الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الأَطِعمة
أي: حلها وتحريمها، قال تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الآية، وقال تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أي: ما تستطيبه النفس وتشتهيه، ولا يجوز أن يراد الحلال؛ لأنهم سألوه عما يحل لهم، فكيف يقول: أحل لكم الحلال؟ ! وقد أشار الناظم إلى بيان شيء منها فقال:
(يَحِلُّ مِنها طاهِرٌ لِمْن مَلَكْ
…
كَمَيْتَةٍ مِن الجَرَادِ والسَّمَكْ)
(وما بِمَخْلَبٍ ونابٍ يَقْوَى
…
يَحْرُمُ كالتِّمسَاحِ وابْنِ آوَى)
(أو نَصِّ تَحْرِيمٍ بِهِ أو يَقْرُبُ
…
مِنهُ كَذَا ما استخبثته العَرَبُ)
(لا ما اسْتَطَابَتْهُ وللمُضْطَرِّ حَلْ
…
مِنْ مَيْتَةٍ ما سَدَّ قُوَّةَ العَمَلْ)
فيها ثلاث مسائل:
[بيان ما يحل من الأطعمة]
الأولى: يحل من الأطعمة طعام طاهر لمن ملكه، سواء أكان جماداً أم حيواناً، سمكاً أو حيوان بر مذكى؛ لأنه من الطيبات، بخلاف غير الطعام؛ كزجاج وحجر وثوب، ومخاط وبصاق، وبخلاف النجس؛ كدقيق عجن بماء نجس وخبز.
نعم؛ دود الفاكهة والجبن والخل ونحوها، يحل أكله معها وإن مات فيها لا منفرداً، والطعام الطاهر كميتة من الجراد والسمك؛ وهو ما يعيش في البحر، وإذا خرج منه. . كان عيشه عيش مذبوح وإن كان نظيره في البر محرماً ككلب؛ وذلك لخبر:«أحلت لنا ميتتان» ، ولقوله تعالى:«أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ» [المائدة: 96]، ولخبر:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» .
قال في "الروضة" و"أصلها": ويكره ذبح السمك، إلا كبيراً يطول بقاؤه، فبسن ذبحه إراحة له.
ومذكى البر: ما يستطاب ولو ذبح لغير مأكلة مع الجنين الذي وجد ميتاً في بطنه، أو خرج متحركاً حركة مذبوح، سواء أشعر أم لا إذا ظهرت صورة الحيوان فيه، وفي "الروضة" و"أصلها" عن الجويني: لو بقي الولد بعد الذبح زمناً طويلاً، يتحرك في البطن، ثم سكن .. حرم ولو خرج رأسه، وبه حيتة مستقرة.
قال البغوي تبعاً للقاضي: لا يحل إلا بذبجه، وقال القفال: يحل، وصححه النووي.
ويحل العضو الأشل من المذكى.
والذي يحل من حيوان البر: كضبع وأرنب، وفنك ودلق، وثعلب وقاقم، وأم حبين وحوصل، وزاغ وبربوع، ووبر ودلدل، وبنت عرس وقنفذ، وضب وكركي، وإوز ودجاج، وكل طير ذي طوق؛ كزرزور وعصفور، وصعوة ونغر، وعندليب وبط، وسمور وسنجاب، وظبي ونعام وبقر وحش وحماره، فتحل كلها؛ لأنها من الطيبات.
[ما يحرم من الحيوان]
الثانية: يحرم من الحيوان ما يتقوى بمخلبه – بكسر الميم – من الطير؛ كالباز والصقر والشاهين؛ والنسر والعقاب، ونحوها من جوارح الطير، أو يتقوى بنابه؛ كالتمساح وابن آوى بالمد بعد الهمزة؛ وهو فوق الكلب، طويل المخالب والأظفار، فيه شبه من الذئب، وشبه من الثعلب والأسد.
وخرج بقوله: (يقوى) به: ما نابه ضعيف كضبع وثعلب.
ويحرم أيضاً ما لم سم وإن لم يكن له ناب كحية، أو له إبرة كعقرب وزنبور؛ لضررها، وما أمر الناس بقتله، أو نهوا عن قتله، فالأول كالحدأة والفأرة، والغراب الأبقع والأسود
المسمى بالغداف الكبير، والعقعق والوزغ، والثاني كالخطاف والصرد، والهدهد والبغائة، والببغاء والبوم، واللقلق والنمل السليماني، والنحل والضفدع؛ لسقوط حرمته بذلك، وإلا .. لجاز اقتناء الأول، وذبح الثاني للأكل.
أو نص الكتاب أو السنة على تحريمه؛ كخبر أبي داوود بإسناد على شرط مسلم: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل)، أو يقرب منه كالمتولد من الحمر الأهلية وغيرها.
والمتولد من شيء له حكمة في التحريم، والمتولد من مأكول وغيره .. حرام.
وكذا يحرم ما اتسخبثته العرب – بضم العين، وإسكان الراء، وبفتحهما – مما لا نص فيه، في الحالة الرفاهية إذا كانوا أهل يسار وطباع سليمة، وإنما اعتبر بهم؛ لأنهم المخاطبون أولاً، ولأن الدين عربي، والنبي صلى الله عليه وسلم عربي.
