المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قسم الصدقات - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌باب قسم الصدقات

‌باب قسم الصدقات

أي: الزكوات على مستحقيها، وسميت بذلك؛ لإشعارها بصدق باذلها.

والأصل في الباب: آية: {إنما الصدقات للفقراء} ، وأضاف فيها الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك، وإلى الأربعة الأخيرة بـ (في) الظريفة؛ للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأخيرة، حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها .. استرجع، بخلافه في الأولى على ما يأتي، وقد ذكر الناظم آخر الباب صدقة النفل.

(أصنافه- إن وجدت- ثمانية

من يفقد اردد سهمه للباقيه)

فيه مسألتان:

[أصناف قسم الصدقات]

الأولى: أصناف قسم الصدقات ثمانية؛ للآية، فيجب استيعابهم بها عند وجودهم حتى في زكاة الفطر؛ لإضافة الصدقات إليهم بـ (اللام) و (في) كالإقرار والوصية، فإن فرقها المالك بنفسه، أو الإمام ولا عامل .. فالقسمة على سبعة، وإذا قسم الإمام .. لزمه أن يستوعب من الزكاة الحاصلة عنده آحاد كل صنف؛ لقدرته عليه لا من زكاة كل واحد، وله أن يخص بعضهم بنوع وآخرين بنوع، وكذا يلزم المالك استيعابهم إن انحصر المستحقون في البلد ووفى بهم المال، وإلا .. فيجب إعطاء ثلاثة من كل صنف كما سيأتي، إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً كما سيأتي، فلو صرف ما عليه لاثنين مع وجود ثالث .. غرم له أقل متمول، وتجب التسوية بين الأصناف وإن كان بعضهم أحوج، لكن لا يزاد العامل على أجرة عمله، وتسن بين آحاد الصنف عند تساوي الحاجات، إلا أن يقسم الإمام؛ فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات؛ لأنه نائبهم فلا يفاوت بينهم عند تساوي حاجاتهم.

ص: 452

[إذا فقد أحد الأصناف أو من آحاد صنف]

الثانية: من يفقد من الأصناف؛ أي: غير العامل، أو من آحاد صنف؛ بأن لم يوجد منه إلا واحد أو اثنان .. اردد أنت سهمه وجوباً للبقية من الأصناف في الأولى، ومن الصنف في الثانية، فلا ينقل إلى غيرهم؛ لانحصار الاستحقاق فيهم، ولأن عدم الشيء بموضعه كالعدم المطلق؛ كما في عدم الماء المبيح للتيمم، وليس هذا كما لو أوصى لاثنين فرد أحدهما؛ حيث يكون المردود للورثة لا للآخر؛ لأن المال للورثة لولا الوصية وهي تبرع، فإذا لم يتم أخذ الورثة للمال، والزكاة حق لزمه .. فلا يرد إليه، ولهذا لو لم توجد المستحقون .. لم تسقط الزكاة، بل توقف حتى يوجدوا أو يوجد بعضهم.

ولو فضل نصيب بعضهم عن كفايته ونقص نصيب بعضهم عنها .. لم ينقل الفاضل إلى ذلك الصنف، بل يرد إلى من نقص سهمه؛ كما اقتضاه كلام "الروضة" و "أصلها" من جعله على الخلاف في نقل الزكاة، لكن صحح في "تصحيح التنبيه": نقله إلى ذلك الصنف، وعلى الأول: لو استغني بعضهم المردود .. قسم الباقي بين الآخرين بالسوية، ولو زاد نصيب جميعهم على الكفاية أو نصيب بعضهم ولم ينقص البعض الآخر .. نقل الفاضل إلى ذلك الصنف، ذكره في "الروضة" و "أصلها".

