الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجزية
تطلق على العقد وعلى المال الملتزم، وهي مأخوذة من المجازاة لكفنا عنهم، وقيل: من الجزاء بمعنى القضاء، قال تعالى:{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} أي: لا تقضي.
والعقود التي تفيد الكافر الأمان ثلاثة: أمان، وهدنة، وجزية؛ لأن التأمين إن تعلق بمحصور .. فهو الأمان، أو بغير محصور كأهل إقليم أو بلد: فإن كان إلى غاية
…
فهو الهدنة، أو لا إلى غاية .. فهو الجزية، وهما مختصان بالإمام، بخلاف الأمان، كذا قاله الأكثرون.
وقضيته/ أن تأمين الإمام غير محصورين لا يسمى أماناً، وأن الجزية لا تصح في محصورين، وليس مراداً.
والأصل في الجزية قبل الإجماع: قوله تعالى: {قتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يدو وهم صغرون} ، وقد أخذ صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر؛ كما رواه البخاري، ومن أهل نجران، كما رواه أو داوود، ومن أهل أيلة؛ كما رواه البيهقي، وقال: إنه منقطع والمعنى في ذلك: أن في أخذها معونة لنا وإهانة لهم، وربما يحملهم ذلك على الإسلام.
ولم يتعرض الناظم للأولين .. فالأحسن أن نذكر شيئاً من أحكامهما.
[أمان الكافر]
فيصح أمان حربي محصور من كل مسلم مكلف مختار ولو امرأة أو رقيقاً لكافر لفظ يفيد الغرض بصريح؛ ك (أجرتك) و (أنت مجار) أو (أمنتك) أو (أنت آمن) أو كناية؛ ك (أنت على ما تحب)، أو (كن كيف شئت) وتكفي رسالة أو إشارة مفهمة.
ويشترط علم الكافر بالأمان، وكذا قبوله على الراجح، وألا تزيد مدته على أربعة أشهر، فإن زاد .. بطل في الزائد، ويبلغ بعدها المأمن، وألا يتضرر بالمؤمن المسلمون، كجاسوس
أو طليعة، وحقه أن يغتال، ولا يبلغ المأمن، وألا يكون المؤمن أسيراً معهم، ولا يتعدي الأمان إلى أهله وماله إلا باشتراطه، وليس للإمام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة.
والمسلم بدار الحرب إن أمكنه إظهار دينه .. سن له الهجرة، وإلا وجبت إن قدر، وإلا
…
فهو معذور إلى أن يقدر، ولو قدر الأسير على الهرب .. لزمه، ولو أطلقوه بلا شرط .. فله اغتيالهم، أو على أنهم في أمانه .. حرم، فإن تبعه قوم .. فليدفعهم ولو بقتلهم، ولو شرطوا ألا يخرج من دارهم .. حرم الوفاء به، ولو قالوا:(لا نطلقك حتى تحلف ألا تخرج) فحلف .. لم يحنث بالخروج.
[شروط الهدنة]
وأم الهدنة
…
فشروطها أربعة:
الأول: أن يهادن الإمام، أو نائبه العام أهل إقليم، أو يهادن وإلى الإقليم أهل بلد.
الثاني: كونها للمصلحة.
الثالث: كونها إلى أربعة أشهر فأقل إن لم يكن بالمسلمين ضعف، وإلا .. جازت الزيادة إلى عشر سنين بحسب الحاجة، ولا تجوز الزيادة عليها، لكن إن انقضت المدة والحاجة باقية .. استؤنف العقد، ويجوز ألا يؤقت الإمام الهدنة، ويشترط انقضاءها متى شاء، ويجوز أن يقول:(هادنتكم ما شاء فلان) وهو مسلم عدل ذو رأى.
الرابع: الخلو عن الشروط الفاسدة، كشرط ألا ينزع أسرى المسلمين منهم، أو يرد إليهم الذي أسروه وأفلت منهم، أو يقيموا بالحجاز، أو يدخلوا الحرم، أو يظهروا الخمر في دارنا، أو ترد إليهم النساء إذا جئن مسلمات.
وإذا انقضت أو نقضت .. فحكمهم كما قبلها.
