتحها، وقوله:(وحقة) بالرفع والنصب.

والأصل في ذلك: خبر "الصحيحين": "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة"، وخبر البخاري وغيره عن أنس: أن أبا بكر رضى الله عنه كتب له لما وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها .. فليعطها، ومن سئل فوقها .. فلا يعط في أربع وعشرين فما دونها [من] الغنم؛ في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين .. ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض .. فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين .. ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين .. ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين .. ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين .. ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة .. ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومئة .. ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة).

ص: 434

قوله: (واعف عن الأوقاص بين النصب) أي: فلا يتعلق به شيء من الزكاة.

ولو اتفق فرضان كمئتي بعير .. فواجبها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، فإن وجدا عنده .. تعين الأغبط للمستحقين، أو أحدهما .. أخذ ولا يكلف الآخر، ولا يجوز الصعود والنزول مع الجبران.

وإن وجد بعض الآخر سليماً، أو كله معيباً .. فكالمعدوم.

وإن فقدا أو كانا معيبين .. فله تحصيل أيهما شاء، ولو الصعود من الحقاق إلى أربع جذاع، وأخذ أربع جبرانات، لا النزول إلى أربع بنات مخاض ودفع ثمان جبرانات، وله النزول من بنات اللبون إلى خمس بنات مخاض. ودفع خمس جبرانات، لا الصعود إلى خمس جذاع وأخذ عشر جبرانات.

ولو وجدهما الساعي بلا عيب وأخذ غير الأغبط: فإن كان بتقصير منه أو بتدليس المالك .. لم يجزه وعليه رده أو قيمته إن تلف، وإلا

أجزأ، ويجب عليه قدر التفاوت بين القيمتين يخرجه دراهم من نقد البلد؛ كما يجوز إخراج القيمة عند تعذر تحصيل الواجب، وإن أخرج شقصاً .. جاز.

وإن وجد بعض كل كثلاث حقاق وأربع بنات لبون: فإن شاء دفع الحقاق مع بنت اللبون وجبران، أو مع جذعة ويأخذ جبراناً، وكذا حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات، وإن وجد بعض أحدهما فقط كحقتين .. أخرجهما مع جذعتين ويأخذ جبرانين، أو خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات.

ولو أخرج حقتين وبنتي لبون ونصفاً .. لم يجز؛ للتشقيص.

ومن لزمه سن من الإبل وعدمه .. أخذ منه سن أسفل مع شاتين، أو عشرين درهماً، أو أعلى ورد عليه شاتان، أو عشرون درهماً، والخيرة في الشاتين والدراهم لدافعها، لكن يراعي الساعي مصلحة المستحقين، وفي الصعود والنزول للمالك، فإن دفع ولو غير الأغبط .. لزم الساعي أخذه.

ولو كانت إبله معيبة .. فله النزول ودفع الجبران، لا الصعود وأخذه.

ولو أخرج ثنية بدل الجذعة بلا جبران .. جاز، وإن طلبه .. فكذا في الأصح، وله صعود درجتين وأخذ جبرانين، ونزولهما مع جبرانين بشرط تعذر الدرجة القربى في تلك الجهة، أما وجود الدرجة القربى في غير تلك الجهة .. فلا يؤثر.

ص: 435

(نصاب أبقار ثلاثون، وفي

كل ثلاثين تبيع يقتفى)

(مسنة في كل أربعين

أي: ذات ثنتين من السنين)

(وضعف عشرين نصاب الغنم

شاة لها كشاة إبل النعم)

(وضعف ستين إلى واحدة

شاتان، والإحدى وضعف المئة)

(ثلاثة من الشياه ثما

شاة لكل مئة اجعل حتما)

فيها مسألتان:

[نصاب البقر]

الأولى: أول نصاب البقر ثلاثون، وفيها: تبيع ابن سنة وطعن في الثانية، وفي كل ثلاثين: تبيع، وكل أربعين: مسنة لها سنتان وطعنت في الثالثة؛ لخبر الترمذي وغيره وصححه الحاكم وغيره، عن معاذ قال:(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعاً)، والبقرة تقع على الذكر والأنثى، ففي ستين: تبيعان، وفي سبعين: تبيع ومسنة، وفي ثمانين: مسنتان، وفي تسعين: ثلاث أتبعة، وفي مئة: مسنة وتبيعان، وفي مئة وعشرة: مسنتان وتبيع، وفي مئة وعشرين: ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة، وحكمه حكم بلوغ الإبل مئتين في جميع ما تقدم، لكن لا جبران في البقر.