ولما ذكر أن أصناف الزكاة ثمانية .. شرع في تفصيلها فقال:

[تفصيل أصناف الزكاة الثمانية]

(فقير العادم والمسكين له

ما يقع الموقع دون تكمله)

(وعامل كحاشر الأنعام

مؤلف يضعف في الإسلام)

(رقابهم، مكاتب، والغارم

من للمباح أدان وهو عادم)

(وفي سبيل الله غاز احتسب

وابن السبيل ذو افتقار اغترب)

الأول: الفقير، وهو العادم للمال والكسب الذي يقع موقعاً من حاجته؛ كمن يحتاج إلى

ص: 453

عشرة دراهم ولا يملك، أو لا يكتسب إلا درهمين أو ثلاثة، ولا يشترط فيه الزمانة، ولا التعفف عن المسألى على الجديد، ولا يمنع الفقر مسكنه وثيابه ولو كانت للتجمل، ورقيقه الذي يحتاج إلى خدمته، وماله الغائب في مرحلتين والمؤجل، فيأخذ كفايته ألى حلوله، وكسب مباح لا يليق به.

ولو كان له مال يستغرقه الدين .. قال البغوي: لا يعطى حتى يصرفه في الدين.

قال السبكي: فلو اعتاد السكنى بالأجرة أو في المدرسة .. فالظاهر: خروجه عن اسنم الفقر بثمن المسكن، ولو اشتغل بعلم شرعي والكسب يمنعه .. ففقير، أو بالنوافل .. فلا، وكذا المعطل المعتكف في مدرسة، ومن لا يتأتى منه تحصيله مع القدرة على الكسب.

الثاني: المسكين، وهو الذي له مال أو كسب مباح لائق به يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه؛ كمن يملك أو يكتسب سبعة أو ثمانية ولا يكقته إلي عشرة؛ فهو أحسن حالاً من الفقير، واحتجو به بقوله تعالى:{أما السفينة فكانت لمسكين} ، وبما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم؛ إحيني مسكناً، وأميي مسكيبا}، مع أنه كان يتعوذ من الفقر.

قال في "الروضة" كـ"أصلها": وسواء أكان ما يمكله نصاباً أو أقل أو أكثر، والمعتبر فيما يقع موقعاً من حاجته: المطعم والملبس والمسكن، وسائر ما لابد منه على ما يليق بالحال من غير إسراف ولا تقتير للشخص ولمن هو فى نفقته، والعبرة عند الجمهور في عدم كفايته بالغمر الغالب بناءً على أنه يعطى ذلك، وأما ما جزم به البغوي، وصححه ابن الصلاح في "فتاويه" والنووي في "فتاويه" الغير المشهورة، واستنبطه الإسنوي من كلامهم من أن العبرة بعدم كفايته بالسنة .. فإنما يأتي على قول من قال كالبغوي: أنه إنما يعطى كفاية سنة.

قال في "الروضة": قال الغزالي في "الإحياء": لو كان له كتب فقه .. لم تخرجه عن المسكنة، ولا تلزمه زكاة الفطر كأثاث البيت؛ لأنه محتاج إليها.

والكتاب يطلب إما للتفرج بالمطالعة؛ ككتب الشعر والتواريخ ونحوهما مما لا ينفع في الدارين .. فهذا يمنع المسكنة، وإما للتعليم للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة أو للقيام بفرض .. فلا يمنع المسكنة، وأما للاستفادة كطب يعالج به نفسه، أو وعظ يتعظ به: فإن لم يكن في البلد طبيب وواعظ .. فكذلك، وإلا .. فمستغن عنه.

ص: 454

فإن كان له من كتاب نسختان .. فهو مستغن عن إحداهما، فإن كانت إحداهما أصح والأخرى أحسن .. باع الأحسن، وإن كانتا من علم وإحداهما وجيزة: فإن كان مقصوده الاستفادة .. فليكتف بالبسيطة، أو التدريس .. احتاج إليهما، هذا كلام الغزالي، والمختار في الواعظ: أنه لا أثر لوجوده.

