المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة المسافر - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌باب صلاة المسافر

‌باب صلاة المسافر

أي: كيفيتها، شرعت تخفيفاً عليه؛ لما يلحقه من تعب السفر، وهي نوعان: القصر والجمع، وذكر فيه الجمع بالمطر للمقيم، وأهمها القصر؛ ولهذا بدأ المصنف به كغيره فقال:

(رخص قصر أربع فرض أدا

وفائت في سفر إن قصدا)

(ستة عشر فرسخا ذهابا

في السفر المباح حتى آبا)

[قصر الفرائض الرباعية]

أي: رخص قصر صلاة ذات أربع من الركعات، فرض من الصلوات الخمس، أداء؛ أي: مؤدي ولو بإدراك ركعة منه في وقته، وفائت في سفر سواء أقضاه في ذلك السفر أم في سفر آخر إلى ركعتين بالإجماع، وقال تعالى:{وإذا ضربتم في الأرض} [النساء: 101] الآية، قال يعلي بن أمية: قلت لعمر: إنما قال تعالى: {إن خفتم} [التوبة: 28] .. وقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى عليه وسلم، فقال:«صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» رواه مسلم.

وعلم من كلامه: أنه لو أتم .. جاز، وهو كذلك؛ فقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة قالت: يا رسول الله؛ قصرت وأتممت وأفطرت وصمت؟ قال: "أحسنت يا عائشة"، وأما خبر:"فرضت الصلاة ركعتين"، أي: في السفر .. فمعناه: لمن أراد الاقتصار عليهما؛ جمعاً بين الأخبار، قاله في "المجموع"، ولكن القصر أفضل من الإتمام إذا بلغ السفر ثلاث مراحل؛ للاتباع، رواه الشيخان، وللخروج من خلاف من

ص: 364

يوجب القصر حينئذ كأبي حنيفة، إلا لملاح يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده، ومن لا وطن له وعادته السير أبداً .. فالأفضل لهما الإتمام كما في "الروضة" وغيرها، فإن لم يبلغها .. فالإتمام أفضل؛ لأنه الأصل، إلا في صلاة الخوف؛ فالقصر أفضل، وكذا في حق من وجد في نفسه كراهة القصر، بل يكره له الإتمام إلى أن تزول الكراهة، وكذا القول في سائر الرخص.

وخرج بما ذكره: الثنائية والثلاثية والنافلة والمنذورة؛ فلا تقصر إجماعاً، وفائت الحضر؛ فلا يقصر في السفر كالحضر، ولاستقرار الأربع في ذمته، وما شك في أنه فائتة سفر أو حضر؛ فلا يقصر احتياطاً؛ لان الأصل الإتمام، وأما خبر مسلم:«فرضت الصلاة في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» .. فمحمول على أن المراد: ركعة مع الإمام، وينفرد بالأخرى.

[المسافة التي يترخص المسافر فيها بالقصر]

والترخيص بالقصر؛ أي: ونحوه؛ إن قصد ستة عشر فرسخاً يقيناً أو ظناً ولو باجتهاد، ولخبر:(كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد)، علقه البخاري بصيغة جزم، وأسنده البيهقي بسند صحيح، ومثله إنما يفعل عن توقيف، وهي ستة عشر فرسخاً؛ إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية؛ نسبة لبني هاشم وقت خلافتهم لا هاشم نفسه كما وقع للرافعي، والميل: أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام، فهي اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف ذراع، والذراع، أربعة وعشرون إصبعاً معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون.

فمسافة القصر بالبرد: أربعة، وبالفراسخ: ستة عشر، وبالأميال: ثمانية وأربعون، وبالأقدام: خمس مئة ألف وستة وسبعون ألفاً، وبالأذرع: مئتا ألف وثمانية وثمانون ألفاً، وبالأصابع: ستة آلاف ألف وتسع مئة ألف واثنا عشر ألف، وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف، وأربع مئة واثنان وسبعون ألفاً، وبالشعرات مئتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمان مئة ألف واثنان وثلاثون ألفاً.