ولو نقض بعضهم، ولو ينكر الباقون بقول ولا فعل .. انتقض فيهم أيضا، وإن أنكروا باعتزالهم، أو إعلام الإمام ببقائهم على العهد .. فلان ولو خاف خيانتهم .. فله نبذ العهد، وتبلغيهم المأمن.
وللجزية خمسة أركان: صيغة، وعاقد، ومعقود له، ومال معقود عليه، ومكان قابل للتقرير فيه.
(وإنما تؤخذ من حر ذكر
…
مكلف له كتاب اشتهر)
(أو المجوس دون من تهودا
…
آباؤه من بعد بعثة الهدى)
(أقلها في الحول دينار ذهب
…
وضعفه من متوسط الرتب)
(ومن غني أربع إذا قبل
…
واشرط ضيافة لمن بهم نزل)
(ثلاثة، ويلبسوا الغيارا
…
أو فوق ثوب جعلوا زنارا)
(ويتركوا ركوب خيل حربنا
…
ولا يساؤوا المسلمين في البنا)
(وانتفض العهد بجزية منع
…
وحكم شرع بتمرد دفع)
(لاهرب، بالطعن في الإسلام أو
…
فعل يضر المسلمين النقض، لو)
(شرط ترك، والإمام خيرا
…
فيه كما في كامل قد أسرا)
[صيغة الجزية]
الركن الأول: الصيغة؛ كأن يقول الإمام أو نائبه: (قررتكم) ، أو (أذنت لكم في الإقامة في دار الإسلام على أن تبذلوا كذا، وتنقادوا لأحكام الإسلام). ويشترط التعرض لقدرها، لا لكفهم اللسان عن الله تعالى ودينه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولابد من القبول لفظاً؛ كـ (قبلت) أو (رضيت بذلك) ، ولا يصح مؤقتاً، وإذا عقد فاسداً .. لم يجب الوفاء، ولا يغتال، ولو بقي على حكم ذلك العقد سنة، أو أكثر .. وجب لكل سنة مضت دينار، ولو دخل حربي دارنا وبقي مدة، ثم اطلعنا عليه، لم يلزمه شيء لما مضى، ويجوز قتله واسترقاقه، وأخذ ماله والمن عليه، والتقرير بالجزية، ولو قال:(دخلت لرسالة) ، أو (بأمان مسلم) .. صدق بيمينه.
[عاقد الجزية]
الثاني: العاقد؛ ولا تصح إلا من الإمام أو نائبه فيها، فلو عقدها واحد من الرعبة .. لم تصح، ولو أقام سنة فأكثر .. فلا شيء عليه.
[المعقود له الجزية]
الثالث: المعقود له؛ وإنما تعقد لحر ذكر مكلف، فلا تؤخذ ممن فيه رق، ولا من امرأة وخنثى، ولا من صبي ومجنون؛ لأن بذلها لحقن الدم وهو حاصل لهم، وقد كتب عمر
رضي الله تعالى عنه إلى أمراء الأجناد: (ألا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان) رواه البيهقي بإسناد صحيح، وروي: لا جزية على العبد. وألحق بالمرأة الخنثى، فلو بانت ذكورته .. فهل تؤخذ منه للسنين الماضية؟ وجهان، قال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح: الأخذ، وجزم به "المجموع" في (باب الأحداث)، وقال في "المهمات": ينبغي تصحيح عكسه؛ كما لو دخل حربي دارنا وبقي مدة ثم اطلعنا عليه .. لا نأخذ منه شيئاً لما مضى على الصحيح، ورد بأنه لا جامع بينهما؛ لأن الخنثى عقدت له الجزية وقد بانت ذكورته، فعملنا بما في نفس الأمر؛ كما في البيع بخلاف الحربي. للمكلف المذكور كتاب اشتهر أمره بأنه من الكتب المنزلة؛ كالتوراة والإنجيل، وصحف إبراهيم، وزبور داوود صلى الله عليهما وسلم، أو له شبهة كتاب؛ وهم المجوس؛ لزعمهم ذلك، والأظهر: أنه كان لهم كتاب فرفع، وقد تقدم: صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر. وخرج بما ذكره: عبدة الأوثان والملائكة والكواكب، فتعقد لليهودي أو النصراني، أو نحوه ممن زعم التمسك بكتاب؛ كمن أحد أبوية كتابي والآخر وثني إن دخل جده الأعلى في ذلك الدين قبل نسخه ولو بعد تبديله، وإن لم يجتنب المبدل منه، أو شككنا في وقته؛ تغليباً لحقن الدم. وخرج بذلك ما لو علمنا أن جده الأعلى دخل في ذلك بعد نسخه؛ كمن تهود بعد بعثة عيسى عليه السلام، أو تنصر بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يقر بالجزية، والصائبة من النصارى، والسامرة من اليهود يقرون بها إن وافقوهم في أصل دينهم، وإلا .. فلا. ولو عقدت لمن زعم التمسك بكتاب، ثم أسلم اثنان من أهل ذلك الدين، وحسن حالهما بحيث تقبل شهادتهما، وشهدا بخلاف ما زعمه .. اغتيل، ولا يبلغ المأمن؛ لتدليسه، والأمان الفاسد إنما يمنع الاغتيال عند ظن الكافر صحته، وهو منتف هنا.
