الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ اللُّقَطة
بضم اللام وفتح القاف وإسكانها، ويقال: لقاطة بضم اللام، ولقط بفتحها بلا هاء، وهي لغة: الشيء الملتقط، وشرعاً: ما وجد من حق ضائع لا يعرف الواجد مستحقه.
والأصل فيها قبل الإجماع: "خبر الصحيحين" عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن لقطة الذهب أو الورق فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف .. فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوماً من الدهر .. فأدها إليه، وإلا .. فشأنك بها» ، وسأله عن ضالة الإبل فقال:«مالك ولها؟ ! فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها» ، وسأله عن الشاة فقال:«خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك أو للذئب» .
وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاية؛ من حيث إن الملتقط أمين فيما التقطه، والشرع ولَاّه حفظه كالولي، وفيه معنى الاكتساب؛ من حيث إن له التملك بعد التعريف، والمغلب من المعنيين الثاني؛ لصحة التقاط الفاسق والذمي والصبي.
(وأخذها للحر من موات
…
أو طرق أو مسجد الصلاة)
(أفضل إذ خيانة قد أمنا
…
ولا عليه أخذها تعينا)
[حكم أخذ اللقطة]
أي: وأخذ اللقطة للحر من موات، أو طرق في دار الإسلام، أو دار حرب فيها مسلم، أو دخلها الملتقط بأمان، أو مسجد الصلاة .. أفضل من تركها؛ إذ خيانة لنفسه فيها قد أمنها؛ بأن وثق بأمانة نفسه، بل تركها حينئذ مكروه، وليس أخذها متعيناً عليه؛ أي: إنما يكون الالتقاط أفضل إذا لم يتعين عليه أخذها؛ بأن كان هناك من يأخذها ويحفظها، فإن لم يكن هناك غيره ..
وجب عليه أخذها؛ كما في الوديعة، بل هو هنا أولى؛ لأن الوديعة تحت يد صاحبها.
ولا يستحب لغير واثق بأمانة نفسه، ويجوز له، ويكره لفاسق؛ لئلا تدعوه نفسه إلي الخيانة، ويستحب الأشهاد على الالتقاط.
ويصح التقاط الصبي الفاسق والذمي في دار الإسلام، وتنزع منهما وتوضع عند عدل، وينزع الولي لقطة الصبي ويعرف، ويمتلكها للصبي إن رأى ذلك حيث يجوز الاقتراض له، ويصح التقاط المبغض لا الرقيق بغير إذن سيده، إلا المكاتب.
والألف في قول الناظم: (أمنا) و (تعينا) للإطلاق.
[ما تجب معرفته في اللقطة]
(يعرف منها الجنس والوعاء
…
وقدرها والوصف والوكاء)
أي: يعرف بفتح الياء الملتقط ندباً جنس اللقطة، أذهب هي أم فضة أم ثياب، ووعاءها من جلد أو خرقة أو غيرها، وقدرها بوزن أو عدد، ووصفها؛ كهروية أو مروية، ووكاءها؛ أي: خيطها المشدود به؛ لما في خبر (الصحيحين) السابق من الأمر بمعرفة عفاصها ووكائها، وقيس على معرفة خارجها فيه معرفة داخلها، وذلك ليعرف صدق واصفها.
(وحفظها في حرز مثل عرفا
…
وإن يرد تمليك نرز عرفا)
(بقدر طالب وغيره سنه
…
وليتملك إن يرد تضمنه)
(إن جاء صاحب، وما لم يدم
…
كالبقل باعه، وإن شا يطعم)
(مع غرمه، وذو علاج للبقا
…
كرطب يفعل فيه الاليقا)
(من بيعه رطباً، أو التجفيف
…
وحرموا لقطا من المخوف)
(لملك حيوان منوع من أذاه
…
بل الذي لا يحتمي منه كشاه)
(خيره بين أخذه مع العلف
…
تبرعا أو إذن قاض بالسلف)
أو باعها وحفظ الأثمانا
…
أو أكلها ملتزما ضمانا)
(ولم يجب إفرازها، والملتقط
…
في الأوليين في تخيير فقط)
فيها خمس مسائل:
[وجوب حفظ اللقطة في حرز المثل]
الأولى: حفظ اللقطة في حرز مثلها باعتبار العرف واجب على الملتقط أبداً إن أخذها للحفظ، وهي أمانة في يده، ولو دفعها للقاضي .. لزمه القبول، ولا يجب التعريف في هذه االحالة؛ لأنه إنما يجب لتحقيق شرط التمللك، لكن صحح النووي في (شرح مسلم) وجوبه، وقواه في "زوائد الروضة" واختاره؛ لئلا يكون كتماناً مفوتاً للحق على صاحبه، وعلى هذا يضمن بتركه.