الثالث: العامل في الزكاة، وهو: ساع، وكاتب، وقاسم، وحاشر يجمع ذوي الأموال أو ذوي السهمان، وعريف، وحاسب، وحافظ للمال، وجندي، لا الإمام والوالي والقاضي، ويجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الزكوات، وإذا لم يكف .. زيد قدر الحاجة.

والأصح: أن أجرة الكيال والوزان، وعاد النعم على المالك إن كان يميز الزكاة عن المال، فإن كان يميز بين الأصناف .. فمن سهم العامل قطعاً، وأجرة الراعي والحافظ بعد قبضها في جملة الزكوات لا من سهم العامل في الأصح، وأجرة الناقل والمخزن في الجملة، ومؤنة إحضار الماشية للعد على المالك.

الرابع: المؤلفة، وهو من أسلم ونيته ضعيفة؛ أي: أو له شرف يرجى بإعطائه إسلام نظرائه، والمذهب: أنهم يعطون من الزكاة، ومن جاهدوا من يليهم، أو قبضوا الزكاة من مانعيها .. يعطون من سهم المؤلفة في أرجح الأقوال.

قال الإمام: وتسميتهم مؤلفة مجاز، وأما مؤلفة الكفار كمن يرجى إسلامه بإعطائه، أو يخاف شره .. فلا يعطون من زكاة ولا غيرها، وقيل: يعطون من خمس الخمس.

الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون، فيدفع لهم ما يعينهم على العتق؛ بشرط ألا يكون معهم وفاء بالنجوم، وصحة الكتابة لا إذن السيد، والأحوط: الصرف إليه بإذن المكاتب، ولا يجزاء بغير إذنه، لكن يسقط عنه بقدره، ويجوز الصرف إليه قبل حلول النجم في الأصح، وليس له الصرف إلى مكاتبه، ولا لمن كوتب بعضه على الصحيح.

ولو استغنى عن المعطي بإعتاق أو إبراء أو أداء الغير، أو أدائه من مال آخر .. استرد في الأصح، ويجزاء في غارم استغنى، وإن تلف بعد العتق .. غرمه، أو قبله .. فلا على الصحيح.

ص: 455

قال الغزالي: وكذا لو أتلفه، ولو عجز .. استرد منه، فإن كان تالفاً .. غرمه في الأصح، ويتعلق بذمته لا برقبته في الأصح، ولو دفعه إلى السيد وعجز ببقية النجوم .. ففي الاسترداد والغرم عند التلف الخلاف، ولو اقترض وأدى فعتق .. لم يعط من سهم الرقاب بل الغارمين؛ كما لو قال لعبده:(أنت حر على ألف) فقيل.

السادس: الغارم، وهو ثلاثة أنواع:

غارم استدان لنفسه لمباح- أي: غير معصية- من مؤنته ومؤنة عياله، كأكل وشرب وتزوج وهو عادم للمال؛ أي: عاجز عن وفاء دينه بما يزيد على كفايته، فإن لم يعجز عن وفائه بما يزيد عليها .. لم يعط؛ لأنه يأخذ لحاجته إلينا، فاعتبر عجزه كالمكاتب وابن السبيل، بخلاف الغارم للإصلاح كما سيأتي، فإنه يأخذ لحاجتنا إليه؛ لتسكين الفتنة.

فعلم أنه يعطى مع قدرته على وفاء دينه ببيع ملبوسه أو فراشه أو مركوبه أو خادمه المحتاج إليه، وأنه لو لم يملك شيئاً لكن يقدر على كسب يفي بدينه .. أعطي أيضاً كالمكاتب، ويفارق الفقير والمسكين؛ بأن حاجتهما إنما تتحقق بالتدريج، والكسوب يحصلها كل يوم، وحاجة المكاتب والغارم ناجزة؛ لثبوت الدين في ذمتهما والكسب لا يدفعها إلا بالتدريج غالباً.

