المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ الاستنجاء أي: وآداب قضاء الحاجة؛ وهو والاستطابة يعمان الماء والحجر. (تلويث - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌بابُ الاستنجاء أي: وآداب قضاء الحاجة؛ وهو والاستطابة يعمان الماء والحجر. (تلويث

‌بابُ الاستنجاء

أي: وآداب قضاء الحاجة؛ وهو والاستطابة يعمان الماء والحجر.

(تلويث فرجٍ موجبُ استنجاء

وسُنَّ بالأحجار ثم الماء)

فيه مسألتان:

[موجب الاستنجاء]

الأولى: تلويث الفرج؛ أي: القبل أو الدبر بخارج نجس منه .. موجب الاستنجاء بماء أو حجر كما سيأتي إزالة للنجاسة لا على الفور؛ فإنه يجوز تأخيره عن الوضوء، بخلاف التيمم، ولا فرق في الملوث المذكور بين كونه معتاداً كالبول، وكونه نادراً كالدم والقيح والمذي والودي، فلا يجب الاستنجاء بخروج ريح ولا نحو بعرة جافة؛ لفوات مقصوده من إزالة النجاسة أو تخفيفها.

[استحباب الجمع بين الماء والأحجار]

الثانية: يسن الاستنجاء بالأحجار، ثم الماء؛ بأن يجمع بينهما مقدماً الأحجار؛ لأن العين تزول بالأحجار، والأثر بالماء من غير حاجة إلى مخامرة عين النجاسة.

وقضية كلام المصنف: أنه لا فرق في استحباب الجمع بين البول والغائط، وأنه لابد من طهارة الأحجار؛ لتحصيل الأفضل، وأنه لا يكتفى بدون الثلاث له وهو كذلك، لكن قال الإسنوي: إن المعنى وسياق كلامهم يدلان على الاكتفاء بدون الثلاث مع الإنقاء، فإن أراد الاقتصار على أحدهما .. فالماء أفضل.

(يُجزئ ماءٌ أو ثلاث أحجار

يُنفي تبها عيناً، وسن الإيتار)

(ولو بأطرافٍ ثلاثةٍ حصل

بكل مسحةٍ لسائر المحل)

ص: 190

فيهما أربع مسائل:

[إجزاء الاستنجاء بماء أو ثلاثة أحجار]

الأولى: أنه يجزئ في الاستنجاء ماء على الأصل في إزالة النجاسة، أو ثلاثة أحجار؛ لأن الشارع جوز الاستنجاء بها حيث فعله، رواه البخاري، وأمر بفعله بقوله فيما رواه الشافعي وغيره:"وليستنج أحدكم بثلاث أحجار"، الموافق لما رواه مسلم وغيره من نهيه عليه الصلاة والسلام عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار.

وقد استفيد من كلامه: أن الشرط أمران: ثلاثة أحجار، وإنقاء المحل، فلا يكفي الإنقاء بدونها، وإلا .. لم يكن لاشتراطها معنى، فإن لم يحصل الإنقاء بها .. وجبت الزيادة إلى حصوله.

وشمل كلامه: أحجار الذهب والفضة والجواهر، وإجزاء الأحجار في دم الحيض، أو نفساء ولو ثيباً وهو كذلك، وفائدته: فيمن انقطع دمها وعجزت عن استعمال الماء؛ لسفر أو مرض أو نحوه فاستنجت بالأحجار، ثم تيممت .. فإنها تصلي ولا إعادة.

والأصح: تعين الماء لاستنجاء قبلي المشكل، وثقبة ينقض الخارج منها، وبول ثيب تحققت وصوله لمدخل الذكر، ولا يجزئ الحجر في بول الأقلف إذا وصل البول إلى الجلدة كما هو الغالب.

[وجوب إنقاء المحل]

الثانية: أنه يجب إنقاء المحل بالأحجار من عين النجاسة؛ بحيث لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، أو صغار الخزف.