واحترزوا بحال الرفاهية عن حال الضرورة، وبالطبع السليم عن طبع أهل البوادي؛ الذين يتناولون ما دب ودرج، ويعتبر أيضاً ألا تغلب عليهم العيانة الناشئة من التنعم.
قال الرافعي: وذكر جماعة أن العبرة بالعرب الذي كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم"؛ لأن الخطاب لهم، ثم قال: ويشبه أن يرجع في كل زمن إلى عربه، وما قاله أولا .. هو منصوص الشافعي رضي الله تعالى عنه، ومراده بما قاله ثانياً: أن يرجع في كل زمن إلى عربه فيما لم يسبق فيه كلام العرب الذين كانوا العرب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك قد عرف حاله، واستقر أمره.
والمستخبث لكم كالحشرات، وهي صغار دواب الأرض؛ كالذباب والنمل والنحل، والضفدع يكسر الضاد والدال على الأشهر، والسرطان والسلحفاة بضم السين وفتح اللام.
ولو جهل اسم حيوان .. سئل العرب عنه، وعمل بتسميتهم له، فإن سموه باسم حيوان حلال .. حل، أو حرام .. حرم، فإن اختلفوا .. اتبع الأكثر، فإن استويا .. فقريش؛ لأنهم قطب العرب، فإن اختلفوا ولا ترجيح أو شكوا، أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب، أو لم يكن له عند الجميع اسم .. اعتبر بالأشبه به صورة أو طبعاً أو طعماً، فإن لم يكن له شبه، أو
تعادل الشبهان .. فالأصح في "أصل الروضة" و"المجموع": الحل؛ لظاهر قوله تعالى: {قل لا أجد ما أوحى إلى محرما على طاعم} الآية [الأنعام: 145]، والظاهر الاكتفاء يخبر عدلين منهم؛ كما في جزاء الصيد.
[حل الميتة للمضطر]
[الثالثة]: ويحل للمضطر المعصوم – أي: يلزمه – الأكل من ميتة؛ كلحم خنزير ما يسد رمقه؛ وهو: القوة على العمل إذا لم يجد حلالاً يأكله، وخاف على نفسه موتاً، أو مرضاً مخوفاً، أو أجهده الجوع، وعيل صبره، أو جوز تلف نفسه وسلامتها على السواء، أو نحو ذلك، قال تعالى:{فن اضطر غير باغ ولا عاد} [النحل: 115] أي: سد الجوعة {فلا إثم} [البقرة: 173].
واستثنى قتل طفل أهل الخرب، ومجنونهم ورقيقهم وخنثاهم وأنثاهم؛ ليأكلهم إذا لم بجد غيرهم، وامتناع قتلهم في غير حال الضرروة؛ لحق الغانمين لا لعصمتهم، وله قتل الحربي والمرتد، وتارك الصلاة، والزاني المحصن، ولو بغير إذن الإمام، وإنما اعتبر إذنه في غير حال الضرورة؛ تأدباً معه، وحال الضرورة ليس فيها رعاية إذن الإمام، وإنما اعتبر إذنه في غير حال الضرورة؛ تأدباً معه، وحال الضرورة ليس فيها رعاية أدب، فلو لم يجد إلا آدمياً معصوماً ميتاً .. حل أكله؛ لأن حرمة الحي أعظم، إلا إذا كان الميت نبياً .. فلا يباح؛ كما قاله المروذى، وكذا إذا كان مسلماً والمضطر ذمياً على القياس في "الروضة".
وإذا أبحنا ميتة الآدمي المعصوم .. فال الماوردي: يحرم طبخه وشيه؛ لما فيه من هتك حرمته مع اندفاع الضرر بدونه، ويتخير في غيره، وله قطع بعضه لأكله إن فقد الميتة ونحوها، وكان الخوف في قطعه أقل من الخوف في ترك الأكل، ويحرم قطعه لغيره، وقطعه من معصوم لنفسه.
ولو وجد طعام غائب .. أكل منه ما يسد رمقه، وغرم قيمته، أو حاضر مضطر .. لم يلزمه بذله إن لم يفضل عنه، فإن آثر مسلماً .. جاز بخلاف الكافر، وإن كان ذمياً أو غير مضطر ..
لزمه إطعام مسلم أو ذمي أو نحوه، فإن منع .. فللمضطر قهره وأخذ الطعام، وإن قتله .. فلا شيء في قتله، إلا إن كان مسلماً والمضطر غير مسلم، ثم المقهور عليه ما يسد الرمق.
وإنما يلزمه بعوض ناجز إلا حضر وإلا .. فبنسيئة، ولا يلزمه بلا عوض؛ فلو أطعمه ولو يذكر عوضاً .. فالأصح: لا عوض؛ حملاً على المسامحة المعتادة في الطعام، سيما في حق المضطر، ولو وجد مضطر ميتة وطعام غائب، أو محرم ميتة وصيداً .. أكلها، وإنما يجب عليه شراء الطعام بثمن مثله، أو بزيادة يتغابن بمثلها.
وقول الناظم: (سد) بالسين المهملة أو المعجمة، وقال الطبري في "شرح التنبيه": إعحامها أنسب من إهمالها.
* * *