وخرج بقوله: (من للمباح ادان): من استدان لمعصية؛ كأن اشترى به خمراً، أو صرفه في زناً أو قمار، أو إسراف في نفقة .. فلا يعطى، فإن تاب .. فوجهان، أصحهما: يعطى إذا غلب على الظن صدق توبته، وإن قصرت المدة كالخارج لمعصية إذا تاب وأراد الرجوع .. فإنه يعطى من سهم ابن السبيل.

قال الإمام: ولو استدان لمعصية ثم صرفه في مباح .. أعطي، وفي عكسه يعطى أيضاً إن عرف قصد الإباحة أو لا، لكنا لا نصدقه فيه، ولو كان الدين مؤجلاً .. فوجوه، أصحها: لا يعطى؛ لأنه غير محتاج إلى وفائه حينئذ، والفرق بينه وبين المكاتب: الاعتناء بالحرص على تعجيل العتق، وربما يعجز السيد مكاتبه عند الحلول.

وغارم استدان لإصلاح ذات البين؛ كتحمل دية قتيل، أو قيمة متلف تخاصم فيه قبيلتان أو شخصان فسكن الفتنة بذلك، فيعطى وإن كان غنياً ولو بالنقد على الصحيح؛ لعموم الآية،

ص: 456

ولأنا لو اعتبرنا الفقر .. لقلا الرغبة في هذه المكرمة، وحكم من استدان لعمارة مسجد أو قرى ضيف .. كالمستدين لمصلحة نفسه؛ كما قال السرخسي، وحكى الروياني: أنه يعطى مع الغنى بالعقار، قال: وهو الاختيار، ونقل الشيخان ذلك وأقراه، وجزم صاحب "الأنوار" بالأول، وصاحب "الروض" بالثاني.

وغارم للضمان لدين على غيره فيعطى مع بقائه عليه ما يقضيه به إن أعسر هو والأصيل، أو وجده وكان متبرعاً؛ لعدم رجوعه حينئذ على الأصيل، فإن أيسرا أو الضامن .. لم يعط، أو بالعكس. .أعطي الأصيل لا الضامن في الأصح.

فإن أدى الغارم الدين من ماله، أو بذل ماله ابتداء .. لم يعط، وإذا وفى الضامن من سهم الغارمين .. لا يرجع على الأصيل وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده.

قال الماوردي: فلو أخذ سهمه فلم يصرفه في دينه حتى أبراء منه، أو قضي عنه، أو قضاه من غير ما أخذه .. استرجع، إلا أن يقضيه من قرض .. فلا يسترجع؛ إذ لم يسقط عنه دينه، وإنما صار لآخر كالحوالة عليه، فلو أبراء منه أو قضاه من غير قرض فلم يسترجع منه ما أخذه، حتى لزمه دين صار به غارماً .. فوجهان: أحدهما: لا يسترجع منه؛ لأنه يجوز دفعه إليه، والثاني: يسترجع؛ لأنه صار كالمستسلف له قبل غرمه.

السابع: في سبيل الله، وهو غاز محتسب بغزوه بألا يأخذ شيئاً من الفيء فيعطى مع الغنى؛ لعموم الآية، أما المرتزق .. فلا يعطى شيئاً من الزكاة وإن لم يوجد ما يصرف له من الفيء، ويجب على المسلمين إعانته حينئذ.

الثامن: ابن السبيل، وهو معسر بما يوصله مقصده، أو موضع ماله، غريب مجتاز بمحل الزكاة؛ أي: أو منشاء سفر منه، فيعطى ولو كسوباً إذا كان سفره مباحاً، بخلاف سفر المعصية.

ومن طلب زكاة وعلم الإمام استحقاقه أو عدمه .. عمل بعمله، وإلا: فإن ادعى فقراً أو مسكنة أو أن نيته في الإسلام ضعيفة .. صدق.