[استحباب الإيتار بعد الإنقاء]

الثالثة: أنه يسن الإيتار - بالمثناة - في الاستنجاء بعد الإنقاء المذكور، إن لم يحصل بوتر؛ كأن حصل برابع فيأتي بخامس؛ قال صلى الله عليه وسلم "إذا استجمر أحدكم .. فليوتر" متفق عليه.

ص: 191

[إجزاء ثلاث أطراف حجر إذا أنقى المحل]

الرابعة: أنه يجزئ إنقاء المحل في الاستنجاء بأطراف ثلاثة من حجر واحد؛ لأن المقصود عدد المسحات، بخلاف رمي الجمار.

وقوله: (بكل مسحة لسائر المحل) أي: يجزئ ثلاث أحجار، أو ثلاثة أطراف حجر ينقي بها عين النجاسة حصل بكل منها مسح سائر المحل، ويسن في تعميم المحل بكل مسحة أن يبدأ بالأول من مقدَّم الصفحة اليمنى، ويديره قليلاً قليلاً إلى أن يصل إلى موضع ابتدائه، وبالثاني من مقدم الصفحة اليسرى، ويديره إلى أن يصل إلى موضع ابتدائه، ويمر الثالث على الصفحتين والمَسْرُبة جميعاً، وما ذكره المصنف هو الأصح، وقيل: واحد لليمنى، وآخر لليسرى، والثالث للوسط، وقيل: واحد للوسط مقبلاً، وآخر له مدبراً، ويحلق بالثالث، والخلاف في الأفضل لا في الوجوب على الصحيح في "الروضة" و"أصلها" و"المجموع" وغيرها.

قال بعضهم: ولابد في كل قول: من أن يعم بكل مسحة جميع المحل؛ ليصدق أنه مسحه ثلاث مسحات كما علم من كلام الناظم، وقول ابن المقري في "شرح إرشاده": والأصح: أنه لا يشترط أ، يعم بالمسحة الواحدة المحل وإن كان أولى، بل تكفي مسحة لصفحةٍ، وأخرى للأخرى، والثالثة للمسربة .. مردود، والوجه الثاني الذي أخذ منه ذلك غلَّط الأصحاب - كما في "المجموع" - قائله من حيث الاكتفاء بما لا يعم المحل بكل حجر، لا من حيث الكيفية. انتهى.

قال المتولي: فإن احتاج إلى رابع وخامس .. فصفة استعماله كصفة الثالث.

وقول الناظم: (بكلٍّ) بالتنوين، و (مسحُه) بإضافته لضمير (كل) ورفعه على أنه فاعل (حصل)، أو بإضافة (كل) لـ (مسحةٍ) بتاء التأنيث.

[من شروط الاستنجاء بالحجر]

(والشرط: لا يجف خارجٌ، ولا

يطرأ غيره، ولن ينتقلا)

أي: الشرط في الاستنجاء بالحجر: ألا يجف الخارج، ولا يطرأ عليه غيره، ولا ينتقل

ص: 192

عن الموضع الذي أصابه عند الخروج واستقر فيه، فإن جف، أو طرأ غيره ولو بللاً بالحجر، أو انتقل .. تعيَّن الماء.

نعم؛ لو جف بوله ثم بال ثانياً فوصل بوله إلى ما وصل إليه بوله الأول .. كفى فيه الحجر، صرح به القاضي والقفال، قال: ومثله الغائط؛ أي: إذا كان مائعاً.

وعلم من كلام المصنف: إجزاء الحجر في النادر وفي الخارج المنتشر حول المخرج فوق عادة الناس إن اتصل ولم يجاوز الحشفة في البول والصفحتين في الغائط وهو كذلك، فإن نقطع .. تعين الماء في المنفصل عن المخرج، وأجزأ الحجر في غيره، أو جاوز متصلاً .. تعين الماء في الجميع، أو منقطعاً .. أجزأ الحجر فيما اتصل بالمخرج.