[نصاب الغنم]

الثانية: أول نصاب الغنم أربعون، وفيها: شاة كشاة إبل النعم في أنها جذعة ضأن أو ثنية معز، وفي مئة وإحدى وعشرين: شاتان، ومئتين وواحدة: ثلاث، ثم في كل مئة: شاة؛ لخبر البخاري عن أنس في كتاب أبي بكر السابق ذكره: (وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة شاة، فإذا زادت على عشرين ومئة إلى مئتين .. ففيها شاتان، فإذا زادت على مئتين إلى ثلاث مئة .. ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مئة .. ففي كل مئة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة .. فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها).

ص: 436

وفي بعض النسخ: بدل (اجعل حتما): (قد حتما)، والألف فيه وفي (ثما) للإطلاق.

(مال الخليطين كمال المفرد

إن مشرع ومسرح يتحد)

(والفحل والراعي وأرض الحلب

وفي مراح ليلها والمشرب)

(عشرون مثقالاً نصاب للذهب

ومئتا درهم فضة وجب)

(في ذين ربع العشر لو من معدن

وما يزيد بالحساب البين)

(وفي ركاز جاهلي منهما

الخمس حالاً كالزكاة قسما)

(في التمر والزرع النصاب الرملي

قل: خمسة وربع ألف رطل)

(وزائد جف، ومن غير نقي

العشر إذ بلا مؤونة سقي)

(ونصفه مع مؤن للزرع

أو بهما وزع بحسب النفع)

(وعرض متجر أخير حوله

قومه مع ربح بنقد أصله)

فيها خمس مسائل:

[زكاة الخليطين]

الأولى: مال الخليطين خلطة شيوع وهي: ما لا يتميز فيها مال أحد الخليطين عن مال الآخر؛ كموروث ومشترى شركة، أو جوار وهي: ما يتميز فيها أحدهما عن الآخر؛ كصفي نخيل أو زرع بحائط واحد .. كمال شخص مفرد في أنه يضم الجنس بعضه إلى بعض فيعتبر دوامها سنة، وألا يتميز مال أحدهما عن الآخر في شيء مما يأتي إن يتحد مشرع؛ أي: الموضع الذي تسرح إليه لتجتمع وتساق إلى المرعى، والموضع الذي ترعى فيه وطريقها إليه؛ لأنها مسرحة إليها، والفحل سواء أكان مملوكاً لأحدهما أم مشتركاً أم مستعاراً. نعم؛ إن اختلف نوع الماشية كضأن ومعز .. فلا يضر اختلافه؛ للضرورة كما جزم به في "المجموع"، والراعي بألا يختص أحدهما براع، ولا بأس بتعدد الرعاة، وأرض الحلب، الحلب: بفتح اللام مصدر، وحكى سكونها، وهو المحلب بفتح الميم، ويتحد في

ص: 437

مراح ليلها بضم الميم؛ أي: مأواها ليلاً، والمشرب؛ أي: موضع شربها بأن تسقى من ماء واحد من نهر أو عين أو بئر أو حوض، أو من مياه متعددة.

ويشترط: ألا يتميز الناطور والجرين والدكان والحارس، والماء والحراث والعامل، وجذاذ النخل والملقح واللقاط، والحمال والكيال والوزان والميزان للتاجرين في حانوت واحد ونحوها، ولا تشترط نية الخلطة، ولا اتحاد الحالب ولا المحلب بكسر الميم؛ أي: الإناء الذي يحلب فيه.