ص: 457

ومن عرف له مال وادعى تلفه .. كلف البينة، وكذا من ادعى عيالاً في الأصح، ويعطى غاز وابن السبيل بقولهما، فإن لم يخرجا .. استرد، ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة، وكذا مؤلف ادعى أنه شريف مطاع، والمراد بالبينة: إخبار عدلين، ويغني عنها الاستفاضة، وكذا تصديق المولى ورب الدين في الأصح.

ويعطى المكاتب والغارم قدر دينهما، أو ما عجزا عنه، والفقير والمسكين كفايتهما، فيعطى المحترف ما يشتري به آلة حرفته قلت أو كثرت، والتاجر رأس مال يفي ربحه بكفايته غالباً، ومن لا يحسن الكسب كفاية العمر الغالب لا سنة في الأصح .. فيعطى ما يشتري به عقاراً تكفيه غلته، وابن السبيل ما يوصله مقصده، أو موضع ماله من نفقة وكسوة يحتاجها لشتاء أو صيف، ومركوب إن كان ضعيفاً عن المشي أو السفر طويلاً، وما ينقل زاده ومتاعه إلا أن اعتاد مثله حمله بنفسه، فإن ضاق المال .. أعطي أجرة للمركوب، وإلا .. اشتري له، وإذا تم سفره .. استرد على الصحيح، ويعطى كذلك لرجوعه على الصحيح إن أراده ولا مال له بمقصده، ولا يعطى لمدة الإقامة إلا إقامة المسافرين.

ويعطى الغازي نفقته وكسوته، ونفقه عياله ذهاباً ورجوعاً وإقامة في الثغر وإن طالت، ويعطى هو ابن السبيل جميع المؤنة، وقيل: الزائد للسفر، وما يشتري به السلاح وآلة القتال، وكذا الفرس إن كان يقاتل فارساً ويصير ملكاً له، أو يستأجر له، ويختلف الحال بكثرة المال وقلته.

وأما ما يحمل عليه الزاد ومتاعه ويركبه في الطريق .. فكابن السبيل، وإنما يعطى إذا حضر وقت الخروج؛ ليهياء به أسباب سفره.

وإن مات في الطريق أو امتنع .. استرد ما بقي، وإن غزا ورجع وبقي منه بقية صالحة ولم يقتر على نفسه .. استردت، أو يسيره أو قتر .. فلا، وفي مثله في ابن السبيل يسترد مطلقاً.

ويتخير الإمام بين أن يدفع الفرس والسلاح إلى الغازي ملكاً، وبين أن يستأجر له مركوباً، وبين أن يشتري خيلاً من السهم ويقفها في سبيل الله تعالى ويعيرهم إياها عند الحاجة، فإذا انقضت .. استردت.

ويعطى المؤلف ما يراه الإمام، والعامل أجرة مثل عمله، فإن زاد سهم العاملين عليها .. رد الفاضل على بقية الأصناف، أو نقص عنها .. كمل من مال الزكاة على المذهب، ويجوز من سهم المصالح، بل للإمام جعل الإجرة كلها من بيت المال، ويقسم الزكاة على بقية الأصناف.

ص: 458

(ثلاثة أقل كل صنف

في غير عامل، وليس يكفي)

(دفع لكافر ولا ممسوس رق

ولا نصيبين بوصفي مستحق)

(ولا بني هاشم والمطلب

ولا الغني بمال أو تكسب)

(ومن بإنفاق من الزوج، ومن

حتماً من القريب مكفي المؤن)

(والنقل من موضع رب الملك

في فطرة والمال فيما زكي)

(لا يسقط الفرض، وفي التكفير

يسقط والإيصاء والمنذور)

فيها أربع مسائل:

[أقل ما يجزاء في الزكاة من كل صنف]