[المعقود عليه وبيان مقدار الجزية]
الرابع: المعقود عليه، وأقل الجزية: دينار ذهب في كل سنة عن كل واحد ممن ذكر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "خذ من كل حالم- أي: محتلم-ديناراً" رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم. نعم؛ إن مضى حول، ولم يدفع الإمام عنهم ما يجب لهم بالعقد من الذب عنهم .. لم تجب جزية ذلك الحول؛ ذكره البغوي وغيره، وإذا عقدها بدينار .. فله أن يأخذ عنه عوضاً؛ كسائر الديون المستقرة؛ بشرط ألا ينقص عن قدر دينار؛ لأن الحق للمسلمين، وإنما امتنع عقدها بما قيمته دينار؛ لأنها قد تنقص عن دينار آخر المدة. ويستحب للإمام مماكسة العاقد لنفسه، أو لموكله حتى يزيد على دينار، بل إن أمكنه أن يعقدها بأكثر من دينار .. لم يجز أن يعقد بدونه إلا لمصلحة. ويسن أن يفاوت: فيأخذ من فقير ديناراً، ومن متوسط دينارين، ومن غني أربعة إذا أجابوا لذلك وقبلوه، فإن امتنعوا من الزيادة .. وجب قبول الدينار، ويعتبر الغنى وضده وقت الأخذ، لا وقت العقد، ويحتمل أن يكون ضابط الغني والمتوسط كما في النفقة، ويحتمل الرجوع فيه إلى العرف، وإن قال بعضهم: أنا فقير، أو متوسط .. قبل قوله، إلا أن تقوم بينة بخلافه. وإذا عقدت بأكثر، ثم علموا جواز دينار .. لزمهم ما التزموه؛ كمن اشترى شيئاً بأكثر من ثمن مثله، فإن امتنعوا من أداء الزيادة .. فهم ناقضون؛ كما لو امتنعوا من أداء الجزية، وحينئذ يبلغون المأمن، فإن عادوا وطلبوا العقد بدينار .. لزمت إجابتهم، ومن تقطع جنونه قليلاً؛ كساعة من شهر .. لزمته، أو كثيراً كيوم ويوم .. لفقت الإفاقة، فإذا بلغت سنة .. وجبت. ولو أسلم، أو مات، أو جن في أثناء سنة .. وجب قسط الماضي. ولو اجتمع دين آدمي وجزية في تركة .. سوي بينهما، وتجب على زمن وشيخ هرم، وأعمى وراهب، وأجير وفقير عجز عن كسب، فإذا تمت سنة وهو معسر .. ففي ذمته حتى يوسر، وكذا حكم السنة الثانية فما بعدها.
ويستحب للإمام أو نائبه إذا أمكنه أن يشترط عليهم إذا صولحوا في بلدهم: ضيافة من يمر بهم من المسلمين زائداً على قدر أقل جزية على غنيهم ومتوسطهم لا فقيرهم؛ لأنها تتكرر فلا يتيسر للفقير القيام بها، والأصل في اشتراطها ما رواه البيهقي:(أنه عليه الصلاة والسلام صالح أهل أيلة على ثلاث مئة، وكانوا ثلاث مئة رجل، وعلى ضيافة من يمر بهم من المسلمين)، وروى الشيخان:(الضيافة ثلاثة أيام)، والطعام والأدم: كالخبز والسمن، والعلف: كالتبن والحشيش، ولا يحتاج إلى ذكر قدره، وإن ذكر الشعير .. بين قدره، وليكن المنزل بحيث يدفع الحر والبرد، ولا يخرجون أهل المنازل منها. وتؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون، ويكفي في الصغار أن يجري عليهم الحكم بما لا يعتقدونه، وبهذا فسر الأصحاب (الصغار) وتفسيره بغير ذلك مردود.