والأصل في ذلك: ما روى البخاري عن أنس في كتاب أبي بكر السابق: (ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)، وفي خبر الدارقطني بعد ذلك في رواية سعد بن أبي وقاص:(والخليطان: ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي)، نبه بذلك على غيره من الشروط، لكن ضعف الخبر المذكور، ومن الجمع بين متفرق: أن يكون لكل واحد أربعون شاة فيخلطاها، ومن مقابله: أن يكون لهما أربعون فيفرقاها، فخلط عشرين بمثلها يوجب الزكاة، وأربعين بمثلها يقللها، ومئة وواحدة بمثلها يكثرها.

[نصاب الذهب والفضة]

الثانية: أول نصاب الذهب: عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة: مئتا درهم بوزن مكة، وفيهما: ربع العشر ولو حصل ذلك من معدن؛ أي: مكان خلقه الله تعالى فيه، ويشترط في المعدن النصاب لا الحول، وما زاد بحسابه سواء المضروب وغيره كما مر.

وأشار بقوله: (لو من معدن) إلى الخلاف فيه، ففي قوله: زكاته الخمس كالركاز، وقول: إن حصل بتعب .. فربع عشره، وإلا .. فخمسه.

وأفاد قوله: (وما يزيد بالحساب البين) أنه لا وقص في الذهب والفضة كالقوت؛ لإمكان التجزي بلا ضرر، بخلاف النعم كما مر.

والأصل في ذلك: خبر "الصحيحين": "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" وأواق كجوار، وإذا نطق بيائه .. تشدد وتخفف، وخبر البخاري في كتاب أبي بكر السابق:

ص: 438

(وفي الرقة ربع العشر) والرقة والورق: الفضة، والهاء عوض من الواو، والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء: أربعون درهماً، قال في "المجموع": بالنصوص المشهورة وإجماع المسلمين، قال: وروى أبو داوود وغيره بإسناد صحيح أو حسن عن علي رضى الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس في أقل من عشرين ديناراً شيء، وفي عشرين نصف دينار"، وقال صلى الله عليه وسلم:"المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن مكة" رواه أبو داوود والنسائي بإسناد صحيح.

والدرهم: ستة دوانق، والمثقال: درهم وثلاثة أسباعه، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.

ولو نقص عن النصاب حبة أو بعضها .. فلا زكاة وإن راج رواج التام.

ولو نقص في ميزان وتم في آخر .. فالصحيح: لا زكاة، ولا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر، ولا شيء في المغشوش منهما حتى يبلغ خالصه نصاباً، فإذا بلغه .. أخرج الواجب خالصاً، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب.

[زكاة الركاز]

الثالثة: يجب في الركاز الجاهلي الضرب؛ كأن يكون عليه اسم ملك منهم أو صورة من الذهب والفضة .. الخمس حالاً، فلا يشترط فيه الحول؛ لأنه إنما اشترط للتمكن من تنمية المال، وكل من المعدن والركاز نماء في نفسه يصرف مصرف الزكاة؛ لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض، فأشبه الواجب في الثمار والزروع، سواء أوجده في مكان أحياه أو أقطعه، أو في موات بدار الإسلام، أو الحرب وإن كانوا يذبون عنه، وبلغ ذلك نصاباً ولو بما عنده من جنسه؛ لخبر "الصحيحين":"وفي الركاز الخمس"، وهو المال المدفون في الأرض، بخلاف المعدن فإنه المخلوق فيها كما مر.