الأولى: أقل ما يجزاء في الزكاة: إعطاء ثلاثة من كل صنف إن وجدهم؛ عملاً بأقل الجمع في غير الأخيرين في الآية، وبالقياس عليه فيهما، ومحله كما علم مما مر: إذا قسم المالك ولم ينحصر المستحقون في البلد، أو انحصروا [و] لم يوف بهم المال، أما إذا قسم الإمام أو المالك وانحصر المستحقون في البلد ووفى بهم المال .. فيجب استيعاب الآحاد إلا العامل؛ فإنه يجوز أن يكون واحداً إذا حصلت الكفاية به؛ لحصول المقصود به، ويجوز أن يستغنى عنه؛ بأن يقسم المالك أو الإمام ولا عامل؛ بأن حمل أصحاب الأموال زكاة أموالهم إلى الإمام.

[من لا يجزاء دفع الزكاة إليهم]

الثانية: أنه لا يكفي دفع شيء من الزكاة لكافر؛ لخبر "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، لكن يجوز أن يكون الكيال والحمال والحافظ ونحوهم كفاراً مستأجرين من سهم العامل، لأن ذلك أجرة لا زكاة؛ ذكره الأذرعي والزركشي وغيرهما.

ولا لممسوس برق ولو مبعضاً إلا المكاتب؛ كما مر.

ولا دفع نصيبين من زكاة واحدة لوصفي مستحق اجتمعا فيه من أوصاف الاستحقاق؛ كفقير

ص: 459

غاز، بل يدفع إليه بما يختاره منهما؛ لاقتضاء العطف في الآية التغاير، وفي "الروضة" عن الشيخ نصر المقدسي: إذا قلنا: لا يعطى إلا بوصف واحد .. فأخذ الفقير الغارم بالفقر أو بالغرم، وأخذه غريمه بدينه، فإن بقي فقيراً .. أعطي من سهم الفقراء؛ لأنه الآن محتاج. انتهي.

ويؤخذ منه أيضاً: أن محل منع إعطائه بوصفين: إذا أعطي بهما دفعة أو مرتباً ولم يتصرف فيما أخذه أولاً.

ولا يكفي دفع شيء منهما لبني هاشم أو المطلب ولو انقطع عنها خمس الخمس؛ لخلو بيت المال عن الفيء والغنيمة، أو استيلاء الظلمة عليهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا آل محمد" رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئاً، ولا غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم" رواه الطبراني في "معجمه الكبير".

ومثلهم مولاهم في الأصح؛ لخبر: "مولى القوم منهم" صححه الترمذي وغيره.

نعم؛ لو استعملهم الإمام في الحفظ والنقل .. فلهم أجرته؛ كما في "المجموع" عن صاحب "البيان"، وجزم به ابن الصباغ وغيره، وينبغي أن يكون محله إذا استؤجروا للنقل ونحوه كما مر نظيره.

ولا يكفي دفع شيء من سهم الفقراء والمساكين للمكفية بنفقة زوجها؛ لاستغنائها بنفقته ولو كانت ناشزة على الصحيح، وللزوج أن يعطيها من سهم المكاتب والغارم قطعاً، ومن سهم المؤلفة في الأصح، لا من سهم ابن السبيل إن سافرت معه.

وإن سافرت وحدها بغير إذنه .. لم تعط منه، وتعطى هي والعاصي بالسفر من سهم الفقراء أو المساكين، بخلاف الناشزة المقيمة؛ فإنها قادرة على الغنى بالطاعة، فأشبهت القادر على الكسب، والمسافر لا يقدر على العود في الحال، فإن تركت السفر وعزمت على العود إليه ..

ص: 460

أعطيت من سهم ابن السبيل، أو بإذنه .. أعطيت منه مؤنة السفر فقط إن سافرت لحاجته، وإلا .. فكفايتها، ولا تكون عاملة ولا غازية.

والمكفي بنفقة قريب تلزمه نفقته .. لا يعطيه غيره من سهم الفقراء أو المساكين؛ لاستغنائه بالنفقة، ويجوز من غيرهما قطعاً، ولا يعطيه المنفق منهما ويجوز من غيرهما، لا من سهم المؤلفة وإن كان فقيراً، ويعطيه من سهم ابن السبيل مؤنة السفر فقط.