ص: 365

والزمن يوم وليلة مع المعتاد؛ من النزول والاستراحة، والأكل والصلاة ونحوها، وذلك مرحلتان بسير الأثقال، ودبيب الأقدام، وضبطها بذلك تحديد؛ لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة، ولأن القصر أو الجمع على خلاف الأصل، فيحتاط فيه بتحقق تقدير المسافة، بخلاف تقدير القلتين وتقدير مسافة الإمام والمأموم.

والبحر كالبر في المسافة المذكورة، فلو قطع الأميال فيه في ساعة أو لحظة لشدة جري السفينة بالهواء .. قصر فيها كما يقصر لو قطع الأميال في البر في يوم بالسعي.

[شرط الترخص بالقصر]

وشرط الترخص بالقصر ونحوه: قصد موضع معين أول السفر؛ ليعلم أنه طويل فيقصر، فلا ترخص للهائم، وهو: الذي لا يدري أين يتوجه وإن سلك طريقاً، ولا لراكب التعاسيف، وهو: الذي لا يدري أين يتوجه ولا يسلك طريقاً، سواء أطال سفرهما أم لا، ونقل الإمام عن الصيدلاني أن، الهائم عاص؛ أي: لأن إتعاب النفس بالسفر بلا غرض .. حرام، ومثله: راكب التعاسيف، بل أولى.

وخرج بقوله: (إن قصد ستة عشر فرسخاً) ما لو قصد دونها؛ فإنه لا يترخص بالقصر ونحوه، وما لو شك في بلوغ سفره لها كالرقيق والزوجة والجندي إذا اتبعوا متبوعهم ولم يعرفوا مقصده لا يترخصون، فلو نووا مسافة القصر .. قصر الجندي دونهما؛ لأنه ليس تحت قهر الأمير، بخلافهما؛ فنيتهما كالعدم، ذكره الشيخان.

ولا يخالفه في الجندي قولهما: لو نوى العبد أو الزوجة أو الجيش إقامة أربعة أيام ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير .. فأقوى الوجهين: أن لهم القصر؛ لأنهم لا يستقلون، فنيتهم كالعدم؛ لأنه يلزم من عدم حجر الأمير على الآحاد عدمه على الجيش؛ لعظم الفساد بمخالفة الجيش دون الجندي، فلو ساروا مرحلتين .. قصروا، ذكره في "المجموع" أخذاً من مسألة النص المذكورة في "الروضة"، وهي: لو أسر الكفار رجلاً فساروا به ولم يعلم أين يذهبون به .. لم يقصر، وإن سار معهم يومين .. قصر بعد ذلك، وما تفقهه، صرح به في "التتمة".

ص: 366

ويؤخذ مما مر: أنهم لو عرفوا أن سفره مرحلتان .. قصروا؛ كما لو عرفوا أن مقصده مرحلتان.

وقوله: (ذهاباً) أي: إنما تعتبر المسافة ذهاباً، فلو قصد مكاناً على مرحلة بعزم العود من غير إقامة .. فلا ترخص له بقصر ونحوه وإن نالته مشقة سفر مرحلتين؛ لخبر الشافعي بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه سئل أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا، ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف، فقدره بالذهاب وحده، ولأن ذلك لا يسمى سفراً طويلاً، والغالب في الرخص الإتباع.

ثم إن يسافر من بلد لها سور في جهة مقصده .. فابتداء سفره مجاوزته وإن تعدد كما قاله الإمام وإن كان داخله مزارع وخراب؛ لأن ذلك معدود من البلد؛ فإن كان وراءه عمارة .. لم يشترط مجاوزتها في الأصح؛ لأنها لا تعد من البلد، ولهذا يقال: مدرسة كذا خارج البلد، وصحح الرافعي مجاوزتها؛ لتبعيتها للبلد بالإقامة فيها.