[من سنن الاستنجاء]

ويسن أن يبدأ المستنجي بالماء بقبله، وبالحجر بدبره، وأن يعتمد في الدبر على إصبعه الوسطى، ولا يتعرض للباطن.

ويسن بعد الاستنجاء: أن يدلك يده بالأرض أو نحوها، وأن ينضح فرجه وإزاره من داخله؛ دفعاً للوسواس، ويكفي المرأة في استنجائها غسر ما ظهر منها بجلوسها على القدمين.

والألف في قول الناظم: (ينتقلا) للإطلاق.

(والندب في البناء لا مستقبلاً

أو مدبراً، وحرَّموه في الفلا)

[من سنن قضاء الحاجة في البناء عدم استقبال القبلة أو استدبارها]

أي: السنة لقاضي الحاجة في البناء: الا يستقبل القبلة ولا يستدبرها؛ إكراماً لها، وحرم الأئمة استقباله أو استدباره لها في الفلا، فحملوا الأحاديث الدالة على التحريم على الحالة الثانية، والدالة على الجواز على الأولى.

والمراد بـ (البناء): أن يكون بينه وبين القبلة ساتر مرتفع ثلثي ذراع فأكثر، بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل، سواء أكان في بناء أم فلا، وبـ (الفلا): ألا يكون كذلك، فالاعتبار بالساتر وعدمه لا بالبناء والفلا على الأصح، فيحرم الاستقبال والاستدبار في البناء إذا لم يستتر على الوجه

ص: 193

المذكور، إلا أن يكون في بناء مهيأ لقضاء الحاجة، ذكر ذلك في "المجموع" وغيره.

ولو هبت الريح عن يمين القبلة وشمالها .. جاز ذلك، قاله القفال في "فتاويه".

[آداب قضاء الحاجة]

(ولا بماءٍ راكدٍ، ولا مهب

وتحت مثمرٍ وثقبٍ وسرب)

أي: ومن آداب قضاء الحاجة: الا يقضيها - سواء أكانت بولاً أم غائطاً - بماء راكد؛ أي: فيه، قليلاً كان أو كثيراً؛ لخبر مسلم:(أنه صلى الله عليه وسلم نهى أ، يبال في الماء الراكد)، والنهي فيه للكراهة، وهي في القليل وبالليل أشد؛ لتنجيسه القليل، ولما قيل: إن الماء بالليل مأوى الجن، أما الجاري .. فنقل في شرحي "المهذب" و"مسلم" عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير، ثم قال: وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقاً؛ لإتلافه، وأجيب عنه بإمكان طهره بالمكاثرة، قال: وأما الكثير؛ يعني: من الجاري .. فالأولى اجتنابه، وجزم في "الكفاية" بالكراهة في الليل؛ لما مر.

قال في "المجموع": ويكره البول بقرب القبر، ويحرم عليه، وعلى ما يمتنع الاستنجاء به؛ لحرمته كعظم، ومثله: التغوط، بل أولى، قال: ويكره البول والتغوط بقرب الماء.

ومنها: الا يقضيها في مهب ريح، فيكره أن يستقبلها بالبول بأن تكون هابّةً؛ لئلا يترشرش منه، ومنه المراحيض المشتركة.

ومنها: ألا يقضيها تحت شجرة مثمر ولو مباحاً وفي غير وقت الثمرة؛ صيانة لها عن التلويث عند الوقوف فيعافها الأنفس، وفعله مكروه، ولم يحرموه؛ لأن تنجس الثمرة غير متيقن.

ص: 194

ومنها: ألا يقضيها في ثَقب بفتح المثلثة أفصح من ضمها؛ وهو ما استدار؛ للنهي عنه في خبر أبي داود وغيره.

ومنها: ألا يقضيها في سَرَب بفتح السين والراء؛ وهو ما استطال، ويقال له: الشق إلحاقاً له بالثَّقب، والنهي فيهما للكراهة.