[نقل الزكاة لا يسقط الفرض]

الثالثة: نقل الزكاة من موضع رب الملك في الفطرة حال وجوبها [و] من موضع المال حال وجوبها، فيما زكي منه مع وجود الأصناف أو بعضهم فيه إلى غيره، وإن قربت المسافة .. لا يسقط فرضها؛ لأنه حرام؛ لخبر معاذ، ولأن نقلها يوحش أصناف البلد بعد امتداد أطماعهم إليها، ولو كان من تلزمه فطرته .. فالعبرة ببلد المؤدى عنه؛ لأن الوجوب بسببه؛ لأنها صدقة البدن، هذا إن نقلها المزكي، فإن نقلها الإمام ولو بنائبه .. سقط الفرض؛ لأن له النقل.

ولو كان له مال ببلدين وكان في تفرقة زكاة كل طائفة ببلدها تشقيص؛ كأن ملك أربعين شاة بكل بلد عشرون .. فالأصح: جواز إخراج شاة في أحدهما؛ حذراً من التشقيص.

وأهل الخيام الذين لا قرار لهم يصرفون زكاتهم لمن معهم، فإن لم يكن معهم مستحق .. فلأقرب بلد إليهم عند تمام الحول، وإن كان لهم مسكن، وربما ارتحلوا عنه منتجعين ثم عادوا: فإن لم يتميز بعضهم عن بعض في الماء والمرعى .. صرفوه إلى من دون مرحلتين من موضع المال، والصرف إلى من معهم في الإقامة والظعن .. أفضل، وإن تميز .. فالأصح: أن كل حلة كقرية.

[النقل من بلد المال في التكفير يسقط الفرض]

الرابعة: النقل من بلد المال في التكفير .. يسقط الفرض، وكذا في الإيصاء لصنف والمنذور؛ إذ الأطماع لا تمتد إليها امتدادها إلي الزكاة، وكذا لو وقف على صنف، ومحله فيها وفي اللتين قبلها: إذا لم ينص رب المال على بلد.

وقول الناظم: (هاشم) غير منون للوزن، وقوله:(الغني) بسكون الياء؛ إجراء للوصل مجرى الوقف، وقوله:(أو تكسب) بإسقاط الهمزة للوزن.

ص: 461

[صدقة التطوع]

(وصدقات النفل في الإسرار

أولى، وفي قريبه والجار)

(ووقت حاجة وفي شهر الصيام

وهو بما أحتاج عياله حرام)

(وفاضل الحاجة فيه أجر

لمن له على اضطرار صبر)

أي: صدقات التطوع سنة؛ لقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} ، ولخبر:"ما تصدق أحد من كسب طيب .. إلا أخذها الله سبحانه وتعالى بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله؛ حتى تكون أعظم من الجبل"، وخبر:"ليتصدق الرجل من ديناره، وليتصدق من درهمه، وليتصدق من صاع بره" رواهما مسلم، وخبر:"كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" رواه ابن حبان والحاكم وصححاه، وهي في الإسرار- بكسر الهمزة؛ أي: السر- أولى منها في الجهر؛ لقوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات} ولما في "الصحيحين" في خبر السبعة الذين يظلهم الله تعالى تحت ظل عرشه من قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه" وهذا بخلاف الزكاة، فإن إظهارها أفضل.

والصدقة في قريبه وإن لزمته نفقته أولى منها في غيره؛ لخبر: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان؛ صدقة وصلة" رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.

والصدقة في الجار أولى منها في غيره؛ لخبر البخاري عن عائشة: قلت: يا رسول الله؛ إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ فقال:"إلى أقربهما منك باباً".

والصدقة وقت الحاجة؛ أي: أمامها أولى من غيره؛ لأنه أقرب إلى قضائها وإلى الإجابة.