[مكان تقرير الجزية]
الخامس: المكان؛ وهو كون قراره غير الحجاز؛ وهو مكة والمدينة، واليمامة والطائف ووج الطائف، وما يضاف إلى ذلك، فيمنع كل كافر من الإقامة به ولو بطرقه الممتدة، روى البيهقي عن أبي عبيدة ابن الجراح: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: : أخرجوا اليهود من الحجاز".
[ما يترتب على صحة عقد الجزية وبعض أحكام أهل الذمة]
ومتى صح العقد .. لزمنا الكف عنهم، وضمان ما نتلفه عليهم نفساً ومالاً، ودفع أهل الحرب عنهم إن لم يستوطنوا دار الحرب، ونمنعهم إحداث كنيسة وبيعة ببلد أحدثناه، أو أسلم أهله عليه، أو فتح عنوة أو صلحاً بشرط الأرض لنا. ويلزمهم أن يلبسوا الغيار بكسر الغين المعجمة، أو يجعلوا فوق ثيابهم الزنار بضم الزاي؛ أي: سواء الرجال والنساء بدارنا وإن لم يشترط ذلك عليهم؛ للتمييز، ولأن عمر رضي الله تعالى عنه صالحهم على تغيير زيهم بمحضر من الصحابة؛ كما رواه البيهقي، وإنما لم يفعله
النبي صلى الله عليه وسلم بيهود المدينة، ونصارى نجران؛ لأنهم كانوا قليلين معروفين، فلما كثروا في زمن الصحابة .. احتاجوا إلى تمييز. قال في "الروضة" و"أصلها": و (الغيار): أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها بموضع لا تعتاد الخياطة عليه كالكتف، وإلقاء منديل ونحوه على الكتف كالخياطة، ثم الأولى باليهود العسلي وهو الأصفر، وبالنصارى الأزرق أو الأكهب؛ ويسمى الرمادي، وبالمجوس الأسود أو الأحمر. و (الزنار): خيط غليظ تشد به أوساطهم خارج الثياب، وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما، قال الشيخ أبو حامد: ويجعل الزنار فوق إزار المرأة كالرجل، وفي "التهذيب" وغيره: تحته؛ لأنه استر، لكن لابد من ظهور شيء منه، وإذا خرجت بخف .. فليكن أحدهما بلون والآخر بآخر، وإن لبسوا قلانس .. ميزوها عن قلانسنا. ويؤخذ من تعبير الناظم: بـ (أو) الاكتفاء بالغيار أو الزنار، وهو كذلك، فجمعهما المنقول عن عمر رضي الله تعالى عنه تأكيد، فإن انفردوا بمحلة .. فلهم تركه. وإذا دخل حماماً فيه مسلمون متجرداً، أو تجرد عن ثيابه في غير حمام بين مسلمين .. جعل في عنقه خاتم حديد أو رصاص، أو جلجلاً من حديد، أو طوقاً، ويلجأ إلى أضيق الطرق عند زحمة المسلمين فيه؛ بحيث لا يقع في وهدة، ولا يصدمه جدار، ولا يوقر ولا يصدر في مجلس فيه المسلمون، ويلزمهم أن يتركوا ركوب خيل حرب المسلمين حتى البراذين النفسية؛ لأن في ركوبنا إياها إرهاباً للأعداء وعزاً للمسلمين. نعم؛ إن انفردوا ببلد، أو قرية في غير دارنا .. ففي تمكينهم من ركوبها وجهان، حكاهما الماوردي، قال الأذرعي: والأقرب إلى النص: عدم المنع، قال: لو استعنا بهم في حرب حيث يجوز .. فالظاهر تمكينهم من ركوبها زمن القتال. وخرج بـ (الخيل): وغيرها؛ كالبغال والحمير، فلهم ركوبها بإكاف وركاب خشب لا حديد أو نحاس أو نحوه عرضاً؛ تمييزاً لهم عنا ليعطى كل حقه، ويمنع من تقليد السيف وحمل السلاح، ولجم الذهب والفضة.