(والظل الطريق، وليبتعد، ولا

يحمل ذكر الله أو من أرسلا)

(ومن سها ضمَّ عليه باليد

ويستعيذ، وبعكس المسجد)

(فقدم اليُمنى، خروجاً، واسأل

مغفرة واحمد، وباليسرى ادخل)

(واعتمد اليسرى، وثوباً حسراً

شيئاً فشيئاً ساكتاً مستترا)

من آداب قضاء الحاجة: الا يقضيها في الظل، وهو موضع اجتماع الناس في الصيف، ومثله الشمس وهو موضع اجتماعهم في الشتاء، وألا يقضيها في الطريق؛ لخبر مسلم:"اتقوا اللعَّانين" قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"، تسببا بذلك في لعن الناس لهما كثيراً عادة، فنسب إليهما بصيغة المبالغة، ورواه أبو داود:"اللاعنين" والمعنى: احذروا سبب اللعن المذكور.

وألحق بظل الناس في الصيف موضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء، والنهي فيهما للكراهة.

وكلام المصنف شامل للبول والغائط، وفي "المجموع" وغيره: ظاهر كلام الأصحاب: أن التغوط في الطريق مكروه، وينبغي أ، يكون محرماً؛ لما فيه من إيذاء المسلمين، ونقل في "الروضة" كـ"أصلها" في (الشهادات) عن صاحب "العدة": أنه حرام، ومثل الطريق في ذلك: المُتحدَّث، وعبارة "الروضة" هنا كـ"أصلها": ومنها - أي: الآداب -: ألا يتخلى في متحدَّث الناس، والتخلي: التغوط كما قاله النووي في "شرح مسلم"

ص: 195

وغيره، وصرح في "المهذب" وغيره بكراهته في المُتحَدَّث والطريق وطرق الماء.

ومنها: أن يبعد عند إرادة قضاء الحاجة عن الناس إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت، ولا يشم له ريح؛ للاتباع، رواه أبو داود.

ومنها: ألا يحمل حال قضاء الحاجة ذكر الله؛ أي: مكتوب ذكره، أو ذكر اسم نبي، قال في "الكفاية" تبعاً للإمام: وكل اسم معظم؛ إكراماً لذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل الخلاء .. نزع خاتمه) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه، وكان نقش خاتمه ثلاثة أسطر:(محمد) سطر، و (رسول) سطر، و (الله) سطر، رواه ابن حبان عن أنس، والحمل المذكور مكروه، ومن سها عن ذلك؛ أي: تركه ولو عمداً حتى قعد لقضاء حاجته .. ضم كفه عليه، أو وضعه في عمامته أو غيرها.

ومنها: أن يستعيذ بالله؛ بأن يقول عند دخوله: (اللهم؛ غني أعوذ بك من الخبث والخبائث) للاتباع، رواه الشيخان، زاد القاضي:(اللهم؛ إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المُخْبِث الشيطان الرجيم)، ويندب أن يقول قبله:(بسم الله) للاتباع، رواه ابن السكن وغيره، وفارق تعوذ القراءة حيث قدموه على البسملة؛ بأنه هناك لقراءة القرآن والبسملة منه فقدم عليها، بخلافه هنا.

و(الخُبُث) بضم الخاء مع ضم الباء وإسكانها: جمع خبيث، و (الخبائث): جمع خبيثة، والمراد بذلك: ذكران الشياطين وإناثهم.

ومنها: أن يقدم اليمنى؛ أي: أو بدلها خروجاً من الخلاء، ويقدم اليسرى؛ أي: أو بدلها عند دخوله، وفي معنى محل قضاء الحاجة فيما ذكر من تقديم اليمنى أو بدلها خروجاً، واليسرى أو بدلها عند دخوله: كل مكان خسيس؛ كمكان أخذ المكوس والصاغة؛ وذلك لأن السرى للأذى، واليمنى لغيره، وهذا بعكس المسجد؛ إذ السنة تقديم اليمنى عند دخوله، واليسرى عند خروجه منه.