[تعريف اللقطة إذا أراد تملكها]
الثانية: إن يرد الملتقط تمليك ملتقط نزر؛ أي: قليل متمول .. عرفه زمناً يطن أن فاقده لا يعرض عنه فيه غالباً، ويختلف ذلك باختلاف المال.
قال الروياني: فدانق الفضة يعرف في الحال، ودانق الذهب يعرف يوماً أو يومين أو ثلاثة، أما القليل غير المتمول؛ كحبة الحنطة والزبيبة .. فلا يعرف، ولواجده الاستبداد به، فعن عمر رضي الله عنه: أنه رأي رجلاً يعرف زبيبة فضربه بالدرة وقال: (إن من الورع ما يمقته الله).
وقدر بعضهم القليل المتمول بما دون نصاب السرقة، والأصح: لا يتقدر به، بل هو ما غلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه، ولا يطول طلبه له غالباً، ويعرف غير القليل وجوباً سنة ولو مفرقة؛ للحديث، ويقاس على ما فيه غيره، وليست على الاستيعاب، بل على العادة يعرف أولاً كل يوم مرتين طرفي النهار، ثم كل يوم مرة، ثم كل أسبوع مرة أو مرتين كما في (المحرر) وغيره، ثم في كل شهر بحيث لا ينسي أنه تكرار لما مضي، وسكت الشيخان عن بيان المدد في ذلك، وفي (التهذيب) ذكر الأسبوع في المدة الأولى، ويقاس بها الثانية.
ولا يجب اتصال السنة بالالتقاط؛ لإطلاق الخبر، قال الإمام: لكن يعتبر أن يبين في التعريف زمن الوجدان؛ لينجبر التأخير المنسي.
ويستحب أن يذكر الملتقط بعض أوصافها في التعريف ولا يستوعبها؛ لئلا يعتمدها الكاذب، ولو التقطهما اثنان .. عرفها كل واحد منهما نصف سنة.
وتعريفها يكون في الأسواق، وأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات، ونحوها من مجامع الناس في بلد الالتقاط، أو قريته أو أقرب البلاد إلي موضعه من الصحراء، وإن جازت به قافلة .. تبعهم وعرف، ولا يعرف في المساجد؛ كما لا تطلب اللقطة فيها، قال الشاشي: إلا ـأن الأصح: جواز التعريف في المسجد الحرام، بخلاف بقية المساجد، قال في "المهمات": وهو ظاهر في تحريم بقية المساجد، وليس كذلك؛ فالمنقول الكراهة، وقد جزم به في "شرح المهذب"، وقال ابن العراقي: المعتمد: التحريم، فهو ظاهر كلامهم، وبه صرح القاضي والماوردي. انتهى.
وله أن يعرفها بنفسه ونائبه، وليس له أن يسافر بها، ولا أن يسلمها لغيره بلا ضرورة إلا بإذن الحاكم، فإن فعل .. ضمنها، ويعتبر كون المعرف مكلفاً غير مشهور بالخلاعة.
[تملكها بالقول إذا لم يجد مالك اللقطة بعد تعريفها]
الثالثة: إذا عرفها بعد قصد تملكها، ولم يجد مالكها .. تملكها بالقول؛ كقوله:(تملكتها) وقصد أن يضمنها لصاحبها إن جاء، وتكون قرضاً عليه يثبت بدلها في ذمته.
وإذا تملكها وظهر مالكها وهي باقية بحالها واتفقا على ردها أو رد بدلها .. فذاك ظاهر، فإن أرادها المالك وأراد العدول إلي بدلها .. أجيب المالك؛ لما مر في الحديث.
ولو ردها الملتقط .. لزم المالك قبولها، وإن تلفت .. غرم مثلها إن كانت مثلية، أو قيمتها إن كانت متقومة يوم التملك؛ فإنه يوم دخولها في ضمانه، وإن نقصت .. فله أخذها مع الأرش؛ لأن الكل مضمون فكذا البعض، وله العدول إلي بدلها سليمة.
ولو أراد الملتقط ردها مع الأرش، وأراد المالك الرجوع إلي البدل .. أجيب الملتقط، وإن زادت .. أخذها بزيادتها المتصلة دون المنفصلة، ولو ظهر المالك قبل التملك .. أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة.
وإذا ادعاها شخص، ولم يصفها ولا بينة له بها .. لم تدفع إليه، إلا أن يعلم الملتقط أنها له .. فليزمه الدفع إليه، وإن وصفها وظن الملتقط صدقة .. جاز الدفع إليه ولا يجب، والقول قوله بيمينه في أنه لا يلزمه التسليم، أو لا يعلم أنها له. فإن نكل وحلف المدعي .. وجب دفعها له، فإن دفعها إليه وأقام آخر بينة بها .. حولت إليه عملاً بالبينة، فإن تلفت عنده .. فلصاحب البينة تضمين الملتقط والمدفوع إليه والقرار عليه.
والكلام في لقطة غير حرم مكة، أما لقطته .. فلا تحل إلا أبداً لا للتملك.