قال ابن الصلاح: وينبغي منعهم من خدمة الملوك والأمراء؛ كما يمنعون من ركوب الخيل. ويلزمون ألا يساووا جيرانهم المسلمين في ارتفاع بنائهم؛ بأن يكون أنزل منه؛ لخبر: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه"، وليتميز البناءان، ولئلا يطلع على عورات المسلمين، ولا يؤثر فيه رضا جاره المسلم بعدم نزوله؛ لأن المنع لحق الدين المحض، لا لمحض حق الجار، سواء أكان بناء المسلم معتدلاً، أم في غاية الانخفاض، قال البلقيني: ومحل المنع إذا كان بناء المسلم مما يعتاد للسكنى، فلو كان قصيراً لا يعتاد فيها، لأنه لم يتم بناؤه، أو لأنه هدمه، أو انهدم إلى أن صار كذلك .. لم يمنع الذمي من بناء جداره على أقل ما يعتاد في السكنى؛ لئلا يتعطل عليه حقها الذي عطله المسلم باختياره، أو تعطل عليه لإعساره. وخرج بـ (الجار): غيره؛ كأن انفردوا بمحل بطرف البلد منفصل عنها، فيجوز رفع البناء.
[ما ينقض عقد الذمة]
وانتقض العهد؛ أي: عقد الذمة بمنع أداء الجزية، قال في "الروضة" كـ"أصلها": هكذا قال الأصحاب، وخصه الإمام بالقادر، أما العاجز إذا استمهل .. فلا ينقض عهده بذلك، قال: ولا يبعد أخذها من الموسر قهراً، ولا ينتقض عهده، ويخص قولهم بالمتغلب المقاتل. انتهى، وما ذكره الإمام مفهوم من تعبير الأصحاب بالمنع. وبتمرد دفع به حكم الشرع؛ وهو الامتناع من الانقياد لحكامنا بالقوة والعدة، لا بالهرب من أداء الجزية، أو من الانقياد لحكم الشرع؛ كما صرح به الناظم؛ تبعاً للإمام والغزالي، وأطلق غيرهما ذلك، وهو ما في "المنهاج" وغيره، وسواء أشرط الانتقاض بذلك أم لا، ولهذا أطلق فيه، وقيد بالشرط فيما يأتي. ووجه الانتقاض به: مخالفته لمقتضى العقد، ويؤخذ من ذلك انتقاض العقد بقتال المسلمين من باب أولى؛ لأن عقد الذمة؛ للكف عن القتال، فيناقضه القتال.
وينتقض العقد بالطعن في الإسلام؛ أي: أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يعتقده؛ كنسبته إلى الزنا، أو الطعن في نسبه، بخلاف ما لو وصفه على وفق اعتقاده؛ كقوله: إنه ليس بنبي، أو أنه قتل اليهود بغير حق .. فلا ينتقض العقد بذلك وإن شرط الانتقاض به. وينتقض العقد بفعل يضر المسلمين؛ كأن زنى بمسلمة، أو أصابها بنكاح، أو دل أهل الحرب على عورة المسلمين، أو فتن مسلماً عن دينه، أو دعاه إلى دينه، أو قطع عليه الطريق إن شرط ترك الطعن والفعل المذكور في العقد؛ أي: وشرط انتقاضه بفعل أحدهما، وإلا .. فلا ينتقض به. وخرج بما ذكره: إسماعه المسلمين شركاً، وقولهم في عزير والمسيح، وإظهار الخمر والخنزير، والناقوس والعيد، فلا ينتقض العقد بها وإن شرط. ومن انتقض عهده بقتال .. قتل، أو بغيره .. تخير الإمام فيه بين قتل ورق ومن وفداء؛ كما في الأسير الكامل، فإن أسلم قبل الاختيار .. امتنع. والألف في قول الناظم:(تهودا) و (الغيارا) و (خيرا) و (أسرا) للإطلاق، وقوله:(النقض) مبتدأ مؤخر خبره قوله: (بالطعن) أي: والنقض حاصل أو يحصل بالطعن، وقوله:(شرط ترك) ببنائه للمفعول، وإدغام الطاء في التاء، و (ترك) مرفوع به.