ص: 196

ومنها: أن يقول عند خروجه: (غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) للاتباع، رواه أصحاب السنن الأربعة، والتعبير بالدخول والخروج جري على الغالب، فلا يختص الحكم بالبناء، وقوله:(فقدم) و (اسأل) و (احمد) و (ادخل) بلفظ الأمر.

ومنها: أن يعتمد يساره حال جلوسه لقضاء الحاجة، دون يمناه فينصبها؛ لأن ذلك أسهل لخروج الخارج، ولو بال قائماً .. فرَّج بينهما فيعتمدهما.

ومنها: أن يحسر ثوبه؛ أي: يكشفه أدباً شيئاً فشيئاً حتى يدنو من الأرض، فإن خاف تنجسه .. كشفه بقدر حاجته، فإذا فرغ .. أسبله قبل انتصابه؛ تحرزاً عن الكشف بقدر الإمكان، فلو رفع ثوبه دفعة واحدة .. لم يحرم بلا خلاف كما في "المجموع".

وفي "نكتب التنبيه" و"الكفاية" و"شرح المحب الطبري" تخريجه على كشف العورة في الخلوة؛ فيكون الأصح: تحريمه، وهو مردود بأن الخلاف إنما هو في كشفها لغير حاجة؛ إذ أطبقوا على جواز الاغتسال عارياً مع إمكان الستر، ومراعاة رفع الثوب شيئاً فشيئاً أشد حرجاً من الستر عند الاغتسال.

ومنها: أن يسكت عن الكرام من ذكر وغيره؛ إذ يكره الكلام حينئذ إلا لضرورة؛ كأن رأى أعمى يقع في بئر، أو حية أو عقرباً حيواناً محترماً فلا يكره، بل قد يجب، فإن عطس .. حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه، وقد روى ابن حبان وغيره النهي عن التحدث على الغائط.

وأفهم كلامه: جواز قراءة القرآن عند قضاء الحاجة وهو كذلك، وخلافاً لابن كج.

نعم؛ تكره كسائر أنواع الكلام، كما صرح به في "المجموع" في (باب ما يوجب الغسل).

ومنها: أن يستتر عن العيون؛ للأمر به في خبر أبي داود وغيره، ويحصل بمرتفع ثلثي

ص: 197

ذراع فأكثر، بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل إن كان بفضاء أو بناء لا يمكن تسقيفه، فإن كان ببناء مسقف، أو يمكن تسقيفه .. حصل الستر بذلك ذكره في "المجموع"، وظاهر أن محل عد التستر من الآداب إذا لم يؤد عدمه إلى أن ينظر عورته من يحرم نظره إليها، وإلا .. فيجب.

والألف في قوله: (أُرسلا) ببنائه للفاعل أو المفعول و (حسرا) للإطلاق، وفي بعض النسخ:(احسُرا) بلفظ الأمر فألفه بدل من نون التوكيد.

(ومن بقايا البول يستبري، ولا

يَستنج بالماء على ما نزلا)

(لا ما له بُني، بجامدٍ طهر

لا قصبٍ وذي احترامٍ كالثمر)

فيهما ثلاث مسائل:

[ندب الاستبراء من البول]

الأولى: أنه يستبرئ من بقايا البول عند انقطاعه؛ أي: أدباً؛ لئلا يقطر عليه، ويحصل بالتنحنح، ونتر الذكر ثلاثاً؛ بأن يمسح بيسراه من دبره إلى رأس ذكره، وينتره بلطف فيخرج ما بقي إن كان، قال ابن الصباغ وغيره: ويكون ذلك بالإبهام والمسبحة؛ لأنه يتمكن بهما من الإحاطة بالذكر، وتضع المرأة أطراف أصابع يدها اليسرى على عانتها، ويختلف ذلك باختلاف الناس، والقصد: أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شيء يخال خروجه، وأوجب القاضي والبغوي الاستبراء، وجرى عليه النووي في "شرح مسلم" لصحة التحذير من عدم التنزه من البول.

