الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصائل
وفي بعض النسخ: باب الصيال، وهو الاستطالة والوثوب.
والأصل فيه/ قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وخبر البخاري: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» والصائل ظالم، فيمنع من ظلمه؛ لأن ذلك نصره، وخبر: «من قتل دون أهله
…
فهو شهيد، ومن قتل دون ماله .. فهو شهيد» رواه الترمذي وحسنه، وفي «الصحيحين»: ذكر المال فقط؛ وهو في الباقي بطريق الأولى، وجه الدلالة: أنما لما جعل شهيدا .. دل على أن له القتل والقتال؛ كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيداً
…
كان له القتل والقتال.
(ومن على نفس يصول أو طرف
…
أو بضع ادفع بالأخف فالأخف)
(والدفع أوجب إن يكن عن بضع
…
لا المال، واهدر تالفا بالدفع)
(واضمن لما تتلفه البهيمة .. في الليل لا النهار قدر القيمة)
فيها أربع مسائل:
[دفع الصائل بالأخف والأخف]
الأولى: يدفع الصائل عند ظن صياله مسلماً كان أو كافراً، حراً أو قناً، ومكلفاً أو غير مكلف ولو بهيمة عن معصوم من نفس أو طرف، أو بضع أو مال، أو غيرها بالأخف فالأخف، فإن أمكن بكلام أو استغاثة .. جرم الضرب، أو بضرب بيد .. حرم سوط، أو بسوط .. حرم عصا، أو بقطع عضو .. حرم قتل، فإن أمكن هرب .. وجب وحرم قتال، فإن دفع بالأثقل من يدفع بما دونه فهلك
…
ضمنه، إلا إذا فقد آلة الأخف؛ كأن كان يندفع بالعصا وليس عنده إلا السيف .. فلا ضمان؛ إذ له الدفع به حينئذ، وكذا إذا التحم القتال بينهما؛ لخروج الأمر عن الضبط.
قال البقيني: ومحل رعاية التدريج في المعصوم، أما غيره كالحربي والمرتد .. فله العدول إلى قتله؛ لعدم حرمته.
ولو صال مكروهاً على إتلافه مال غيره .. لم يجز دفعه، بل يلزم المالك أن يقي روحه بماله؛ كما يناول المضطر طعامه، ولكل منهما دفع المكره، ولا فرق في الدافع بين المصول عليه وغيره؛ كما أفاده قول الناظم:(ادفع) بلفظ الأمر، ودرج همزته للوزن.
ولو سقطت جرة من علو على إنسان، ولم تندفع عنه إلا بكسرها، فكسرها .. ضمنها؛ لأنها لا قصد لها ولا اختيار حتى يحال عليها، فصار كالمضطر إلى طعام الغير يأكله ويضمنه.
[وجوب الدفع عن البضع والنفس المحترمين]
الثانية: يجب الدفع عن البضع المحترم، سوء أكان بضعه، أم بضع أهله، أم أجنبية ولو أمة؛ لأنه لا مجال للإباحة فيه؛ وإنما يجب إذا لم يخف الدافع على نفسه، أو عضوه أو منفعته.
ويجب الدفع أيضاً عن النفس المحترمة إذا قصدها بهيمة؛ لأنها تذبح لاستبقاء الآدمي، فلا وجه للاستسلام لها أو كافر ولو معصوماً، إذ غير المعصوم لا حرمة له، ولمعصوم بطلت عصمته بصياله، ولأن الاستسلام للكافر ذل في الدين، بخلاف ما لو كان الصائل مسلماً ولو مجنوناً .. فلا يجب دفعه، بل يجوز الاستسلام له؛ لحرمة الآدمي، ورضا بالشهادة، ولخبر أبي داوود:«كن خير ابني آدم» يعني: قابيل وهابيل، ولمنع عثمان رضي الله تعالى عنه عبيده من الدفع يوم الدار وقال:(من ألقى سلاحه .. فهو حر) واشتهر ذلك في الصحابة، ولم ينكر عليه أحد.