واستشكل الرافعي ذلك بأنه لا يلزم من ضرب الجاهلية دفنها؛ لجواز أن يظفر مسلم بكنز جاهلي ويكنزه ثانياً بهيئته، فمدار الحكم على دفن الجاهلية لا ضربها، وأجيب بأنه لا سبيل

ص: 439

إلى العلم بدفنها، والمعتبر إنما هو وجود علامة من ضرب أو غيره، ولهذا قال في "المجموع": متى كان عليه ضرب الجاهلية .. فركاز بلا خلاف، قال فيه نقلاً عن جماعة من غير إنكار: وليس دفين كافر بلغته الدعوة ركازاً، بل في خمسه لأهل الخمس وبقيته لواجده؛ لأن الركاز إنما هو أموال الجاهلية الذين لا يعرف هل بلغتهم دعوة أم لا؟

وخرج بـ (ضرب الجاهلية): ما وجده بضرب الإسلام، وأما إذا لم يعلم من أي الضربين هو .. فإنه لقطه أيضاً، أو بملك أهل الحرب؛ فإنه فئ أو غنيمة، إلا إذا دخله بأمان .. فلا يجوز له أخذه، وما وجده بملك غيره، أو بملك له تلقاه من غير .. فإنه للمالك في الأولى، ولمن تلقى منه في الثانية بلا يمين إن ادعياه كأمتعة الدار، وإلا .. فلمن فوقهما .. وهكذا حتى ينتهى إلى المحيي، فله وإن لم يدعه؛ لأنه بإحيائه الأرض ملك ما فيها، ولا يدخل في المبيع؛ لأنه منقول، وتقييد الملك لمن ذكر بدعواه له ذكره الشيخان، وتركه ابن الرفعة والسبكي، بل شرطا ألا ينفيه، قال في "المهمات": وهو الصواب، كسائر ما بيده، وفي "أصل الروضة": أن ما وجده في موقوف بيده .. فهو ركاز له كذا في "التهذيب"، وفي قوله:(كذا في "التهذيب") إشارة إلي استشكاله، وقد استشكله والد الجاربردي بأنه ليس أقوى من الموجود في الملك المنتقل إليه من غيره، قال: وأظن أن عليه عرضه على واقفه .. وهكذا حتى ينتهى إلى المحيي.

[نصاب الزروع والثمار]

الرابعة: أقل النصاب في الثمر والزرع بالرطل القدسي والرملي: مئتا رطل وخمسة وخمسون رطلاً؛ لأن الرطل ثمان مئة درهم، وهذا بناء على أن رطل بغداد مئة وثلاثون درهماً على ما قاله الرافعي، وهو خمسة أوسق جمع وسق؛ وهو ستون صاعاً، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، فالأوسق الخمسة: ألف وست مئة رطل بالبغدادي، وهو بالمن الصغير: ثمان مئة من؛ لأن المن رطلان، وبالكبير الذي وزنه ست مئة درهم كالرطل الدمشقي: ثلاث مئة من وستة وأربعون منا وثلثا من على قول الرافعي.

ص: 440

وأما على قول النووي: إن رطل بغداد مئة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم .. فهي ثلاث مئة من واثنان وأربعون منا وستة أسباع من، والأصح: أن الاعتبار بالكيل لا الوزن إذا اختلفا، والتقدير بذلك تحديد.

قال القمولي وغيره: وقدر النصاب بإردب مصر: ستة أرادب وربع بجعل القدحين صاعاً؛ كزكاة الفطرة وكفارة اليمين.

وقال السبكي: خمسة أرادب ونصف وثلث، فقد اعتبرت القدح المصري بالمد الذي حررته فوسع مدين وسبعاً تقريباً، فالصاع: قدحان إلا سبعي مد، وكل خمسة عشر مداً سبعة أقداح، وكل خمسة عشر صاعاً ويبة ونصف وربع، فثلاثون صاعاً ثلاث ويبات ونصف، فئلاث مئة صاع خمسة وثلاثون ويبة، وهي خمسة أرادب ونصف وثلث، فالنصاب على هذا: خمس مئة وستون قدحاً، وعلى الأول: ست مئة.

وقوله: (وزائد جف) أي: أن ما زاد بحسابه، فلا وقص فيه، وأن النصاب يعتبر في حال جفافه بأن يصير تمراً أو زبيباً؛ أي: إن تتمر أو تزبب جيداً، وإلا .. فرطباً وعنباً، ويعتبر الحب مصفى منقي من تبن ونحوه.