[حكم اللقطة التي لا تدوم]
الرابعة: الملتقط الذي لا يدوم؛ بأن كان يسرع فساده؛ كالبقل والبطيخ الأصفر، والهريسة والرطب الذي لا يتتمر: فإن شاء .. باعه؛ استقلالاً إن لم يجد حاكماً، وبإذنه إن وجده، وعرفه بعد بيعه ليتملك ثمنه بعد التعريف، وإن شاء .. تملكه في الحال، وأكله وغرم قيمته، سواء أو وجده في مفازة أم عمران، ويجب التعريف فيه.
وأما المفازة: فقال الإمام: الظاهر: أنه لا يجب؛ لأنه لا فائدة فيه، والذي يبقى بعلاج كرطب يتجفف .. يفعل فيه وجوباً الأليق؛ أي: الأصلح لصاحبه من بيعه رطباً وحفظ ثمنه وتجفيفه، ثم إن تبرع بمؤنته .. فذاك، وإلا .. فيباع بعضه وينفق على تجفيف باقيه، والفرق بينه وبين الحيوان حيث يباع جميعه كما سيأتي؛ إذ النفقة تتكرر، فيؤدي إلي أن الحيوان يأكل نفسه بنفقته.
[تحريم التقاط الحيوان الممتنع من المكان المخوف]
الخامسة: حرم الأئمة لقطاً من المكان المخوف؛ كالمفازة لأجل تملك حيوان ممتنع من أذاه من صغار السباع؛ كالذئب والنمر والفهد بقوته؛ كبعير وفرس، أو بجريه كأرنب وظبي، أو بطيرانه كحمام؛ لأنه مصون بالامتناع عن أكثر مستغن بالرعي إلي أن يجده صاحبه لتطلبه له، فمن أخذه للتملك .. ضمنه، ولا يبرأ من الضمان برده إلي موضعه، فإن دفعه إلي القاضي .. برئ.
وخرج بقوله: (لملك): التقاطه للحفظ، فيجوز وإن لم يكن الملتقط قاضياً؛ لئلا يأخذه خائن فيضيع، وبقوله:(من المخوف): التقاطه من بلد أو قرية، أو موضع قريب منها، فيجوز للتملك؛ لئلا يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه، ولا يجد ما يكيفه، بخلاف المفازة، فإن طروق الناس بها لا يعم.
ولو وجد في زمن نهب وفساد .. جاز التقاطه للتملك في المفازة والعمران، بل الذي لا يحتمي؛ أي: لا يمتنع منها؛ أي: من صغار السباع؛ كشاة وعجل، وفصيل، وكسير من إبل أو خيل .. يجوز التقاطه للتملك في العمران والمفازة؛ صيانة له عن الخونة والسباع.
وخيره؛ أ]: ملتقطة من مفازة بين أخذه وإمساكه عنده متبرعاً بالعلف؛ أي: بفتح اللام، فإن لم يتبرع به .. استأذن القاضي ليأذن له بالسلف أي: في الإنفاق عليه بالسلف منه أو من غيره؛ ليرجع به على مالكه، فإن لم يجد حاكماً .. أشهد، أو باعها؛ أي: اللقطة استقلالا إن لم يجد حاكماً، وبإذنه في الأصح إن وجده، وحفظ ثمنها وعرفها، ثم تملكه، وخيره بين أكلها متملكاً لها ملتزماً ضمانها؛ بأن يغرم قيمتها إن ظهر مالكها.
ولا يجب بعد أكلها تعريفها في الظاهر للإمام من الوجهين؛ لما مر، والخصلة الأولى أولى من الثانية، والثانية أولى من الثالثة، ولم يجب عليه إن أكلها إفراز ثمنها؛ لأن ما في الذمة لا يخشى هلاكه، فإن أفرزه
…
كان أمانة تحت يده.
والملتقط من العمران فيه تخيير في الخصلتين الأوليين بضم الهمزة؛ وهما: أخذها وإمساكها مع العلف، أو بيعها وحفظ ثمنها فقط، دون الخصلة الثالثة وهي أكلها، فلا يجوز، بخلاف المفازة؛ لأنه قد لا يجد فيها من يشتري بخلاف العمران، ويشق النقل إليه.
ولو كان الحيوان غير مأكول كالجحش .. ففيه الخصلتان الأوليان، ولا يجوزز تملكه في الحال في الأصح.
وقول الناظم: (وإن يرد) بالياء المثناة التحتية؛ أي: الملتقط، فقوله:(عرفا) فعل ماض، وألفه للإطلاق، أو بتاء الخطاب للملتقط، فقوله:(عرفا) فعل أمر، وألفه بدل من نون التوكيد، وفي قوله:(وليتملك إن يرد) الوجهان، وكسر ميم (يدم) للوزن، و (يطعم) بفتح الياء والعين، والألف في (الأثمانا) للإطلاق.