[عدم الاستنجاء بالماء على ما نزل منه]

الثانية: أنه لا يستنجي بالماء على ما نزل منه من بول أو غائط، وبل ينتقل عنه؛ لئلا يترشش به، وهذا في غير الأخلية المتخذة لذلك؛ لانتفاء العلة فيها، ولأن في انتقاله إلى غيرها مشقة، وهذا معنى قوله:(لا ما له بني) أي: لا ما بني لقضاء الحاجة وهو الأخلية المعتادة، فلا ينتقل عنها، ومثلها: المكان المرتفع ونحوه مما يؤمن فيه عود الرشاش.

ص: 198

وخرج بـ (الماء): الحجر؛ لانتفاء العلة فيه، بل قد يكون انتقاله عنه مانعاً من الاستجمار؛ لانتقال الخارج حينئذٍ.

والألف في قوله: (نزلا) للإطلاق.

[إجزاء الاستنجاء بما في معنى الحجر]

الثالثة: أن خصوص الحجر ليس بشرط في إجزاء الاستنجاء به، بل في معناه: كل جامد طاهر قالع غير محترم، وقد أشار إلى القالع بقوله:(لا قصب)، والتنصيص على الحجر في الخبر جريٌ على الغالب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والرِّمَّة؛ أي: العظم، وعلل منع الاستنجاء بالروثة بكونها ركساً، لا بكونها غير حجر، وإنما تعين الحجر في رمي الجمار، والتراب في التيمم؛ لأن الرمي لا يعقل معناه، بخلاف الاستنجاء، والتراب فيه الطاهرية والطهورية ولا توجدان في غيره، بخلاف الإنقاء يوجد في غير الحجر.

وخرج بما ذكره: المائع غير الماء، والنجس، والمتنجس، وغير القالع؛ كالقصب الأملس والزجاج، والمحترم كالمطعوم، ومنه: العظم، وجلد المذكي ما لم يدبغ، وما كتب عليه علم محترم وجلده، وحيوان وجزؤه المتصل به؛ فلا يجزئ الاستنجاء بواحد مما ذكرن ويعصي به في المحترم.

[تفصيل بديع في حكم الاستنجاء بالثمر والفواكه]

وقد مثل المصنف المحترم بالثمر، وقد قال الماوردي كما نقله النووي في "مجموعة" واستحسنه: وأما الثمار والفواكه

فمنها: ما يؤكل رطباً لا يابساً كاليقطين .. فلا يجوز الاستنجاء به رطباً، ويجوز يابساً إذا كان مزيلاً، ومنها: ما يؤكل رطباً، ويابساً، وهو أقسام:

أحدها: مأكول الظاهر والباطن؛ كالتين والتفاح والسفرجل .. فلا يجوز برطبه ولا بيابسه.

والثاني: ما يؤكل ظاهره دون باطنه؛ كالخوخ والمشمش وكل ذي نوى

فلا يجوز بظاهره، ويجوز بنواه المنفصل.

والثالث: ما له قشر ومأكوله في جوفه

فلا يجوز بلبه، وأما قشره: فإن كان لا يؤكل رطباً ولا يابساً كالرمان

جاز الاستنجاء به، سواء كان فيه الحب أم لا، وإن كان رطباً ويابساً

ص: 199

كالبطيخ .. لم يجز في الحالين، وإن أكل رطباً فقط كاللوز والباقلاء .. جاز يابساً لا رطباً. انتهى.

والمراد بالمطعوم: مطعوم الآدمي، أو ما اشترك فيه الآدمي والبهيمة ولو على السواء، وإنما جاز بالماء مع أنه مطعوم؛ لأنه يدفع النجس عن نفسه، بخلاف غيره.

وقوله: (بجامد) متعلق بقوله: (مسحة) أو (بسائر) من قوله فيما مر: (بكل مسحة لسائر المحل).

* * *

ص: 200