وواجب ما سقي بلا مؤنة كأن سقي بالمطر أو ماء القناة، أو بماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة، أو عروقه لقربه من الماء من ثمر وزرع .. العشر، وما سقي بمؤنة كناضح ودولاب، وما اشتراه أو اتهبه أو غصبه .. نصفه، والفرق: ثقل المؤنة في هذا وخفتها في الأولى.

والأصل في ذلك: خبر البخاري: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً .. العشر، وما سقي بالنضح .. نصف العشر"، وخبر:"فيما سقت الأنهار والغيم .. العشر، وفيما سقي بالسانية .. نصف العشر"، وخبر أبي داوود:"فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بعلا .. العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح .. نصف العشر".

و(العثري) بفتح المهملة والمثلثة: ما سقي بماء السيل، قاله الأزهري وغيره، والغيم

ص: 441

المطر، و (السانية) و (الناضح): اسم للبعير أو البقرة الذي يسقى عليه من البئر أو النهر، والأنثى ناضحة.

وما سقي بهما؛ أي: بما لا مؤنة فيه، وبما فيه مئؤنة .. وزع أنت الواجب على سقي المقتات بالنوعين؛ عملاً بواجبهما بحسب النفع؛ أي: باعتبار نشوء الزرع ونمائه، وإنما اعتبر النشوء دون عدد السقيات؛ لأنه المقصود، فلو كانت المدة من يوم الزرع إلى يوم الإدراك ثمانية أشهر، واحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقي بماء السماء، وفي شهرين من زمن الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي بما فيه مؤنة .. وجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر، فإن سقي بهما سواء .. وجب ثلاثة أرباع العشر.

ولو سقي بهما وجهل مقدار كل منهما .. وجب فيه ثلاثة أرباع العشر؛ أخذاً بالأسوء، وسواء في جميع ما ذكر في المسقي بمائين أنشأ الزرع على قصد السقي بهما، أم أنشأه قاصداً السقي بأحدهما ثم عرض السقي بالآخر، وقيل في الحال الثاني: يستصحب حكم ما قصده.

ولو اختلف المالك والساعي في أنه بماذا سقي؟ صدق المالك؛ لأن الأصل عدم وجوب الزيادة عليه، قال في "المجموع": فإن اتهمه الساعي .. حلفه، وهذه اليمين مستحبة بالاتفاق؛ لأن قوله لا يخالف الظاهر.

ولو كان له زرع مسقي بماء السماء، وآخر مسقي بالنضح، ولم يبلغ واحد منهما نصاباً .. ضم أحدهما إلى الآخر؛ لتمام النصاب وإن اختلف قدر الواجب وهو العشر في الأول ونصفه في الثاني.

ولا يكمل في النصاب جنس بجنس، فلا يضم التمر إلى الزبيب، ولا الحنطة إلى الشعير، ويضم النوع إلى النوع كأنواع التمر وأنواع الزبيب وغيرهما، ويخرج من كل بقسطه، فإن عسر؛ لكثرة الأنواع وقلة مقدار كل نوع منها .. جاز له إخراج الوسط منها، ويضم العلس إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها؛ وهو قوت صنعاء اليمن، والسلت - بضم السين وسكون اللام: جنس مستقل فلا يضم إلى غيره، وقيل: شعير فيضم إليه، وقيل: حنطة فيضم إليها؛ وهو حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع، وقيل: إنه في صورة الشعير وطبعه حار كالحنطة، فألحق بها في وجه وبه في آخر، والأول قال: اكتسب من تركب الشبهين طبعاً انفرد به وصار أصلاً برأسه.

ص: 442

ولا يضم ثمر عام وزرعه ألى ثمر وزرع عام آخر في إكمال النصاب؛ وإن فرض إطلاع ثمرة العام الثاني قبل جذاذ ثمرة الأول.

ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض وإن اختلف إدراكه، أو طلع الثاني بعد جذاذ الأول.