ولو جمع سور قرى متفاصلة .. لم تشترط مجاوزته، وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين. وإن لم يكن لها سور أو لم يكن في صوب مقصده .. فمجاوزة العمران وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان؛ ليفارق وضع الإقامة.

ولو خرب طرف البلد وبقاية الحيطان قائمة؛ ولم يتخذوه مزارع ولا هجروه بالتحويط على العامر .. اشترط مجاوزته على الأصح في "المجموع"، وإلا .. فلا تشترط مجاوزته كالبساتين والمزارع المتصلة بالبلد ولو محوطة؛ لأنها لم تتخذ للإقامة، فإن كان فيها دور أو قصور تسكن في بعض فصول السنة .. ففي "الروضة" كـ "أصلها" و"الشرح الصغير": اشتراط مجاوزتها، وأطلق "المنهاج" كـ "أصله" عدم اشتراطها، وقال في "المجموع": لم يذكره الجمهور، والظاهر: عدم اشتراطها؛ لأن ذلك لا يجعلها من البلد، وفي "المهمات": أن الفتوى عليه.

ص: 367

والقريتان المتصلتان .. يشترط مجاوزتهما لا المنفصلتان، خلافاً لابن سريج في المتقاربتين.

أومن الصحراء .. فمجاوزة بقعة رحله، أو من خيام .. فمجاوزة حلته، وضابطها: أن يجتمع أهلها للسمر في ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض وإن تفرقت منازلهم، ومنها: مرافقها كمطرح رماد، وملعب صبيان، وناد، وعطن، وماء، ومحتطب، إلا أن يتسعا بحيث لا يختصان بالنازلين، والحلتان كالقريتين.

أو من وادٍ سافر في عرضه .. فمجاوزة العرض، إلا أن تفرط سعته .. فيشترط مجاوزة ما يعد من منزله أو من حلة هو فيها؛ كما لو سافر من طوله.

أو من ربوة .. فأن يهبط، أو وهدة .. فأن يصعد إن اعتدلتا، وإلا .. فما يعد من منزله، أو من حلة هو فيها.

[ترخص المسافر في السفر المباح]

وإنما يترخص المسافر في السفر المباح؛ أي: الجائز وإن عصى فيه، واجباً كان؛ كحجة الإسلام والجهاد، أو مندوباً؛ كزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مباحاً؛ كالتجارة، أو مكروهاً؛ كسفر من تلزمه الجمعة ليلتها، أو خلاف الأولى؛ فلا يترخص العاصي بسفره؛ كأن هرب رقيق من سيده، أو زوجة من زوجها، أو غريم موسر من غريمه، أو سافر ليسرق أو يزني، أو يقتل بريئاً، أو يأخذ المكوس؛ فلا يترخص بقصر ولا جمع ولا إفطار، ولا تنفل على راحلة، ولا مسح الخف ثلاثاً، ولا سقوط جمعة، ولا أكل ميتة ونحوها؛ لما فيه من الإعانة على المعصية.

وقوله: (حتى آبا) أي: يترخص بالقصر ونحوه حتى رجع إلى مكان شرط مجاوزته ابتداء؛ من سور أو عمران أو غير ذلك، فينقطع ترخصه بعودة إلى وطنه وإن نوى أنه إذا رجع إليه .. خرج في الحال على المذهب، وبوصوله لموضع عزم أن يقيم به مدة تمنع الترخص، وبنية إقامة أربعة أيام بموضع وإن لم يصلح لها، ولا يحسب منها يوما دخوله وخروجه على الأصح، ولو أقام بمكان بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت .. ترخص ثمانية عشر يوماً في الأظهر.

وألف (قصدا) و (آبا) للأطلاق.