وقيده الإمام وغيره بمحقون الدم؛ ليخرج غيره كالزاني المحصن وتارك الصلاة؛ وقال الشيخان: والقائلون بجواز الاستسلام، منهم من يزيد عليه ويصفه بالاستحباب، وهو ظاهر الأخبار.
ولا يجب الدفع عن المال الذي لا روح فيه؛ لأنه يجوز إباحته للغير.
نعم؛ إن كان مال محجور عليه، أو وقف، أو مالاً مودعاً .. وجب على من بيده الدفع عنه؛ قاله الغزالي في «الإحياء» .
[إهدار الصائل إذا تلف بالدفع]
الثالثة: يهدر الصائل إذا تلف بالدفع، فلا يضمن بقود ولا دية، ولا قيمة ولا كفارة، لأنه مأمور بدفعه، وقد أبطل حرمة نفسه بإقدامه على الصيال، يقال: أهدر السلطان دمه؛ أي: أبطله وأباحه.
[حكم ما تتلفه البهيمة]
الرابعة: إذا لم يكن صاحب اليد على البهيمة معه. ضمن ما أتلفته من زرع، أو غيره في الليل بالمثل في المثلي، والقيمة في المتقوم، سواء المالك والوكيل، والمودع والمستعير، والغاصب وغيرهم، ودون النهار؛ للخبر الصحيح في ذلك، رواه أبو داوود، وهو على وفق العادة في حفظ الزرع ونحوه نهاراً، والدابة ليلاً، فلو جرت عادة بلد بالعكس .. انعكس الحكم، ومن ذلك يؤخذ ما بحثه البلقيني: أنه لو جرت عادة بلد بحفظها ليلاً ونهاراً .. ضمن متلفها مطلقاً.
نعم؛ إن لم يفرط في ربطها؛ بأن أحكمه وعرض حلها، أو حضر صاحب الزرع وتهاون في دفعها، أو كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحاً .. لم يضمن.
ولو كانت المراعي في وسط المزارع، أو في حريم السواقي .. فلا يعتاد إرسالها بلا راع، فإن أرسلها .. من إتلافها ليلاً ونهاراً.
ولو أرسل دابته في البلد، أو ربطها بطريق ولو واسعاً فأتلفت شيئاً .. ضمنه مطلقاً، أما من كان مع البهيمة .. فإنه يضمن ما أتلفته من نفس أو مال، في ليل أو نهار، سواء أكان مالكها أم أجيراً، أم مستأجراً أم مستعيراً، أم غاصباً أم غيرهم، وسواء أكان راكبها أم سائقها أم قائدها، لأنها في يده وعليه تعهدها وحفظها.
ولو نخس إنسان دابة بغير إذن راكبها فأسقطته، أو رمحت فأتلفت شيئاً .. منه الناخس،
أو بإذنه .. ضمنه، ولو غلبته فاستقبلها إنسان فردها، فأتلفت في انصرافها شيئاً .. ضمنه الراد ..
ولو بالت أو راثت في طريق، فتلف به نفس أو مال .. فلا ضمان في الأصح؛ لأن الطريق لا يخلو عنه، والمنع من الطروق لا سبيل إليه.
ويحترز عما لا يعتاد؛ كركض شديد في وحل، فإن خالف
…
ضمن ما تولد منه؛ لمخالفته للمعتاد.
ومن حمل على ظهره أو بهيمة حطباً فحك بناء فسقط .. ضمنه؛ لأن سقوطه بفعله، أو فعل دابته المنسوب إليه.
وإن دخل سوقاً فتلف به نفس أو مال
…
ضمنه إن كان زحام، أو تمزق به ثوب أعمى، أو مستدبر البهيمة ولم ينهه، وإنما يضمنه إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر؛ كأن وضعه بطريق، أو عرضه للدابة .. فلا، ولو أرسل طيراً فأتلف شيئاً .. لم يضمنه، ويضمن متلف هرته إن اعتيد إتلافها.
وقول الناظم: (وأهدر) بدرج الهمزة للوزن.