والصدقة في شهر الصيام أولى منها في غيره؛ لخبر البخاري: (أنه صلى الله عليه وسلم

ص: 462

كان أجود ما يكون في رمضان)، وخبر الترمذي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان"، ولأن الناس فيه مشغولون بالطاعات فلا يتفرغون لمكاسبهم.

وتتأكد الصدقة أيضاً عند الأمور المهمة، وفي الغزو والحج والكسوف والمرض والسفر، وفي سائر الأوقات الفاضلة؛ كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وفي الأماكن الشريفة؛ كمكة والمدينة وبيت المقدس.

والأولى: أن يبدأ بذي رحم محرم الأقرب فالأقرب، وألحق بهم الزوجات، ثم بذي رحم غير محرم؛ كأولاد العم والخال، ثم بمحرم الرضاع، ثم المصاهرة، ثم المولى من أعلى، ثم المولى من أسفل الأقرب فالأقرب، ثم جار أقرب، ثم جار أقرب، ثم أبعد.

ويقدم قريب بعدت داره على جار أجنبي، إلا أن يكون خارج البلد .. فيقدم الأجنبي، ويقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة؛ لخبر الدارقطني:"أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح" إذ المراد بـ (الكاشح): العدو كما جزم به الهروي، وليتألف قلبه، ولما فيه من سقوط الرياء وكسر النفس.

ويكره التصدق بالرديء، وبما فيه شبهة، وينبغي ألا يمتنع من الصدقة بالقليل احتقاراً له.

ويسن أن يدفعها بطيب نفس، وأن يتصدق بما يحبه، ويتأكد بالماء، ويحرم المن بها، فإذا من بها .. بطل ثوابها، وتحل لغني وكافر.

قال في "الروضة": ويستحب للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لها، وفي "البيان": يحرم عليه أخذها مظهراً للفاقة، قال: وهو حسن، وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات من أهل الصفة، فوجدوا له دينارين:"كيتان من نار".

قال: وأما سؤالها .. فقال الماوردي وغيره: إن كان محتاجاً .. لم يحرم، وإن كان غنياً بمال أو صنعة .. فحرام وما يأخذه حرام، ومن تصدق بشيء .. كره له أن يتملكه من جهة من

ص: 463

دفعه إليه بمعاوضة أو هبة، ولا بأس بملكه منه بالإرث، ولا يتملكه من غيره.

قول الناظم: (وهو) أي: التصدق بما احتاج إليه عياله الذين تلزمه مؤنتهم .. حرام، وكذا يحرم عليه التصدق بما يحتاجه لدين لا يرجو له وفاء؛ لأن كلا منهما حق واجب فلا يترك لسنة، فإن رجا وفاءه من جهة أخرى واستند ذلك إلى سبب ظاهر .. فلا بأس بالتصدق، أما التصدق بما يحتاجه لمؤنة نفسه .. فصحح في "الروضة": عدم استحبابه، وفي "المجموع": تحريمه.

قوله: (وفاضل الحاجة) أي: حاجة دينه ومؤنة نفسه وممونه .. فيه؛ أي: في التصدق به أجر لمن له على اضطرار صبر بلا مشقة؛ لقضية الصديق في التصدق بجميع ماله وقبول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه، صححه الترمذي، فإن شق عليه الصبر على الاضطرار والفاقة .. فليس له في التصدق به أجر؛ لأنه غير مستحب حينئذ، بل هو مكروه، أما قوله صلى الله عليه وسلم:"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" .. فالمراد به: غنى النفس وصبرها على الفقر.

قال بعض المتأخرين: والظاهر أن المراد بـ (ما يحتاجه): ما يلزمه من نفقة ليومه وكسوة لفصله، لا ما يلزمه في الحال فقط، ولا ما يلزمه في سنة بأن يدخر قوتها ويتصدق بالفاضل.

ص: 464