ص: 368

[شرط القصر نيته وترك منافيها]

(وشرطه: النية في الإحرام

وترك ما خالف في الدوام)

أي: شرط القصر: نيته في الإحرام؛ لئلا تنعقد صلاته على الأصل وهو الإتمام، وترك ما خالف حكم نية القصر في دوام الصلاة؛ كنية الإتمام، والاقتداء بمتم ولو لحظة، فلو نوى الإتمام أو لم ينو قصراً ولا إتماماً، أو تردد في أنه يقصر أو يتم ولو في بعض الصلاة .. لزمه الإتمام؛ لأنه المنوي في الأولى، والأصل في الأخيرتين.

ويشترط أيضاً: علمه بجوازه، فلو قصر جاهلاً بجوازه .. لم تصح صلاته؛ لتلاعبه؛ إذ هو عابث في اعتقاده غير مصل.

(وجاز أن يجمع بين العصرين

في وقت إحدى ذين كالعشاءين)

(كما يجوز الجمع للمقيم

لمطرٍ لكن مع التقديم)

(إن مطرت عند ابتداء البادية

وختمها وفي ابتداء الثانيه)

(لمن يصلي مع جماعةٍ إذا

جا من بعيدٍ مسجداً نال الأذى)

(وشرطه: النية في الأولى، وما

رتب، والولا وإن تيمما)

فيها ثلاث مسائل:

[جواز الجمع للمسافر]

الأولى: يجوز للمسافر سفراً طويلاً مباحاً أن يجمع بين العصرين- تثنية الظهر والعصر تغليباً، وغلبت العصر؛ لخفة لفظها وشرفها- في وقت إحداهما تقديماً أو تأخيراً، وبين العشاءين- تثنية المغرب والعشاء تغليباً، وغلبت العشاء؛ لما مر- تقديماً أو تأخيراً، وروى الشيخان عن أنس:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .. أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل .. صلى الظهر والعصر، ثم ركب).

ص: 369

ورويا أيضاً واللفظ لمسلم عن ابن عمر: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير .. جمع بين المغرب والعشاء).

وروى مسلم عن أنس: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير .. يؤخر الظهر إلى وقت العصر يجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق).

وروى أبو داوود عن معاذ: (أنه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل .. جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس .. أخر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثم جمع بينهما) وحسنة الترمذي، وقال البيهقي: هو محفوظ، والسفر فيها محمول على الطويل؛ لأن ذلك إخراج عبادة عن وقتها فاختص بالطويل؛ كالفطر، والقصر بجامع الرخصة.

وخرج بـ (العصرين) و (العشاءين): الصبح مع غيرها، والعصر مع المغرب، فلا يجمعان؛ لأنه لم يرد، ويجوز جمع الجمعة والعصر بالسفر تقديماً كما قاله بعضهم واعتمده الزركشي، ويستثنى من جمع التقديم المتحيرة؛ كما في "الروضة" في بابها.

[جواز الجمع لأجل المطر وشروطه]

الثانية: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمقيم لأجل المطر ولو ضعيفاً، إن كان بحيث يبل ثيابه، لكن جمع تقديم لا تأخير؛ لخبر "الصحيحين" عن ابن عباس:(أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً؛ الظهر والعصر والمغرب والعشاء)، وفي رواية لمسلم:(من غير خوف ولا سفر)، قال الشافعي رضي الله عنه كمالك: أرى ذلك بعذر المطر، ويجوز جمع الجمعة والعصر بالمطر كما في "الروضة" و"أصلها".

ص: 370

وإنما امتنع الجمع به تأخيراً؛ لأن استدامته ليست إليه، بخلاف السفر، ومثل المطر الشفان، وكذا الثلج والبرد وإن ذابا؛ لتضمنها القدر المبيح من بل الثوب.