نعم؛ لو أثمر نخيل في العام مرتين .. فهما كثمرة عامين، وزرعا العام يضمان، وذلك كالذرة تزرع في الخريف والربيع والصيف، والأظهر: اعتبار وقوع حصاديهما في سنة، وإن كان الزرع الأول خارجاً عنها: فإن وقع حصاد الثاني بعدها .. فلا ضم؛ لأن الحصاد هو المقصود وعنده يسقر الوجوب.

ولو اختلف المالك والساعي في أنه زرع عام أو عامين .. صدق المالك في قوله: (عامين)، فإن اتهمه الساعي .. حلف استحباباً؛ لأن ما ادعاه ليس مخالفاً للظاهر، ذكره في "المجموع".

[اسحباب الخرص]

ويسن خرص التمر الذي تجب فيه الزكاة على مالكه؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بخرصه في خبر عتاب بن أسيد المار، فيطوف الخارص بكل نخلة ويقدر ما عليها رطباً ثم تمراً، ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي به، وإن اتحد النوع .. جاز أن يخرص الجميع رطباً ثم تمراً، والمشهور: إدخال جمعية في الخرص، وأنه يكفي خارص واحد؛ لأم الخرص ينشأ عن اجتهاد، وشرطه: كونه عدل رواية حراً ذكراً خبيراً، فإذا خرص .. فالأظهر: أن حق المستحقين ينقطع من عين الثمر ويصير في ذمة المالك التمر والزبيب؛ ليخرجهما بعد جفافه إن صرح الخارص بتضمين المالك حقهم وقبله، وإلا .. بقي حقهم على ما كان، ومتى انقطع حقهم من المخروص .. جاز تصرف المالك في جميعه بالبيع وغيره.

ولو ادعى هلاك المخروص كله أو بعضه بسبب خفي كسرقة، أو ظاهر عرف؛ كالبرد والنهب والجراد ونزول العسكر واتهم في الهلاك به .. صدق بيمينه، وإن لم يتهم في ذلك .. صدق بلا يمين، وإن لم يعرف الظاهر .. طولب ببينة بوقوعه؛ لإمكانها ثم يصدق بيمينه في الهلاك به، واليمين فيهما مستحبة، وقيل: واجبة.

ولو اقتصر على دعوى الهلاك .. قال الرافعي: فالمفهوم من كلام الأصحاب قبوله مع

ص: 443

اليمين؛ حملاً على وجه يغني عن البينة، قال في "المجموع": وهو كما قال الرافعي.

ولو قال: (هلك بحريق وقع في الجرين) وعلمنا أنه لم يقع في الجرين حريق .. لم يبال بكلامه.

ولو ادعى حيف الخارص فيما خرصه .. لم يلتفت إليه؛ كما لو ادعى ميل الحاكم أو كذب الشاهد .. لا يقبل إلا ببينة، أو ادعى غلطه بما يبعد .. لم يقبل في حط جميعه، وفي حط المحتمل منه وجهان، أصحهما: قبوله، أو بمحتمل بفتح الميم: فإن كان فوق ما يقع بين الكيلين؛ كوسق في مئة، وادعاه بعد الكيل .. فوجهان: أحدهما لا يحط؛ لاحتمال أن النقص وقع في الكيل ولو كيل ثانياً .. لو فى، وأصحهما: يحط؛ لأن الكيل يقين، والخرص تخمين، فالإحالة عليه أولى، هذا إن تلف المخروص، فإن بقي .. أعيد كيله وعمل به، ولو ادعى غلط الخارص ولم يبين قدراً .. لم تسمع دعواه.

[تقويم عرض التجارة وربحه بنقد أصله]

الخامسة: أن عرض التجارة مع ربحه يقوم آخر بنقد أصله الذي ملكه به وإن أبطله السلطان، وقد أشار إلى ذلك بقوله:(وعرض متجر أخير حوله قومه مع ربح بنقد أصله) وقد مر أنه إن ملكه بدون نصاب أو بعرض .. فابتداء حوله من حين الشراء، أو بنقد نصاب .. فحوله من حين ملك النقد، والنقد، ضد العرض؛ فيشمل التبر والسبائك والحلي التي تجب فيها الزكاة.

وألف (قسما) للإطلاق.

ص: 444