وقوله: (إن مطرت

) إلى آخره؛ أي: شرط الجمع بالمطر تقديماً: وجوده عند افتتاح الأولى التي يبدأ بها، وعند ختامها؛ أي: سلامها المحلل منها، وعند ابتداء الثانية، أما اشتراط وجوده عند التحرمين .. فليقارن الجمع العذر، وأما عند تحلل الأولى .. فليتحقق اتصال آخرها بأول الثانية مقروناً بالعذر، وعلم: أنه لا يضر انقطاعه في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدها.

وإنما يجوز الجمع بالمطر تقديماً لمن يصلي مع جماعة إذا جاء المسجد من مكانٍ بعيدٍ يناله الأذى بالمطر في طريقه ببل ثيابه، بخلاف من يصلي منفرداً أو مع جماعة ببيته أو بمسجد قريب .. فلا يجمع؛ لانتفاء المشقة لغيره عنه.

وأما جمعه صلى الله عليه وسلم مع أن بيوت أزواجه كانت بجنب المسجد .. فأجيب عنه بأن بيوتهن كانت مختلفة، وأكثرها كانت بعيدة، فلعله حين جمع لم يكن بالقريب، وبأن للإمام أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر كما صرح به ابن أبي هريرة وغيره.

قال المحب الطبري: ولمن خرج إلى المسجد قبل وجود المطر فاتفق وجوده وهو في المسجد أن يجمع؛ لأنه لو لم يجمع .. لاحتاج إلى صلاة العصر أيضاً في جماعة، وفيه مشقة في رجوعه إلى بيته ثم عوده، أو في إقامته في المسجد. انتهى.

وذكر المسجد جري على الغالب؛ إذ مثله في ذلك الرباط ونحوه من أمكنة الجماعة.

[شروط جمع التقديم]

الثالثة: شرطه؛ أي: الجمع بالسفر أو المطر تقديماً ثلاثة:

أولها: نية الجمع في الصلاة الأولى؛ تمييزاً للتقديم المشروع عن التقديم سهواً أو عبثاً، سواء أنواه عند التحرم، أم التحلل، أم بينهما؛ لأن الجمع ضم الثانية إلى الأولى فيكفي سبق النية حالة الجمع، ويفارق القصر بأنه لو تأخرت نيته .. لتأدى جزء على التمام فيمتنع القصر.

وشمل كلامه: ما لو نواه ثم نوى تركه ثم نواه، وقد صرح به في "الروضة"، وما لو

ص: 371

شرع في الأولى بالبلد فسارت السفينة فنوى الجمع، وقد نقله في "المجموع" عن المتولي وأقره.

وثانيها: الترتيب بين الصلاتين وهو تقديم الظهر على العصر، والمغرب على العشاء؛ لأنه المأثور عنه صلى الله عليه وسلم، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولأن الوقت لها والثانية تبع، فلو صلى الثانية قبل الأولى .. لم تصح، أو الأولى قبل الثانية وبان فسادها .. فسدت الثانية أيضاً؛ لانتفاء الترتيب.

وثالثها: الولاء بينهما؛ لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجب الولاء كركعات الصلاة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بين الصلاتين بنمرة .. والى بينهما، وترك الرواتب، وأقام الصلاة بينهما، رواه الشيخان، ولولا اشتراط الولاء .. لما ترك الرواتب، وإن تيمم للثانية أو أقام لها أو صلاها بعد بأن طلب الماء ولم يطل الفصل عرفاً .. فالولاء حاصل، أما الإقامة .. فللخبر السابق، وأما التيمم والطلب .. فلأن كلا منهما فصلٌ يسير لمصلحة الصلاة كالإقامة، بل أولى؛ لأنه شرط دونها، بخلاف ما إذا طال الفصل ولو بعذر كسهوٍ وإغماءٍ.

ولو جمع تأخيراً .. لم تجب نية الجمع والترتيب والولاء، ولكن تستحب، ويجب كون التأخير بنية الجمع قبل خروج وقت الأولى بزمن لو ابتدئت فيه .. كانت أداءً، وإلا .. فيعصي وتكون قضاءً، نقله في "الروضة" كـ"أصلها" عن الأصحاب، وفي "المجموع" و"شرح مسلم" عنهم: بزمن يسعها أو أكثر وهو مبين؛ إذ المراد بالأداء في "الروضة": الأداء الحقيقي؛ بأن يؤتي بجميع الصلاة قبل خروج وقتها، بخلاف الإتيان بركعة منها في الوقت والباقي بعده، فتسميته أداء بتبعية ما بعد الوقت لما فيه، لكن جرى جماعة من المتأخرين على ما اقتضاه كلام "الروضة" و"أصلها" في الاكتفاء بقدر ركعة.

ولو جمع تقديماً فصار قبل الشروع في الثانية مقيماً .. بطل الجمع، أو في الثانية وبعدها .. فلا في الأصح؛ لانعقادها أو تمامها قبل زوال العذر، أو تأخيراً فأقام بعد فراغها .. لم يضر،

ص: 372

وقبله .. يجعل الأولى قضاء؛ لأنها تابعة للثانية في الأداء للعذر وقد زال قبل تمامها.

قال صاحب "التعليقة": وإنما اكتفي في جمع التقديم بدوام السفر إلى عقد الثانية، ولم يكتف به في جمع التأخير، بل شرط دوامه إلى تمامهما؛ لأن وقت الظهر ليس وقت العصر إلا في السفر وقد وجد عند عقد الثانية، فيحصل الجمع، وأما وقت العصر .. فيجوز فيه الظهر بعذر السفر وغيره، فلا ينصرف فيه الظهر إلى السفر إلا إذا وجد السفر فيهما، وإلا .. جاز أن ينصرف إليه؛ لوقوع بعضها فيه، وأن ينصرف إلى غيره؛ لوقوع بعضها في غيره الذي هو الأصل.

وقوله: (جا) و (الولا) بالقصر للوزن، وألف (تيمما) للإطلاق.

[أفضلية التقديم والتأخير بحسب الأرفق]

(والجمع بالتقديم والتأخير

بحسب الأرفق للمعذور)

أي: والجمع الفاضل بالتقديم والتأخير كائن بحسب الأرفق للمسافر، فإن كان سائراً وقت الأولى .. فتأخيرها أفضل، وإن لم يكن سائراً وقت الأولى .. فتقديمها أفضل؛ لما مر في الأحاديث السابقة.

قال بعضهم: وسكتوا عما إذا كان سائراً فيهما .. فيحتمل أن التقديم أفضل؛ رعاية لفضيلة أول الوقت، ويحتمل- وهو ظاهر كلام كثير- عكسه؛ لظاهر الأخبار السابقة، ولانتفاء سهولة جمع التقديم مع الخروج من خلاف من منعه.

[حكم الجمع بالمرض]

(في مرضٍ قول حكي وقوي

واختاره حمد ويحيى النووي)

أي: أنه يجوز الجمع تقديماً وتأخيراً بالمرض في قول حكي وقوي بما في "صحيح مسلم" عن ابن عباس: (أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوفٍ ولا مطرٍ)، وفي

ص: 373

رواية: (من غير خوف ولا سفر)، واختاره حمد الخطابي ويحيى النووي والماوردي في "الإقناع".

وستحب أن يراعي الأرفق بالمريض والأسهل عليه في مرضه كالمسافر، فإن كان يحم في وقت الثانية .. قدمها إلى الأولى بالشروط المتقدمة، وإن كان يحم في وقت الأولى .. أخرها إلى الثانية، فإن استوى في حقه الأمران .. فالتأخير أولى؛ لأنه أخذ بالاحتياط، وخروج من الخلاف، ولكن المشهور: أنه لا جمع بمرضٍ ولا ريحٍ ولا ظلمةٍ ولا خوفٍ ولا وحلٍ ولا نحوها؛ لأنه لم ينقل، ولخبر المواقيت؛ فلا يخالف إلا بصريحٍ.

ص: 374